السرد والرؤى (4-5) : قراءاءت في بنية القصة عند (1) أحمد أبو حازم.(2) صديق الحلو.(3) محمد خير عبد الله.(4) آرثر غابريال.(5)أغنيس لوكود.(6) إستيلا قاتيانو.
" بنية المشهد" : عند القاص أحمد أبو حازم :" يناير بيت الشتاء _ نموذجا (*)
.. القاص أحمد الجعلي " أبو حازم ". من كتاب القصة القصيرة المميزين جدا . ويعتبر نسيج وحده. بتجربته الجمالية المتفردة , التي تحاول الافصاح عما هو عصي على البوح . وقبل أن نقدم قراءتنا لقصته يناير بيت الشتاء , سنقوم بإجراء قراءة عامة, وعابرة لنصين من نصوصه , تساعداننا على تفهم المناخ النفسي العام, لعالم أبو حازم القصصي , هما نص :" المسارات السرية للظلال " و النص : " غربة " و نص : " يناير بيت الشتاء".. (1)
المسارات السرية للظلال:
في قصته " المسارات السرية للظلال " , والتي يوطيء لها أبو حازم, ببيت شعري لأبي الطيب المتنبيء :( تتخلف الآثار عن أصحابها-*- حينا,ويدركها الفناء فتتبع ) , بما يحمله هذا البيت من معان لفناء الأحياء , وآثارهم في خاتمة المطاف _ مهما تركوا من آثار بقيت على مر الدهور_ , ففي نهاية الأمر ستفنى هي الأخرى .!!..
هذه الرؤية الكافكاوية التي تتصدر قصة: " المسارات السرية للظلال ", بمثابة المفتاح لعالمها السري, الموغل في الرمادية .. فالراوي المتواري منذ مطلع القصة , يبدأ يحدثنا: عن مدينة غبراء أزمعت, ألا تعرف الأشجار " تذهب الظلال كلها متوشحة حدادها , وإحتجابها وتختفي .. عند مغيب الشمس.. تختلس الظلال أشكالها ويتلبسها سمت شبحي , وهي تسلك مسارها السري الغامض(1)" .. ليتوقف الراوي بعد ذلك عند شجرة وحيدة, تحتضن الجميع وتدثرهم بظلالها , ثم يسترجع_ الراوي_ ما فعله كلاب السلطات بالأشجار " مساحو الأرض , كلاب السلطات , دفعوا الظلال نحو مدار مجهول , عجنوا لهذا الغياب بفؤوسهم الحادة , وقدموه لها على طبق من شفرة ماضية . نزعوا الاشجار من جذورها , فذهبت أخشابها, إما محترقة كوقود , أو كمصنوعات كسولة, وبليدة تقبع طيلة الوقت. في ردهات لا يشغلها أحد. إلا لماما (2) " ..
لينتقل بعد ذلك ليحكي - الراوي - عن أحد سكان هذه المدينة الغبراء - شاب . ورّاق . يتاجر في الكتب القديمة تحت هذه الشجرة التي تربطه بها علاقة حميمة " أول القادمين إلى المدينة هو . وإول نشاطه أن يسقي الشجرة قبل الماء بشوقه (3) " .. و هكذا يبدأ الراوي في الكشف عن المناخ السيء, الذي يعمل فيه هذا "الورّاق" , الذي كثيرا ما تداهمه كلاب السلطات .. يطأون كتبه , و يمارسون عليه هوايتهم في القمع. دون أن يجرؤ على الإحتجاج .. مسلطا الضوء – أبو حازم - على المسئولين, وعمالهم , ثم ينتقل بنا إلى لحظة حاسمة في مسيرة وقائع وأحداث " المسارات السرية للظلال ": حينما قرر المسئولون إقامة كشك, شرطة تحت الشجرة " عند الغسق وقبل شروق الشمس . كان هناك وكانت الشجرة واقفة مكانها . وتحتها يتربع الكشك الحديدي, بالقرب من جذعها. كالبصاق البذيء . وبعد أن حفروا له عميقا , ولا شك أنهم أصابوا عروقها بسوء (4)" ..ويمضي الراوي واصفا فظائع ما يجري: " أنين الأرصفة الدائري وبكائها المتحشرج, وهي ترزح تحت ثقل الأقدام المنتظرة في هجير الشمس ..(5) " وفي هذه اللحظات العظيمة من التمزق, ينهض تواصله بالشجرة في محنتهما المشتركة , لينتهي النص بإختفاءه في قلب الظلال " دفعه الفزع للقفز عاليا , حينما تدفقت نظرته العجولة للأسفل , ولم يجد ظله . تراكض هنا وهناك والصراخ الداوي يسبقه ويشق المدى شقا , والاسئلة المضطردة تلاحق خطاه التي ضلت نواحي بوصلتها انها الظلال وقد اخذته معها في مسيرها السري الغامض (6) " ...
(2) غربة:
وفي قصته " غربة " .. قصة: العصفور الطليق داخل الإنسان المحاصر. يستعير الراوي صوت طائر, يحكي عذاباته مع فصائل طيور أخرى - بشر آخرون - " كانوا خمسة ملونين وكنت سادسهم. وجدتني بينهم, لست من الفصائل النادرة . لكنني كنت لتكملة العدد. ولأشياء تبدو غامضة بالنسبة لي ! .. أما الخمسة الملونين فأنهم من الواضح, جيء بهم إلى هنا. في دفعات, أظنها ثلاث.. ذلك لأن كل أثنان منهم, تتشابه ألوانهما ..(7) .. يتملك هذا الطائر الإحساس المقيت بالغربة, والضيق. إزاء هذا الإعتقال , فيفشل في التواصل, مع الخمسة الملونين, المعتقلين معه - الألوان رمزية لفروقات ودرجات وإختلافات المعرفة والميول والرؤى - فينحسر نحو ذاته , و لا يصبح معتقلا داخل القفص فحسب. بل داخل ذاته أيضا!! بسبب الحصار الذي يفرضه حوله, الخمسة الملونون : زملاء المعتقل ..
وهكذا تمضي هذه القصة جائسة في أغوار النفس وعذاباتها المضنية .. محاولا - هذا الطائر - تفكيك الحصار المضروب حوله " على ما أظن يقولون أني غريب الأطوار , فضولي متطفل , بل ويذهبون أبعد من ذلك (8) " .. ويستعيد الطائر ذكريات حياته السابقة , عندما كان طليقا " كنت وسرب فصيلتي نقوم بطلعات مرحة ,تحت الغيمات النائمة, بتراخ وإستسلام فوق رؤوسنا , ولا نبالي بها إن أصابها الصحو وأنهمرت علينا (9) " ..ويمضي في تداعياته وصولا إلى اللحظة التي تم أسره فيها, من قبل طفل شقي , ليجد نفسه بين الخمسة الملونين , الذين أطلق سراحهم دونه , فتتناهبه الأفكار بالإنتحار أو الإستمرار, في البقاء على قيد الحياة , ثم يبدأ في النضال للخروج من أسره " هذا هو اليوم التاسع وأنا ما زلت أمارس تنفيذها بمنقاري , وسأواصل النقر على مكان واحد من السلك النملي , حتى لو إقتضاني الأمر العمر كله , حتما سيلين , وتتقطع أسلاكه الشائكة آخر الأمر , أني على يقين (10) "..
(3) يناير بيت الشتاء:
والقصة موضوع قراءتنا التطبيقية في هذا الجزء من محاولاتنا للتعرف على بنية المشهد عند أحمد أبو حازم هي قصة : " يناير بيت الشتاء .." .. كنا قد تداولنا , في نادي القصة السوداني , مسودتها الأولى - قبل أن تنشر بعد ذلك في الرافد الأماراتيةوكتابات سودانية بوقت طويل - . وأذكر أنها أثارت إبتداء من عنوانها , موجة من التساؤلات : بكآبتها الملتاعة, وجرأتها على التحرر مما هو سائد في القص في السودان . , والعالم فوق الطبيعي الذي تحيل اليه , مستكنهة أكبر أسئلة الوجود "الموت / الحياة " , بكل ما تمتلك اللغة الشاعرية عند أبو حازم, من قدرة على التعبير في - وحول - هذا السؤال الوجودي الكبير , ليشكل _ سؤال المصير هذا _ مفصلا أساسيا في " بنية الحدث ".. وقتها تباينت إنطباعاتنا حولها , وما كان ذلك سوى دليل آخر على أن " يناير بيت الشتاء .." أستطاعت أن تلقي حجرا في بحيرة ساكنة , وقالت دوامة هذا الحجر , في التموجات على سطح هذه البحيرة , شيء ما , خلف ما خلف من أصداء !!..
حاول بعضنا في ذلك الوقت أن ينظر إلى هذه القصة القصيرة من وجهة نظر فنية محضة , ليرى فيها نزوعا أدبيا لإقتفاء أثر الكافكاوية , وآثر البعض الآخر رؤيتها من منظور نفسي , في محاولة للتفتيش في التجربة الذاتية لأبوحازم - تجربة الإعتقال السياسي والسجن - ولكن كل هذه الملاحقات للنص " يناير بيت الشتاء" , ظلت قاصرة, عن الإحاطة بشيء مما نطوى عليه: من أبعاد فكرية وجمالية "و لكن كيف يكون الإقتراب النقدي, من كاتب تجاوز مستويات الإنتماء إلى بيئة أو طبقة أو وطن , طموحا إلى تقص روح الإنسان, في مواجهة العالم ؟ وبأى معيار يتم تقييمه , وهو الرافض لرؤى تجاوزها العصر . والواعي بقصور تلك الرؤي - " البعثية " التي عرفها - عن إحتواء العالم, وعجزها عن إعادة السلام إلى روحه التواقة للتحرر. أن الهدف من الكتابة هنا عن يناير بيت الشتاء, ليس الدعوة لما تم إكتشافه , ولكن الإعلان بكل درجات الصوت والصمت. عن عذاب البحث عن يقين (11) في هذا الواقع الملتبس , الذي يشككنا في موت الأحياء وحياة الأموات, وفقا لتشكيل لا يخلو من السريالية والعبث !!.خلاصة القول السردي في يناير بيت الشتاء , بكل مدلولات الشتاء الكئيبة !!..
الحكاية في يناير بيت الشتاء :
تتكون القصة يناير بيت الشتاء من حكايتين , تشكلان معا حكاية واحدة .. ولنتمكن من قراءة"بنية المشهد " في هذه القصة, لابد لنا من محاولة تلأويلها أولا, لإستكناه معناها العام , مع إدراك أن .. النص الذي كان يدين فيه المعنى للمبدع أصبح لا يحمل دلالة جاهزة أو معنى نهائيا , وإنما إمكانا من إمكانات معان النص , ويظل المعنى مجرد إحتمال, إلى أن يكونه القارىء بالفعل , عوض أن نفترض تحققه بالقوة , لتكون كل قراءة - طبقا لعلي حرب - في نص ما , هي حرف لألفاظه , وإزاحة لمعانيه . فليست القراءة مجرد صدى للنص . أنها إحتمال من بين إحتمالاته الكثيرة والمختلفة (12)...
الحكاية الأولى:
وبطلها كاتب قصة " الذاكرة المعطوبة "( مأمون ابراهيم علي) .. فهذا الكاتب بعد نشره لقصته " الذاكرة المعطوبة " في إحدى الصحف , يفاجأ بدعوى مرفوعة ضده . إذ يتضح, أن أسماء شخصيات قصته, مطابقة لأسماء حقيقية في الواقع. والوقائع كذلك .. " يسألك المحقق : - الإسم : مأمون ابراهيم علي . السن : أثنان وثلاثون عاما .. وتنهمر الأسئلة , فتجيب بإقتضاب . ثم يشير ناحية الرجلين . والفتاة دافعا إليك بالسؤال المباغت : - هل تعرف هؤلاء الناس ؟ . تلتفت بذهول , وتجيب بصوت كأنه ليس لك : - كلا , لم ألتقيهم في حياتي من قبل, يسحب صحيفة قديمة ويقرأبصوت مكتبي آمر لا يخلو من تهكم , عبارة محددة يضغط على كلماتها ببطء ويردد بلا مبالاة: الذاكرة المعطوبة .. الذاكرة المعطوبة .. الذا .. هل تتذكر هذه العبارة ؟..- نعم , فهي عنوان لآخر قصة قصيرة كتبتها . - هل تعترف بأنك كاتب هذا الكلام ؟ . - نعم . . (13)" ..
وفي التحقيق معه إثر تقديم الشخصيات الحقيقية لشكوى ضده يصاب, بالذهول لهذه المصادفة الغريبة , ويصر على أنه لا يعرف هؤلاء الناس , وأن ما كتبه محض خيال , فيتم حبسه على ذمة التحقيق "فيسيطر عليك الذهول والحيرة , وتحاول أن تجد تفسيرا ملائما لوجودك هنا , وما علاقة كل الذي يجري - بهذا النص القصصي !!.. يعاجلك بسؤال يعيد إليك صوابك : - كيف أنك لا تعرف هؤلاء الناس ؟!. - ما زلت أؤكد أنني لم ألتقيهم قط في حياتي !. - وظيفتي كمحقق, تقتضي أن أعرفك بهم , فهذا الرجل الأشيب ذو الوسامة الهاربة , هو عبد المجيد خضر . أما هذا الرجل فهو السيد على زيدان سائق التاكسي رقم خ أ 6485 تاكسي الخرطوم وهذه هي رخصة القيادة , وبطاقته الشخصية , والذي أطلق ساقيه للريح كما تزعم في قصتك .!!... أما هذه الفتاة , فهي الأستاذة نادية عبد المجيد خضر , المحامية وموثقة العقود أمام المحاكم الجنائية والمدنية . ماذا تقول في هذه البراهين والحيثيات ؟ . عند ذلك كان المحقق مبتسما , وهو يفرك يديه, والغبطة مرتسمة على سيمائه, إعلانا لإنتصاره عليك (..) ومن بين ركام التلعثمات, تستنكر الورطة وتجيب بجدية غريبة : - أن هذا الأ محض خيال صادف الحقيقة . - إذن ماذا تقول في الوصف التفصيلي. والعنوان الكامل, لمنزل السيد عبد المجيد خضر ؟ . - ثم ماذا تقول عن الرقم الحقيقي , لسيارة السيد علي زيدان؟ (14)..
الحكاية الثانية:
وتتمثل في قصة الذاكرة المعطوبة نفسها, بشخصياتها الرئيسية: " نادية " ووالدها عبد المجيد خضر, وسائق التاكسي علي زيدان , الذي يصطحب الفتاة نادية , في وقت متأخر من الليل, ليقلها إلى منزلها ".. الناس تهاب أجرتها الباهظة, في مثل هذا الوقت من الليل. أشارت له بالتوقف , وبمحازاتها تماما أوقف السيارة , ودون أن تسأل فتحت الباب الأمامي , ورمت بجسدها الجميل, الموغل قليلا في السمنة على المقعد (..) - الحي الرابع لو سمحت شارع 13.. ولأنها كانت ترتعش من البرد , يرمي إليها بمعطفه ليدفئها قليلا " .. بنخوته أحس أنه يجب أن يفعل ما يفعله أى رجل شهم مثله , خلع معطفه وألقاه ناحيتها ..- يمكن أن ترتديه , فالبرد لا يحتمل . هكذا قال وتابع النظر بإهتمام, في جسد الشارع(15)" ..
ويصل بها إلى العنوان, الذي أعطته إياه " باب أسود ضخم, ذو مقبض نحاسي , علقت فوقه لافتة صغيرة, بيضاء. مكتوب عليها 64 شارع 13 الحي الرابع منزل عبد المجيد خضر .(16) " .. وتفاجئه بأنها لا تملك الأجرة الآن , وتطلب منه أن يحضر في صباح اليوم التالي, لأخذ أجرته. "يؤسفني أن لا أحمل نقودا الآن , ويخجلني أن أرهقك بالقدوم إلى هنا صباح الغد, ولا مناص من ذلك . فأنا إسمي نادية عبد المجيد خضر , وهذا هو منزلنا (17) .. وعندما يحضر في الصباح التالي , يفتح له الباب رجل عجوز , وتبلغ هنا الحكاية ذروة تعقيداتها فالرجل العجوز يصر عليه أنه أخطأ في العنوان " - لا لم أخطيء العنوان, فقد إنسربت بهدوء وثقة داخل هذا البيت . وقرأت أنا اللافتة, المعلقة فوق الباب , لا شك أنك السيد عبد المجيد خضر . - نعم أنا هو . ولكن لي بنت وحيدة , ومقعدة منذ يناير الماضي. - ولكني متأكد من دخول تلك الفتأة هنا , فقد إنتظرت حتى أغلقت الباب خلفها (18) " ..
وهكذا يمضي الحوار بينهما..يصر سائق التاكسي على التأكيد بينما يستمر العجوز في النفي " أقول لك أن لي بنت واحدة ومقعدة , وتقول لي أن إحداهن قد دخلت هنا , ماهذا الهذيان الصباحي الذي أسمعه ؟ .. - حسنا , لفك هذا الطلسم هل يمكنني رؤية إبنتك هذه . كان العجوز حريصا على إنهاء هذه التقطيبة الصباحية . - لا مانع من ذلك , ولكن إن لم تجد ضالتك, أرجو أن تذهب على الفور. دون أن تقلق صباحنا أكثر من ذلك (19)" ..
وعندما يرى السائق الإبنة المقعدة " فادية " يتضح له أنها ليست التى أقلها, في ذلك الوقت المتأخر, من ليلة البارحة .. لكن يسقط في يده وهو يهم بالخروج, ونسيان هذا الأمر , إذ يرى في هذه اللحظة صورة فتأة البارحة, معلقة على الجدران "شد إنتباهه إطار ضخم, لصورة كانت معلقة على الجدار. خلف المقعد, الذي كان يجلس عليه. تسمر السائق محدقا في الصورة ثم هتف : - أنها هي التي أوصلتها بالأمس!! , وقد تذكرت إسمها , إنها نادية عبد المجيد خضر!!.. لكنه سمع شهقة, كأنها خروج الروح من مكمنها , فالتفت ليرى العجوز, وقد هبط جسده المهدود, كالخرقة البالية, على أحد المقاعد ., أما الفتاة فقد أدارت عجلتها, واختفت في دهاليز المنزل . ثقل اللسان , فخرجت الكلمات واهنة. وبطيئة من فم الرجل العجوز : - تقول أن إسمها نادية عبد المجيد خضر ؟!.. - نعم. - أأنت متأكد من ذلك ؟ . - نعم . - لابد أنك قد أصبت بمس من الجنون . - لا ياحاج , أنا في كامل رجاحتي العقلية . - أنا مضطر لإخطار الشرطة لهذا الاقتحام الغريب . - لماذا يا حاج ؟ - لأن تلك التي تحدثت عنها, قد ماتت منذ الشتاء الماضي, في منتصف يناير (20)" ..
ولا يصدق أنه كان يقل فتاة في واقع الأمر ماتت منذ عام!!! , فيصر على رؤية قبرها , فيأخذه والدها إلى قبرها " هنا تحت أشجار السدر, ترقد فلذة كبدي نادية . كانت إحدى أشجار السدر , قد غطت القبر تماما, ومالت فروعها المخضرة, على جانبي القبر , أزاح العجوز الفروع النائمة على الشاهد . فقرأه السائق برهبة أقرب الى الخشوع . أما الرجل العجوز, فقد بدأ يزيح الاغصان , لتجلية القبر قليلا , وهنا بان المعطف بوضوح, راقدا على ظهر القبر قليلا (21)" ..
ولدى إكتشافه أنه كان يقل فتاة ميتة منذ يناير الماضي يطلق ساقيه للريح ..
بنية المشهد :
تتكون يناير بيت الشتاء من 12 مشهدا . خمس مشاهد بطيئة, إبتداء من المشهد الأول وحتى الخامس . وسبع مشاهد درامية سريعة, إبتداء من المشهد السادس وحتى نهاية القصة في المشهد الثاني عشر . إذ إعتمد " أحمد أبو حازم " في هذه القصة تقنيتين في بناء السرد , من حيث الإيقاع الزمني: تقنية التتالي السريع للأحداث, مجسما في التلخيص . إبتداء من المشهد السابع : والذي يبدأ من لحظة وقوف سائق التاكسي. صباح اليوم التالي, أمام منزل عبد المجيد خضر , ليأخذ اجرته من إبنته نادية. فيدخل مع عبد المجيد خضر, في حوار مطول, ينفي فيه عبد المجيد أن لديه بنت تكون قد أقلها سائق التاكسي, ليلة الأمس إلى هذا المنزل . و تتلاحق الأحداث في المشهد الثامن. في محاولة أخيرة للوصول إلى تسوية للوضع. إذ يدخل سائق التاكسي مع عبد المجيد, لرؤية إبنته الوحيدة المقعدة. فيستوثق سائق التاكسي عند رؤيتها, أنها ليست فتاته المقصودة _ وقبل أن يراها يجول ببصره في الصالون, فيرى صورة عبد المجيد وزوجته " جلس السائق على أحد المقاعد. وكان ثمة إطار مذهب عليه صورة لعروسين, في غاية البهاء والرونق .هي نفس ملامح الرجل العجوز, لكنها هنا منحازة لشاب ذي نضارة لا تضاهى . أيقن السائق أنها صورة زفاف ذلك العجوز , في زمان سحيق, مضت أيامه في متاهات الذاكرة . لم يأبه السائق لما تبقى من صور (22) ..
- ويتداخل هذا المشهد مع المشهد التاسع.. في حوار آخر بين عبد المجيد والسائق, الذي يفكر في الإعتذار عن الوضع. وقبل أن يفصح عن ذلك. يقع بصره على صورة لفتاته المقصودة , فيترتب على ذلك حوارا, يمضى بالأحداث في منعرج آخر. ليبدأ المشهد العاشر - الذي هو إمتداد للمشهد الذي سبقه حيث يتشكك السائق.. وتهتز مسلمات الأب عبد المجيد , فيحاولان معا, الوصول إلى يقين. بالذهاب إلى مقبرة إبنته .. وهكذا يبدأ المشهد قبل الآخير بوصف للمقابر " قطعت السيارة عدة تقاطعات , ثم انسابت عبر طرق ملتوية , وغير معبدة حتى وصلت ذلك المكان الموحش , الغارق في لجة صمت الأبدية .. ترجلا من السيارة . عبرا دروبا صغيرة متعرجة , تجاوزا عدة قبور (23) " ثم يبدأ المشهد الاخير, إسترجاعا للمشهد الأول الذي تم استهلال القصة به : لحظة وقوف الكاتب أمام المحقق...
يلاحظ على المشاهد السابقة, أنها تقع في فترة زمنية متعاقبة, ومحددة تحديدا مكثفا , ومشحونة بالإنفعالات .. يقول برسي لوبوك: يعطي المشهد للقاريء إحساسا بالمشاركة الحادة في الفعل . إذ أنه يسمع عنه معاصرا وقوعه , كما يقع بالضبط وفي نفس لحظة وقوعه , لا يفصل بين الفعل وسماعه, سوى البرهة التي يستغرقها صوت الراوي, في قوله. لذلك يستخدم المشهد اللحظات المشحونة . ويقدم الراوي دائما ذروة سباق من الأفعال وتأزمها في المشهد (24)..
ويلاحظ أيضا أن المشاهد السابقة, مثلت وعاء للاستطرادات والتشعبات والإستباق, والوصف والملاحظات المباشرة, من الراوي التي تحمل ما تحمل من تحليل نفسي وإجتماعي .. ما جعل هذه المشاهد غنية بزخم التقنية .. خاصة أنها تحاول توصيل فكرة محددة, تتعلق بماهية ما رآه سائق التاكسي: هل هي المرحومة نادية عبد المجيد - التي أصيبت أختها فادية بالشلل, في ذات فترة موتها في يناير الماضي , وعلاقة الحركة للتمتع بمباهج الحياة " في السهرات - مثلا " بفقدان القدرة على الحركة بسبب الشلل بالنسبة لفادية - .. أم هي روحها الهائمة, تحاول إيصال رسالة ما لأسرتها ..أم أنها شيء آخر ..
ولعل السبب في التفكير في مثل هذا الموضوع. كموضوع لقصة قصيرة. تلك الرغبة المتزايدة لدى أحمد الجعلي في مسرحة الأحداث , وعرضها دراميا, لتمويه الممارسة الفانطاستيكية , وحجب نواقصها . وأيضا لمحاولة التخلص من سلطة الراوي ذو الصوت المنفرد وغير المقنع دراميا, وفسح المجال لتعدد الأصوات في النص السردي الواحد . فالمشاهد السبعة, التى أشرنا إليها, أثبتت قدرتها على كسر رتابة الحكي, بضمير الغائب, الذي ظل يهيمن على أساليب الكتابة السردية (25) ... وفي إعتماد أحمد أبوحازم على تقنية التتالي البطيء . إبتداء من المشهد الأول , الذي يصور كاتب القصة في الزنزانة , والمناخ النفسي الذي يحيط به " العرق ينزف بإصرار الجرح الجديد, والدهشة والإرتباك يصكان أوصالك , ينفتح لك الباب, ذي الصرير العالي . والمرهق كالأنين. تأخذ طريقك بصعوبة, عابرا الأجساد المكدسة , كأكياس.. تتلقاك رائحة البول . تصاب بانقباض طفيف . وشعور بالتقزز حاد, وعلقمي. كالصدأ يغزو دواخلك (..) تخرج لتدخل عدة أبواب, بعدها تعبر دهليز خافت الضوء , لتجد نفسك في نهاية المطاف, وجها لوجه أمام المحقق. وثمة رجلين وفتاة يجلسون بهدؤ , ولكنهم يتفحصونك بنظرات غريبة , وتكاد عيونهم تشربك (26)..
ويستمر هذا المشهد النفسي, إلى أن يبدأ التحقيق في المشهد الثاني , ليقفز بنا المشهد الثالث إلى اللحظة السابقة لركوب نادية التاكسي . ليبدأ المشهد الرابع بركوبها التاكسي, وإستهلال الحوار بينها وبين السائق " فتحت صدفة الصمت , فخرج صوتها ذو التكسرات الخشبية الغريبة لتقول : - أنه يناير بيت الشتاء وصوت الريح .. التفت ناحيتها (..) - أنه قلب الشتاء ونبضه ..قالت :- أنه وحشي كنثار الزجاج تحت الأجساد المتعبة . - قال : أننا نحس فيه بمعنى الدفء , ونستدرك أن أجسادنا مكتملة . قالت : بالعكس فأنه يشعرنا بالكآبة والحزن . أنه قاس وقاتل .- قال أنه يشعرني بالإستقرار والإنتماء . - قالت : أنه يشعرني بالتيه والموت . أنه يناير الوحشي عليه اللعنة والطعنات المرة (..) - وواصلت هي حديثها, بنفس الصوت الخافت والنبرة الغريبة : - ما أقسى أن تموت في الشتاء!!!.. (27)...
وهكذا تختم الفتاة بهذه الجملة المشهد الخامس, ليبدأ المشهد السادس في وقوف سائق التاكسي, يلاحقها ببصره حتى تدخل إلى منزلها .. فضلا عن الوظيفة الأساسية للمشهد السردي , فهو يقوم بدور حاسم في تطور الأحداث, وفي الكشف عن الطبائع النفسية والإجتماعية للشخصيات . وهو ما نلاحظه في الحوار بين السائق والفتاة الذي عبر - فيه الحوار - عن شخصيتين متناقضتين في مفهوميهما للحياة والموت ..
والوظائف التي لعبتها هذه المشاهد يمكننا إجمالها في :
محاولة الراوي إيهامنا بالواقع - ثمرة قول الراوي - إلتحام المشهد بفعل القص من خلال الصراعات والحوارات والوصف _ هذه العملية المعقدة في الإنتقال من تقنية إلى تقنية أخرى - حيث تضمن هذه الأفعال الإنتقال من السرد إلى الحوار والعكس .. فالمشهد والحوار متماهيان .. ففي المشهد أو الحوار يكتب الأديب ما لا ينطق به (28).. وهو ما يوحي بأننا نكاد نشعر بأننا إزاء حركة كاميرا , تضعنا في الحدث , بحيث نصبح جزء منه . فقد إستخدم أبوحازم هنا , تقنية المونتاج السينمائي , ما أعطى القصة يناير بيت الشتاء حيوية, وجعلها مفتوحة على تأويلات مختلفة...
" بنية المشهد" : عند القاص أحمد أبو حازم :" يناير بيت الشتاء _ نموذجا (*)
.. القاص أحمد الجعلي " أبو حازم ". من كتاب القصة القصيرة المميزين جدا . ويعتبر نسيج وحده. بتجربته الجمالية المتفردة , التي تحاول الافصاح عما هو عصي على البوح . وقبل أن نقدم قراءتنا لقصته يناير بيت الشتاء , سنقوم بإجراء قراءة عامة, وعابرة لنصين من نصوصه , تساعداننا على تفهم المناخ النفسي العام, لعالم أبو حازم القصصي , هما نص :" المسارات السرية للظلال " و النص : " غربة " و نص : " يناير بيت الشتاء".. (1)
المسارات السرية للظلال:
في قصته " المسارات السرية للظلال " , والتي يوطيء لها أبو حازم, ببيت شعري لأبي الطيب المتنبيء :( تتخلف الآثار عن أصحابها-*- حينا,ويدركها الفناء فتتبع ) , بما يحمله هذا البيت من معان لفناء الأحياء , وآثارهم في خاتمة المطاف _ مهما تركوا من آثار بقيت على مر الدهور_ , ففي نهاية الأمر ستفنى هي الأخرى .!!..
هذه الرؤية الكافكاوية التي تتصدر قصة: " المسارات السرية للظلال ", بمثابة المفتاح لعالمها السري, الموغل في الرمادية .. فالراوي المتواري منذ مطلع القصة , يبدأ يحدثنا: عن مدينة غبراء أزمعت, ألا تعرف الأشجار " تذهب الظلال كلها متوشحة حدادها , وإحتجابها وتختفي .. عند مغيب الشمس.. تختلس الظلال أشكالها ويتلبسها سمت شبحي , وهي تسلك مسارها السري الغامض(1)" .. ليتوقف الراوي بعد ذلك عند شجرة وحيدة, تحتضن الجميع وتدثرهم بظلالها , ثم يسترجع_ الراوي_ ما فعله كلاب السلطات بالأشجار " مساحو الأرض , كلاب السلطات , دفعوا الظلال نحو مدار مجهول , عجنوا لهذا الغياب بفؤوسهم الحادة , وقدموه لها على طبق من شفرة ماضية . نزعوا الاشجار من جذورها , فذهبت أخشابها, إما محترقة كوقود , أو كمصنوعات كسولة, وبليدة تقبع طيلة الوقت. في ردهات لا يشغلها أحد. إلا لماما (2) " ..
لينتقل بعد ذلك ليحكي - الراوي - عن أحد سكان هذه المدينة الغبراء - شاب . ورّاق . يتاجر في الكتب القديمة تحت هذه الشجرة التي تربطه بها علاقة حميمة " أول القادمين إلى المدينة هو . وإول نشاطه أن يسقي الشجرة قبل الماء بشوقه (3) " .. و هكذا يبدأ الراوي في الكشف عن المناخ السيء, الذي يعمل فيه هذا "الورّاق" , الذي كثيرا ما تداهمه كلاب السلطات .. يطأون كتبه , و يمارسون عليه هوايتهم في القمع. دون أن يجرؤ على الإحتجاج .. مسلطا الضوء – أبو حازم - على المسئولين, وعمالهم , ثم ينتقل بنا إلى لحظة حاسمة في مسيرة وقائع وأحداث " المسارات السرية للظلال ": حينما قرر المسئولون إقامة كشك, شرطة تحت الشجرة " عند الغسق وقبل شروق الشمس . كان هناك وكانت الشجرة واقفة مكانها . وتحتها يتربع الكشك الحديدي, بالقرب من جذعها. كالبصاق البذيء . وبعد أن حفروا له عميقا , ولا شك أنهم أصابوا عروقها بسوء (4)" ..ويمضي الراوي واصفا فظائع ما يجري: " أنين الأرصفة الدائري وبكائها المتحشرج, وهي ترزح تحت ثقل الأقدام المنتظرة في هجير الشمس ..(5) " وفي هذه اللحظات العظيمة من التمزق, ينهض تواصله بالشجرة في محنتهما المشتركة , لينتهي النص بإختفاءه في قلب الظلال " دفعه الفزع للقفز عاليا , حينما تدفقت نظرته العجولة للأسفل , ولم يجد ظله . تراكض هنا وهناك والصراخ الداوي يسبقه ويشق المدى شقا , والاسئلة المضطردة تلاحق خطاه التي ضلت نواحي بوصلتها انها الظلال وقد اخذته معها في مسيرها السري الغامض (6) " ...
(2) غربة:
وفي قصته " غربة " .. قصة: العصفور الطليق داخل الإنسان المحاصر. يستعير الراوي صوت طائر, يحكي عذاباته مع فصائل طيور أخرى - بشر آخرون - " كانوا خمسة ملونين وكنت سادسهم. وجدتني بينهم, لست من الفصائل النادرة . لكنني كنت لتكملة العدد. ولأشياء تبدو غامضة بالنسبة لي ! .. أما الخمسة الملونين فأنهم من الواضح, جيء بهم إلى هنا. في دفعات, أظنها ثلاث.. ذلك لأن كل أثنان منهم, تتشابه ألوانهما ..(7) .. يتملك هذا الطائر الإحساس المقيت بالغربة, والضيق. إزاء هذا الإعتقال , فيفشل في التواصل, مع الخمسة الملونين, المعتقلين معه - الألوان رمزية لفروقات ودرجات وإختلافات المعرفة والميول والرؤى - فينحسر نحو ذاته , و لا يصبح معتقلا داخل القفص فحسب. بل داخل ذاته أيضا!! بسبب الحصار الذي يفرضه حوله, الخمسة الملونون : زملاء المعتقل ..
وهكذا تمضي هذه القصة جائسة في أغوار النفس وعذاباتها المضنية .. محاولا - هذا الطائر - تفكيك الحصار المضروب حوله " على ما أظن يقولون أني غريب الأطوار , فضولي متطفل , بل ويذهبون أبعد من ذلك (8) " .. ويستعيد الطائر ذكريات حياته السابقة , عندما كان طليقا " كنت وسرب فصيلتي نقوم بطلعات مرحة ,تحت الغيمات النائمة, بتراخ وإستسلام فوق رؤوسنا , ولا نبالي بها إن أصابها الصحو وأنهمرت علينا (9) " ..ويمضي في تداعياته وصولا إلى اللحظة التي تم أسره فيها, من قبل طفل شقي , ليجد نفسه بين الخمسة الملونين , الذين أطلق سراحهم دونه , فتتناهبه الأفكار بالإنتحار أو الإستمرار, في البقاء على قيد الحياة , ثم يبدأ في النضال للخروج من أسره " هذا هو اليوم التاسع وأنا ما زلت أمارس تنفيذها بمنقاري , وسأواصل النقر على مكان واحد من السلك النملي , حتى لو إقتضاني الأمر العمر كله , حتما سيلين , وتتقطع أسلاكه الشائكة آخر الأمر , أني على يقين (10) "..
(3) يناير بيت الشتاء:
والقصة موضوع قراءتنا التطبيقية في هذا الجزء من محاولاتنا للتعرف على بنية المشهد عند أحمد أبو حازم هي قصة : " يناير بيت الشتاء .." .. كنا قد تداولنا , في نادي القصة السوداني , مسودتها الأولى - قبل أن تنشر بعد ذلك في الرافد الأماراتيةوكتابات سودانية بوقت طويل - . وأذكر أنها أثارت إبتداء من عنوانها , موجة من التساؤلات : بكآبتها الملتاعة, وجرأتها على التحرر مما هو سائد في القص في السودان . , والعالم فوق الطبيعي الذي تحيل اليه , مستكنهة أكبر أسئلة الوجود "الموت / الحياة " , بكل ما تمتلك اللغة الشاعرية عند أبو حازم, من قدرة على التعبير في - وحول - هذا السؤال الوجودي الكبير , ليشكل _ سؤال المصير هذا _ مفصلا أساسيا في " بنية الحدث ".. وقتها تباينت إنطباعاتنا حولها , وما كان ذلك سوى دليل آخر على أن " يناير بيت الشتاء .." أستطاعت أن تلقي حجرا في بحيرة ساكنة , وقالت دوامة هذا الحجر , في التموجات على سطح هذه البحيرة , شيء ما , خلف ما خلف من أصداء !!..
حاول بعضنا في ذلك الوقت أن ينظر إلى هذه القصة القصيرة من وجهة نظر فنية محضة , ليرى فيها نزوعا أدبيا لإقتفاء أثر الكافكاوية , وآثر البعض الآخر رؤيتها من منظور نفسي , في محاولة للتفتيش في التجربة الذاتية لأبوحازم - تجربة الإعتقال السياسي والسجن - ولكن كل هذه الملاحقات للنص " يناير بيت الشتاء" , ظلت قاصرة, عن الإحاطة بشيء مما نطوى عليه: من أبعاد فكرية وجمالية "و لكن كيف يكون الإقتراب النقدي, من كاتب تجاوز مستويات الإنتماء إلى بيئة أو طبقة أو وطن , طموحا إلى تقص روح الإنسان, في مواجهة العالم ؟ وبأى معيار يتم تقييمه , وهو الرافض لرؤى تجاوزها العصر . والواعي بقصور تلك الرؤي - " البعثية " التي عرفها - عن إحتواء العالم, وعجزها عن إعادة السلام إلى روحه التواقة للتحرر. أن الهدف من الكتابة هنا عن يناير بيت الشتاء, ليس الدعوة لما تم إكتشافه , ولكن الإعلان بكل درجات الصوت والصمت. عن عذاب البحث عن يقين (11) في هذا الواقع الملتبس , الذي يشككنا في موت الأحياء وحياة الأموات, وفقا لتشكيل لا يخلو من السريالية والعبث !!.خلاصة القول السردي في يناير بيت الشتاء , بكل مدلولات الشتاء الكئيبة !!..
الحكاية في يناير بيت الشتاء :
تتكون القصة يناير بيت الشتاء من حكايتين , تشكلان معا حكاية واحدة .. ولنتمكن من قراءة"بنية المشهد " في هذه القصة, لابد لنا من محاولة تلأويلها أولا, لإستكناه معناها العام , مع إدراك أن .. النص الذي كان يدين فيه المعنى للمبدع أصبح لا يحمل دلالة جاهزة أو معنى نهائيا , وإنما إمكانا من إمكانات معان النص , ويظل المعنى مجرد إحتمال, إلى أن يكونه القارىء بالفعل , عوض أن نفترض تحققه بالقوة , لتكون كل قراءة - طبقا لعلي حرب - في نص ما , هي حرف لألفاظه , وإزاحة لمعانيه . فليست القراءة مجرد صدى للنص . أنها إحتمال من بين إحتمالاته الكثيرة والمختلفة (12)...
الحكاية الأولى:
وبطلها كاتب قصة " الذاكرة المعطوبة "( مأمون ابراهيم علي) .. فهذا الكاتب بعد نشره لقصته " الذاكرة المعطوبة " في إحدى الصحف , يفاجأ بدعوى مرفوعة ضده . إذ يتضح, أن أسماء شخصيات قصته, مطابقة لأسماء حقيقية في الواقع. والوقائع كذلك .. " يسألك المحقق : - الإسم : مأمون ابراهيم علي . السن : أثنان وثلاثون عاما .. وتنهمر الأسئلة , فتجيب بإقتضاب . ثم يشير ناحية الرجلين . والفتاة دافعا إليك بالسؤال المباغت : - هل تعرف هؤلاء الناس ؟ . تلتفت بذهول , وتجيب بصوت كأنه ليس لك : - كلا , لم ألتقيهم في حياتي من قبل, يسحب صحيفة قديمة ويقرأبصوت مكتبي آمر لا يخلو من تهكم , عبارة محددة يضغط على كلماتها ببطء ويردد بلا مبالاة: الذاكرة المعطوبة .. الذاكرة المعطوبة .. الذا .. هل تتذكر هذه العبارة ؟..- نعم , فهي عنوان لآخر قصة قصيرة كتبتها . - هل تعترف بأنك كاتب هذا الكلام ؟ . - نعم . . (13)" ..
وفي التحقيق معه إثر تقديم الشخصيات الحقيقية لشكوى ضده يصاب, بالذهول لهذه المصادفة الغريبة , ويصر على أنه لا يعرف هؤلاء الناس , وأن ما كتبه محض خيال , فيتم حبسه على ذمة التحقيق "فيسيطر عليك الذهول والحيرة , وتحاول أن تجد تفسيرا ملائما لوجودك هنا , وما علاقة كل الذي يجري - بهذا النص القصصي !!.. يعاجلك بسؤال يعيد إليك صوابك : - كيف أنك لا تعرف هؤلاء الناس ؟!. - ما زلت أؤكد أنني لم ألتقيهم قط في حياتي !. - وظيفتي كمحقق, تقتضي أن أعرفك بهم , فهذا الرجل الأشيب ذو الوسامة الهاربة , هو عبد المجيد خضر . أما هذا الرجل فهو السيد على زيدان سائق التاكسي رقم خ أ 6485 تاكسي الخرطوم وهذه هي رخصة القيادة , وبطاقته الشخصية , والذي أطلق ساقيه للريح كما تزعم في قصتك .!!... أما هذه الفتاة , فهي الأستاذة نادية عبد المجيد خضر , المحامية وموثقة العقود أمام المحاكم الجنائية والمدنية . ماذا تقول في هذه البراهين والحيثيات ؟ . عند ذلك كان المحقق مبتسما , وهو يفرك يديه, والغبطة مرتسمة على سيمائه, إعلانا لإنتصاره عليك (..) ومن بين ركام التلعثمات, تستنكر الورطة وتجيب بجدية غريبة : - أن هذا الأ محض خيال صادف الحقيقة . - إذن ماذا تقول في الوصف التفصيلي. والعنوان الكامل, لمنزل السيد عبد المجيد خضر ؟ . - ثم ماذا تقول عن الرقم الحقيقي , لسيارة السيد علي زيدان؟ (14)..
الحكاية الثانية:
وتتمثل في قصة الذاكرة المعطوبة نفسها, بشخصياتها الرئيسية: " نادية " ووالدها عبد المجيد خضر, وسائق التاكسي علي زيدان , الذي يصطحب الفتاة نادية , في وقت متأخر من الليل, ليقلها إلى منزلها ".. الناس تهاب أجرتها الباهظة, في مثل هذا الوقت من الليل. أشارت له بالتوقف , وبمحازاتها تماما أوقف السيارة , ودون أن تسأل فتحت الباب الأمامي , ورمت بجسدها الجميل, الموغل قليلا في السمنة على المقعد (..) - الحي الرابع لو سمحت شارع 13.. ولأنها كانت ترتعش من البرد , يرمي إليها بمعطفه ليدفئها قليلا " .. بنخوته أحس أنه يجب أن يفعل ما يفعله أى رجل شهم مثله , خلع معطفه وألقاه ناحيتها ..- يمكن أن ترتديه , فالبرد لا يحتمل . هكذا قال وتابع النظر بإهتمام, في جسد الشارع(15)" ..
ويصل بها إلى العنوان, الذي أعطته إياه " باب أسود ضخم, ذو مقبض نحاسي , علقت فوقه لافتة صغيرة, بيضاء. مكتوب عليها 64 شارع 13 الحي الرابع منزل عبد المجيد خضر .(16) " .. وتفاجئه بأنها لا تملك الأجرة الآن , وتطلب منه أن يحضر في صباح اليوم التالي, لأخذ أجرته. "يؤسفني أن لا أحمل نقودا الآن , ويخجلني أن أرهقك بالقدوم إلى هنا صباح الغد, ولا مناص من ذلك . فأنا إسمي نادية عبد المجيد خضر , وهذا هو منزلنا (17) .. وعندما يحضر في الصباح التالي , يفتح له الباب رجل عجوز , وتبلغ هنا الحكاية ذروة تعقيداتها فالرجل العجوز يصر عليه أنه أخطأ في العنوان " - لا لم أخطيء العنوان, فقد إنسربت بهدوء وثقة داخل هذا البيت . وقرأت أنا اللافتة, المعلقة فوق الباب , لا شك أنك السيد عبد المجيد خضر . - نعم أنا هو . ولكن لي بنت وحيدة , ومقعدة منذ يناير الماضي. - ولكني متأكد من دخول تلك الفتأة هنا , فقد إنتظرت حتى أغلقت الباب خلفها (18) " ..
وهكذا يمضي الحوار بينهما..يصر سائق التاكسي على التأكيد بينما يستمر العجوز في النفي " أقول لك أن لي بنت واحدة ومقعدة , وتقول لي أن إحداهن قد دخلت هنا , ماهذا الهذيان الصباحي الذي أسمعه ؟ .. - حسنا , لفك هذا الطلسم هل يمكنني رؤية إبنتك هذه . كان العجوز حريصا على إنهاء هذه التقطيبة الصباحية . - لا مانع من ذلك , ولكن إن لم تجد ضالتك, أرجو أن تذهب على الفور. دون أن تقلق صباحنا أكثر من ذلك (19)" ..
وعندما يرى السائق الإبنة المقعدة " فادية " يتضح له أنها ليست التى أقلها, في ذلك الوقت المتأخر, من ليلة البارحة .. لكن يسقط في يده وهو يهم بالخروج, ونسيان هذا الأمر , إذ يرى في هذه اللحظة صورة فتأة البارحة, معلقة على الجدران "شد إنتباهه إطار ضخم, لصورة كانت معلقة على الجدار. خلف المقعد, الذي كان يجلس عليه. تسمر السائق محدقا في الصورة ثم هتف : - أنها هي التي أوصلتها بالأمس!! , وقد تذكرت إسمها , إنها نادية عبد المجيد خضر!!.. لكنه سمع شهقة, كأنها خروج الروح من مكمنها , فالتفت ليرى العجوز, وقد هبط جسده المهدود, كالخرقة البالية, على أحد المقاعد ., أما الفتاة فقد أدارت عجلتها, واختفت في دهاليز المنزل . ثقل اللسان , فخرجت الكلمات واهنة. وبطيئة من فم الرجل العجوز : - تقول أن إسمها نادية عبد المجيد خضر ؟!.. - نعم. - أأنت متأكد من ذلك ؟ . - نعم . - لابد أنك قد أصبت بمس من الجنون . - لا ياحاج , أنا في كامل رجاحتي العقلية . - أنا مضطر لإخطار الشرطة لهذا الاقتحام الغريب . - لماذا يا حاج ؟ - لأن تلك التي تحدثت عنها, قد ماتت منذ الشتاء الماضي, في منتصف يناير (20)" ..
ولا يصدق أنه كان يقل فتاة في واقع الأمر ماتت منذ عام!!! , فيصر على رؤية قبرها , فيأخذه والدها إلى قبرها " هنا تحت أشجار السدر, ترقد فلذة كبدي نادية . كانت إحدى أشجار السدر , قد غطت القبر تماما, ومالت فروعها المخضرة, على جانبي القبر , أزاح العجوز الفروع النائمة على الشاهد . فقرأه السائق برهبة أقرب الى الخشوع . أما الرجل العجوز, فقد بدأ يزيح الاغصان , لتجلية القبر قليلا , وهنا بان المعطف بوضوح, راقدا على ظهر القبر قليلا (21)" ..
ولدى إكتشافه أنه كان يقل فتاة ميتة منذ يناير الماضي يطلق ساقيه للريح ..
بنية المشهد :
تتكون يناير بيت الشتاء من 12 مشهدا . خمس مشاهد بطيئة, إبتداء من المشهد الأول وحتى الخامس . وسبع مشاهد درامية سريعة, إبتداء من المشهد السادس وحتى نهاية القصة في المشهد الثاني عشر . إذ إعتمد " أحمد أبو حازم " في هذه القصة تقنيتين في بناء السرد , من حيث الإيقاع الزمني: تقنية التتالي السريع للأحداث, مجسما في التلخيص . إبتداء من المشهد السابع : والذي يبدأ من لحظة وقوف سائق التاكسي. صباح اليوم التالي, أمام منزل عبد المجيد خضر , ليأخذ اجرته من إبنته نادية. فيدخل مع عبد المجيد خضر, في حوار مطول, ينفي فيه عبد المجيد أن لديه بنت تكون قد أقلها سائق التاكسي, ليلة الأمس إلى هذا المنزل . و تتلاحق الأحداث في المشهد الثامن. في محاولة أخيرة للوصول إلى تسوية للوضع. إذ يدخل سائق التاكسي مع عبد المجيد, لرؤية إبنته الوحيدة المقعدة. فيستوثق سائق التاكسي عند رؤيتها, أنها ليست فتاته المقصودة _ وقبل أن يراها يجول ببصره في الصالون, فيرى صورة عبد المجيد وزوجته " جلس السائق على أحد المقاعد. وكان ثمة إطار مذهب عليه صورة لعروسين, في غاية البهاء والرونق .هي نفس ملامح الرجل العجوز, لكنها هنا منحازة لشاب ذي نضارة لا تضاهى . أيقن السائق أنها صورة زفاف ذلك العجوز , في زمان سحيق, مضت أيامه في متاهات الذاكرة . لم يأبه السائق لما تبقى من صور (22) ..
- ويتداخل هذا المشهد مع المشهد التاسع.. في حوار آخر بين عبد المجيد والسائق, الذي يفكر في الإعتذار عن الوضع. وقبل أن يفصح عن ذلك. يقع بصره على صورة لفتاته المقصودة , فيترتب على ذلك حوارا, يمضى بالأحداث في منعرج آخر. ليبدأ المشهد العاشر - الذي هو إمتداد للمشهد الذي سبقه حيث يتشكك السائق.. وتهتز مسلمات الأب عبد المجيد , فيحاولان معا, الوصول إلى يقين. بالذهاب إلى مقبرة إبنته .. وهكذا يبدأ المشهد قبل الآخير بوصف للمقابر " قطعت السيارة عدة تقاطعات , ثم انسابت عبر طرق ملتوية , وغير معبدة حتى وصلت ذلك المكان الموحش , الغارق في لجة صمت الأبدية .. ترجلا من السيارة . عبرا دروبا صغيرة متعرجة , تجاوزا عدة قبور (23) " ثم يبدأ المشهد الاخير, إسترجاعا للمشهد الأول الذي تم استهلال القصة به : لحظة وقوف الكاتب أمام المحقق...
يلاحظ على المشاهد السابقة, أنها تقع في فترة زمنية متعاقبة, ومحددة تحديدا مكثفا , ومشحونة بالإنفعالات .. يقول برسي لوبوك: يعطي المشهد للقاريء إحساسا بالمشاركة الحادة في الفعل . إذ أنه يسمع عنه معاصرا وقوعه , كما يقع بالضبط وفي نفس لحظة وقوعه , لا يفصل بين الفعل وسماعه, سوى البرهة التي يستغرقها صوت الراوي, في قوله. لذلك يستخدم المشهد اللحظات المشحونة . ويقدم الراوي دائما ذروة سباق من الأفعال وتأزمها في المشهد (24)..
ويلاحظ أيضا أن المشاهد السابقة, مثلت وعاء للاستطرادات والتشعبات والإستباق, والوصف والملاحظات المباشرة, من الراوي التي تحمل ما تحمل من تحليل نفسي وإجتماعي .. ما جعل هذه المشاهد غنية بزخم التقنية .. خاصة أنها تحاول توصيل فكرة محددة, تتعلق بماهية ما رآه سائق التاكسي: هل هي المرحومة نادية عبد المجيد - التي أصيبت أختها فادية بالشلل, في ذات فترة موتها في يناير الماضي , وعلاقة الحركة للتمتع بمباهج الحياة " في السهرات - مثلا " بفقدان القدرة على الحركة بسبب الشلل بالنسبة لفادية - .. أم هي روحها الهائمة, تحاول إيصال رسالة ما لأسرتها ..أم أنها شيء آخر ..
ولعل السبب في التفكير في مثل هذا الموضوع. كموضوع لقصة قصيرة. تلك الرغبة المتزايدة لدى أحمد الجعلي في مسرحة الأحداث , وعرضها دراميا, لتمويه الممارسة الفانطاستيكية , وحجب نواقصها . وأيضا لمحاولة التخلص من سلطة الراوي ذو الصوت المنفرد وغير المقنع دراميا, وفسح المجال لتعدد الأصوات في النص السردي الواحد . فالمشاهد السبعة, التى أشرنا إليها, أثبتت قدرتها على كسر رتابة الحكي, بضمير الغائب, الذي ظل يهيمن على أساليب الكتابة السردية (25) ... وفي إعتماد أحمد أبوحازم على تقنية التتالي البطيء . إبتداء من المشهد الأول , الذي يصور كاتب القصة في الزنزانة , والمناخ النفسي الذي يحيط به " العرق ينزف بإصرار الجرح الجديد, والدهشة والإرتباك يصكان أوصالك , ينفتح لك الباب, ذي الصرير العالي . والمرهق كالأنين. تأخذ طريقك بصعوبة, عابرا الأجساد المكدسة , كأكياس.. تتلقاك رائحة البول . تصاب بانقباض طفيف . وشعور بالتقزز حاد, وعلقمي. كالصدأ يغزو دواخلك (..) تخرج لتدخل عدة أبواب, بعدها تعبر دهليز خافت الضوء , لتجد نفسك في نهاية المطاف, وجها لوجه أمام المحقق. وثمة رجلين وفتاة يجلسون بهدؤ , ولكنهم يتفحصونك بنظرات غريبة , وتكاد عيونهم تشربك (26)..
ويستمر هذا المشهد النفسي, إلى أن يبدأ التحقيق في المشهد الثاني , ليقفز بنا المشهد الثالث إلى اللحظة السابقة لركوب نادية التاكسي . ليبدأ المشهد الرابع بركوبها التاكسي, وإستهلال الحوار بينها وبين السائق " فتحت صدفة الصمت , فخرج صوتها ذو التكسرات الخشبية الغريبة لتقول : - أنه يناير بيت الشتاء وصوت الريح .. التفت ناحيتها (..) - أنه قلب الشتاء ونبضه ..قالت :- أنه وحشي كنثار الزجاج تحت الأجساد المتعبة . - قال : أننا نحس فيه بمعنى الدفء , ونستدرك أن أجسادنا مكتملة . قالت : بالعكس فأنه يشعرنا بالكآبة والحزن . أنه قاس وقاتل .- قال أنه يشعرني بالإستقرار والإنتماء . - قالت : أنه يشعرني بالتيه والموت . أنه يناير الوحشي عليه اللعنة والطعنات المرة (..) - وواصلت هي حديثها, بنفس الصوت الخافت والنبرة الغريبة : - ما أقسى أن تموت في الشتاء!!!.. (27)...
وهكذا تختم الفتاة بهذه الجملة المشهد الخامس, ليبدأ المشهد السادس في وقوف سائق التاكسي, يلاحقها ببصره حتى تدخل إلى منزلها .. فضلا عن الوظيفة الأساسية للمشهد السردي , فهو يقوم بدور حاسم في تطور الأحداث, وفي الكشف عن الطبائع النفسية والإجتماعية للشخصيات . وهو ما نلاحظه في الحوار بين السائق والفتاة الذي عبر - فيه الحوار - عن شخصيتين متناقضتين في مفهوميهما للحياة والموت ..
والوظائف التي لعبتها هذه المشاهد يمكننا إجمالها في :
محاولة الراوي إيهامنا بالواقع - ثمرة قول الراوي - إلتحام المشهد بفعل القص من خلال الصراعات والحوارات والوصف _ هذه العملية المعقدة في الإنتقال من تقنية إلى تقنية أخرى - حيث تضمن هذه الأفعال الإنتقال من السرد إلى الحوار والعكس .. فالمشهد والحوار متماهيان .. ففي المشهد أو الحوار يكتب الأديب ما لا ينطق به (28).. وهو ما يوحي بأننا نكاد نشعر بأننا إزاء حركة كاميرا , تضعنا في الحدث , بحيث نصبح جزء منه . فقد إستخدم أبوحازم هنا , تقنية المونتاج السينمائي , ما أعطى القصة يناير بيت الشتاء حيوية, وجعلها مفتوحة على تأويلات مختلفة...
تعليق