ضحكات في آخر الليل
أمشي شارد الذهن في وحدة الدرب, تداعب خصلات شعري نسمات رقيقة في ليلةٍ بدرها اكتمل في أبهى طلة, أرفع رأسي ناظراً إلى النجوم باحثاً عن نجمي الجميل, ثم أنحني إلى الأمام وأركل برجلي حصواتٍ تصادفني لتتراقص أمامي متكدرة من مزحي الثقيل, واضعاً يداي في جيوبي أتحسس لباناً دسته ابنة أختي الصغيرة في جيبي بينما كنت أخرج من بيتهم .
وصل إلى أسماعي صوت مألوف للقرية كلها, صوت المجنون شمشوم , هذا ليس اسمه بل لقب أطلقه عليه أهلُ القرية لقوته الشديدة, والتي لا يبخل بها على أحدٍ في رفع حجر, أو حمل الثقيل لهم, أو حتى إحجام حمار هارب من صاحبه, وما أن أصبح بمحاذاتي حتى بادرني بالتحية, لم يسبق أحد شمشوم بإلقاء التحية أبداً.
- إلى أين تذهب يا شمشوم ؟
- أنا ذاهب إلى العرس .
- وأي عرس تذهب إليه في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟!..
- إنه عرسي وأنا مدعو لحضوره.
فابتسمت وأخرجت اللبان من جيبي وقدمته له فتوقف فجأة عن السير وقال بانفعال شديد.
- لا أريده .
- فقلت لم ؟!..
- قال : لن أخبرك .
عجبت من أمره وزادني الفضول لأعرف السبب, فما كان يوماً رفض فيه أن يأخذ مني شيئاً قدمته له .
فقلت : وإذا أعطيتك خمس ليرات , قال : بل عشرة , قلت له طيب عشرة هيا أخبرني.
قال ضعها أولاً في يدي فوضعتها ثم أومأ لي أن اقترب, فاقتربت منه وقال وهو يهمس وكأنه يقول لي سراً خطيراً..
- رأيت البارحة نعجة تمضغ اللبان, وأنا لا أريد أن يقول الناس عني بأنني نعجة.
فضحكت ملء فمي, حتى أحسست أن بطني التصق بظهري, بينما افترق هو عني سالكاً درباً ترابياً فرعياً.
تابعتُ طريقي وأنا أكتم ضحكاتي خشية أن يراني أحدهم ويظن بي الجنون, بينما تابع شمشوم طريقه ينظر إلى ليراته العشر, ويصيح بعالي الصوت (يلي عنده نحاس , يلي عنده ألمنيوم , يلي عنده خبز يابس للبيع).
ورحتُ أحثُ الخطى وأنا أعاني الأمرين, من كتم ضحكاتي التي أمسكها حيناً وتفلت مني أحياناً وأنا أردد في نفسي..
والله لو رأيت ألف نعجة يجترِرن حتى الصباح ما كانت لتخطر لي فكرة شمشوم, واحترت في أمري من منا العاقل ومن المجنون, وأقسمت بقرارة نفسي أن لا أمضغ اللبان ثانية, وصح المثل الذي يقول خذ الحكمة من أفواه المجانين, أما أنا فقد اشتريت الحكمة بعشر ليرات.
دخلت باب بيتي وما زالت شرذمات من ضحكاتي تفلت مني, وما زال صوت الحكيم شمشوم يصدح في أذني يلي عنده نحاس , يلي عنده ..
ملاحظة :عذراًً ممن يحب اللبان فأنا لم أقصد سوءاً وإنما هي مجرد فكرة !!..
تعليق