تغيير القناعات ...
شذى عيسى
قناعات الإنسان تتولد لديه من مصادر عديدة ، و يكتسب الإنسان مجموعة كبيرة من القناعات من أسرته المحضن الأول له ، ثم كلما احتك أكثر بالمجتمع وبوسائل الاتصال المختلفة ، زادت مصادر تلقيه للمعلومة ، و اكتسابه للمعرفة ، ومن ثم تشكل القناعات لديه.
وتلعب تقاليد المجتمعات دورا بارزا في تشكيل القناعات ، وهكذا يكبر الطفل حاملا قناعات و الده و أستاذه وشيخه ، إلى أن يمر بتجربة معينة أو يكتسب معرفة ما ، قد تغير شيئا من قناعاته ...
وفي الكثير من الأحيان يرفض الشخص تغير مفهوم لديه أو قناعة معينة على الرغم من تعرفه على شواهد و أدلة تناقض قناعته ، ذلك لأن القناعة استقرت في نفسه و ارتاحت لها ، وهو يشعر بهذه القناعة بنوع من الاستقرار ، لذا يرفض التحول من وضعه المستقر الى وضع أكثر تذبذبا و تشتت .
و لعل مرحلة الصراع الداخلي ، مرحلة أساسية في تغير القناعات ، و عادة ما يلجأ الشخص للبحث أكثر و السؤال و التمحيص حتى تستكين نفسه للمفهوم الجديد ويقتنع به .
إن عملية المواجهة و الصدام تولد عادة حالة من العناد يلجأ لها الطرف الأخر بغية الدفاع عن نفسه ، لذا فقلما تأتي بنتائج مجدية في تغير قناعة الفرد ، و تستجيب نسبة أفضل لأسلوب الحوار الهادئ و المنطقي ...
و تختلف سرعة تغيير المرء لقناعاته وفق مدى تمسكه أصلا بها ، فعلى سبيل المثال ، لو سمع طالب في كلية الطب بأن الدواء الفلاني أثبتت التجارب عدم جدواه في علاج مرض الضغط ، سيكون مدى تقبله و تجاوبه للمعلومة أسرع بكثير من طبيب يستخدم هذا الدواء لمدة عشرين سنة لعلاج مرضاه ويرى أنهم يتحسنون عليه ، ذلك أن الطبيب تشكلت لديه القناعة على مدى سنوات طويلة فصارت جزءا أساسيا متين لا يسهل التنازل عنه ، و الأمر الاخر أنه قد رأى نتائج هذا العلاج و لديه دلائل عينية على عدم صحة المعلومة التي سمعها ، على الرغم من أن المنهجية و الطريقة التي أجريت بها الدراسة كانت علمية صحيحة .
وهنا تتميز فئة أخرى بمزيد من المرونة ، فهي على استعداد لوزن الأمور بموازينها ، و تقصي الحقيقة واتباع الدليل ، لتصل للحقيقة الصافية .
و مع ذلك تظل المسألة محط اجتهاد يخطئ متقصيها أو يصيب .
ومن العوامل الأخرى في تغيير القناعات ، مصدر التغيير ، فقد تجلس إلى شخص ما عشرات المرات وفي كل مرة يحاول اقناعك برأي يخالف اعتقادك فتظل مصرا على رأيك في حين تسمع نفس الشيء من شخص آخر لمرة واحدة و بأسلوب عادي ، لكنك تحب هذا الشخص كثيرا أو تؤمن بأفكاره وطريقة تفكيره فتجدك تستجيب بسرعة و تصدق بما قال ، بل قد تنقلب أنت لتقنع الناس من حولك به .
و لكن لما لم يكن هناك شخص معصوم من الخطأ ، كان الأولى و الأجدى أن تتبع المنهاج العلمي الصحيح للوصول إلى الحقيقة ، لكن ذلك ليس دائما باليسير خاصة لو كنا سنتحدث عن مسألة عقائدية أو فقهية ، و التي لا تخضع لاجتهاد من يريد ، و لا كل متحدث بها ، غير أن قمة الروعة و الجمال أن الاسلام جاء بما يوافق العقل ، ولا تصطدم أحكامه وشرائعه مع صاحب التفكير السليم على عكس ما تجده حيت تقرأ في ديانات أخرى التي هي من وضع البشر أو تعرضت للتحريف و التغير ، تجد هناك التخبط و الغموض و التناقض ، وخليط مما لا يقنع به عقل و لاتطمئن له نفس .
ومع ذلك كان لابد للشخص أن يأخذ العلم من نبعه الصافي و مصادره الحقيقية ويسأل الثقات من أهل العلم ، و يبحث و يسأل و لاحرج في ذلك إلى أن يرتاح ويطمئن ، و لاينسى أن يسأل الله الهداية للصواب .
و بالمجمل لاتدع بوابة عقلك مفتوحة دون رقيب تستقبل كل غث وسمين وتهيم بين هذا وذاك ، و لاهي موصدة محكمة الإغلاق أطبقت على مالديها ، فلا تتقبل أو تستقبل شيئا ، بل قف أنت على باب عقلك و اعرف كيف تتحكم بالمدخلات و المخرجات ، وضع في حياتك ثوابت عظيمة تحتكم إليها ، و لن تجد أجدى و لا أعظم من دينك الحنيف ، حصنا حصينا وموجها سديد .
و لاتستغني عن مشورة من هم أعلم منك و أخبر ، هذا مع التوكل على المولى و الإلحاح بالدعاء طلبا للهداية .
و تبقى قناعاتنا وثوابتنا هي مايحركنا في هذه الحياة ، فإن أحسن تكوينها واكتسابها كانت حياتنا ذات قيمة عالية و إن أسأنا ذلك جلبنا لنفسنا الويلات .
تعليق