التوقف الأخير
20-6-2009
في يوم ككل أيام العمل, ومع أنه انطلق منذ الصباح الباكر يجوب دروب الصحراء، والتي لم يبق من صفاتها إلا قسوة الحياة، حيث لا خدمات ولا مواصلات لقاطنيها، مضى يسعى حثيثا نحو الرزق بحثا عن عميل جديد..خدمة لعملاء قدامى..بيع..متابعة..تحصيل..إلا أن شيئا من هذا لم يحدث حتى انتصف النهار، حينما لمح القروية الشابة حاملة صغيرها واقفة ولا ظل لها ولا عليها في ظهيرة ذلك اليوم القائظ لم يتردد للحظة – كعادته - في كبح جماح سيارته المنطلقة ليقلها إلى أقرب مكان تريد حسبما يسمح خط سيره المرسوم من قبل الشركة..مد يمينه..فتح الباب..في لهفة..خفضت رأسها ..دفعت طفلها الصامت ثم دلفت مسرعة.. نحو الظل..متعبة ولكن متهللة، وبلهجة صعيدية، محببة إلى قلبه، صاحت:
- ربنا يخليك يا سعادة البيه ربنا ما يرميك الرمية السودا دي
- كلنا لبعض سند يا ستي أي خدمة
- ملعون أبو الزمن – سعادتك- اللي رمانا في الحتة المجطوعة دي
- معلهش يا ستي أكل العيش صعب ربنا يعينك .. انت رايحة فين ؟
- برضك دا كلام يا بيه .. انت كفاية تعبك ..ارمينا في أي حتة في طريجك
- ياستي قولي رايحه فين؟ ولو أقدر أوصلك ها أوصلك.
- يا بيه ربنا يخليك .. انت شكلك ابن ناس جوي.. انت خليك ف طريجك وانا أول ما ألاجي انك هتحود في طريج غير بتاعنا هاتدلى م العربية.
- حاضر يا ستي انت تأمري.
- الله يسامحه جوزي هو السبب في غربتنا.. كان يوم اسود يوم ما اتنيلت واتجوزته..جال إيه؟ عشجته..ما تستغربش يابيه ..أصلو كان حليوه.. كل بنات البلد كانت عشجاه..ويوم ما سمعت ابويا بيجول لأمي ان سيد ابو السعادات رايدني عن دون بنات بلدنا..جلبي هفهف..يجطع جلبي ع الهفهفه سوا..البنته صوحاباتي حسدوني..ما خبيش عليك يا بيه أصل أني كنت حلوة برضك ..مش أنا حلوة يا بيه؟
- ....
عيناه لم تفارقا الإسفلت الأسود ولا عدادات السيارة..فقد كان من ذلك النوع الذي لا يهتم إلا بعقل المرأة وروحها.
20-6-2009
في يوم ككل أيام العمل, ومع أنه انطلق منذ الصباح الباكر يجوب دروب الصحراء، والتي لم يبق من صفاتها إلا قسوة الحياة، حيث لا خدمات ولا مواصلات لقاطنيها، مضى يسعى حثيثا نحو الرزق بحثا عن عميل جديد..خدمة لعملاء قدامى..بيع..متابعة..تحصيل..إلا أن شيئا من هذا لم يحدث حتى انتصف النهار، حينما لمح القروية الشابة حاملة صغيرها واقفة ولا ظل لها ولا عليها في ظهيرة ذلك اليوم القائظ لم يتردد للحظة – كعادته - في كبح جماح سيارته المنطلقة ليقلها إلى أقرب مكان تريد حسبما يسمح خط سيره المرسوم من قبل الشركة..مد يمينه..فتح الباب..في لهفة..خفضت رأسها ..دفعت طفلها الصامت ثم دلفت مسرعة.. نحو الظل..متعبة ولكن متهللة، وبلهجة صعيدية، محببة إلى قلبه، صاحت:
- ربنا يخليك يا سعادة البيه ربنا ما يرميك الرمية السودا دي
- كلنا لبعض سند يا ستي أي خدمة
- ملعون أبو الزمن – سعادتك- اللي رمانا في الحتة المجطوعة دي
- معلهش يا ستي أكل العيش صعب ربنا يعينك .. انت رايحة فين ؟
- برضك دا كلام يا بيه .. انت كفاية تعبك ..ارمينا في أي حتة في طريجك
- ياستي قولي رايحه فين؟ ولو أقدر أوصلك ها أوصلك.
- يا بيه ربنا يخليك .. انت شكلك ابن ناس جوي.. انت خليك ف طريجك وانا أول ما ألاجي انك هتحود في طريج غير بتاعنا هاتدلى م العربية.
- حاضر يا ستي انت تأمري.
- الله يسامحه جوزي هو السبب في غربتنا.. كان يوم اسود يوم ما اتنيلت واتجوزته..جال إيه؟ عشجته..ما تستغربش يابيه ..أصلو كان حليوه.. كل بنات البلد كانت عشجاه..ويوم ما سمعت ابويا بيجول لأمي ان سيد ابو السعادات رايدني عن دون بنات بلدنا..جلبي هفهف..يجطع جلبي ع الهفهفه سوا..البنته صوحاباتي حسدوني..ما خبيش عليك يا بيه أصل أني كنت حلوة برضك ..مش أنا حلوة يا بيه؟
- ....
عيناه لم تفارقا الإسفلت الأسود ولا عدادات السيارة..فقد كان من ذلك النوع الذي لا يهتم إلا بعقل المرأة وروحها.
- شكلك متصدع ولا زهجان يابيه ولا يكونش حديتي ماعجبكش
- .....
- حاضر يابيه هاسكت..أني أسفة..ولا تحب أغير الحكاية؟
- ............
- خلاص ها اسكت..كتر خيرك يابيه ..كفاية إنك مستحمل وهتوصلني.
- .........
اقترب بسيارته من مفترق طرق حول وجهه نحوها مستفسرا بحروف لا صوت لها
- لا يابيه لسه بدري .. احنا بعيد عن جنابك مرميين في آخر الدنيه .. غلب الله لا يوريك..الواد الصغير اللي حيلتي ده, بعيد عن عيالك, من يوم ما جيه ما بينطجش..كل شويه رايحه جايه بيه ع الوحدة الصحية..وسعاتك عارف الطرج هنا ما فيهاش مواصلات ..باتشحطط بيه كل مرة وأبوه، يا عيني عليه، ما بيقدرش يسييب المزرعة، أصله شغال غفير عليها، والبيه صاحبها راجل نتن مضيجها علينا جوي..و
- إنتي نازله فين ؟
- يووه يابيه أني أسفه صدعتك تاني.. هو أني مشواري لساته بعيد .. أقولك يا بيه نزلني هنا وأنا أستني نصيبي..ما أصل الغلابة اللي زيينا ما لهمش حد .. لكن لينا ربنا..اللي إداك يدينا
- يا ستي مش قصدي.. أنا بس عاوز أعرف أخد أي طريق؟
- معلهش يا بيه أصل البني آدم منينا حسيس حبتين .. أكمن الزمن جار علينا..ملعون أبو الليام .. ما هو أصلك يابيه جوزي كان راجل غني ومقتدر.. ماني جولت لك قبل إكده إنه كان زينة الشباب..كان وارث عن أبوه دار حلوه ودكان كبيره..وأبويا كان من كبرات البلد..لكنه جردني م الورث وإداه لخواتي الرجالة..زي عوايدنا..ياللا ..كلاته راح يا بيه..كنا مستورين وكان مستتني ع الآخر..الله يرحم الليام..وماعدش حدانا حاجة..دلو كيتي عايشين ف عشه بوص ..يوروه يا بيه أكيلك إيه ولا إيه؟
كان يوم إمطين بطين..يوم ماتخانج مع خواته..خناجة هايفة جلبت بجد ..لما إتهور وزق الواد المفعوص بن أخوه..ماهو الواد يستاهل جليل أدب زي أمه..طول لسانه على جوزي..وهو صعيدي دمه حامي..راح ملافي الواد جلم على وشه..الواد خبط ف الحيط راسه اتفتحت..أبوه البخيل النتن مارضيش يوديه للحكيم..مع إنه يجدر ومكنز الفلوس إكوام..كبسوله الجرح برماد فرن..غباوة يا بيه بعيد عنك..معلهش يا بيه استحمل حكاويه ماصل مبلاجيش حد أحكوت معاه وأفك عن نفسي..بعديها بيومين الواد سخن..برضك أبوه مارضيش يدفع فلوس العلاج..وجومنا مفزوعين ليلتها على صوت صراخ امه..وحد بيرزع الباب جامد..جال إيه جال؟ أبو الواد جاي ياخد التار من ولد أخوه..عاوز يموت لي الواد الحيله ده..هجينا بسرعة من وشه .. ولا لحجنا ناخد معانا ولا حتى هدمة..وجينا على إهنه ومن يومها مستخبيين خايفين حد يعرف طريجنا..
اللا جولي يا بيه .. ما تعرفليش حكيم زين حداكم ف البندر يعالج لي الواد..ولا حكيم على إيه .. يعني جال ها أجدر أدفع له الفيزيته ؟..ولا أشاسا هأجدر أوصل له..,...,...
ولأول مرة تصمت حروفها وبدلا عنها تثرثر نحيبا .. يحول وجهه نحوها لبرهة ليلمح سيول تفيض على وجنتيها الحمراوين..ويكتشف خلف شحوب وجهها نبل قديم جار عليه الزمن..يدفع يده إلى درج تابلوه السيارة..يسحب عدة ورقات ملونة من حصيلة مبيعات الأمس..يغلق الدرج على ما فيه..يكور ما بيديه..في حياء يدسه في يدها
- دول عشان الواد.. ولو عرفت عنوان دكتور ها أجيبو ليكم.. إنتي بس عرفيني ساكنه فين؟
- كتر خيرك يا بيه..لا ما يصحش..أني بس لو ما فيهاش إساءة أدب عاوزاك توصلني جوه شوية ف الطريج اللي جاي ع الشمال ..مش عشاني بس عشان الواد العيان ديتي..والدنيا حر نار ..كتر خيرك يا بيه.. الله يخليك لعيالك..أيوه هنا إدخل شمال..المزرعة اللي بعد اللي جاية ..أيوااه بس هنا ..أبو العيال أهو اللي واقف هناك ده مع الرجالة..
- .....
- حاضر يابيه هاسكت..أني أسفة..ولا تحب أغير الحكاية؟
- ............
- خلاص ها اسكت..كتر خيرك يابيه ..كفاية إنك مستحمل وهتوصلني.
- .........
اقترب بسيارته من مفترق طرق حول وجهه نحوها مستفسرا بحروف لا صوت لها
- لا يابيه لسه بدري .. احنا بعيد عن جنابك مرميين في آخر الدنيه .. غلب الله لا يوريك..الواد الصغير اللي حيلتي ده, بعيد عن عيالك, من يوم ما جيه ما بينطجش..كل شويه رايحه جايه بيه ع الوحدة الصحية..وسعاتك عارف الطرج هنا ما فيهاش مواصلات ..باتشحطط بيه كل مرة وأبوه، يا عيني عليه، ما بيقدرش يسييب المزرعة، أصله شغال غفير عليها، والبيه صاحبها راجل نتن مضيجها علينا جوي..و
- إنتي نازله فين ؟
- يووه يابيه أني أسفه صدعتك تاني.. هو أني مشواري لساته بعيد .. أقولك يا بيه نزلني هنا وأنا أستني نصيبي..ما أصل الغلابة اللي زيينا ما لهمش حد .. لكن لينا ربنا..اللي إداك يدينا
- يا ستي مش قصدي.. أنا بس عاوز أعرف أخد أي طريق؟
- معلهش يا بيه أصل البني آدم منينا حسيس حبتين .. أكمن الزمن جار علينا..ملعون أبو الليام .. ما هو أصلك يابيه جوزي كان راجل غني ومقتدر.. ماني جولت لك قبل إكده إنه كان زينة الشباب..كان وارث عن أبوه دار حلوه ودكان كبيره..وأبويا كان من كبرات البلد..لكنه جردني م الورث وإداه لخواتي الرجالة..زي عوايدنا..ياللا ..كلاته راح يا بيه..كنا مستورين وكان مستتني ع الآخر..الله يرحم الليام..وماعدش حدانا حاجة..دلو كيتي عايشين ف عشه بوص ..يوروه يا بيه أكيلك إيه ولا إيه؟
كان يوم إمطين بطين..يوم ماتخانج مع خواته..خناجة هايفة جلبت بجد ..لما إتهور وزق الواد المفعوص بن أخوه..ماهو الواد يستاهل جليل أدب زي أمه..طول لسانه على جوزي..وهو صعيدي دمه حامي..راح ملافي الواد جلم على وشه..الواد خبط ف الحيط راسه اتفتحت..أبوه البخيل النتن مارضيش يوديه للحكيم..مع إنه يجدر ومكنز الفلوس إكوام..كبسوله الجرح برماد فرن..غباوة يا بيه بعيد عنك..معلهش يا بيه استحمل حكاويه ماصل مبلاجيش حد أحكوت معاه وأفك عن نفسي..بعديها بيومين الواد سخن..برضك أبوه مارضيش يدفع فلوس العلاج..وجومنا مفزوعين ليلتها على صوت صراخ امه..وحد بيرزع الباب جامد..جال إيه جال؟ أبو الواد جاي ياخد التار من ولد أخوه..عاوز يموت لي الواد الحيله ده..هجينا بسرعة من وشه .. ولا لحجنا ناخد معانا ولا حتى هدمة..وجينا على إهنه ومن يومها مستخبيين خايفين حد يعرف طريجنا..
اللا جولي يا بيه .. ما تعرفليش حكيم زين حداكم ف البندر يعالج لي الواد..ولا حكيم على إيه .. يعني جال ها أجدر أدفع له الفيزيته ؟..ولا أشاسا هأجدر أوصل له..,...,...
ولأول مرة تصمت حروفها وبدلا عنها تثرثر نحيبا .. يحول وجهه نحوها لبرهة ليلمح سيول تفيض على وجنتيها الحمراوين..ويكتشف خلف شحوب وجهها نبل قديم جار عليه الزمن..يدفع يده إلى درج تابلوه السيارة..يسحب عدة ورقات ملونة من حصيلة مبيعات الأمس..يغلق الدرج على ما فيه..يكور ما بيديه..في حياء يدسه في يدها
- دول عشان الواد.. ولو عرفت عنوان دكتور ها أجيبو ليكم.. إنتي بس عرفيني ساكنه فين؟
- كتر خيرك يا بيه..لا ما يصحش..أني بس لو ما فيهاش إساءة أدب عاوزاك توصلني جوه شوية ف الطريج اللي جاي ع الشمال ..مش عشاني بس عشان الواد العيان ديتي..والدنيا حر نار ..كتر خيرك يا بيه.. الله يخليك لعيالك..أيوه هنا إدخل شمال..المزرعة اللي بعد اللي جاية ..أيوااه بس هنا ..أبو العيال أهو اللي واقف هناك ده مع الرجالة..
بعد عدة أيام حملت الجرائد نبأ العثور على مندوب مبيعات ملقى بين الزراعات في إحدى المناطق الصحراوية النائية عاري البدن مشوه الوجه..نقل للمستشفى.. ومازال البحث جاريا.
تعليق