-4-
لم يستطع صالح تقليص حجم اعماله , ولا إستطاع مط حاجز الزمن ليصبح اليوم خمس وعشرين ساعة مثلا ..لم يستطع التحلل من أعبائه التي تسربله كرداء محكم يطبق علي مسام روحه.. ولا إستطاع الكف عن كونه عاشقا للعلم رفعه إيمانه به وتكريس حياته له إلي مسارات النجوم التي يدرسها .. لكنه إستطاع مع ذلك– بفعل خارق ما – أن يحدث تغيير في قنوات إدراكه..دون قصد أو سعي إنتابه تحول – رغم كل شيء – إيجابي.
صار يشعر- للمرة الأولي منذ عصور- أثناءإنغماسه في أعما له الحتمية بعطر ريم الشذي يتردد في أجواءه.
*****
قضت ريم يومها بين ذويها ..تخالط سعادتها بينهم خربشات حيرة وفحيح قلق. نكص صالح عن كل مثالبه حتي كادت تنكره. باتت تجزم لفرط حرصه إنها صارت من أهم أولوياته..تفوقت ويالعجبها البالغ علي مجراته وكواكبه ونجومه ومعادلاته. كان يهاتفها ثلاث مرات علي مدار اليوم..يمطرها بزخات فرح من كلمات الحب والتدليل. يتناولا طعام العشاء مع الجميع في حميمية..لم تخل ليلة من جلائبه اللطيفة..وجبات جاهزة شهية ..حلويات لذيذة..عصائر طازجة.
يقيم الفروض..يحثها علي الصلاة..يتعهد القرآن الكريم.. يتتبع بتوتر مفرط تداعيات حساسية الانف التي تحاصرها وإقتحام سحب الدخان الغير مبررة لمكونات الغلاف الجوي .متغلغلة بخبث في ذرات الهواء .وضع مثالي لا أقل من أن يرمي من ينكره بالجحود..لكنه ملغز..زاده إبهاما تردد هذي الأصداء..هسيس في صدر وعقل كل منهما يتردد بغموض في الآخر , فيتجسد لصاحبه في اللامسافة التي تفصل بينهما في هالة من وضوح
****
كانت غرفة الحديقة مشيدة بحيث ترتفع عن الارض مقدار طابق..يربطها بالحديقة سلم خشبي جميل.فتقترب في شكلها من شاليه او كابينة ,وبحيث ترسم الغرفة مع واجهة الفيلا زاوية قائمة تحتل كلا منهما احدي أضلاعها.تلف الشرفة الفسيحة جانبي الغرفة في شكل زاوية قائمة ايضا.تطل في احدي جهتيها علي الفيلا بينما تتواري الاخري خلف جدران الغرفة ذاتها.في هذه الفسحة البعيدة عن العيون استقر تليسكوب صالح ومائدة طويلة تواجه اريكة مريحة.ومن هذه الشرفة اطلت ريم علي وجه اخر للحياة.
****
عادات صالح المقدسة لم تتغير . لكن تغير نهج تعاطيه لتلك العادات.إندماجه الطويل مع التقنية الرقمية والبيئة الإفتراضية لحاسوبه المحمول لم يتبدل ..لكن تبدل عدد الأمتار والسنتيمترات التي تجمعه بريم أو تفصله عنها. لم تكن ريم لتقتحم مداره ما لم يدعها.ما لم يفتح لها مجاله الجوي وممراته , وقنوات إستقباله الأرضية والفضائية .. ويحتفي بها.
من المعتاد الان ان تري صالحا مغرقا في عوالمه بينما ريم تطالع كتابا او تنشغل بحاسوبها الشخصي بينما تتكور متوسدة قدمي صالح أو تتكئ عليه ملقية رأسها في صدره.
في لحظات إستقلاله المتباعدة يمرر أصابعه في خصلاتها المسدلة او يربت عليها في دفء. ولدهشته الكاملة لم يتطلب منه الامر اكثر من ذلك لتشرق روحها ..وتبعث الحياة من جديد في ثناياها .يمارس كل طقوس إنشغاله كما يتطلب الحال ..لكن يخبرها - ومن خلال قاموسهما المقتضب ذاته - إنه يكن لها كل الحب ويقدر حقا وجودها في حياته.. وإنها تستحق فوق كل شيء أن تستأثر بإنتباهه إذا إقتضي الحال.لكونها دوما الأهم من كل شيء..لا يتطلب الامر اكثر من ذلك.
***
لم يعلم شخص علي وجه الارض سر تبدل احوال صالح. وفي غمار ما اضطرم في ذاته من نظريات وهواجس وهموم ولعنات .. كان يطفو سؤال ثانوي مخترقا كل شيء: هل استلزم الامر دوما بزوغ هذه الفرضية الكارثية الجنائزية لبعث الروح فيهما واستعادة الحياة..كانت فرضية صالح البغيضة جنين شائه في رحم العلم ..لا يملك انكاره ولا صلاحيات وأده. للعلم وحده القول الفصل في حضانته حتي يحين مخاضه المشئوم او التعطف بإجهاضه.
….يتبع
لم يستطع صالح تقليص حجم اعماله , ولا إستطاع مط حاجز الزمن ليصبح اليوم خمس وعشرين ساعة مثلا ..لم يستطع التحلل من أعبائه التي تسربله كرداء محكم يطبق علي مسام روحه.. ولا إستطاع الكف عن كونه عاشقا للعلم رفعه إيمانه به وتكريس حياته له إلي مسارات النجوم التي يدرسها .. لكنه إستطاع مع ذلك– بفعل خارق ما – أن يحدث تغيير في قنوات إدراكه..دون قصد أو سعي إنتابه تحول – رغم كل شيء – إيجابي.
صار يشعر- للمرة الأولي منذ عصور- أثناءإنغماسه في أعما له الحتمية بعطر ريم الشذي يتردد في أجواءه.
*****
قضت ريم يومها بين ذويها ..تخالط سعادتها بينهم خربشات حيرة وفحيح قلق. نكص صالح عن كل مثالبه حتي كادت تنكره. باتت تجزم لفرط حرصه إنها صارت من أهم أولوياته..تفوقت ويالعجبها البالغ علي مجراته وكواكبه ونجومه ومعادلاته. كان يهاتفها ثلاث مرات علي مدار اليوم..يمطرها بزخات فرح من كلمات الحب والتدليل. يتناولا طعام العشاء مع الجميع في حميمية..لم تخل ليلة من جلائبه اللطيفة..وجبات جاهزة شهية ..حلويات لذيذة..عصائر طازجة.
يقيم الفروض..يحثها علي الصلاة..يتعهد القرآن الكريم.. يتتبع بتوتر مفرط تداعيات حساسية الانف التي تحاصرها وإقتحام سحب الدخان الغير مبررة لمكونات الغلاف الجوي .متغلغلة بخبث في ذرات الهواء .وضع مثالي لا أقل من أن يرمي من ينكره بالجحود..لكنه ملغز..زاده إبهاما تردد هذي الأصداء..هسيس في صدر وعقل كل منهما يتردد بغموض في الآخر , فيتجسد لصاحبه في اللامسافة التي تفصل بينهما في هالة من وضوح
****
كانت غرفة الحديقة مشيدة بحيث ترتفع عن الارض مقدار طابق..يربطها بالحديقة سلم خشبي جميل.فتقترب في شكلها من شاليه او كابينة ,وبحيث ترسم الغرفة مع واجهة الفيلا زاوية قائمة تحتل كلا منهما احدي أضلاعها.تلف الشرفة الفسيحة جانبي الغرفة في شكل زاوية قائمة ايضا.تطل في احدي جهتيها علي الفيلا بينما تتواري الاخري خلف جدران الغرفة ذاتها.في هذه الفسحة البعيدة عن العيون استقر تليسكوب صالح ومائدة طويلة تواجه اريكة مريحة.ومن هذه الشرفة اطلت ريم علي وجه اخر للحياة.
****
عادات صالح المقدسة لم تتغير . لكن تغير نهج تعاطيه لتلك العادات.إندماجه الطويل مع التقنية الرقمية والبيئة الإفتراضية لحاسوبه المحمول لم يتبدل ..لكن تبدل عدد الأمتار والسنتيمترات التي تجمعه بريم أو تفصله عنها. لم تكن ريم لتقتحم مداره ما لم يدعها.ما لم يفتح لها مجاله الجوي وممراته , وقنوات إستقباله الأرضية والفضائية .. ويحتفي بها.
من المعتاد الان ان تري صالحا مغرقا في عوالمه بينما ريم تطالع كتابا او تنشغل بحاسوبها الشخصي بينما تتكور متوسدة قدمي صالح أو تتكئ عليه ملقية رأسها في صدره.
في لحظات إستقلاله المتباعدة يمرر أصابعه في خصلاتها المسدلة او يربت عليها في دفء. ولدهشته الكاملة لم يتطلب منه الامر اكثر من ذلك لتشرق روحها ..وتبعث الحياة من جديد في ثناياها .يمارس كل طقوس إنشغاله كما يتطلب الحال ..لكن يخبرها - ومن خلال قاموسهما المقتضب ذاته - إنه يكن لها كل الحب ويقدر حقا وجودها في حياته.. وإنها تستحق فوق كل شيء أن تستأثر بإنتباهه إذا إقتضي الحال.لكونها دوما الأهم من كل شيء..لا يتطلب الامر اكثر من ذلك.
***
لم يعلم شخص علي وجه الارض سر تبدل احوال صالح. وفي غمار ما اضطرم في ذاته من نظريات وهواجس وهموم ولعنات .. كان يطفو سؤال ثانوي مخترقا كل شيء: هل استلزم الامر دوما بزوغ هذه الفرضية الكارثية الجنائزية لبعث الروح فيهما واستعادة الحياة..كانت فرضية صالح البغيضة جنين شائه في رحم العلم ..لا يملك انكاره ولا صلاحيات وأده. للعلم وحده القول الفصل في حضانته حتي يحين مخاضه المشئوم او التعطف بإجهاضه.
….يتبع
تعليق