مدخل :
(1 - 5): ارتبط السرد في السودان، سواء في جنس القصة القصيرة أو الرواية، بالعلاقة الجدلية بين الإنسان , والتاريخ الذي شكله، بوقائعه وأحداثه.. ولأن السودان - إلى حد كبير - جزء من المجال الثقافى العربى في المشرق، أخذ عن العرب، الإحتفاء بالتاريخ «توحد التاريخ والحضارة في المخزون الثقافي للوعي الإجتماعي العربي، أنتج وعيا مبدداً، بالتاريخ والحضارة معا(1)..» وهو ما نلاحظ إنعكاساته، في العلاقات الإشكالية، التي تربط إحداثيات النصوص السردية، خاصة في المقولات التى تنطلق منها (وهى مقولات إجمالا تتعلق بمتناقضات البنى الإجتماعية = الرؤى المختلفة = الدين، العادات، التقاليد، الأساطير، إلخ.. = سؤال الهوية وعلاقة الذات بالآخر..)، وهى مقومات تنهض في التاريخي، بالمعنى اللوكاتشي.. "التاريخي بالنسبة للوكاتش، هو اشتقاق الشخصية الفردية للشخوص، من خصوصية عصرهم التاريخية.. فالهيمنة الفنية على التاريخ، تعنى إمكانية المبدع في تقييم خصوصية الحاضر المباشر، بإيلاء الأهمية الملموسة للزمان والمكان والظروف الإجتماعية، والنظرة إلى الإنسان بوصفه نتاج نفسه، ونتاج نشاطه فى التاريخ، مما يؤدى بالضرورة إلى إعتبار فكرة التقدم الإنساني قانوناً تاريخياً وفلسفياً محسوسا(2)"..وفي هذا الإطار ظلت تجربة السرد في السودان، مسرحا لتداول الرؤى المتباينة والمتنوعة، التي يتقاطع عندها التاريخ, والمجتمع والإنسان، بهاجسه اليومي، وأسئلته الوجودية، والكونية، المحيرة والحارقة.. وتمزقاته في واقع مبني على الإختلاف (التنوع) والخلاف (إقصاء التنوع) = (القطيعة) .. لتمثل حركة السرد في السودان خلال مسيرة تطورها منذ طبقات ودضيف الله (في شأن الأولياء والصالحين) مرورا بملكة الدار محمد عبد الله وإبراهيم إسحق إبراهيم والطيب صالح ومحمود محمد مدنى وكل الأجيال المتعاقبة منذ الأربعينيات، حتى اللحظة الراهنة، إتصالا لهذا التوتر والقلق الإنساني الجمالي، المصنف سرداً..
كما أثر غياب مفهوم الوسط الثقافي، على تجربة السرد في السودان- وشكل عائقا أمام حوار نصوص الأجيال المتعاقبة، بحيث يخلق هذا الحوار تجربة سردية متصلة، يمكن قياس تطور تجربة السرد من خلالها- إذ أن عدم وجود مؤسسات، لتداول المنتج السردي على نحو واسع، وتقييمه ,ومن ثم تحديد قيمته، أسهم في خلق حالة من الإبهام والإرتباك, إزاء تطور التجربة السردية، وهنا أيضا تبرز علاقة التاريخ بالغياب الفاجع لمفهوم الوسط الثقافي! إذ إرتبط هذا الغياب, بقمع أجهزة الدولة الأيديولوجية منذ 1956 حتى الآن..
الأمر الذي دفع بالمبدعين للبحث عن متكآت أخرى، مثلت إنفتاحا للسرد في السودان,على السرد في أمريكا اللاتينية والغرب( سواء باللغة الانجليزية أو لغة الترجمة إلى العربية )، ومما لا شك فيه أن السرد في السودان، قبل إنفتاحه على السرد في الغرب وأمريكا اللاتينية، كانت له تجربة حوار عميقة ومتصلة مع السرد في مصر، والمشرق والمغرب العربىيين بصورة عامة..
وما يبرز كعلامة واضحة أن السرد في السودان- إلى حد كبير - مثل إعادة إنتاج للسرد العربي، بحيث غاب أثر السرد في أفريقيا - الإنتماء الأم - عنه، إلا قليلا!.. وهنا يبرز سؤال الهوية مرة أخرى، ليطل برأسه كأحد الأسئلة الأشد حرقا…
ومنذ خواتيم القرن الماضي، أخذت تتبلور رؤية جديدة حول إتصال التجربة السردية، وإيجاد مؤسسة تعبر عن هذا الإتصال، تمظهرت هذه الرؤية في تجربة نادي القصة السوداني الذي تأسس فى العام 2000 وأصدر إبتداءً من العام 2001م مجموعة ضمت ثلاثين قصة لعشرة كتاب ينتمون لأجيال مختلفة، تتراوح بين الثمانينيات والتسعينيات، وحملت هذه المجموعة إسم (دروب جديدة - أفق أول) ، كما كرر النادي ذات التجربة في العام 2002، بإصداره لأفق ثان لعشرة كتاب آخرين ثم أفق ثالث .. و يميز هذه التجربة ملمحان أساسيان:
1.إعتماد مفهوم العمل الجماعي..
2.الإهتمام بالصوت السردي الجنوبي الصاعد..
وهكذا نجح نادي القصة الوليد في التأسيس لتجربة, فشل الآباء والأجيال التي أعقبتهم- بإستثناء رائد القصة السودانية عثمان علي نور _ منذ الأربعينيات في بنائها..
هجست القصة القصيرة في السودان، بصورة أساسية، بطرح السؤال الجوهري للكتابة: كيف يكون الإنسان، أكثر إنسانية، ليرى كل شيء، فيشيد من هذه الآلام العظيمة، حياة أفضل.. وهو نفس ما عبرت عنه نظرة تشيخوف للحياة التافهة في روسيا.. ومثل هذا السؤال الخلاصة، التي تتقاطع عندها كل الأسئلة الحارقة، إبتداءً من الأسئلة، الخاصة بقضايا المرأة، مروراً بسؤال الهوية ومتناقضات اليومي المعاش….
جنس القصة القصيرة:
يحدد الباحث الشفيع عمر حسنين(3) عدة عوامل أثرت على نشأة القصة القصيرة في السودان يلخصها في : التغييرات السياسية والإجتماعية التي أدت إلى خلخلة النظام القبلي الموروث,ونمط الحياة المستقرة,إلى جانب الأثر الذي أحدثه الموروث الشعبي والأسطورة,يضاف إلى ذلك حركة الأدب في مصر والشام ولبنانوبريطانيا,ثم المترجمات من الروسية إلى العربية والإنجليزية التي كانت في أوج مجدها في السودان ..
ويركز الباحث السوداني الشفيع عمر حسن على الدور التأسيسي للأستاذ معاوية محمد نورفي الثلاثينيات من القرن المنصرم,بوضع دعائم القصة القصيرة في السودان .فمعاوية محمد نور هو أول من كتب القصة القصيرةبمعناها المحدد والمعروف,وإن إعتمد على التحليل النفسي..وبذلك وضع معاوية محمد نور دعائم البناء الذي فتح الطريق واسعا لرائد القصة القصيرة عثمان علي نور ..
وهكذا أنطلقت القصة القصيرة في السودان من خلال مجلتي الفجر والنهضة بعد ذلك -أي منذ أربعينيات القرن الماضى- والتي أستقطبت أسماء عديدة مثل : عبد الحليم محمد,السيد الفيل,حسن أحمد ياسين ومحمد عشري الصديق,إلخ .. فولدت وقد هيمن عليها الإتجاه الواقعي الرومانسي والوجودي، وقد عبرت عن هذه الهيمنة، الكتابات السردية القصيرة، لرائد القصة القصيرة فى السودان (الأستاذ عثمان على نور)، الذي نشر أول مجموعة قصصية قصيرة في السودان(غادة القرية)(3)، وقد إتسمت قصصه وقصص الجيل الذى جايله في الأربعينيات مثل :خليل علي , أبوبكر خالد,وآخرين كثر بإعتماد الحبكة على التعمية والمفاجآت ما جعلها تبدو مفتعلة، وتقريرية أحياناً.. ومنذ عثمان على نور(4) وحتى اللحظة الراهنة مرت القصة القصيرة في السودان بمسيرة طويلة ومعقدة من التلاقح والتطوير والإستلهام، برزت خلالها أسماء عديدة مثل صلاح أحمد إبراهيم في مجموعته «البرجوازية الصغيرة»، وعلى المك في «حمى الدريس» و«هل أبصر أعمى المعرة» , وعيسى الحلو في «ريش الببغاء» و«وردة حمراء لأجل مريم» وبشرى الفاضل في «حكاية البنت التي طارت عصافيرها» و«أزرق اليمامة» وصديق الحلو في «الفصول» و«غصة في الحلق» وسلمى الشيخ سلامة في ( مطر على جسد الرحيل )، وعادل القصاص في ( لهذا الصمت صليل غيابك ) ومبارك الصادق، وأحمد ضحية، وزهاء الطاهر، واستيلا قاتيانو , وبثينة خضر مكى وآخرين كثر.. تقلبوا بين مختلف الإتجاهات والتيارات والمدارس، خلال أكثر من نصف قرن من الزمان، تعبيراً عن سيرورة إنسان يمضي في اللانهاية، بحثا عن قيم الخير الحق والحرية والجمال…
إن ما أنجز من قصة قصيرة في السودان، لهو كثير مقارنة بحداثة تجربة كتابة القصة _ في شكلها الحديث _ كجنس غربى وافد على السودان، وتعتبر ملكة الدار محمد عبد الله، من الرواد الأوائل فى هذا المجال.. إذ إن أول مسابقة للقصة القصيرة أجرتها إذاعة أم درمان في 1947، فازت فيها هذه الأديبة بالمرتبة الأولى عن قصتها «حكيم القرية»(5)، ومنذ الأربعينيات حتى الآن. تطورت القصة القصيرة في السودان, تطوراً كبيراً في ظل مناخ التنوع الثقافى الخصيب بإيحاءاته، الغني في دلالاته وبيئاته الغامضة وصراعاته الموجعة!..
وإذا كان لكل نص بنيتان، واحدة ظاهرية هي بنية المتعة_ متعة الحكى_ والثانية بنية خفية تحمل رؤيا العالم, نجد أن القص السودانى غني في بنيتيه : الظاهرية والخفية، لغنى مناخاته وفضاءاته, المتنوعة. فالقصة القصيرة منذ موباسان وتشيخوف, حدثت لها تحولات وتبدلات كثيرة ، واستطاع القاص السوداني إلى حد كبير، إستيعاب كل هذه التحولات والتبدلات، فجاءت قصته دينامية الشكل والمضمون، خالية من المواقف السكونية..
جنس الرواية:
تعتبر ملكة الدار محمد عبد الله من أوائل الروائيين السودانيين، إذ كتبت روايتها "الفراغ العريض" فى العام 1952، وصدرت هذه الرواية فى العام 1970م، عن المجلس القومي للآداب والفنون، والمعروف أن أول رواية سودانية هى رواية «تاجوج» لعثمان محمد هاشم فى 1947، تليها رواية «أنهم بشر» لخليل عبد الله الحاج فى 1962م. واتسمت الروايات فى هذه الفترة، برصانة اللغة، إلا أن تقنيات الكتابة يُلاحظ فيها ضعف واضح، وقد مرت الرواية السودانية منذ الخمسينيات حتى هذه اللحظة الراهنة بمحطات عديدة، تقلبت فيها بين الواقعية، كما عند ملكة الدار والواقعية السحرية كما عند الطيب صالح ومحمود محمد مدني وعيسى الحلو. وإذا كان جيل الستينيات، أرسى دعائم تقنيات حديثة, وشق السبيل إلى تطبيقاتها العملية, في سردياته الروائية من خلال: «موسم الهجرة وبندر شاه وعرس الزين» للطيب صالح أو «جابر الطوربيد والدم في نخاع الوردة» لمحمود محمد مدني أو أعمال الليل والبلدة وحدث فى القرية، وأخبار البنت مايا كايا ومهرجان المدرسة القديمة»، لإبراهيم إسحق إبراهيم، فإن ثمرات تقنيات هذا الجيل تتجلى في أعمال الأجيال اللاحقة مثل : «الجنخانة» لعمرو عباس و«مسرة» لبشرى هبانى و«الزندية» لإبراهيم بشير ابراهيم و«مارتجلو ذاكرة الحراز » لأحمد ضحية..
وهنا تجدر الإشارة إلى أن كثير من الروايات في تسعينيات القرن الماضي, هجست بالأحداث الكبرى, سواء كانت سياسية أو طبيعية, و بالتاريخ والحاضر السياسي الممأزق, بفعل تجربة الديكتاتورية المستمرة ..فهى تاريخية - رواية التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة _ بالمعنى العام للرواية بوصفها "فنا يتعذر على بنيته التكوينية أن تعادل الراهن وتزامنه, دون أن تخترقه تعاقبيا، وتاريخيتها تتصل برؤيتها, أكثر مما تتصل بأحداثها وتقنيتها القادرة على تفريد العام، أى اشتقاق الشخصية الفردية من خصوصية عصرها التاريخي, وما يتولد عن ذلك, من طابع ملحمى, قادر على إستحضار صورة صراع المصائر الفردية، بالتقاطع مع المصائر الوطنية(6)"…
وقد مثلت كل هذه الروايات (بما فى ذلك صباح الخير أيها الوجه اللامرئى الجميل لعيسى الحلو، المتهمة بأنها إعادة إنتاج لموسم الهجرة إلى الشمال) حضورا إنسانيا عاليا، قاسمه المشترك، التاريخ الذي تتمحور فيه التجربة, بحضورها الحي ونكهتها المميزة، لكأنها تجربة طازجة، راهنة.. فالذاكرة المشتركة للنص / القاريء , تلتقط كل ما هو جوهري في المقولة والشكل والمضمون وتكثف كل ذلك, في إبداع روائي, منذ الستينيات «الوظيفة المعرفية للنص ثمرة تحقق الوعي في الممارسة بغض النظر عن درجة قدرة الوعي على تحقيق التطابق أو التغاير كدال يطمح إلى إحتواء مدلوله, والسير عليه فنيا ومعرفياً ودلالياً»(7)، من هنا كانت للتجربة الروائية في السودان أهميتها الخاصة، إذ تقاطعت فيها أحدث التقنيات، كما أنشغلت بتوطين قيم الحداثة والتنوير، إذ نهض القول الروائي من مواقع عدة : التحديث والردة.. قضية المرأة والسلطة الذكورية القابضة ومشكل الهوية وسؤال المركز، الهامش.
المهاجرون والسرد :
إذا كانت الكتابة مقاومة للموت، فالسرد وطن الكاتب، ومن الأمور اللافتة للنظر في السودان، ظاهرة الكتاب المهاجرين و المغتربين، فكثيرون وجدوا أنفسهم مضطرين لترك البلاد الكبيرة (السودان)و الإغتراب أوالهجرة ,إلى منافٍ بعيدة، أو وجدوا أنفسهم بهذه المنافى : فى الغرب والعالم العربى. وكتبوا كثيراً من الأعمال الرائعة في مجال القصة والرواية، بحاجة لإفراد دراسات وأبحاث بكاملها، لاكتشاف القوانين التي تتحرك فيها.. بعض هذه الكتابات كتب باللغة العربية وبعضها الآخر بالإنجليزية، وبعضها وصل السودان وأغلبها لم يصل ومن أشهر هؤلاء المهاجرين والمغتربين لدى القارئ السودانى ليلى أبو العلا وإبراهيم بشير وأمير تاج السر وأحمد محمد الأمين وعبد الفتاح عبد السلام وطارق الطيب - لكن هذا الأخير يعتبر حالة خاصة سنتعرض لها في حينها -وقد مثل هؤلاء سفراء للسرد السوداني في البلدان التي نشروا فيها أعمالهم الرائعة، التي ينقصها النقد في السودان، لإحيائها كجزء من نسيج التجربة السردية في المشهد السردي السوداني …
السرد فى جنوب السودان:
أحد أهم الأسئلة التى طرحها السرد في الجنوب : سؤال الهوية، ويواجه السرد في جنوب السودان مفارقة كونه مكتوبا باللغة الإنجليزية، لقارئ إن لم يكن أميا (ويكاد يكون أميا فى الجنوب) فعلاقته ضعيفة باللغة الإنجليزية - بإستثناء المتعلمين بالطبع وهم قلة مقارنة بغير المتعلمين _ إذ أن القارئ في السودان بصورة عامة لغته الرسمية سواء التي يتحدث بها أو يمارس بها حياته اليومية - بل ويفكر ويحلم بها - هى اللغة العربية..
وأبرز ما اعتمدت عليه البنى الحكائية، في السرد الجنوبي كتيمات أساسية : الهوية، قضية المرأة، الطقوس، الأساطير، الحكايا الشعبية وعلاقة الإنسان بالمكان، واتسم السرد الجنوبي بتوظيفه للتقنيات الحديثة أسوة بالسرد فى الشمال، كالأسلبة الإجتماعية وإنعكاس المرايا لبث التاريخ الذاتي، إلى آخره من تقنيات مثل الفلاش باك والفلاش فور وول "كما وسم العديد منها الأسلوب الأرسطي الموباساني كما عند جوناثان ميان وألينو رول دينق - (8)" ونجد أن السرد في الجنوب والشمال يسير فى خطين يتقاطعان عند نقطة واحدة تمثل مشتركا إنسانيا كونيا في جوهره : سؤال العلاقة بين الذات والآخر!.. ومن أبرز الكتاب الجنوبيين:
تعبان لينفق : «الكلمة الأخيرة» 1968، و«مات زنجى آخر» 1968
جاكوب جل أكول : «عودة العاصفة» مجلة الخرطوم 1995
أغنيس لوكودو : «الربيبة» مجلة سوداناو 1995
ألينورول دينق : «نهاية القحط» صحيفة الصحافة 1978، «حفيد كاهن المطر» مجلة الإذاعة والتليفزيون 1976، «الشجرة العرجاء» سوداناو 1976
فرانسيس فيليب : «من أجل محبةاياي» 1976
أتيم آياك : «حياتان» 1976
فرانسيس دينق : «بذرة الخلاص وطائر الشؤم» 1994، وقد صدرت الروايتان فى مركز الدراسات السودانية القاهرة.
ويُلاحظ عند تناولنا لفرانسيس دينق، أنه منذ أخذت الرواية في السودان توظف التاريخ في إطار تحليلها للظاهرة الإجتماعية التي تشكل المحتوى السردي بأحداثه ودلالاته.. أصبح التاريخ بُعداً أساسياً في الفضاءات التي تحيل الرواية إلى ملابساتها وبهذا المعنى كونت ملابسات التاريخ في موسم الهجرة للطيب صالح (شخصية مصطفى سعيد) كشخصية منبتة، ووسمت هذه الملابسات مستر سعيد بآثار عميقة.. كما لم يكن التاريخ بعيداً عن الغرباء الذين حفلت بهم رواية أحمد حمد الملك «عصافير آخر أيام الخريف» المحتشدة بحكايا الذاكرة الشعبية، الناهضة فى الشفاهي والأسطوري والفانتازي، وهي تبحث في كل هذه العلاقات التي تربط الغرباء وتحكم علاقاتهم بجغرافيا البلاد الكبيرة "السودان"….
وفى بذرة الخلاص لفرانسيس دينق نجد الإلتباس بين مستوى الحكاية ومستوى القول، يربك المتلقي في تحديد الجنس الذي ينتمي إليه هذا النص الذي يعالج التاريخ. إذ "يتداخل ما هو حكاية / تاريخ / سياسة مع ما هو روائي بالمعنى الروائي!(9)"..
هناك أيضا القاصة استيلاقاتيانو، التى يأتي تميزها من كونها الصوت النسوي الذي يكتب باللغة العربية_ إلى جانب آرثر غابريال وآخرين _، بين الأصوات الجنوبية، وهنا يدخل مفهوم شمال / جنوب في مأزق لدى التعامل مع استيلا قاتيانو وآرثر غابريال ، فالكتابة إنسانية وكونية، لا تنهض في الإنتماء الإثني، ولكن تأخذ حيويتها وخصوبتها من هذا الإثني الذي تنهض فيه ثقافة مغايرة لثقافة الشمال الآفروعربية..
إذن استيلا وآرثر وأغنيس بقدر ما ينتمون للجنوب إثنيا، كذلك هم من الشمال، الذي منحهم ذاكرة أخرى، ووجدانا ثقافيا آخرا، إلى جانب ذاكراتهم ووجدانهم الذي شكله الجنوب. فاللغة العربية التي تكتب بها استيلا وآخرون غيرها ، ليست أداة تواصل وتفكير فحسب، بل هي الأسلوب الذي تحلم به وتحيا به وتمارس به الحياة اليومية أيضاً.. وهو ما يسهم فى معالجة مشكل الهوية, بالإجابات اللازمة عن طريق هذه اللغة باتجاه تصحيح علاقة الذات بالآخر (الشمال/ الجنوب) وصولاً لكونهما ذات واحدة تشظت إلى ذات وآخر بتأثير عوامل متباينة…
المرأة والسرد:
بإكتمال حلقات الوعي الاجتماعي والوطني في الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم. إرتفع الصوت النسائي من خلال كتابات الأديبة: فاطمة عبد الرحمن في مجلة الفجر، في ظل مناخ صراعي حاد بين قوى التقدم, التى تناصر قضايا المرأة, وقوى التخلف المناهضة لحقوق المرأة، وبرزت القاصة: آمال عباس العجب، في مجلة صوت المرأة، وآمنة أحمد يونس، وأستمرت المرأة القاصة في السودان, تعبر عن همومها وقضاياها, فيما تبدع من سرد قصصي وتطور من أسئلتها، ليفضي السؤال في رحلة الإجابة، إلى أسئلة أخرى، شائكة ومعقدة، قد تفضي لأسئلة الوجود الكبرى : الموت، الحياة، وعلاقة الإنسان بالوجود، كما عند زينب عبد السلام المحبوب وسلمى أحمد البشير، وزينب بليل التي نشرت أعمالها فى مجلة المنار 1957م…
وقد إتسمت الكتابة النسوية في هذه الفترة «الخمسينيات» بالتقليدية. فالبناء السردى محكم وفقا للمنظور الأرسطوطاليسى، ولكن اللغة تقريرية يغلب عليها الوصف وتحاول عكس الواقع والوقائع كما هى مكرسة لخدمة أغراض أيديولوجية وتربوية…
ومنذ السبعينيات أصبحت الكتابة النسوية فى السودان, ذات سمت يميزها، ككتابة مهمومة بالدرجة الأولى, بالخطاب التحرري الحداثي، انطلاقا من مفهوم: أن المرأة تعيش نفيا وجوديا، وبرزت هنا سلمى الشيخ سلامة، وسعاد عبد التام، وآمال حسين، وفاطمة السنوسى.. وهكذا أشرع الطريق, بعد أن أرست قواعده الرائدات منذ ملكة الدار محمد عبد الله، وزينب بليل، مروراً بسلمى الشيخ سلامة وصولا إلى استيلاقاتيانو، وأميمة عبد الله…
ويُلاحظ هنا أن الكتابة النسوية منذ السبعينيات حتى الآن، إستفادت من تقنيات الكتابة القصصية الحديثة، كما برزت اللغة القصصية في النصوص، كلغة تقترب كثيرا من تخوم الشعر. حيث تجد المفردة ملأى بالإيحاء, ومكثفة ومتعددة الدلالات، كما برزت تلك الوشائج الحميمة, التى تنطلق منها المرأة الكاتبة, في تأسيس إبداعها. انطلاقا من تجاربها الذاتية. ومن وعيها بإختلافها وإستقلاليتها, وتصديها لآليات القهر المختلفة، التي تريد إحكام السيطرة على جسدها وعقلها “ومنذ هذه الفترة يمكن الحديث عن كتابة مختلفة للمرأة فى السودان عن كتابة الرجل، وكذلك يمكن الحديث عن أن لكل قاصة صوتها الخاص(10)”..
خاتمة :
ظلت بنية السرد في القصة القصيرة، والرواية في السودان، منذ استقر هذان الجنسان, بين أجناس الكتابة في السودان.. ظلا يكشفان عن المفارقة التاريخية للذات المتشظية إلى آخر, وهي تتحسس مركزية القمع الذي يطال كينونتها.. حيث لا تملك إزاءه سوى انكسارها الروحي والاجتماعي وجرح هويتها المشكوك فيها، وأسئلة المهام التاريخية للتحرر الوطني التي ظلت حبيسة الأضابير دون أن تنجز..
وقد تجلت هذه المفارقة, بدرجات متفاوتة. على مستوى القصة أو الرواية, منذ الميلاد في مجلتي الفجر والنهضة. في ثلاثينيات القرن الماضى، مروراً بمجلة القصة التى أسسها: عثمان على نور,الاب الروحي للقصة القصيرة فى السودان..
وأخذت الأسئلة الحارقة, تتطور وتنضج إثر كل جيل.. تبلغ ذروة نضوجها، فيما أعترى البنى الإجتماعية في السودان. من تمزقات وتشظ بإعتلاء النظام الإنقلابي الإسلاموي منذ 1989 لدست الحكم ووقوع البلاد في حقبة من حقب الانحطاط التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان المعاصر….
ومن بين كل هذا الركام من التمزق والتشظي نهض السرد الجنوبي, وسرد المرأة. كعلامتين بارزتين في هاجس الكتابة. وهي تسعى لتأكيد ذاتها، من موقع الحوار بين الذات والآخر..
وإذا كانت فترة السبعينيات, هي فترة سيادة الشعر في السودان بلا منازع، فإن فترة التسعينيات من القرن الماضى, وأوائل القرن الجديد. هى فترة سيادة الرواية كجنس ينهض في تحليل التاريخ وإعادة إنتاجه، في سبيل خلق واقع أفضل, من واقع افتراضي متخيل.. هذه الرحلة الطويلة منذ ثلاثينيات القرن الماضى حتى الآن (بالنسبة للقصة القصيرة والرواية)، لهي رحلة شاقة. استلهمت فيها الكتابة من التراث تيمتها. ومن الواقع خصبه. ومن الأشكال الحداثية الغربية تقنياتها, المبدعة.. وتحاورت النصوص في السودان مع النصوص الأخرى في مصر والشام وكل العالم العربي مشرقه و مغربه ؛ وأفريقيا، وأمريكا، وأمريكا اللاتينية وأوروبا.. تحاورت حواراً بناءً. أنتج تجربة ناضجة في خاتمة المطاف: شكلا ومضمونا، عبرت عن خصوصية السودان كمفترق طرق، تلتقى وتتقاطع عنده حضارات أفريقيا العريقة, وحضارة العرب. وثقافة الغرب الكولونيالى..
الهوامش:
(1) محمد جمال باروت والدكتور عبد الرازق عيد : الرواية والتاريخ، طبعة أولى 1991م دار الحوار للنشر والتوزيع ، اللاذقية ص5.
(2) نفسه ص93 .
(3)الشفيع عمر حسنين.ملامح من تاريخ القصة القصيرة في السودان.البيان الأماراتية.
(3) مجلة الثقافة الجديدة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، فبراير مارس 2004 ص93.
(4) ثقافات سودانية، إصدارة المركز السودانى للثقافة والإعلام القاهرة، العدد الخامس 1999م ص76.
(5) نماذج من القصة القصيرة النسائية في السودان، المركز السودانى للثقافة والإعلام , القاهرة، طبعة أولى 2002 ص21.
(6) دراسات لأحمد ضحية حول محمود مدنى نشرت بصحيفة الصحافي الدولى 2002، وأعيد نشرها فى مجلة كتابات سودانية (جابر الطوربيد + الدم في نخاع الوردة) 2003م.. أهمية هاتين الروايتين تأتي من كون مسكوت الحديث الروائي يأخذ مشروعيته من إستمرار شروط هموم ومشروع التحديث وبناء الدولة الوطنية الحديثة والقوانين التي لا تزال تسوق المجتمع إلى الخلف : الضرورات التى أنتجت قوى التحديث.. فهما روايتا وقت راهن، مثلما عبرتا عن مناخ حركات التحرر في العالم الثالث إبان الأربعينيات والستينيات…
(7) محمد جمال باروت : عبد الرازق عيد، الرواية والتاريخ : ط1/ 1991م دار الحوار اللاذقية، ص11
(8) كتابة الجنوب وجنوب الكتابة، المركز السودانى للثقافة والإعلام، القاهرة ط1/2002 ص18
(9) احمد ضحية : دراسات السابق.
(10) كتابات سودانية ، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، مارس 2003 ص102
(1 - 5): ارتبط السرد في السودان، سواء في جنس القصة القصيرة أو الرواية، بالعلاقة الجدلية بين الإنسان , والتاريخ الذي شكله، بوقائعه وأحداثه.. ولأن السودان - إلى حد كبير - جزء من المجال الثقافى العربى في المشرق، أخذ عن العرب، الإحتفاء بالتاريخ «توحد التاريخ والحضارة في المخزون الثقافي للوعي الإجتماعي العربي، أنتج وعيا مبدداً، بالتاريخ والحضارة معا(1)..» وهو ما نلاحظ إنعكاساته، في العلاقات الإشكالية، التي تربط إحداثيات النصوص السردية، خاصة في المقولات التى تنطلق منها (وهى مقولات إجمالا تتعلق بمتناقضات البنى الإجتماعية = الرؤى المختلفة = الدين، العادات، التقاليد، الأساطير، إلخ.. = سؤال الهوية وعلاقة الذات بالآخر..)، وهى مقومات تنهض في التاريخي، بالمعنى اللوكاتشي.. "التاريخي بالنسبة للوكاتش، هو اشتقاق الشخصية الفردية للشخوص، من خصوصية عصرهم التاريخية.. فالهيمنة الفنية على التاريخ، تعنى إمكانية المبدع في تقييم خصوصية الحاضر المباشر، بإيلاء الأهمية الملموسة للزمان والمكان والظروف الإجتماعية، والنظرة إلى الإنسان بوصفه نتاج نفسه، ونتاج نشاطه فى التاريخ، مما يؤدى بالضرورة إلى إعتبار فكرة التقدم الإنساني قانوناً تاريخياً وفلسفياً محسوسا(2)"..وفي هذا الإطار ظلت تجربة السرد في السودان، مسرحا لتداول الرؤى المتباينة والمتنوعة، التي يتقاطع عندها التاريخ, والمجتمع والإنسان، بهاجسه اليومي، وأسئلته الوجودية، والكونية، المحيرة والحارقة.. وتمزقاته في واقع مبني على الإختلاف (التنوع) والخلاف (إقصاء التنوع) = (القطيعة) .. لتمثل حركة السرد في السودان خلال مسيرة تطورها منذ طبقات ودضيف الله (في شأن الأولياء والصالحين) مرورا بملكة الدار محمد عبد الله وإبراهيم إسحق إبراهيم والطيب صالح ومحمود محمد مدنى وكل الأجيال المتعاقبة منذ الأربعينيات، حتى اللحظة الراهنة، إتصالا لهذا التوتر والقلق الإنساني الجمالي، المصنف سرداً..
كما أثر غياب مفهوم الوسط الثقافي، على تجربة السرد في السودان- وشكل عائقا أمام حوار نصوص الأجيال المتعاقبة، بحيث يخلق هذا الحوار تجربة سردية متصلة، يمكن قياس تطور تجربة السرد من خلالها- إذ أن عدم وجود مؤسسات، لتداول المنتج السردي على نحو واسع، وتقييمه ,ومن ثم تحديد قيمته، أسهم في خلق حالة من الإبهام والإرتباك, إزاء تطور التجربة السردية، وهنا أيضا تبرز علاقة التاريخ بالغياب الفاجع لمفهوم الوسط الثقافي! إذ إرتبط هذا الغياب, بقمع أجهزة الدولة الأيديولوجية منذ 1956 حتى الآن..
الأمر الذي دفع بالمبدعين للبحث عن متكآت أخرى، مثلت إنفتاحا للسرد في السودان,على السرد في أمريكا اللاتينية والغرب( سواء باللغة الانجليزية أو لغة الترجمة إلى العربية )، ومما لا شك فيه أن السرد في السودان، قبل إنفتاحه على السرد في الغرب وأمريكا اللاتينية، كانت له تجربة حوار عميقة ومتصلة مع السرد في مصر، والمشرق والمغرب العربىيين بصورة عامة..
وما يبرز كعلامة واضحة أن السرد في السودان- إلى حد كبير - مثل إعادة إنتاج للسرد العربي، بحيث غاب أثر السرد في أفريقيا - الإنتماء الأم - عنه، إلا قليلا!.. وهنا يبرز سؤال الهوية مرة أخرى، ليطل برأسه كأحد الأسئلة الأشد حرقا…
ومنذ خواتيم القرن الماضي، أخذت تتبلور رؤية جديدة حول إتصال التجربة السردية، وإيجاد مؤسسة تعبر عن هذا الإتصال، تمظهرت هذه الرؤية في تجربة نادي القصة السوداني الذي تأسس فى العام 2000 وأصدر إبتداءً من العام 2001م مجموعة ضمت ثلاثين قصة لعشرة كتاب ينتمون لأجيال مختلفة، تتراوح بين الثمانينيات والتسعينيات، وحملت هذه المجموعة إسم (دروب جديدة - أفق أول) ، كما كرر النادي ذات التجربة في العام 2002، بإصداره لأفق ثان لعشرة كتاب آخرين ثم أفق ثالث .. و يميز هذه التجربة ملمحان أساسيان:
1.إعتماد مفهوم العمل الجماعي..
2.الإهتمام بالصوت السردي الجنوبي الصاعد..
وهكذا نجح نادي القصة الوليد في التأسيس لتجربة, فشل الآباء والأجيال التي أعقبتهم- بإستثناء رائد القصة السودانية عثمان علي نور _ منذ الأربعينيات في بنائها..
هجست القصة القصيرة في السودان، بصورة أساسية، بطرح السؤال الجوهري للكتابة: كيف يكون الإنسان، أكثر إنسانية، ليرى كل شيء، فيشيد من هذه الآلام العظيمة، حياة أفضل.. وهو نفس ما عبرت عنه نظرة تشيخوف للحياة التافهة في روسيا.. ومثل هذا السؤال الخلاصة، التي تتقاطع عندها كل الأسئلة الحارقة، إبتداءً من الأسئلة، الخاصة بقضايا المرأة، مروراً بسؤال الهوية ومتناقضات اليومي المعاش….
جنس القصة القصيرة:
يحدد الباحث الشفيع عمر حسنين(3) عدة عوامل أثرت على نشأة القصة القصيرة في السودان يلخصها في : التغييرات السياسية والإجتماعية التي أدت إلى خلخلة النظام القبلي الموروث,ونمط الحياة المستقرة,إلى جانب الأثر الذي أحدثه الموروث الشعبي والأسطورة,يضاف إلى ذلك حركة الأدب في مصر والشام ولبنانوبريطانيا,ثم المترجمات من الروسية إلى العربية والإنجليزية التي كانت في أوج مجدها في السودان ..
ويركز الباحث السوداني الشفيع عمر حسن على الدور التأسيسي للأستاذ معاوية محمد نورفي الثلاثينيات من القرن المنصرم,بوضع دعائم القصة القصيرة في السودان .فمعاوية محمد نور هو أول من كتب القصة القصيرةبمعناها المحدد والمعروف,وإن إعتمد على التحليل النفسي..وبذلك وضع معاوية محمد نور دعائم البناء الذي فتح الطريق واسعا لرائد القصة القصيرة عثمان علي نور ..
وهكذا أنطلقت القصة القصيرة في السودان من خلال مجلتي الفجر والنهضة بعد ذلك -أي منذ أربعينيات القرن الماضى- والتي أستقطبت أسماء عديدة مثل : عبد الحليم محمد,السيد الفيل,حسن أحمد ياسين ومحمد عشري الصديق,إلخ .. فولدت وقد هيمن عليها الإتجاه الواقعي الرومانسي والوجودي، وقد عبرت عن هذه الهيمنة، الكتابات السردية القصيرة، لرائد القصة القصيرة فى السودان (الأستاذ عثمان على نور)، الذي نشر أول مجموعة قصصية قصيرة في السودان(غادة القرية)(3)، وقد إتسمت قصصه وقصص الجيل الذى جايله في الأربعينيات مثل :خليل علي , أبوبكر خالد,وآخرين كثر بإعتماد الحبكة على التعمية والمفاجآت ما جعلها تبدو مفتعلة، وتقريرية أحياناً.. ومنذ عثمان على نور(4) وحتى اللحظة الراهنة مرت القصة القصيرة في السودان بمسيرة طويلة ومعقدة من التلاقح والتطوير والإستلهام، برزت خلالها أسماء عديدة مثل صلاح أحمد إبراهيم في مجموعته «البرجوازية الصغيرة»، وعلى المك في «حمى الدريس» و«هل أبصر أعمى المعرة» , وعيسى الحلو في «ريش الببغاء» و«وردة حمراء لأجل مريم» وبشرى الفاضل في «حكاية البنت التي طارت عصافيرها» و«أزرق اليمامة» وصديق الحلو في «الفصول» و«غصة في الحلق» وسلمى الشيخ سلامة في ( مطر على جسد الرحيل )، وعادل القصاص في ( لهذا الصمت صليل غيابك ) ومبارك الصادق، وأحمد ضحية، وزهاء الطاهر، واستيلا قاتيانو , وبثينة خضر مكى وآخرين كثر.. تقلبوا بين مختلف الإتجاهات والتيارات والمدارس، خلال أكثر من نصف قرن من الزمان، تعبيراً عن سيرورة إنسان يمضي في اللانهاية، بحثا عن قيم الخير الحق والحرية والجمال…
إن ما أنجز من قصة قصيرة في السودان، لهو كثير مقارنة بحداثة تجربة كتابة القصة _ في شكلها الحديث _ كجنس غربى وافد على السودان، وتعتبر ملكة الدار محمد عبد الله، من الرواد الأوائل فى هذا المجال.. إذ إن أول مسابقة للقصة القصيرة أجرتها إذاعة أم درمان في 1947، فازت فيها هذه الأديبة بالمرتبة الأولى عن قصتها «حكيم القرية»(5)، ومنذ الأربعينيات حتى الآن. تطورت القصة القصيرة في السودان, تطوراً كبيراً في ظل مناخ التنوع الثقافى الخصيب بإيحاءاته، الغني في دلالاته وبيئاته الغامضة وصراعاته الموجعة!..
وإذا كان لكل نص بنيتان، واحدة ظاهرية هي بنية المتعة_ متعة الحكى_ والثانية بنية خفية تحمل رؤيا العالم, نجد أن القص السودانى غني في بنيتيه : الظاهرية والخفية، لغنى مناخاته وفضاءاته, المتنوعة. فالقصة القصيرة منذ موباسان وتشيخوف, حدثت لها تحولات وتبدلات كثيرة ، واستطاع القاص السوداني إلى حد كبير، إستيعاب كل هذه التحولات والتبدلات، فجاءت قصته دينامية الشكل والمضمون، خالية من المواقف السكونية..
جنس الرواية:
تعتبر ملكة الدار محمد عبد الله من أوائل الروائيين السودانيين، إذ كتبت روايتها "الفراغ العريض" فى العام 1952، وصدرت هذه الرواية فى العام 1970م، عن المجلس القومي للآداب والفنون، والمعروف أن أول رواية سودانية هى رواية «تاجوج» لعثمان محمد هاشم فى 1947، تليها رواية «أنهم بشر» لخليل عبد الله الحاج فى 1962م. واتسمت الروايات فى هذه الفترة، برصانة اللغة، إلا أن تقنيات الكتابة يُلاحظ فيها ضعف واضح، وقد مرت الرواية السودانية منذ الخمسينيات حتى هذه اللحظة الراهنة بمحطات عديدة، تقلبت فيها بين الواقعية، كما عند ملكة الدار والواقعية السحرية كما عند الطيب صالح ومحمود محمد مدني وعيسى الحلو. وإذا كان جيل الستينيات، أرسى دعائم تقنيات حديثة, وشق السبيل إلى تطبيقاتها العملية, في سردياته الروائية من خلال: «موسم الهجرة وبندر شاه وعرس الزين» للطيب صالح أو «جابر الطوربيد والدم في نخاع الوردة» لمحمود محمد مدني أو أعمال الليل والبلدة وحدث فى القرية، وأخبار البنت مايا كايا ومهرجان المدرسة القديمة»، لإبراهيم إسحق إبراهيم، فإن ثمرات تقنيات هذا الجيل تتجلى في أعمال الأجيال اللاحقة مثل : «الجنخانة» لعمرو عباس و«مسرة» لبشرى هبانى و«الزندية» لإبراهيم بشير ابراهيم و«مارتجلو ذاكرة الحراز » لأحمد ضحية..
وهنا تجدر الإشارة إلى أن كثير من الروايات في تسعينيات القرن الماضي, هجست بالأحداث الكبرى, سواء كانت سياسية أو طبيعية, و بالتاريخ والحاضر السياسي الممأزق, بفعل تجربة الديكتاتورية المستمرة ..فهى تاريخية - رواية التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة _ بالمعنى العام للرواية بوصفها "فنا يتعذر على بنيته التكوينية أن تعادل الراهن وتزامنه, دون أن تخترقه تعاقبيا، وتاريخيتها تتصل برؤيتها, أكثر مما تتصل بأحداثها وتقنيتها القادرة على تفريد العام، أى اشتقاق الشخصية الفردية من خصوصية عصرها التاريخي, وما يتولد عن ذلك, من طابع ملحمى, قادر على إستحضار صورة صراع المصائر الفردية، بالتقاطع مع المصائر الوطنية(6)"…
وقد مثلت كل هذه الروايات (بما فى ذلك صباح الخير أيها الوجه اللامرئى الجميل لعيسى الحلو، المتهمة بأنها إعادة إنتاج لموسم الهجرة إلى الشمال) حضورا إنسانيا عاليا، قاسمه المشترك، التاريخ الذي تتمحور فيه التجربة, بحضورها الحي ونكهتها المميزة، لكأنها تجربة طازجة، راهنة.. فالذاكرة المشتركة للنص / القاريء , تلتقط كل ما هو جوهري في المقولة والشكل والمضمون وتكثف كل ذلك, في إبداع روائي, منذ الستينيات «الوظيفة المعرفية للنص ثمرة تحقق الوعي في الممارسة بغض النظر عن درجة قدرة الوعي على تحقيق التطابق أو التغاير كدال يطمح إلى إحتواء مدلوله, والسير عليه فنيا ومعرفياً ودلالياً»(7)، من هنا كانت للتجربة الروائية في السودان أهميتها الخاصة، إذ تقاطعت فيها أحدث التقنيات، كما أنشغلت بتوطين قيم الحداثة والتنوير، إذ نهض القول الروائي من مواقع عدة : التحديث والردة.. قضية المرأة والسلطة الذكورية القابضة ومشكل الهوية وسؤال المركز، الهامش.
المهاجرون والسرد :
إذا كانت الكتابة مقاومة للموت، فالسرد وطن الكاتب، ومن الأمور اللافتة للنظر في السودان، ظاهرة الكتاب المهاجرين و المغتربين، فكثيرون وجدوا أنفسهم مضطرين لترك البلاد الكبيرة (السودان)و الإغتراب أوالهجرة ,إلى منافٍ بعيدة، أو وجدوا أنفسهم بهذه المنافى : فى الغرب والعالم العربى. وكتبوا كثيراً من الأعمال الرائعة في مجال القصة والرواية، بحاجة لإفراد دراسات وأبحاث بكاملها، لاكتشاف القوانين التي تتحرك فيها.. بعض هذه الكتابات كتب باللغة العربية وبعضها الآخر بالإنجليزية، وبعضها وصل السودان وأغلبها لم يصل ومن أشهر هؤلاء المهاجرين والمغتربين لدى القارئ السودانى ليلى أبو العلا وإبراهيم بشير وأمير تاج السر وأحمد محمد الأمين وعبد الفتاح عبد السلام وطارق الطيب - لكن هذا الأخير يعتبر حالة خاصة سنتعرض لها في حينها -وقد مثل هؤلاء سفراء للسرد السوداني في البلدان التي نشروا فيها أعمالهم الرائعة، التي ينقصها النقد في السودان، لإحيائها كجزء من نسيج التجربة السردية في المشهد السردي السوداني …
السرد فى جنوب السودان:
أحد أهم الأسئلة التى طرحها السرد في الجنوب : سؤال الهوية، ويواجه السرد في جنوب السودان مفارقة كونه مكتوبا باللغة الإنجليزية، لقارئ إن لم يكن أميا (ويكاد يكون أميا فى الجنوب) فعلاقته ضعيفة باللغة الإنجليزية - بإستثناء المتعلمين بالطبع وهم قلة مقارنة بغير المتعلمين _ إذ أن القارئ في السودان بصورة عامة لغته الرسمية سواء التي يتحدث بها أو يمارس بها حياته اليومية - بل ويفكر ويحلم بها - هى اللغة العربية..
وأبرز ما اعتمدت عليه البنى الحكائية، في السرد الجنوبي كتيمات أساسية : الهوية، قضية المرأة، الطقوس، الأساطير، الحكايا الشعبية وعلاقة الإنسان بالمكان، واتسم السرد الجنوبي بتوظيفه للتقنيات الحديثة أسوة بالسرد فى الشمال، كالأسلبة الإجتماعية وإنعكاس المرايا لبث التاريخ الذاتي، إلى آخره من تقنيات مثل الفلاش باك والفلاش فور وول "كما وسم العديد منها الأسلوب الأرسطي الموباساني كما عند جوناثان ميان وألينو رول دينق - (8)" ونجد أن السرد في الجنوب والشمال يسير فى خطين يتقاطعان عند نقطة واحدة تمثل مشتركا إنسانيا كونيا في جوهره : سؤال العلاقة بين الذات والآخر!.. ومن أبرز الكتاب الجنوبيين:
تعبان لينفق : «الكلمة الأخيرة» 1968، و«مات زنجى آخر» 1968
جاكوب جل أكول : «عودة العاصفة» مجلة الخرطوم 1995
أغنيس لوكودو : «الربيبة» مجلة سوداناو 1995
ألينورول دينق : «نهاية القحط» صحيفة الصحافة 1978، «حفيد كاهن المطر» مجلة الإذاعة والتليفزيون 1976، «الشجرة العرجاء» سوداناو 1976
فرانسيس فيليب : «من أجل محبةاياي» 1976
أتيم آياك : «حياتان» 1976
فرانسيس دينق : «بذرة الخلاص وطائر الشؤم» 1994، وقد صدرت الروايتان فى مركز الدراسات السودانية القاهرة.
ويُلاحظ عند تناولنا لفرانسيس دينق، أنه منذ أخذت الرواية في السودان توظف التاريخ في إطار تحليلها للظاهرة الإجتماعية التي تشكل المحتوى السردي بأحداثه ودلالاته.. أصبح التاريخ بُعداً أساسياً في الفضاءات التي تحيل الرواية إلى ملابساتها وبهذا المعنى كونت ملابسات التاريخ في موسم الهجرة للطيب صالح (شخصية مصطفى سعيد) كشخصية منبتة، ووسمت هذه الملابسات مستر سعيد بآثار عميقة.. كما لم يكن التاريخ بعيداً عن الغرباء الذين حفلت بهم رواية أحمد حمد الملك «عصافير آخر أيام الخريف» المحتشدة بحكايا الذاكرة الشعبية، الناهضة فى الشفاهي والأسطوري والفانتازي، وهي تبحث في كل هذه العلاقات التي تربط الغرباء وتحكم علاقاتهم بجغرافيا البلاد الكبيرة "السودان"….
وفى بذرة الخلاص لفرانسيس دينق نجد الإلتباس بين مستوى الحكاية ومستوى القول، يربك المتلقي في تحديد الجنس الذي ينتمي إليه هذا النص الذي يعالج التاريخ. إذ "يتداخل ما هو حكاية / تاريخ / سياسة مع ما هو روائي بالمعنى الروائي!(9)"..
هناك أيضا القاصة استيلاقاتيانو، التى يأتي تميزها من كونها الصوت النسوي الذي يكتب باللغة العربية_ إلى جانب آرثر غابريال وآخرين _، بين الأصوات الجنوبية، وهنا يدخل مفهوم شمال / جنوب في مأزق لدى التعامل مع استيلا قاتيانو وآرثر غابريال ، فالكتابة إنسانية وكونية، لا تنهض في الإنتماء الإثني، ولكن تأخذ حيويتها وخصوبتها من هذا الإثني الذي تنهض فيه ثقافة مغايرة لثقافة الشمال الآفروعربية..
إذن استيلا وآرثر وأغنيس بقدر ما ينتمون للجنوب إثنيا، كذلك هم من الشمال، الذي منحهم ذاكرة أخرى، ووجدانا ثقافيا آخرا، إلى جانب ذاكراتهم ووجدانهم الذي شكله الجنوب. فاللغة العربية التي تكتب بها استيلا وآخرون غيرها ، ليست أداة تواصل وتفكير فحسب، بل هي الأسلوب الذي تحلم به وتحيا به وتمارس به الحياة اليومية أيضاً.. وهو ما يسهم فى معالجة مشكل الهوية, بالإجابات اللازمة عن طريق هذه اللغة باتجاه تصحيح علاقة الذات بالآخر (الشمال/ الجنوب) وصولاً لكونهما ذات واحدة تشظت إلى ذات وآخر بتأثير عوامل متباينة…
المرأة والسرد:
بإكتمال حلقات الوعي الاجتماعي والوطني في الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم. إرتفع الصوت النسائي من خلال كتابات الأديبة: فاطمة عبد الرحمن في مجلة الفجر، في ظل مناخ صراعي حاد بين قوى التقدم, التى تناصر قضايا المرأة, وقوى التخلف المناهضة لحقوق المرأة، وبرزت القاصة: آمال عباس العجب، في مجلة صوت المرأة، وآمنة أحمد يونس، وأستمرت المرأة القاصة في السودان, تعبر عن همومها وقضاياها, فيما تبدع من سرد قصصي وتطور من أسئلتها، ليفضي السؤال في رحلة الإجابة، إلى أسئلة أخرى، شائكة ومعقدة، قد تفضي لأسئلة الوجود الكبرى : الموت، الحياة، وعلاقة الإنسان بالوجود، كما عند زينب عبد السلام المحبوب وسلمى أحمد البشير، وزينب بليل التي نشرت أعمالها فى مجلة المنار 1957م…
وقد إتسمت الكتابة النسوية في هذه الفترة «الخمسينيات» بالتقليدية. فالبناء السردى محكم وفقا للمنظور الأرسطوطاليسى، ولكن اللغة تقريرية يغلب عليها الوصف وتحاول عكس الواقع والوقائع كما هى مكرسة لخدمة أغراض أيديولوجية وتربوية…
ومنذ السبعينيات أصبحت الكتابة النسوية فى السودان, ذات سمت يميزها، ككتابة مهمومة بالدرجة الأولى, بالخطاب التحرري الحداثي، انطلاقا من مفهوم: أن المرأة تعيش نفيا وجوديا، وبرزت هنا سلمى الشيخ سلامة، وسعاد عبد التام، وآمال حسين، وفاطمة السنوسى.. وهكذا أشرع الطريق, بعد أن أرست قواعده الرائدات منذ ملكة الدار محمد عبد الله، وزينب بليل، مروراً بسلمى الشيخ سلامة وصولا إلى استيلاقاتيانو، وأميمة عبد الله…
ويُلاحظ هنا أن الكتابة النسوية منذ السبعينيات حتى الآن، إستفادت من تقنيات الكتابة القصصية الحديثة، كما برزت اللغة القصصية في النصوص، كلغة تقترب كثيرا من تخوم الشعر. حيث تجد المفردة ملأى بالإيحاء, ومكثفة ومتعددة الدلالات، كما برزت تلك الوشائج الحميمة, التى تنطلق منها المرأة الكاتبة, في تأسيس إبداعها. انطلاقا من تجاربها الذاتية. ومن وعيها بإختلافها وإستقلاليتها, وتصديها لآليات القهر المختلفة، التي تريد إحكام السيطرة على جسدها وعقلها “ومنذ هذه الفترة يمكن الحديث عن كتابة مختلفة للمرأة فى السودان عن كتابة الرجل، وكذلك يمكن الحديث عن أن لكل قاصة صوتها الخاص(10)”..
خاتمة :
ظلت بنية السرد في القصة القصيرة، والرواية في السودان، منذ استقر هذان الجنسان, بين أجناس الكتابة في السودان.. ظلا يكشفان عن المفارقة التاريخية للذات المتشظية إلى آخر, وهي تتحسس مركزية القمع الذي يطال كينونتها.. حيث لا تملك إزاءه سوى انكسارها الروحي والاجتماعي وجرح هويتها المشكوك فيها، وأسئلة المهام التاريخية للتحرر الوطني التي ظلت حبيسة الأضابير دون أن تنجز..
وقد تجلت هذه المفارقة, بدرجات متفاوتة. على مستوى القصة أو الرواية, منذ الميلاد في مجلتي الفجر والنهضة. في ثلاثينيات القرن الماضى، مروراً بمجلة القصة التى أسسها: عثمان على نور,الاب الروحي للقصة القصيرة فى السودان..
وأخذت الأسئلة الحارقة, تتطور وتنضج إثر كل جيل.. تبلغ ذروة نضوجها، فيما أعترى البنى الإجتماعية في السودان. من تمزقات وتشظ بإعتلاء النظام الإنقلابي الإسلاموي منذ 1989 لدست الحكم ووقوع البلاد في حقبة من حقب الانحطاط التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان المعاصر….
ومن بين كل هذا الركام من التمزق والتشظي نهض السرد الجنوبي, وسرد المرأة. كعلامتين بارزتين في هاجس الكتابة. وهي تسعى لتأكيد ذاتها، من موقع الحوار بين الذات والآخر..
وإذا كانت فترة السبعينيات, هي فترة سيادة الشعر في السودان بلا منازع، فإن فترة التسعينيات من القرن الماضى, وأوائل القرن الجديد. هى فترة سيادة الرواية كجنس ينهض في تحليل التاريخ وإعادة إنتاجه، في سبيل خلق واقع أفضل, من واقع افتراضي متخيل.. هذه الرحلة الطويلة منذ ثلاثينيات القرن الماضى حتى الآن (بالنسبة للقصة القصيرة والرواية)، لهي رحلة شاقة. استلهمت فيها الكتابة من التراث تيمتها. ومن الواقع خصبه. ومن الأشكال الحداثية الغربية تقنياتها, المبدعة.. وتحاورت النصوص في السودان مع النصوص الأخرى في مصر والشام وكل العالم العربي مشرقه و مغربه ؛ وأفريقيا، وأمريكا، وأمريكا اللاتينية وأوروبا.. تحاورت حواراً بناءً. أنتج تجربة ناضجة في خاتمة المطاف: شكلا ومضمونا، عبرت عن خصوصية السودان كمفترق طرق، تلتقى وتتقاطع عنده حضارات أفريقيا العريقة, وحضارة العرب. وثقافة الغرب الكولونيالى..
الهوامش:
(1) محمد جمال باروت والدكتور عبد الرازق عيد : الرواية والتاريخ، طبعة أولى 1991م دار الحوار للنشر والتوزيع ، اللاذقية ص5.
(2) نفسه ص93 .
(3)الشفيع عمر حسنين.ملامح من تاريخ القصة القصيرة في السودان.البيان الأماراتية.
(3) مجلة الثقافة الجديدة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، فبراير مارس 2004 ص93.
(4) ثقافات سودانية، إصدارة المركز السودانى للثقافة والإعلام القاهرة، العدد الخامس 1999م ص76.
(5) نماذج من القصة القصيرة النسائية في السودان، المركز السودانى للثقافة والإعلام , القاهرة، طبعة أولى 2002 ص21.
(6) دراسات لأحمد ضحية حول محمود مدنى نشرت بصحيفة الصحافي الدولى 2002، وأعيد نشرها فى مجلة كتابات سودانية (جابر الطوربيد + الدم في نخاع الوردة) 2003م.. أهمية هاتين الروايتين تأتي من كون مسكوت الحديث الروائي يأخذ مشروعيته من إستمرار شروط هموم ومشروع التحديث وبناء الدولة الوطنية الحديثة والقوانين التي لا تزال تسوق المجتمع إلى الخلف : الضرورات التى أنتجت قوى التحديث.. فهما روايتا وقت راهن، مثلما عبرتا عن مناخ حركات التحرر في العالم الثالث إبان الأربعينيات والستينيات…
(7) محمد جمال باروت : عبد الرازق عيد، الرواية والتاريخ : ط1/ 1991م دار الحوار اللاذقية، ص11
(8) كتابة الجنوب وجنوب الكتابة، المركز السودانى للثقافة والإعلام، القاهرة ط1/2002 ص18
(9) احمد ضحية : دراسات السابق.
(10) كتابات سودانية ، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، مارس 2003 ص102
تعليق