حلّ الشتاء, بسماء داكنة محملة بوعود ماطرة بعد قحط قاتل، وبدا أن خلية النحل في مزرعة العم أسعد؛ تعيش ظروفا عسيرة يصعب تجاوزها، فالمروج أمست أكواما من تراب ناعم ، والحقول صارت ساحات لعربدة الرياح الجافة، تصنع مايشبة دوامات ضبابية ترتفع به إلى الأعالي, فتكسب السماء لونا أحمرا مخيفا...
تخرج النحلات في الصباح بالمئات, مثقلة بآمال من سراب, تظل تلفّ وتلفّ ، ينتهي أكثرها في بطون الطيور الجميلة, و الدبابير الشرسة, وأقلها يعود في المساء، يرقص على مرأى الملكة رقصات الألم القادم
وتضطرالملكة في كل مساء إلى تعديل أستراتجيتها, فتخفّض عدد العسس على المداخل, لتحشد أكبر قدر ممكن من النحلات للسفر نحو الحقول البعيدة, بحثا عن طعام... لكن, دون جدوى
ضعفت دفاعات الخلية، فأصبحت فريسة سهلة أمام حشود الدبابير التي تظل تحوم حول المداخل, لتهاجم كل نحلة تحلق لدى خروجها أو عودتها...
اختل التوازن بشكل مريع, واكتسحت المجاعة ربوع المملكة التي كانت سعيدة, وتوفرت فرصة من ذهب للذكورالكسالى, للسطو على العيون الشمعية التي تحوي كل ما ادخرته الخلية, للفترات العصيبة، وأخذ النظام طريقه سريعا نحو الانهيار, والملكة تنوء بوجع البحث عن مخرج للأزمة الحادة التي تمر بها المملكة، وفيما هي تفكر بعمق توقفت أمامها نحلة مخبرة ، رقصت دون استئذان رقصة طوارئ ، مفادها أن سربا حاشدا من طيور الوروار حطّ بمحاذاة مزرعة العم أسعد ، حينئذ فقط, أفرزت الملكة هرمون الرحيل.
وفيما كانت العاملات يقمن بتنظيف جسد الملكة, حملن هذا الأمر الهرموني ،وزعنه بسرعة على باقي أفراد خلية النحل ، وتم ذلك فما لفم حين تبادل طعام المساء... فحوى الرسالة التي بثت يحمل نبرة يأس وتحدّ ، قصيرة واضحة:
( استعدوا للرحيل فلا وطن, في هذا الوطن..)!!
في تلك الليلة سالت دماء كثيرة.. كل اليرقات فتك بهن, والتهم ما تبقى من عسل مدخر في العيون الشمعية،
تكسرت أمان, وأحلام عزيزة..
وإن كان الرحيل عن الوطن المستباح قاسيا وموجعا, فإن الانفلات من حشود طير الوروار استحوذ على تفكير الجميع، فتقرر أن يكون الخروج باكرا, في غفلة عن الجميع!!
مع ضياء أول من نور الصباح, علا أزيز النحل في الفضاء، حلق الموكب تتقدمه الملكة في منظر استثنائي, يستبد به الحزن, ليصادف ذلك عودة العم أسعد من صلاة الصبح في المسجد ، بدا الاستغراب على محياه!!
عصفت به رياح الحيرة!!
كيف لخلية نحل أن تهاجر في عز برد الشتاء؟... إنها علامة من علامات الساعة.. تساءل في داخله...
وفيما هو في حالة من ذهول وارتباك, باغتته عاصفة هوجاء
شتت سرب النحل
مزقت أجنحته, وطوّحت به متناثرا في ساحة من قمامة..
العربي الثابت
تعليق