أريد أن اكتب قصة.. في رأسي ألف حكاية وحكاية تتناطح للفوز برضاي..وعشرات الأفكار الجميلة تسبح في سماء مخيلتي وتجدف كي لا تغرق في بحر النسيان .. يجب أن أكتب واحدة قبل أن تخلعني بطلاق بائن بينونة كبرى ، ولن ترضى العودة إلا بعقد ومهر جديدين سيكلفانني ساعات من التفكير والنبش هنا وهناك
معاناة قاسية تلك التي اجتاحتني حتى استطعت اقتطاع بضع ساعات من وقتي من أجل الكتابة،
جرجرت نفسي إلى الطاولة وأنا أهمس لها: نعم.. لدي فكرة الآن .. وعلي أن أكتبها بسرعة
فتحت الحاسوب بسم الله الرحمن الرحيم ، عدلت جلستي على الكرسي.. اتخذ وضعية المحارب؛ ظهري مستقيم مشدود تحسبا لهروب أية كلمة.. أطقطق أصابعي كي أعيد لها لياقتها من أجل أن تنقل حروفي بسرعة ؛ فهي في سباق على الزمن مع أفكاري ولا أريد أن تكون الأصابع خاسرة..
بجانبي كوب الماء ممتليء تحسبا لجفاف حلقي إذا ما دخلت في حرارة المشاعر ..
ولكن ، ألا يلزم كوب شاي أو فنجان قهوة؟
يااااااا زوجتي..! أحضري لي كوبا ساخنا
ها هي قد أضاءت الشاشة فلأستجمع أفكاري وأركزها وأرسلها بقوة وسرعة إلى لوحة المفاتيح..
كنت سابدأ لولا صوت كهدير الرعد اقتحم السكون من حولي موجها صفعة صكت اذني
- بطاااطاااااااا.. طمااااااااااااطم... خياااااااااااار
مما زلزلني وأجبرني على الوقوف غاضبا لأغلق الشباك الذي نسيته مفتوحا وأنا أتمتم : مجنون هذا أم ماذا؟ لماذا لا يقف في مكان ظليل ينتظر زبائنه ؟ لا بد أنه تعود التسكع بين العرصات وفي الأزقة
أخذت رشفة ماء وأنا أهديء نفسي وأستجمع أفكاري من أجل البدء في الكتابة مرة أخرى..
نعم .. لأبدأ، لكن من أين؟ و دخلت في جدال مع نفسي على العنوان والفكرة؛ أيهما أهم؟ هل أضع العنوان أولا ثم أكتب؟ أم العكس؟
وبعد صراع مرير طحن الكثير من طاقتي وذرها في عواصف القرار، انتصرت الفكرة
وضعت أصابعي بحماس على لوحة المفاتيح وبدأت أكتب
- ها قد أحضرت لك كوب شايك..
وأقعدته بجانب اللوحة بعصبية ونظرات متجهمة حتى كاد يندلق.. وأضافت: لا تطلب غيره فلست متفرغة.. عندي ضيوف وعمل و..
قالته ومضت ، ملقية بانتباهي من الشباك، فتجمدت مشدوها
استرجعته بعد جهد جهيد، ولملمت أطراف الفكرة .. جمعتها بكف واحدة وأودعتها مخيلتي .. فلأستمر إذن..
وهل بدأت حتى أستمر؟
(كان شابا مجتهدا، رمت به الظروف إلى مجاهيل الغربة من أجل العلم..
- بابا بابا..!! أمي لا تسمح لي بالذهاب في رحلة المدرسة إلى مدينة الألعاب
- حسنا أنا سأكلمها .. أخرج وأغلق الباب خلفك
مرة أخرى الملم شعثي وأحاول إحياء انتباهي
(كان شابا مجتهدا، رمت به الظروف إلى مجاهيل الغربة من أجل العلم..
ورغم تصحر أحوله المادية إلا إنه لم يسمح لعجلة اليأس أن تدوس على طرفه..
ما هذا الصوت؟.. هاتفي المتنقل..من هذا؟ ..
- تفضل يا مديري..
- .....................
- حاضر.. حاضر...سأفعل كل ذلك غدا إن شاء الله
وأغلقت الهاتف..بعصبية لأن معظم وقتي ذهب سدى ولم يبق إلا القليل وقد أصبح الجو حارا فيجب تشغيل المبرد
ااااه .. أين كنت؟.. نعم
(كان شابا مجتهدا، رمت به الظروف إلى مجاهيل الغربة من أجل العلم.. ورغم تصحر احوله المادية إلا إنه لم يسمح لعجلة اليأس أن تدوس على طرفه..
وبينما هو عائد من جامعته ذات يوم ، من أجل إفراغ أثقاله من تعب الدراسة على فراشه، وغسل مخه بحبيبات النوم اللطيف، كانت تتنازعه الهواجس والأفكار والحنين إلى الديار، والأهم من هذا كله وضعه المادي الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم
طق طق طق
يوما بعد يوم
طق طق طق
يوما بعد يوم.. قبل يوم
بعد يومين
طق طق طق
اووووووووووووف .. من بالباب؟
- الطعام جاهز .. هيا بسرعة
يوما بعد يومين والطعام جاااااهز والمعدة خاوية على عروشها
يا إلهي ! ماذا أكتب؟
لا يمكن كتابة قصة في هذه الظروف
لا يمكن
لا يمكن
.
.
لا أريد أن أكتب قصة
.
.
.
لا..
أريد أن أكتب قصة
مصطفى الصالح
07\06\2010
ملاحظة: صدقا أيها القراء الأعزاء في هذه اللحظة فعلا طرقوا الباب ينادونني للطعام
تعليق