حنان تتحدى سمك القرش وتكسر الطوق
قصة:امين خير الدين
في طريقه إلى مكان عمله..في المدرسة...كان متفائلا على غير عادته... رغم أن السماء كانت مكفهرة، تحتلها غيوم سوداء عابسة ، يجتاحها هواء رطب، بارد، يلسع وجهه كأكفّ المحققين حين يقع بين ايديهم أسير أمني او يساري..والريح تزمجر كأن حربا قامت فأقامت معها الدنيا ولم تقعد...
كان يسير حاملا حقيبة تحوي كتبا ودوسية تحضير الدروس، تسبقه افكاره، لتصافح مديره وتلاميذه،متهيئا لملاحظات مديره المتكررة بسبب وبلا سبب، وشيطنة تلاميذه ومشاكلهم المتكررة لأسباب صبيانية، لا يجد لها مبررا سوى الطفولة المتأخرة أو المراهقة المتمردة، وهو الجدّي الذي لا يهمه شيء غير فائدة تلاميذه الذين يحبهم كابنائه الذين تمناهم بعد أن حُرم منهم أربعين سنة من زواجه.
تفاؤل لا يليق بالمكان أو المناخ أو الزمان أو الظرف الطارئ الذي خلقه التوتر في المنطقة وتشعله كل يوم وسائل الإعلام.
كان يحسّ أن البسمة تملأ جسمه، حتى أطرافه يحسّ أنها تبتسم، وتكاد تتراقص، بينما مظهره الخارجي لا يوحي بذلك!
هل هي نشوة اعتزاز، أو نصر سابق للأحداث ولأوانه!
تفاؤل لا يستوعبه مزاجه، أو حتى جسمه، يحسّ انه يفيض منه، يملأ الجبال التي تحيط بقريته من جهات ثلاث، يأتيه من الشرق، الجهة المفتوحة الت تطلّ منها الشمس ، منذ خلق الله الكون، من ملايين السنين!
كان يعرف من خلال ما يُسمّى بالحاسة السادسة أن الإفراط في التفاؤل لا يبشّر خيرا،وأنه يسبب خللا في توازنه النفسي، قد يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه.
رغم ذلك ظلّ التفاؤل يتملك كل شيء فيه ويطغي عليه.
ماذا يمكن أن يحدث؟؟؟
أخته حنان في إحدى سفن قافلة الحرية المتجهة لكسر الحصار عن مدينة منفردة على شاطئ البحر،والسفن في المياه الدولية، تقترب من الحزام الأمني الذي تفرضه أسماك القرش، لتمنع أي اتصال بين سكان المدينة والعالم الخارجي.
أخته تتحدى الحصار!
وهو يحسّ بافتخار، لأن أخته تتحدّى سمك القرش أخطر حيوانات البحار!وأنه مستعدة للموت في سبيل المبادئ والعدالة وكسر الظلم ...
هو أيضا يؤمن بنفس المبادئ التي ورثاها عن أبيهما، لم يورثهما أرضا، ولا عقارا، ولا اموالا، أورثهما المبادئ الإنسانية والقيَم والانتماء.
وجاء الظلم والأحداث فرسّختهما في نفسيهما.
كان يتمنى أن يكون معها، يحميها، يردّ عنها سمك القرش، لكن عمله حال دون ذلك، فرأى في عمله رسالة إنسانية، تعوضه عن عدم مرافقتها، ولا تقل عما تقوم به حنان من عمل إنساني وبطولي، وإن لم يتعرض للخطر مثلها.
لكن هذا لم يمنعه من الخوف عليها، إنها في خطر، وحياتها في خطر، وسمك القرش خطير.
والحق والعدل في خطر!
ورغم ذلك هو متفائل!!
ستكسر الحصار.. وسيصفق العالم لأخته.. وسيصرخ بأعلى صوته، ليقول للعالم، أنه أخو أخته، أخو حنان التي يفاخر الدنيا بها.. حنان التي تحدّت الظلم وكسرت الطوق وسمك القرش...
استقبله مديره ببسمة فيها بعض تشفٍ، لم يجلده بملاحظاته المتكررة، على غير عادته، زملاؤه انقسموا فريقين، بعضهم ابتعد عنه، لم يكلموه، من قريب أو بعيد، والبعض الآخر، أبدى تعاطفا،وتأييدا، ونتشجيعا، أوحت به ملامح وجوههم، وبسماتهم، والكلمات الدافئة التي لطّفت من برودة الجو ورطوبته.
أحسّ أنه ليس وحيدا.. ألأمر الذي شدد من تفاؤله
هو بين نارين
كانت أحاسيسه وأفكاره مع أخته حنان، وعمله يحتم عليه التركيز..
انقسم على نفسه.. بعض نفسه يحوم فوق أمواج البحر.. كالطيور يفتش عن برّ الأمان، ترافق
السفينة بعين الخيال..
وما تبقى من نفسه تحتضن، عن بُعد كل تلميذ من تلاميذه..كأنه أخوه، أو اخته، أو ثروته للمستقبل..
الوقت يمر ببطء، والبرودة، تزيد من توتر أعصابه، ورنين جرس المدرسة كالمطرقة تدقّ داخل رأسه كما تدقّ على السدّان..
أحسّ برأسه تتفجر، واعصابه تتوتر، وأنفاسه تتقطع..وبشيء يربض على صدره يكاد يخنقه..
لم يعد يحسّ بما حوله حتى جاءه مديره ، والبسمة على شفتيه "يبشره" بافتراس سمك القرش لبعض ركاب السفينة..
حينها أدرك أن الإفراط في التفاؤل قد ينطوي على عكسه، وأن سمك القرش أخطر ما في أعماق البحار!!!
حرفيش
2010/6/8
تعليق