تويت
عفريت الكتب
كلما قلبت صفحات جريدة طالعني خبر عن العفاريت.. أينما سرت وجدت كتباً عن العفاريت.. في المكتب تطاردني حكايات العفاريت وتلاحقني حتي في المقهي.. أصبحت أتلفت حولي وأنا جالس وحدي.. إذا سمعت صوتاً أتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. أبادر إلي تلاوة آية الكرسي.. أصبحت أرهب السير في الليل.. يقولون إن الجن والعفاريت يبدأ يومهم عند مغيب الشمس.. يقشعر بدني ويقف شعر رأسي إذا صادفني كلب أسود وأري في عينيه نظرات التهديد من خصم عنيد.. يقولون الكلب الأسود شيطان.. قال لي صديق عندما شكوت له ما أعاني : أصابك " رُهاب الشياطين " ومن الضروري أن تلجأ إلي طبيب نفسي.. هززت رأسي وقلت في نفسي إن فعلت أقررت بأني مجنون.. لازمني الخوف في ليلي ونهاري ونهشت الكوابيس نومي وراحة نفسي.
ذهبت إليه عله يساعدني.. لجأت إليه لثقتي في صواب رأيه وصدق محبته.. جلست في غرفة احتلتها الكتب.. أكوام وأكوام من الكتب بأحجام مختلفة ولغات عديدة.. جلست أحدق في نقوش قبة المسجد المواجه لمنزله.. متاهة من نقوش " الأرابيسك " صبغتها الشمس الراحلة بلون الذهب.. ربما لو تمكنت من فك طلاسم النقوش شُفيت من خوفي.. مددت يدي تناولت كتاباً.. " تسخير الشياطين في وصال العاشقين " ألقيت به بعيداً كمن يلقي بثعبان أمسكه بالخطأ.. قال برفق امتزج بالغضب : لا يليق أن تعامل الكتب هكذا.. ثم قال بإشفاق : أراك خائفاً مروعاً.. ماذا أصابك ؟ قلت بصوت هامس وأنا أتلفت حولي : العفاريت. ضحك ضحكة مجلجلة.. جرأتني ضحكته فقلت بلهفة المتمني : هل يعني ضحكك أن العفاريت خرافة تثير الضحك ؟ اعتدل وقال بجد أيقظ الخوف الذي هدهدته ليغفو : لم أقل هذا ولو قلته لشك كثيرون في إيماني.. ألم يذكر عفريت في القرآن ؟ وفي استعراض لقدراته الخارقة قال للنبي سليمان أنه سيأتيه بعرش بلقيس ملكة سبأ قبل أن يقوم من مجلسه.
طفحت معاناتي علي صفحة وجهي وعبث الخوف بسحنتي.. قال بعطف حان : اهدأ واستمع لي بعقل واع.. من حوالي عشرين سنة اشتريت صندوقاً امتلأ بمخطوطات كتب السحر.. أرجأت تفحصها إلي اليوم التالي فقد قضيت اليوم في مخزن للكتب أقلب في أكوام الكتب وانتقي ما أريد منها ثم عرض علي " الكتبي " تلك المخطوطات فشدني موضوعها وروعة الخط الأندلسي الذي كتبت به وثراء تجليدها المذهب. كنا في الصيف وبعد حمام نحي غبار الكتب آويت إلي فراشي في غرفة يشاركني فيها أخي الذي سبقني إلي النوم.. وضعت صندوق مخطوطات السحر علي مكتب في الغرفة.. كنت متعباً وكدت أعبر عتبة النوم.. لكن ردني الألم الذي أحسست به حين جثم فوق صدري شخص أخذ يضغط بيديه القويتين علي رقبتي بينما ركبتاه تنغرسان في ضلوعي.. كانت عيناي جاحظتين من تأثير الخنق المتواصل.. لم أر سوي كتلة غير محددة المعالم من ظلام حالك السواد.. كان ذراعاي يتحركان بعنف في محاولة لإبعاد المهاجم.. أصاب ذراعي أخي النائم في فراش مجاور.. استيقظ مذعوراً وأضاء النور.. تلاشي من كان يهاجمني.. بأنفاس متقطعة حاولت أن أخبره عمن كان يخنقني.. استمع والدهشة تطل من عينيه.. حسبني تحت تأثير مخدر أعاني من الهلوسة.. رغم معارضتي أجبرني علي تجرع عصير الليمون بدون سكر.. عاد كل منا إلي فراشه.. لم أستطع النوم.. مرت دقائق قليلة بعد انطفاء النور.. صرخ أخي مرعوباً : كنت علي حق.. وبأنفاس مبهورة : لقد هاجمني أيضاً.. صحت أمي من الجلبة التي حدثت.. ولم نذق للنوم طعماً.. أبقينا الأنوار مضاءة حتي سطعت الشمس.. أقسمت أمي أن تخرج المخطوطات من البيت أو تخرج هي.
واصل حديثه بعدما رشف ما تبقي من قهوته بتلذذ : كانت أقرب التفسيرات التي قيلت لي للتصديق إن من هاجمني عفريت من الجن كان يسخره الساحر صاحب الكتب في أعمال السحر الأسود.. قلت مولولاً : جئت إليك أبحث عن الأمان فملأتني خوفاً وزدتني رعباً.. ربت علي كتفي بحنان أب : لا تخف أبداً إلا من الله.. فرغم أن عفريتاً هاجمني فمازلت حياً معاف.. ثق أن الله تعالي يحفظنا ولعلمه سبحانه أن الإنسان ضعيف فقد جعل له حفظة من الملائكة وإلا لتخطفته الشياطين في وضح النهار.. استأذنت في الإنصراف ولم يغادر الخوف نفسي التي عشش فيها ويطن في عقلي سؤال : هل الخوف وليد الجهل أم المعرفة ؟
[/align]
تعليق