[align=center][BIMG]http://i44.tinypic.com/kbt3yp.jpg[/BIMG]
[/align]
(( أي هرب, مادامت الاشياء تسكننا , وما دمنا حين نرحل هرباً منها,
نجد أنفسنا وحيدين معها وجهاً لوجه!.. والذي تسكنه الكتابة , لا يستطيع أن
أن يكسر قلمه ويذهب في اجازة غير مكتوبة !...))
شهوة الأجنحة – غادة السمان
حاولت كثيراً أن أهرب من صورتكِ....
تلك التي أراكِ بها دوماً بسكون الزهرة المذعنة لانسكاب أشعة شمس الصباح على بتلاتها...
يحتضنك ذا العباءة الرمـ ( الموت )ــادية...حين ألحفك عبائته وغافلني بكِ بعيداً عن مرمى بصري...
كان يحدّثكِ عما هناك من ألعاب وصديقات جميلات ينتظرنكِ...
عن حلوى تتلون كلما لمستها بلون مختلف كما تحبين أنتِ...
وأن الشمس هناك بلون الفراولة التي تعشقين...
وعن أرنب يرقب خطوكِ متى تأتين لتعانقيه فيغفو بين ذراعيكِ بعد طول انتظار...
لا زلت حتى اللحظة...لا أصدق بأنكِ قد تسلقتِ يوماً...
سور ( شقاوتنا )...عبرتِ الجانب الآخر....وتركتني وحيدة...
استجدي الصداقات العقيمة...والأخوية الوهمية على ارصفة الرجاء...
ابتسمت أمس حين أبصرت يدي وقد نفر بها عِرق كالمعتاد...
ان تآكلتني بعض افكار انشغال...وجعلته كلوح دراسة تـُرك بين أيدي تلامذة عابثين....فعاثوا فيه كيفما يشاؤون....
تذكّرتكِ .....
عندما مددتِ يدكِ مرة...وامسكتِ بيدي...كنا معا على سريري...
وكنتُ أقرأ كتاباً ضخما لتلستوي ( الحرب والسلام )...وقد أخذت مني التفاصيل فيه كل مأخذ....
لم أشعر بما تفعلين....
ولكني سمعتكِ تسألينني.. لكأنما تحادثين نفسكِ...
- هل تعرفين متى يظهر هذا العِرق في يدكِ....؟؟؟
انتبهت لكِ.. ولذاك العِرق...
قطبت حاجبي... نظرت اليكِ...وجدتكِ شديدة التركيز عليه كأنكِ اكتشفتِ أمراً...
عجز عنه نيوتن نفسه...او غفل عنه فرداي ...
ابتسمت ولم أجبكِ...رفعت رأسكِ وأنت لازلتِ في حالة تركيز....
- حين تشعرين بأن مافي داخلكِ... أكبر من أن يحتمله تعبير...
فتتعثر في شرايينك الكلمات... تنظم الى بعضها البعض في مظاهرة مناهضة لـ( الخرس ) المنقض بلا رحمة على خلايا الاستنطاق لديكِ...
عندها...
يزداد سيلان ( الرؤى ) في تلك الشرايين... تتوسع... فتطفو على السطح...
صانعة تلك المعجزة..... ( عِرق نافر )...
ذُهلت...ثم ضحكت...
صُدمتِ أنتِ لضحكتي... ولكنكِ اخيراً شاركتني بها...
برغم نظرة الجدّية التي بقيت تلمع في عينيكِ الرقيقتين...
قولي لي....كيف بربكِ أهرب من تلك التفاصيل الصغيرة... رغم مرور كل هذا الركب الهائل من الاحداث والمستحدثات الزمنية والمكانية .....
وبنفس الوقت... أجد صعوبة جمة في استحضار كل ما يمت لكِ بصلة...
من أغنية.. أو عطر.. أو جديلة قررتُ بعد سنوات طويلة على رحيلكِ..
أن أرحمها من الركن في زاوية من زوايا حقيبة ( أطلالي ) الخاصة....
و أوسدها تراب حديقتنا الصغيرة.... وسط حفل من الدموع الصاخب...
قد تكون الاوجاع كطيور تسكن أعشاش النفس المكلومة...
إن هاجرت...
تشتاق دوماً الى تلك الاعشاش القديمة.. وتعود اليها في مواسم ( الحزن )...
تكنسها من غبار ( النسيان )...وتعيد ترتيب ( آلامها ) المبعثرة...
الا أنها لا تستطيع ان تحافظ عليها من تآكل ( الحياة ) الغضة ...
لكنها تبقى....تنتظر أبنائها.. كل موسم...
لتستعيد ( بكائها ) الدوري....
وهكذا كانت ذاكرتي بكِ....
مترعة حد ( الشهيق ) الاعظم للفقد..
آه لو تعلمين كم كنت بحاجة لكِ في حقبة ( الشتات ) التي مررت بها..
وكم ترائى لي ...
لو أنكِ على قيد الحضور ...
لتجنبت الكثير....حتى قبل عثرتي الاولى... ولكان الدرب غير الدرب...
وان اتجهت البوصلة بنا الى القطب الشمالي...
تعتريني دوما حمى يومية... حين اجد كم كنا كلتانا على النقيض من الانتماء الفكري والمادي...
ربما هي السنون الأربع التي تفصل بين عمرينا ...
وسبقي لكِ في مدى الاحتساب الزمني بها.....
فأنتِ شديدة الشرقية... تعشقين التغنج.. تجيدين منح اللمس لديكِ معنى
( الهمس ) ذاته...
تتباهين دوماً بانكِ أنثى.... شديدة الابتهاج.. تحاورين اصابع الكحل...
تبعثرين قطع الملابس تلك التي بها لا ترغبين...وتمنحينها لزوايا خزانتكِ بإهمال...
كأميرة ازدرت بعض ما تملك....
فمنحته هبات الى حفاة شعبها....
تثيرني نظرتكِ لكل شيئ دوما..كنتُ أستغربها...
توهمين من حولك بشديد لا اباليتكِ... ولكنكِ حقيقةً تسبرين أغوار الأمور...
أما أنا....
فكنت على الضفة الاخرى ...
الأقل جرأة... الاكثر انطواءاً.. الاكثر سعالا وعطاساً على الورق....
لفرط ما اصيبت ذاكرتي به من مرض ( انفلونزا ) الكتب...
ولكن....
حين رحلتِ...
وجدت جزءا منكِ بين طيات ملابسي...على دفة مدونتي ...
مخطوط على ذراع دميتي الصغيرة...
بأنكِ ابداً لن ترحلي دون ( وشم ) في ذاك العِرق النافر...
وعاهدت نفسي مذ تلك اللحظة...
ان لا عِرق ابدا...سيحظى باسمٍ...
غير اسمكِ....
فهو الشيئ الوحيد الذي ما تسرب معكِ....
من تحت عقب ( الصبا )....
ليسكن الذاكرة....
حتى النهاية...
مصر – القاهرة
1/1/09
تعليق