المارد
لسعته نسمة باردة سرت معها رعشة في جسده ،ذكرته أنه خارج حجرته ، بعيدا عن فراشه الوثير.. راوده حنين مفاجئ لروائح العرق الليلي الممزوجة بعطر الاجساد المتراصة ، استدار وخطى نحو الملهى بخطوات سريعة .. شعر باقدام تطارده..توقف ، نظر حوله..سد من العيون يتطاير منها الشررتحاصره ..شفاه تعلوها ابتسامات ساخرة..أغمض عينيه محاولا الهروب .. راح يعدو كالمجنون و طعم العرق المالح يغرق شفتيه ، يحرق عينيه ، دقات قلبه أصبحت رنين أجراس مفزوعة تشبه جرس المدرسة التي كان يساق اليها بعد أن يقتلع من فراشه اقتلاعا ..وضع إصبعه في أذنه و تمتم "لن أدخل " تمدد عرف الطبشور ، انتصب عمودا صخريا..ضرب العرف بكل قوته، محاولا تفتيته ، لم يستطع بينما ازداد رنين الجرس ارتفاعا، تداخلت الأصوات ..فتح عينيه ببطئ كأنه يخرج من دهليز مظلم .اكتشف آثار الطبشور على هندامه الأنيق..امتدت يده آليا محاولا إزلتها و إصلاح هندامه ، تمتم بعبارات لم يفهم مدلولها،ابتسم و هو يتخيل نفسه مكان ذلك الذي يدعونه معلم ذلك الرجل الذي يتكلم بلغة مضحكة ،حاول استرجاع صورته ،وجهه الشاحب ، عينيه الثاقبتين ،شفتيه ..الاسطوانة التي لا تتوقف ، خطواته التمثالية ،انتابته رغبة مفاجئة للمقارنة بين والده و ذلك المعلم لم يجد وجها للمقارنة بين هيئتيهما.. أيقظه ارتطامه بالجسد العملاق من شروده..فإذا بالأجراس مازالت ترن و العيون الساخرة تحاصره ..نظر حوله ..وجد نفسه في نفس المكان ، مرة ثانية حاول الافلات ، شعر بحبال تشده إلى الخلف .. تحركت شفتاه دون ان يصدر عنها صوت ..نظر الى الجسم العملاق ..اضطرب ..تراجع..تمدد الجسم و مد يدا عملاقة انتزعت منه معطفة الفاخر .. و أخرى مزقت سترته .. تحول الجسد الى إخطبوط بينما وقف مصعوقا ، مدهوشا ، جامدا..فبعد القميص و الحذاء جاء دور سرواله حاول منعه ،راح يشده بقوة يائس ، صرخ مستنجدا فارتد اليه صوته مبحوحا ..بكى و استعطف.. و توسل فصفعته ابتسامة باردة ، انكمش محاولا حماية جسده العاري من لسعات البرد القارص ..لم يعد يهمه انكشاف عورته ..انثنى ، انتابته رعشة حادة.. كان الجسد العملاق يشبه ذلك المارد الذي وصفه المعلم ذات يوم ..استعاد صورة الابتسامة الغريبة على شفتي المعلم ، شعر برغبة تدفع يده نحو عرف الطبشور لكنه تفتت بين أصابعه...استيقظ مفجوعا ليجد نفسه نائما على الرصيف و بجواره أم تبكي و تردد " لم تهذي ..لقد باعوا الدار على رؤوسنا ياولدي ..باع الدار .. باعها بوبكر مخلوفي اكتوبر 91
مخلوفي ابوبكر
تعليق