صعب عليك أوديسيوس
مهداة للمبدع المغربى : دريسى مولاى عبد الرحمن
:" ومالنا و هيلين ؟!!".:" مالنا .. غريب أمرك أوديسيوس ".
:" وما وجه الغرابة سيدي ومليكى ؟!!".
:" أقول أختطفها باريس ابن بريام ملك طروادة ".
:" لكنى أعرف باريس ، إنه أجبن من أن يفعلها . هي ذهبت معه ".
رداء بينلوبى سوف ألبس ، نعم ألبسه ، لم لا . كيف سمحت لك بالمغادرة ؟! كيف هنت عليك ، عن بيتنا ابتعدت . كل ركن فيه شاهد . كل لحظة فيه ، كل أثاثه ، صخبه و صمته ، شاهد على مولد عبقري ، فى ذات ليلة ، وقت تخلق القمر ، تخلقتُ من عدم .. نعم من عدم ؟!!.. كيف أصبر على فراق فرض على .. و عليك . أنا أوديسيوس ، هنا أنتظرك ، ثوبا أغزل بدلا عنك ، و نساء أطارد .. نعم ، لهن لن أسمح بشغل دقيقة ، هي لك ، بكل تأكيد لك ، حقك في ، حقك على ، لهن لن أسمح ، بمنعي من رحيل إليك ، حيث تكونين ؟!
هل أزف الوقت .. بينلوب ، هل انتهت حرب مقدسة ، أعلنها الغبي أجاممنون ، انتصارا لرجولة له على ممالك ، و ملوك استجابوا لدعوته ، مثل خراف ملعونة ؟! يحشد عالما لأجل امرأة طائشة ، لنهم يسكن فاسده ، وعنترية ظامئة لدم بشرى ..نعم ، كان لا بد أرفض ، لست شاة ، عجلا أو بغلا يسحب ، ما كنت أدرى ، يدبر كارثة هو ، أجاممنون اللئيم ، يدعى أن آلهته أخبرته ، بضرورة رحيل بينلوبى ، مع حملته بديلة عن أوديسيوس.
:" أنت تهذي أوديسيوس .. تهذي !!".
:" أنا أهذى .. أستطيع محاربتهم بينلوب .. وحدي ".
:" لا حبيبي .. بل نساير الأمر ، ونرضخ لحكم الآلهة ".
:" أية آلهة ؟ هذا زعمهم .. أفيقي سيدتي ".
:" وحق محبتي لك أعرف ، أفهم ، لكنى أخشى عليك .. أخشى !!".
أخاف أنا ، أخاف نعم .. أمعقول ؟! أيدير رأسك أحدهم ؟! الرحلة طويلة ، و مهلك ذا السفر ، الأبطال يملأون الأسطول ، و أنا هنا قعيد .. قعيد .. كيف سمحت لك ، كيف ارتضيت ، أكون للغزل هنا ، أنسج الساعات و الأيام ، و أعود لنقضها ؛ ليبدأ نهار آخر ، وأحلام أخرى ؟! و أنت ، أنت بعيدة ، لا أدرى ، ربما أعرف كم تقتاتين حزنا ووجعا .. نعم ، لكن عواصف و أنواء ، قادرة على سلوى ، و نسيان أوديسيوس ، حبيب تعشقين !
هاهو وجهك ، هاهي أنفاسك تهاجمني ، هاهي صورتك ، بينلوب ، أريدك ، أكاد أهلك حنينا و شوقا ..آآآآآآآآآآآآه . كيف أواجه نفسي ، كل يوم ، كل ساعة . تعبت كثيرا ، لابد أفعل شيئا ، عاجزا لن أظل ، مكبلا أعيش ، أموت كل ساعة ، كل لحظة .. لا .. لا . أجاممنون أيها الجبان ، مميتة رحلتك ، و غير مقدسة حربك ، غير شريفة ، و أنا ملوث هنا ، ملوث بالرفض ، لن أنتظر ، إنى قادم إليك . أنت تريد سلطانا ، لص حقير أنت ، إذ سمحت لنفسك ، خديعة طيبة وكورنثا وأسبرطة ، أوربا كلها ، تريد آسيا ، ذليلة تريدها ، تحت قدميك راضخة ، وهم ، شركاؤك ، هل تقاسمهم ؟! لن تقاسم أحدا. أنا أعرفك ، أنا رأيتك ، جيدا عرفتك ، لن أمارس دورا ليس لي ، و غزلا و نسجا أرتضى هاهنا ، حتى تعود بينلوبى ، نعم ..الآن أرحل ، لابد مدركها أنا ، و عودة بها تكون إلى هنا ، إلى بيتها .. لا تراجع ، بدونها حياة لي مستحيلة .
أجاممنون ، إني قادم إليك .. قادم إليك ، لا بد من مواجهتك ، ومواجهة رجال حملتك ، وكشف مزاعم لك ساقطة ، كفاك تخريبا ، قتلا ، كفاك دماء ، آن أن تذهب ، ويذهب معك زوج مغدور ، إلى الجحيم .أنا أوديسيوس ، أقول لك ، لابد من رحيل ، عن هذه الحملة ، بل عن الدنيا كلها ، لن أزرع شتلات انتظاري ، كل صباح ، وكل مساء ، نعم ، بينلوبى .. بينلوبى ، إني قادم إليك .. قادم ، قبل أن يطلق ترهاته ، فى كل الدنيا ، سوف يشهر بي ، و ربما منع عنى الكلأ ، و الماء ، أخضع الجميع ، و أبعدهم عنى ، فلا بيع و لا شراء ، لا .. لن أنتظر ، ويل أوربا ، ويلها منتهافت ملوكها ، كذبهم ، عشقهم للدم ، السرقة ، السرقة والنهب .. بينلوبى .. بينلوبى !!
هاهو طيفها يأتي من بعيد ، من هناك ، من قلب البحر:" أوديسيوس حبيبي ".
ارتج جسمي ، ارتجف بقوة :" من .. أمعقول .. أنت .. أنت ؟!".
تحلق في ضبابة كملاك هائم :" نعم .. أنا .. ألا تصدق ، روحي معلقة بروحك ، أوديسيوس العظيم ، ملئت بك حد الهلاك ".
هنا . لم أستطع تماسكا ، طرت ، حلقت ، عانقت طيفها :" إني قادم .. قادم ".
تهللت راقصة ، و هي تتراجع ، تختفي ، بينما أندفع ، ألقى بنفسي للبحر ، متناسيا أمر الرحلة ، عظم المسافة ، متناسيا أمر آريس ، و الإله زيوس ، كل الآلهة تناسيت ، ليس معي ، سوى صورة حبيبتي ، مجدافا ، و قاربا ، و طوق نجاة ، لرحلة صعبة ، قد أعود منها مهزوما .. على كل حال !!
من المجموعة القصصية "قرن غزال"
صدر عن دار رؤى
تعليق