[align=justify]
[gdwl]
جاري أبو الرافع .. فيلسوف !
د. نديم حسين
وحيدٌ أنا كذَكَرِ الحمامِ , في فضاءٍ يُطفِئُهُ الضَّبابُ , فضاءٌ يعجُّ بالنُّسورِ , وأنا تُقلقُني عيونُ النسورِ , ويَبري جناحيَّ طموحُ النسورِ لوجبةٍ من هديلٍ دافيءٍ . وحيدٌ أنا .. كنَسرٍ صائمٍ تُؤنِسُ وحشَتَهُ فريسةٌ هادِلَةٌ !
- عُدْ , إذًا إلى بيتكَ يا ولدي , فستجدُ المساءَ ووجهي وأشياءك الأخرى في انتِظاركَ , أَشعِلْ نجمتين , تناوَلْ قصيدتين بالسَّمن البلدي , ونثيرَةً ساخنةً , واضرِبْ عَرضَ مستطيلِ نافذتِكَ الشرقيةِ , اضرِبهُ بطولِكَ لتعرفَ مساحةَ الوَطَنْ ! أنطق الشهادتين ونَمْ ! ستصحو عند الصباح على احتمالين لا ثالِثَ لهما إلاَّكَ .
- حسنًا , إمنحيني سبيلاً إليكِ !
- " إقرضْ " سبيلَكَ وامضِ !
ليلي يا حبيبتي عميقٌ وباردٌ , نَجمي صديقي , ونَصْلُ هذا الليلِ مغروسٌ بقلبي , أفهِمتِ سرَّ الأُقحوان ؟ أحيانًا تهُبُّ الرياحُ فتهتزُّ قامةُ الظَّلامِ , لا تنكسِرُ تمامًا , لكنها تهتزُّ فيُجالسُني أرقي حتى انتهاءِ ليلتي , وضبابُ النهاياتِ يا عزيزتي نابٌ في زَبَدْ , فهل يتألَّمُ الزَّبَد ؟ .. لا أعرفُ لأنه لا يتقنُ اللغة العربية الفصحى .
سيدتي , أنا مِن صُنعِ روحي . سَبعُ رياحٍ تدُقُّ سطوحي , توائم روحي .
لا منطِق في كلامكَ هذا ! حسنًا هل يتدلَّى المنطقُ من أوتار الكمان ؟ ما يجعلُ الكمانَ كمانًا هو ارتحالُ المنطق عن وترِ الكمان . ثم اسألي عازفًا عابِرًا عن أصابعهِ المسكونةِ باللامنطقِ المجنون والعاقل في آنْ ! صدى الأنامل عالَمٌ ليليٌّ حالِمٌ , يفعلُ بموتهِ أكثَرَ ما تفعلينَ أنتِ بحياتِكِ . أنا الليلةَ يا صديقتي مخلوقٌ وحيدٌ , حزينٌ , خائفٌ , ألُفُّ خوفي بعنايةٍ شديدةٍ كهديةٍ ثمينةٍ , أُطلِقُ النارَ حتى تنتهي بندقيتي لكي لا يتبقَّى لديَّ الكثيرُ من الكلماتِ . وكما تعلمُ مرآتُكِ فعيناكِ جميلتانِ , وأنا مُتعَبُ الوجهِ , جسدي جِسرٌ مُرهَقٌ ما بيني وبيني , يدوسُهُ العابرونَ تحايُلاً على شَبَقِ النهرِ , جسدي جِسرٌ هاديءٌ , صابِرٌ , لكنَّ عاصفتي ما قَبـْلَها هدوؤُها وبَعدَها هُدوئي . وأنتِ يا حبيبتي كَفُّكِ دافئةٌ تهمِسُ ألفَ لمسةٍ , وقلبي مُستَمِعُكِ الكريمُ , جميلٌ كفجرٍ جديدٍ مهما تكرَّرَ تظلُّ روحُ التجدُّدِ فيه , وأنتِ .. مِن ضِلعِ حُلمٍ بَراكِ اللهُ .. وأنا أحبُّ أن أفتتحَ صباحاتي بوجهكِ النائمِ !!
فجأةً , قطَعَ عليَّ خَلوتي صوتُ جاري أبي الرافع :
- صباح الخير يا أبا خالد , أسمعُكَ تتكلَّمُ ولا أرى أحدًا في كرْمِ الزيتونِ هذا , فمَن تُحادِثْ ؟
- أحادِثُ الأرضَ يا أبا الرافعِ .
- وهل ما زالت الأرضُ تتقن اللغة العربيةَ الفُصحى ؟
- نعم ! قـُلتُ . فنحنُ .. والزَّبَدُ بِتنا لا نُتقنُ اللغةَ يا أبا الرافعِ , وبالمناسبة , لطالما خالَفتُ أهلَ قريتنا رأيهم بأنَّكَ غبيٌّ بتفَوُّقٍ , فسؤالُكَ هذا يرفعُكَ إلى مقاماتِ الفلاسفةِ .
- والله العظيم يا أبا الخالدِ لم أفهَم كلمةً واحدةً من حديثكَ , ولكنني أحببتُهُ جدا , ولا أدري لماذا !
- ولا أنا ... ولا أنا , قُلتُ . ثمَّ نهضتُ وأبقَيتُ ما عَلِقَ من تُرابِ الأرضِ على ثِيابي , لعله يمنحُني سبيلاً يقودُني إليها !.
[/align]
[/gdwl]
[gdwl]
جاري أبو الرافع .. فيلسوف !
د. نديم حسين
وحيدٌ أنا كذَكَرِ الحمامِ , في فضاءٍ يُطفِئُهُ الضَّبابُ , فضاءٌ يعجُّ بالنُّسورِ , وأنا تُقلقُني عيونُ النسورِ , ويَبري جناحيَّ طموحُ النسورِ لوجبةٍ من هديلٍ دافيءٍ . وحيدٌ أنا .. كنَسرٍ صائمٍ تُؤنِسُ وحشَتَهُ فريسةٌ هادِلَةٌ !
- عُدْ , إذًا إلى بيتكَ يا ولدي , فستجدُ المساءَ ووجهي وأشياءك الأخرى في انتِظاركَ , أَشعِلْ نجمتين , تناوَلْ قصيدتين بالسَّمن البلدي , ونثيرَةً ساخنةً , واضرِبْ عَرضَ مستطيلِ نافذتِكَ الشرقيةِ , اضرِبهُ بطولِكَ لتعرفَ مساحةَ الوَطَنْ ! أنطق الشهادتين ونَمْ ! ستصحو عند الصباح على احتمالين لا ثالِثَ لهما إلاَّكَ .
- حسنًا , إمنحيني سبيلاً إليكِ !
- " إقرضْ " سبيلَكَ وامضِ !
ليلي يا حبيبتي عميقٌ وباردٌ , نَجمي صديقي , ونَصْلُ هذا الليلِ مغروسٌ بقلبي , أفهِمتِ سرَّ الأُقحوان ؟ أحيانًا تهُبُّ الرياحُ فتهتزُّ قامةُ الظَّلامِ , لا تنكسِرُ تمامًا , لكنها تهتزُّ فيُجالسُني أرقي حتى انتهاءِ ليلتي , وضبابُ النهاياتِ يا عزيزتي نابٌ في زَبَدْ , فهل يتألَّمُ الزَّبَد ؟ .. لا أعرفُ لأنه لا يتقنُ اللغة العربية الفصحى .
سيدتي , أنا مِن صُنعِ روحي . سَبعُ رياحٍ تدُقُّ سطوحي , توائم روحي .
لا منطِق في كلامكَ هذا ! حسنًا هل يتدلَّى المنطقُ من أوتار الكمان ؟ ما يجعلُ الكمانَ كمانًا هو ارتحالُ المنطق عن وترِ الكمان . ثم اسألي عازفًا عابِرًا عن أصابعهِ المسكونةِ باللامنطقِ المجنون والعاقل في آنْ ! صدى الأنامل عالَمٌ ليليٌّ حالِمٌ , يفعلُ بموتهِ أكثَرَ ما تفعلينَ أنتِ بحياتِكِ . أنا الليلةَ يا صديقتي مخلوقٌ وحيدٌ , حزينٌ , خائفٌ , ألُفُّ خوفي بعنايةٍ شديدةٍ كهديةٍ ثمينةٍ , أُطلِقُ النارَ حتى تنتهي بندقيتي لكي لا يتبقَّى لديَّ الكثيرُ من الكلماتِ . وكما تعلمُ مرآتُكِ فعيناكِ جميلتانِ , وأنا مُتعَبُ الوجهِ , جسدي جِسرٌ مُرهَقٌ ما بيني وبيني , يدوسُهُ العابرونَ تحايُلاً على شَبَقِ النهرِ , جسدي جِسرٌ هاديءٌ , صابِرٌ , لكنَّ عاصفتي ما قَبـْلَها هدوؤُها وبَعدَها هُدوئي . وأنتِ يا حبيبتي كَفُّكِ دافئةٌ تهمِسُ ألفَ لمسةٍ , وقلبي مُستَمِعُكِ الكريمُ , جميلٌ كفجرٍ جديدٍ مهما تكرَّرَ تظلُّ روحُ التجدُّدِ فيه , وأنتِ .. مِن ضِلعِ حُلمٍ بَراكِ اللهُ .. وأنا أحبُّ أن أفتتحَ صباحاتي بوجهكِ النائمِ !!
فجأةً , قطَعَ عليَّ خَلوتي صوتُ جاري أبي الرافع :
- صباح الخير يا أبا خالد , أسمعُكَ تتكلَّمُ ولا أرى أحدًا في كرْمِ الزيتونِ هذا , فمَن تُحادِثْ ؟
- أحادِثُ الأرضَ يا أبا الرافعِ .
- وهل ما زالت الأرضُ تتقن اللغة العربيةَ الفُصحى ؟
- نعم ! قـُلتُ . فنحنُ .. والزَّبَدُ بِتنا لا نُتقنُ اللغةَ يا أبا الرافعِ , وبالمناسبة , لطالما خالَفتُ أهلَ قريتنا رأيهم بأنَّكَ غبيٌّ بتفَوُّقٍ , فسؤالُكَ هذا يرفعُكَ إلى مقاماتِ الفلاسفةِ .
- والله العظيم يا أبا الخالدِ لم أفهَم كلمةً واحدةً من حديثكَ , ولكنني أحببتُهُ جدا , ولا أدري لماذا !
- ولا أنا ... ولا أنا , قُلتُ . ثمَّ نهضتُ وأبقَيتُ ما عَلِقَ من تُرابِ الأرضِ على ثِيابي , لعله يمنحُني سبيلاً يقودُني إليها !.
[/align]
[/gdwl]
تعليق