حفلـــــــــــة تكريـــــــــــم
يأخذ الأسطى منصور الشنطة السامسونايت من يد الأستاذ (توفيق) ويضعها
بسرعة شديدة علي الكرسي الأمامي..ويفتح باب السيارة الخلفي ليركب الأستاذ
توفيق كعادته كل يوم منذ أكثر من عشرين سنة.. وتنطلق السيارة..وكالعادة يقف
الأسطى منصور أمام بائع الجرائد ـ وبسرعة يعطيه البائع الجرائد ـ ليعطيهم
بدوره للأستاذ توفيق.. وتقطع السيارة الطريق في هدوءـ وكأنها ليس بداخلها أحد
- عادة الأستاذ توفيق ألا يتحدث كثيراً خاصة في الصباح ـ وأخذ عنه الأسطى
منصور هذه العادة من هذه المدة الطويلة التي يقود له فيها سيارة المصلحة.. لكن
تقطع هذا الهدوء تنهيدة عميقة من صدر الأستاذ توفيق فتخترق أذن الأسطى
منصور الذي يقول له بتأثر شديد: ستوحشنا والله يا أستاذ توفيق.!! ويغلق الأستاذ
توفيق الجريدة التي في يده ويطلق تنهيدة أخرى عميقةـ أعقبتها ابتسامة هادئة
تواري خلفها مرارة بلوغه اليوم سن الإحالة إلى المعاش..!! أحب الأسطى
منصور أن يواسيه ويخفف عنه ذلك الإحساس ـ من خلال ابتسامة عريضة..
حضرتك اليوم يا سيادة المدير ماحدش قدك ـ هاتتعملك حفلة تكريم ماحصلتش
الواحد كان نفسه يحضرهاـ لكني ...! عندي مشوار مهم..!! ويضحك الأستاذ
توفيق وتختلط قهقهته بسعاله وهو يقول للأسطى منصور : ماتخافش على نصيبك
من الحلويات يا منصور.. عند رجوعك ك فوت عليَّ في المكتب .. تصل السيارة
إلى باب المصلحة … وينزل الأسطى منصور بسرعة كي يفتح باب السيارة
للأستاذ توفيق ويدخل يده من الشباك الأمامي للسيارة ويعطيه الشنطة.. ويركب
السيارة مرة أخرى ذاهبا ً مشواره المهم..!!
* يصعد الأستاذ توفيق درجات السلم القليلة وحده لأول مرة.. ويقف في انتظار
المصعد الذي سيقله إلى الدور السادس حيث مكتبه.. لكن الانتظار يطول.!!
المصعد معطل… وتزداد الأعداد أمام باب المصعد وحول المدير.. ويطلب منهم
عامل المصعد أن يقفوا في طابورـ حتى يتم إصلاحه .. ويقترب من الأستاذ
توفيق قائلاًوهويقدم له كرسيا ً : إستريح هنا يا سيادة المدير.. و يتم إصلاح
المصعد في نفس اللحظة التي يصل فيها الأسطى منصور(سائق المدير) و..
بصحبته ( المدير الجديد ) حاملا ً له حقيبته السمسونايت..! يقف الأستاذ توفيق
في المصعد يحيط به بعض الموظفين.. يتخطى الأسطى منصور الطابور ـ ويمد
يده وهو منحنيا ًفي احترام شديد قائلا ًللمدير الجديد: إتفضل يا سعادة البيه
المدير .. وما أن سمع الموظفين الذين يلتفون حول الأستاذ توفيق كلمة المدير-
حتي أسرعوا وتجمعوا حوله قبل أن تطأ قدماه المصعد..وأخذوا يحيونه ويقدمون
له أنفسهم الواحد تلو الآخر .. ويهنئونه بالمنصب الجديد.. ويهنئون أنفسهم به ..
وكيف أن المصلحة كان ينقصها وجود سيادته .. و..و ..!! ولأول مرة يجد
الأستاذ توفيق نفسه وحيداً منذ أن عمل في هذه المصلحة – ومنذ أن قوبل بمثل
تلك الحفاوة البالغة – مع اختلاف واحد هو أنه أتي إلى المصلحة بعد أن ترك
المدير القديم المصلحة..!! يقول محدثا ً نفسه : هذه هي سُنة الحياة – وتكفي تلك
الهدايا التذكارية والصور التي سأخذها اليوم أثناء الاحتفال بتكريمي .. ويختلس
نظرة إلى المدير الجديد الذي رآه مازال يحتفظ بشباب واضح رغم تخطيه سن
الأربعين بسنوات.. والذي بدى أنيقا ً للغاية00!! ويقف المصعد عند الدور
السادس .. وينزل المدير الجديد ومن خلفه الأسطى منصور .. ومن خلفهما عدد
من الموظفين ... ومن خلفهم الأستاذ توفيق00!!
*الزينات معلقة بالبهو – وعدد من المناضد مرصوص عليها الحلوى
والجاتوهات والمشروبات الباردة والساخنة .. ومن حول تلك المناضد عددا ً
كبيرا ً من الكراسي – فشعر بسعادة كبيرة لهذا الاهتمام الكبير إحتفاءا ً به
وبتكريمه00 إقترب بفخر واعتداد من الكرسي الذي يوضع على رأس المنضدة
الكبيرة – الذي من الواضح انه وضع خصيصا ً له.. لكن .. قبل أن يجلس عليه
إقترب منه على الفور أحد الموظفين المعروفين باللباقة وحسن التصرف
وقال له : تفضل أستاذ توفيق بيه على هذا الكرسي – وآشار له على كرسي
موضوع جانبا ً- واستطرد يقول : وسنأتي لسيادتك بأحسن طبق جاتوه وزجاجة
برتقال على كيفك !! و.. يدخل المدير الجديد ويتصدر رأس المنضدة الكبيرة ..
و...أتيت أهلا ً وحللت سهلا ً.. والموظفون يقدمون له أنفسهم.. ويلتقط أحدهم
بكاميرته الصور التذكارية ..!!
* لم يجد الأستاذ توفيق أحد ينظر ناحيته .. أوأحد يشعر بوجوده..!!
* تقف الدموع في مآقيه وهو يقف أمام باب المصلحة في انتظار تاكسياً يقله إلى
بيته .. وتسيل دمعة حارة من عينه.. وقبل أن تسيل الدمعة الثانية يبتسم حين رأي
الأسطى منصور يقف أمامه بالسيارة فاتحاً بابها قائلاً له : إتفضل يا توفيق بيه
سأوصل سيادتك .. وأيضا ًسأعزمك في الطريق على جاتوه تكريما ً لسيادتك كي
تتذكرني بها.. ومد يده في جيبه وأخرج ( مسبحة ) جديدة متواضعة وقال له :
أرجوا أن تقبل مني هذه يا توفيق بيه ..! يمسك الأستاذ توفيق المسبحة .. وقد
ترقرقت عينيه بالدموع ..!!
تمـــــــــــــت
تعليق