[frame="14 98"]
[/frame]
وقفتأمام مكتبتي بعد أن فتحت النافذة على مصراعيها..تأملت كتبي..مسحت غبار بعضها بحنان..أخرجت من الرف العلوي رواية الكلمات لسارتر..وهي من ميراث أبي..شممت رائحته وتمعنت في صورته على واجهة الكتاب..حول عينيه يتملكني.شعور غريب انتابني منذ طفولتي..فسافرت معه من الغثيان حتى الجدار...أرجعته إلى مكانه..أخذت نبي جبران وعواصفه..طوحت بها خارجا..صور لأجساد عارية ترفرف في الهواء بكل تعاليمها ووصاياها..لوحت بالبقية من الكتب عبر النافذة وهي تتقاذف تباعا وكأنها وابل من أمطار تغيث وتدمر في آن واحد..سقوطها في حوش المنزل أحدث دويا..ارتطم دوستيفسكي ببلاهته مع جنون غوغول..ونيتشه المجنون..امتطى حصان الحوذي وحلق طائرا حاملا معه أفول أصنامه وعلمه المرح.. أمسكت بدروس هيجل في فلسفة التاريخ ودهستها برجلي..مزقت مذكرات السجن لغرامشي..وقذفت بالقدر الإنساني لاندري مالرو...ومزقت مذكراتي ونثرتها شظايا...
انتابني شعور طافح بتمرد أبله..يجب أن أتخلص من هذا العبء الذي يثقل كاهلي..هذا الشبح الذي يقبع قبالتي في غرفتي الشبيهة بالسجن..احتفظت بالكلمات في جيبي..فأحسست سارتر إنسانيا مفرطا في وجوديته..تذكرت كلمات والدي وهي تنبعث من عهد الصبا..قال لي: هذه هديتي لك..أتمنى أن تحتفظ بها...
لقد بدأت حياتي كما سأنهيها في القراءة أما الكتابة فذلك أمر آخر..لكن لعنة تطاردني يجب ان أتخلص منها..سمعت وقع خطوات أمي وهي متلهفة..فتحت باب غرفتي منبهرة بذهول فائق..أمسكت رأسها بكفيها وقالت:
- ماذا ألم بك يا بني؟هل جن جنونك؟
- ماذا ألم بك يا بني؟هل جن جنونك؟
حدجتها بعينين مستغربتين وقلت: أمي سأتخلص من هذه اللوثة التي تنخر دمي..سأحرق هذه اللعنة..
قالت: ألم أقل لك أن تكف عن إتعاب نفسك..هذه الكتب هي التي جعلتك سلبيا هكذا..حتى العمى يطاردك يوميا وربما أصبحت أحدبا بانكبابك على القراءة لساعات طوال...
قالت: ألم أقل لك أن تكف عن إتعاب نفسك..هذه الكتب هي التي جعلتك سلبيا هكذا..حتى العمى يطاردك يوميا وربما أصبحت أحدبا بانكبابك على القراءة لساعات طوال...
أمي كانت هكذا مرارا..تريد بحسها أن أتخلص من كتبي..وهاهي اللحظة أتت بمحض إرادتها كي أنفذ ما أزمعت عليه..انطلقت نحو الأسفل كالسهم تاركا خلفي أمي..أما أبي فلو كان حيا لكنت أنا أبا له..
ألقيت نظرة على كومة ورقية على شكل جبل..على الأرض تناثرت صفحاتي..آنئذ تسنمت سفوح الكلمات وتسلقت جدران السطور..اعتليت أبراج القارئ النزق..واحتميت من نظرات الكاتب المتملق..تدحرجت إلى مهاوي الضيق..فعاود التردد قراري..لكن يجب أن أتخلص منها..يجب ذلك..
سالت دموعي في حضرتها..واستفقت للحظة من ذكرياتها..تراءى لي في ظلال أضوائها شخوص وأبطال وأحداث وأزمنة..قمت أفتش عن رماد الكلمات المحترقة في داخلي كي أعيد منها فينيق الذكريات..ذكرياتي أنا القارئ الفاشل...
م ع الرحمان دريسي
من مجموعتي القصصية" تشظي".
من مجموعتي القصصية" تشظي".
المغرب
[/frame]
تعليق