- و كأني أرى وطني مختزلاً في تفاصيلكَ ؟!
باغتهُ بذاك السؤال المفخخ بكثير من فضولٍ ، ولَهفة .. التفت الغريب ببطء ليصافحه بنظراتِ شك وريبة , وربما دهشة ..
فلم تعتد أذناه معانقة العربية مذ قذفته الأرصفة إلى هذه المدينة البعيدة التي تتنكر لكل غريب يطأها - كمثله - ..
كان السؤال كصفعة توجهها له الذاكرة ليعود عشرين خريفا إلى عمر كاد أن ينسى تفاصيله ..
فجأة ، أخذت الذكريات تتقافز في عقله ، تذكر حين كان يلهو في "بيارة" صغيرة زرع أحلامه فيها و رباها لتكبر وتكبر ..
تذكر طعم الخبز المطهو على فرن النار , وشتائم أمه المغلفة بابتسامة رقيقة بعد سرقة رغيف لم يستطع مقاومة رائحته ..
تذكر عبق الطين العالق في كفيه بعد يوم قضاه يغرس شتلات الزيتون في أرض والِده ..
تذكر غائباً حاضراً ، كان يدعوه .. " وطنه " !
ومرة أخرى ينفجر سؤال آخر يوجعه ,
- من أين أنت ؟!
[ متى كانت آخر مرة نطقت فيها اسمه ؟! ] .. فكر .. وعيناه تطير نحو البعيد ..
- من فلسـ .. فلسطين ..
تلعثم ، واختنقت الحروف في حلقه الجاف .. أنسي كيف تنطق ؟!!!
لم ينتبه لحشرجة صوته المخنوق ، ولا لتلك التنهيدة التي خرجت محمومة محملة بكل الوجع والشوق ..
أي صدفة تلك التي جعلته يقابل حفنة من وطنه هنا ؟؟
أهو تواطؤ الذكرى مع النسيان ؟!
آه ، ما أصعب النسيان ، حين يتعلق الأمر بالوطن !
لم يعد يحس بالأشياء ، كأن روحه فارقته لتحلق فوق ثرى أرضه البعيدة ..
يحاول اختلاس نظرة من بيته القديم / حقل الزيتون / فرن أمه / رمانته التي كانت تخزن أحلامه / شوارع المخيم / أزقة المخيم / وسماء المخيم التي كانت كلما كبر ، ابتعدت أكثر !
لطالما أغرته السماء ، وكثيرا ما حلم بقطف غيمة بيضاء -كروحه- من حقولِها !
وحين اقترب من الحلم / الغيم ، كان محاصرا بجدران طائرة انتزعته من أرضه لتلقي به في غياهب سوداء / كأنه المنفى !
- ما الذي جاء بك إلى هنا ؟!
نظر إليه بعينين مغموستين في طبق من دمع ، وهمس بكل وجع وشوق و سخرية :
نزهة .. إلى قبري !
باغتهُ بذاك السؤال المفخخ بكثير من فضولٍ ، ولَهفة .. التفت الغريب ببطء ليصافحه بنظراتِ شك وريبة , وربما دهشة ..
فلم تعتد أذناه معانقة العربية مذ قذفته الأرصفة إلى هذه المدينة البعيدة التي تتنكر لكل غريب يطأها - كمثله - ..
كان السؤال كصفعة توجهها له الذاكرة ليعود عشرين خريفا إلى عمر كاد أن ينسى تفاصيله ..
فجأة ، أخذت الذكريات تتقافز في عقله ، تذكر حين كان يلهو في "بيارة" صغيرة زرع أحلامه فيها و رباها لتكبر وتكبر ..
تذكر طعم الخبز المطهو على فرن النار , وشتائم أمه المغلفة بابتسامة رقيقة بعد سرقة رغيف لم يستطع مقاومة رائحته ..
تذكر عبق الطين العالق في كفيه بعد يوم قضاه يغرس شتلات الزيتون في أرض والِده ..
تذكر غائباً حاضراً ، كان يدعوه .. " وطنه " !
ومرة أخرى ينفجر سؤال آخر يوجعه ,
- من أين أنت ؟!
[ متى كانت آخر مرة نطقت فيها اسمه ؟! ] .. فكر .. وعيناه تطير نحو البعيد ..
- من فلسـ .. فلسطين ..
تلعثم ، واختنقت الحروف في حلقه الجاف .. أنسي كيف تنطق ؟!!!
لم ينتبه لحشرجة صوته المخنوق ، ولا لتلك التنهيدة التي خرجت محمومة محملة بكل الوجع والشوق ..
أي صدفة تلك التي جعلته يقابل حفنة من وطنه هنا ؟؟
أهو تواطؤ الذكرى مع النسيان ؟!
آه ، ما أصعب النسيان ، حين يتعلق الأمر بالوطن !
لم يعد يحس بالأشياء ، كأن روحه فارقته لتحلق فوق ثرى أرضه البعيدة ..
يحاول اختلاس نظرة من بيته القديم / حقل الزيتون / فرن أمه / رمانته التي كانت تخزن أحلامه / شوارع المخيم / أزقة المخيم / وسماء المخيم التي كانت كلما كبر ، ابتعدت أكثر !
لطالما أغرته السماء ، وكثيرا ما حلم بقطف غيمة بيضاء -كروحه- من حقولِها !
وحين اقترب من الحلم / الغيم ، كان محاصرا بجدران طائرة انتزعته من أرضه لتلقي به في غياهب سوداء / كأنه المنفى !
- ما الذي جاء بك إلى هنا ؟!
نظر إليه بعينين مغموستين في طبق من دمع ، وهمس بكل وجع وشوق و سخرية :
نزهة .. إلى قبري !
تعليق