القناعة
القناعة كلمة يصعب فهم أبعادها إلا لمن عرف عمق مفهومها وأدرك أن لكل إنسان نصيب من هذه الدنيا , ولايمكن ترجمة معناها فقط بقبول الواقع , وإنما كيف نفهم الواقع ونجعله جنتنا في الدنيا وسعادتنا في الآخرة . القناعة مفتاح السعادة وكنز لايفنى , تغني صاحبها بالثروة الحقيقية ألا وهي غنى النفس والروح , لأن السعادة الحقيقية لاتبنى على المال والجاه و إنما على القناعة , فكل ثروة زائلة إلا القناعة , كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام , نعم كل من عليها فان إلا خالق الكون , هو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية .
*
في يوم من الأيام كان هناك رجل ثري جداً أخذ ابنه في رحلة إلى بلد فقير ليريه كيف يعيش الفقراء , لقد أمضوا أياماً وليالي في مزرعة تعيش فيها أسرة فقيرة .
في طريق العودة من الرحلة , سأله الأب : كيف كانت الرحلة ؟
قال الابن : كانت الرحلة ممتازة .
قال الأب : هل رأيت كيف يعيش الفقراء ؟
قال الابن : نعم .
قال الأب : إذاً اخبرني ماذا تعلمت من هذه الرحلة ؟
قال الابن : لقد رأيت أننا نملك كلباً واحداً , وهم ( الفقراء ) يملكون أربعة .
نحن لدينا بركة ماء في وسط حديقتنا , وهم لديهم جدول من الماء لاينقطع عن العطاء .
نحن لدينا الفوانيس , وهم لديهم النجوم تتلألأ في السماء .
باحة بيتنا تنتهي عند الحديقة الأمامية , ولهم امتداد الأفق .
لدينا مساحة صغيرة نعيش عليها , وعندهم مساحات تتجاوز تلك الحقول .
لدينا خدم يقومون على خدمتنا , وهم يقومون بخدمة بعضهم بعضاً .
نحن نشتري طعامنا , وهم يأكلون مايزرعون .
نحن نملك جدراناً عالية لكي تحمينا, وهم يملكون أصدقاء يحمونهم .
كان والد الطفل صامتاً .....
عندها أردف الطفل قائلاً
شكراً لك ياأبي لأنك أريتني كم نحن فقراء !.
*
القناعة سلوك يومي يتجلى بتصرفات الإنسان وعمله والجشع داء يذهب الحكمة والتعقل في مفهوم الحياة , الجشع أصعب داء يصاب به الإنسان ليجعله الأعمى المبصر , فليس الأعمى من فقد بصره وإنما ذلك الذي فقد بصيرة قلبه . لقد علمتني أمي أن أقنع بالقليل لأن من قنع بالقليل أعطاه الله الكثير , والمال والجاه ليسا إلا سراباً للظمآن عندما لاترويه القناعة . القناعة بلسم للشدائد , تغني ولاتفقر , تجعل المهموم سعيد اً والفقير غنياً والثري أكثر حكمة ومعرفة بخالق الكون , كما أنها مفتاح للفرج , تبعد الحسد وتغني النفس لأن الثروة الحقيقية بعفة النفس وغناها فهما أثمن مايملكه الإنسان.
*
*
*
ورزقكَ ليسَ ينقصهُ التأني وليسَ يزيدُ في الرزق العناءُ
ولاحزنٌ يدومُ ولاسرورٌ ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ
إذا ماكنتَ ذا قلب ٍ قنوع ٍ فأنتَ ومالكُ الدنيا سواءُ
تعليق