لعبة الأمان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد عزوز
    عضو الملتقى
    • 30-03-2010
    • 150

    لعبة الأمان

    لعبة الأمان


    قصة : محمد عزوز




    تسلل إلى المكتب عبر منفذ ملتو في النافذة ، ظناً منه أنه سينعم بدفء في الداخل ، وربما بطعام ألذ لايعرف كنهه ، ولكنه سيكون ألذ من بعض حبات العنب التي جف ماؤها في أوائل الخريف .
    أصاخ السمع قبل أن يلج بجسده عبر ذاك المنفذ ، لم يسمع جلبة ما تعيقه ، فقرر أن يغامر ..
    تردد قليلاً ، تذكر رفيقه الذي تسلل إلى الداخل منذ ساعات ولم يعد ، أكله الحسد ، كيف يتركه ينعم بالحلاوة والدفء وربما بأشياء أخرى لايعرفها ...؟ صمم على العبور أخيراً ، وتم له ذلك .
    أضواء ناصعة البياض تنشرها عيدان ملساء مثبتة في سقف ذلك المكان ، أغرته بالإقتراب ، وأخافه ذلك الرجل الأصلع الذي يجلس وبجواره أشياء لايعرفها ، حاول أن يكتشفها ، لكن الرجل لم يسمح له بذلك ، إذ سرعان مارآه يحمل بيده عصا مشذبة طويلة ، وبدأ يطارده بها ...
    وجد الأمان في السقف ، حاول أن يختبئ بين عيدان الأضواء البيضاء التي كانت تنشر الضوء والدفء ، لكنه بدأ يتوجس من حرارة كانت تصله منها .
    لمح رفيقه معلقاً بينها ، حاول الإقتراب منه ، خفق قلبه بسرعة :
    ـ إنه لايتحرك .. يبدو محصوراً بين تلك العيدان ..
    اقترب منه أكثر ، خمن أنه ساكن لأنه يتلذذ بطعام ما لايزال يجهله ...
    تساءل من جديد :
    ـ ألم ينتبه لقدومي ..؟ لماذا لاأسمع له أي صوت ..؟
    حاول لمس بعض أجزاء من جسده ، وصعقته المفاجأة .. لقد كان جسداً بارداً دون أي حراك .
    خاف وبدأ يحوم حوله ، دون أن يجرؤ على الإقتراب ثانية .
    العصا لاتزال في يد الرجل ، تطارده من الأسفل ، وهو يحوم حول عيدان الإنارة ، دون أن يقترب منها .
    وقف على جدار مقابل يراقب مايحدث .
    الرجل على مايبدو يحاول الوصول إليه ، يضع طاولة صغيرة ، يصعد إليها ، وقبل أن يرفع عصاه ، عاود ( الدبور ) التحليق قريباً من السقف .
    فكر في الإنتقام .. لماذا لايهاجم الرجل في وجهه ..؟ ولكنه يرى رجالاً آخرين يدخلون ويخرجون من المكتب ، وهذا قد يعرضه للصفع المميت أو الهرس بالأقدام .
    فتش عن زوايا أخرى أكثر أماناً ، صورة معلقة في الأعالي ، فوق رأس الرجل الأصلع تماماً ، وقف على طرف إطارها مستطلعاً ، هدأت دقات قلبه رويداً رويداً عندما رأى الرجل يعود إلى كرسيه تاركاً عصاه تستقر على طرف طاولته دون حراك .
    اطمأن ، وعاد يتطلع حوله ، يفتش عن سبيل للخلاص .
    لم تكن هذه جنته الموعودة كما ظن في البداية ، ولم يعد يذكر تماماً مكان الثغرة التي تسلل منها ، تريث ، طار إلى إحدى الزوايا مفتشاً عن مخرج ، فعاد الأصلع إلى عصاه محاولاً الوصول إليه من جديد ، قفز إلى إطار الصورة ، فهدأ الرجل وعصاه مجدداً .
    دفعه فضوله لمعرفة سرذاك الهدوء الذي يفرضه وقوفه على هذا الإطار ، فطار إلى الجهة المقابلة ، التصق بالسقف ، سمح له المكان بقراءة سر اللوحة الأمان .
    كان الإطار يحوي صورة لرجل عابس تبدو عليه إمارات النعمة ،حاول أن يبحث فيها عن مكامن للخوف لايعرفها دون جدوى ، ولم يتباطأ في العودة قبل أن تمتد إليه الأيادي .
    بعد قليل دخل رجال آخرون ، رآهم ينظرون إليه ، يصابون بالذعر في البداية ، وعندما يتأكدون من معقله المختار ، ينظرون بحسرة إلى عصا ممددة على الطاولة ، دون أن يجرؤوا على مد أيديهم إليها .
    جرب أن يطير في حضرتهم تاركاً هذا المعقل ، فتزاحمت الأيدي تبغي العصا أو أدوات أخرى كان يراها وقد بدأت تتزاحم هي الأخرى في الوصول إليه .
    يقهقه على طريقته ، ثم يعود إلى الإطار ، فيخمد ضجيج أولئك الرجال ويتركونه وشأنه .
    أعجبته اللعبة ، وعاب على أولئك الرجال الذين أخمدتهم هذه اللوحة ـ الإطار .
    وعندما أطفؤوا الأنوار وغادروا المكتب ، حزن لأنه لن يستطيع إتمام اللعبة ـ متعته الوحيدة الجديدة ، بعد أن أضاع طريقه إلى الخارج حيث كان ينعم بالحلاوة والهواء والحرية ...
  • إيمان الدرع
    نائب ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3576

    #2
    الأستاذ الفاضل: محمدعزوز:
    ليتها لم تُطفأ الأنوار..ولم يغادروا المكتب ، ولم يتركوه حزيناً، لأنه لن يستطيع إتمام اللعبة..
    التي كان ينعم بممارستها بالحلاوة،والهواء، والحريّة..
    لقد فقد أشياء بسيطة كانت كلّ عالمه..وكلّ جدران نفسه..
    نصّ جميل ، مؤثّر..
    دُمتَ بسعادةٍ....تحيّاتي..

    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

    تعليق

    • محمد عزوز
      عضو الملتقى
      • 30-03-2010
      • 150

      #3
      الأديبة إيمان الدرع
      أشكر لك هذه القراءة المتأنية
      كل المودة والتقدير لحضورك الجميل

      تعليق

      يعمل...
      X