من ملفاتي (4) مش أنا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد العزيز عيد
    أديب وكاتب
    • 07-05-2010
    • 1005

    من ملفاتي (4) مش أنا

    مش أنا
    استيقظ عمرو من نومه في السابعة صباحا نشيطا متفائلا كعادته ، منذ أن تم تثبيته مؤخرا في وظيفة تتناسب مع مؤهله وطموحاته فضلا عن دخلها الوفير وراتبها العالي ، فارتدى أحلى ثيابه وتعطر بأجمل عطوره ، وألقى تحية الصباح على إخوته ، وطبع على جبين والديه قبلة البر والطاعة ، ونزل مسرعا ليلحق بالسيارة التي تنتظره على ناصية شارعه لتقله مع باقي زملائه إلى العمل .وما إن وطأت قدماه أرض الشارع وعلى بعد أمتار قليلة من منزله ، فوجي بطفلة صغيرة لا يكاد عمرها يتجاوز العشر سنوات تشير إليه وهي تقول لأمها ( هو ده يا ماما ) ، وبمجرد أن سمعت الأم هذه الجملة من ابنتها انقضت على عمرو ممسكة بثيابه الأنيقة وراحت تكيل إليه وصلات متنوعة من الشتائم والسباب وتتهمه بأحقر الاتهامات والنعوت ، وأمام هول المفاجأة لم يزد عمرو على أن يقول ( مش أنا ) .
    وإذ كان من حسن حظه الوحيد أن ما حدث كان على بعد أمتار قليلة من منزله ، فقد تجمع أفراد أسرته جميعا حوله وبعض من الجيران الذين يرونه مثالا للشاب الخلوق المتدين ، ونزعوا يد المرأة وابنتها عنه ، ثم علموا منها أن عمرو يترصد لأبنتها كل صباح ويراودها عن نفسها ، ويختلي بها خلف هذا الجدار ليهتك عرضها ويتحسس مواطن العفة من جسدها ، بل ولعله يكون اغتصبها . وعمرو يقول ( مش أنا )
    فوقع القول على الجميع موقع الذهول والمفاجأة ، واندفعوا جميعا يدافعون عن فتاهم ويصدون المرأة عن قولها صدودا ، وهي تصر عليه إصرارا وتبكي بدمع العين أنهارا ، فلم يكن من بد إلا الذهاب إلى قسم الشرطة ليتولى هو حسم هذه المشكلة ، وتولى القسم التحقيق المبدئي ثم عرض الأمر على النيابة المختصة ، وبعد التحقيق وسماع جميع الأقوال ، وأمام إصرار البنت وأمها ، وإنكار عمرو ومحاولة محاميه إخلاء سبيله ، قرر وكيل النيابة حبس المتهم أربعة أيام على ذمة التحقيق مع مراعاة التجديد . ثم ذهب كل إلى حال سبيله ، وذهب عمرو إلى محبسه الاحتياطي .
    وفي اليوم الثاني من الأيام الأربعة فوجئت أسرة عمرو بذات الأم وذات الابنة يقفان على باب شقتهم يطلبان الإذن بالدخول ، فهموا أن يفتكوا بهما لولا حكمة الأب الذي امتص عضبهم وسمح لهما بالدخول ، وقد تولدت لديه في ذات اللحظة فكرة مساومة هذه الأم لكي تتنازل عن القضية مقابل مبلغا من المال لعل ذلك يخفف عن ولده العقوبة القضائية . وتنتفع هي بالمال خاصة مع حالة الفقر والعوز البادية على هيئتها وهيئة ابنتها ، فدخلت الأم وبعد مقدمات ومواساة واعتذارات قالت لهم ، ابنكم عمرو ليس هو الفاعل وإنما الفاعل شخص آخر لم نعرفه بعد ، وما اضطر ابنتي إلى أن تتهم عمرو إلا خوفها مني وإصراري على أن تجد هذا الشخص الجبان الذي فعل معها ما فعل وكرر فعلته أكثر من مرة ، انتفضت أم عمرو من جلستها وهرولت إلى باب الشقة تصرخ في الجيران ليجتمعوا ثم يسمعوا ليكونوا شهودا ، وحضر الجيران وأمامهم أعادت الأم ما قالت وبرئت عمرو مما نسبته ابنتها إليه ، فطلبوا منها جميعا أن تذهب من فورها إلى النيابة لتقول ما قالت وتكذب ما ادعت ، وذلك بعد أن طمأنوها وتعهدوا لها بأنهم لن يعودوا عليها ببلاغ كاذب أو تعويض .
    وأمام النيابة تم الإدلاء بالأقوال الجديدة التي تبريء الفتى وترد إليه اعتباره وكرامته ، وبناء عليه قرر وكيل النيابة إحضاره من محبسه فورا ليفرج عنه في التو واللحظة ما لم يكن مطلوبا على ذمة قضية أخرى ، وكاد وكيل النيابة أن يأمر بحبس المرأة التي ادعت على الفتى ما ادعت لولا إصرار أسرته على التنازل عن حقوقهم قبلها واكتفوا بظهور براءته .
    وليذهب الجميع إذن إلى القسم لاستكمال إجراءات الإفراج عنه مالم يكن مطلوبا على ذمة قضية أخرى ، وهناك بدأ الضابط المنوط به اتخاذ إجراءات الإفراج يبحث بحثا روتينيا سريعا عن ثمة قضية أخرى ليكتب في أوراقه عدم وجود ما يمنع من الإفراج عنه ، وما هي إلا لحظات حتى توقف الضابط عند اسم معين ، عاود معه النظر إلى بطاقة عمرو الشخصيـة ( الورقية ) ليقارن بين الاسمين ليجدهما متطابقين تماما ، ليعلن عندئذ عن وجود قضية أخرى محكوم فيها غيابيا على عمرو بالحبس ستة أشهر وكفالة لوقف التنفيذ . فألجمت المفاجاءة عمرو فلم يزد على أن يقــول ( مش أنا ) .
    إلا أنه أرغم على عمل المعارضة وتحدد لنظرها جلسة أمام المحكمة التي أصدر الحكم الغيابي ، وهي محكمة تبعد عن دائرة موطن عمرو ومحل سكنه عشرات الكيلومترات .
    وبدأ عمرو مع محاميه رحلة البحث عن براءته في هذه القضية ، فكان أول ما فعله المحامي هو الإطلاع على القضية المحكوم فيها ، فلم يجد إلا محضر الشرطة المبين به بيانات المجني عليه وأقواله ، وليس من أي بيانات تفصيلية عن المتهم الحقيقي إلا اسمه ومحل سكنه ، وبيانات المتهم هذه لا تكفي لبراءة عمرو، إذ كان لابد للمحامي أن يثبت أن الاسمين متشابهين . وآني له هذا الإثبات وليس من أوراق أو مستندات يمكن مضاهاتها والمقارنة بينها .
    فطرأت على ذهن المحامي فكرة الذهاب إلى المجني عليه لعرض الأمر عليه ، حتى إذا علم أن عمرو ليس هو المتهم الأصلي ذهب معهم إلى المحكمة ليبرئه ، وراقت الفكرة لعمرو ووالده ، فحدد الثلاثة موعدا للذهاب إلى المجني عليه . فالتقوه بعد مشقة وعناء ، فوجدوا رجل في نهاية العقد السادس من عمره ، بدا من ملامحه ومظهره سخطه على الحياة وغضبه على الناس جميعا ، فتقدموا إليه على وجل وحذر، وحادثوه على مهل وتؤوده . فتفهم موقفهم ووعدهم بالحضور إلى المحكمة ليقرر أمامها أن هذا الفتى الخلوق الوديع ليس هو المتهم الحقيقي ، وطلب منهم أن يعودوا إليه قبل موعد الجلسة بيوم أو يومين للتأكيد على موعدها ، لأنه كثير النسيان بحكم السن وبحكم عبثية الحياة ومللها .
    وقبل الجلسة بيومين ذهب عمرو وحده إلى الرجل ليذكره بموعد الجلسة ، والتقى به بعد عناء ومشقة أيضا ، وما إن راءه الرجل حتى انقض عليه وراح يكيل إليه وصلات من السباب والشتائم ، مدعيا أن عمرو اتفق مع المتهم الحقيقي على أن ينتحل شخصيته أو يستغل تشابه الاسمين ، فيتمكن من استصدار حكم يبرئه ، فألجمت عمرو المفاجاءة مرة أخرى ، فلم يزد على أن يقــــول ( مش أنا ) .
    وبصعوبة نزع الناس يد الرجل عنه وطلبوا من عمرو أن يعود إلى حال سبيله .
    وإزاء ذلك حضر المحامي الجلسة وقد رتب نفسه ودفاعه ومرافعته على المستندات التي توافرت لديه ، وقال ما قال أمام المحكمة وجاهد لإثبات صحة موقف موكله ، وطلب طلبا احتياطيا هو إعلان المجني عليه بالحضور للتقرير بأن المتهم الماثل ليس هو المتهم الحقيقي . وأرجأت المحكمة القرار لأخر الجلسة ، ثم أصدرت قرارها بعدم جواز نظر المعارضة للتقرير بها من غير ذي صفة ، وما إن علم عمرو بالقرار وفهم أنه تبرئة لموقفه ، حتى تنفس الصعداء وحمد الله كثيرا ، وشكر المحامي ( صديقه ) على مجهوده معه ، فطلب منه الأخير باقي الأتعاب . فابتسم عمرو وكان لم يبتسم منذ ما يربو على ستين يوما ، ثم ضحك حتى بدت أسنانه ، ثم قهقه حتى سمع الناس قهقهاته ، ثم سكت ، ثم نظر ، ثم قــال ( مش أنا )
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد العزيز عيد; الساعة 23-05-2010, 00:37.
    الأحرار يبكون حريتهم ، والعبيد يبكون جلاديهم
  • أسماء المنسي
    أديب وكاتب
    • 27-01-2010
    • 1545

    #2
    ملف جميل أستاذ عبد العزيز
    ولكن لي تحفظ بسيط
    وهو
    أن هناك كلمات وتعبيرات مستخدمة في غير محلها ولا داعي من وجودها

    إذا أزعجك هذا التحفظ
    فـ لست أنا قائلته
    هههـهههـههه


    شكرا
    دمتَ بود
    [align=right]
    علمتني الإرادة أن أجعل حرفي يخاطب أنجما
    ويخطُ كلمات ترددها السماء تعجبا
    تأبى معاني الشعر إلا أن ترا
    حروف صاغتها الإرادة تبسما
    [/align]

    تعليق

    • عبد العزيز عيد
      أديب وكاتب
      • 07-05-2010
      • 1005

      #3
      الأخت العزيزة / أسماء
      أعدت قراءة القصة فلم أجد بها ثمة كلمات أو تعبيرات في غير محلها ، وبعدين اذا لم تكوني أنت قائلته فمن ياترى .
      أسعدني مرورك ، ولك تحياتي
      الأحرار يبكون حريتهم ، والعبيد يبكون جلاديهم

      تعليق

      يعمل...
      X