اسمه وحيد ، وهو فعلا وحيد لأخوة من البنات أربعة ، تركه أبيه وتركهن مع أم مريضة لا تعرف في دنياها إلا المطبخ وإذاعة القرآن الكريم ، وسافر في أرض الله الواسعة بحثا عن حياة كريمة في ظل شظف العيش وارتفاع الأسعار، ليتحمل وحيد بالتبعية مسئولية فرضت عليه فرضا ولم يستشر بشأنها ، ألا وهي مسئوليته عن أمه وأخواته البنات ، وهي مسئولية وان كانت معنوية إلا أنها أشد على النفس من غيرها .
ولأن صديقي وحيد كانت خبراته في الحياة قليلة ، ولم يخبره أحد عن معنى المسئولية وكيفية التعامل معها ، فقد أدى ذلك إلى حدوث فجوة بينه وبين إخوته البنات ، خاصة وأنهم جميعا كانوا في سن متقاربة ، وكلهم في سنوات التعليم العالي المختلفة ، إذ كان غاية ما أراده أن يحافظ على شقيقاته البنات من ذئاب البشر ، لكونهن على قدر من الجمال الملفت للأنظار ، فكانت غيرته وخوفه عليهن نار تتأجج دائما وتحدث كثير من الشجار والفرقة بينه وبينهن ، على الرغم من الحب الذي يحمله تجاههن والذي قلما أو ربما عجز عن أن يعبر لهن عنه بالقول أو بالفعل .
وفي ذات يوم عاد جميع إخوته من جامعتهن إلى البيت ، عدا الكبرى منهن التي كانت تدرس بالسنة النهائية بكلية الآداب ، تأخرت كعادتها بحجة المواصلات وبحجة المحاضرات وبحجج كثيرة لا مفر من تصديقها ، ولكن تأخرها هذه المرة فاق التصور وفاق الحد المقبول حتى انتصف الليل ، فإذا بالبيت يعج بعدد كبير من البشر من الأصحاب والجيران والأقارب ، كلهم أذهلتهم المفاجأة وكلهم جاء ليشارك في البحث عن هذه الشابة الجميلة ذات القوام الممشوق والوجه الأبيض النضر .
فإذا بالنصف الثاني من الليل يولي وإذا بالشمس تشرق متوسطة كبد السماء ، لتبدأ العيون في البكاء وتبدأ الأيادي في اللطم على الوجوه ، ويتعالى النحيب وتتداخل الأصوات وتتداخل معها التوقعات والتصورات ، ويمضي اليوم الثاني ثم الثالث فينفض الناس من حول وحيد وباقي إخوته وأمه المسكينة ، إلا من بعض ذوي القربى والرحم . حتى بدأ اليأس يدب في القلوب ويختنق الأمل في الضلوع ، ووحيد في كل هذه الأيام والليالي عود انثنى ووردة ذبلت وريشة تلاعبت بها الريح فقذفتها حيث اللامنتهى ،
فإذا برجل من أهل المدينة يسعى ، يخبرهم بأن الفتاة موجودة بمستشفى القصر العيني واقفة على بابه بعد أن شفيت من مرض ألم بها ، فيتنفس الجميع الصعداء ويهرول الجميع وينطلق الجميع ، وكان أسبقهم وحيد انطلق كسهم خرج من جعبته ، وقد اشتد عوده واستعاد نشاطه واسترد شبابه وتهللت أساريره ، انطلق ، ومع انطلاقته انطلقت ذكريات مخبأة ، أبى عقله الباطن أن يستخرجها إلا الآن ،
فتذكر أبوه وهو يوصيه بإخوته البنات ويقول له " وحيد أنت لم تعد صغيرا فتحمل المسئولية وحافظ على إخوتك البنات " ، وتذكر أبوه والدموع تتساقط من عينيه وهو الذي لم يراه باكيا أبدا ، عندما احتواه بين أحضانه وأخواته الأربعة جميعا فيقول لهم " خلوا بالكوا من نفسكوا ياولاد " ، وتذكر أبوه عندما كان يتصل به من الخارج المرة تلو المرة يسأله عن إخوته البنات فيطمئنه عليهن ويخبره أنه راع لهن ومسئول فلا يخشى شيئا ، ويتذكر أبوه أيضا عندما أخبره منذ أشهر قليلة أنه ينوي العودة لمصر ليستقر به المقام بعد أن سئم الرحلة والترحال ، ثم تذكر أمه التي انفطر قلبها من الحزن والخوف والوجل حتى استردت شيئا من وعيها عندما علمت بعودة ابنتها ، ثم تذكر في ذات الوقت شقيقته هذه التي لطالما تأخرت عن عودتها لبيتها كثيرا ، تذكرها ساعة أن كان يذهب إلى كليتها ليسأل عنها فيجدها مع زملائها الشباب خارج المحاضرات ، وتذكرها يوم أن راءها في سيارة زميل لها وقد بدا أن الأمر تعدى بينهما مرحلة الزمالة ، ثم تذكر هذا الفتى الوسيم الذي يسكن أمامهما وكانت تديم النظر إليه من شرفة المنزل يتبادلا النظرات والابتسامات ويتبادلا الإشارات ، وانتهت الذكريات عندما وجدها أمامه ضاحكة مستبشرة واقفة كطود عظيم فاتحة ذراعيها لتستقبل أخوها الوحيد بحضن الشوق والأمل وحضن البراءة والندم ، فهوى إليها كعصفور انتزعوا جناحيه وألقى برأسه على كتفيها يستنطقها جوابا عن سؤال لم يسأله لها " عملتي كده ليه ؟ " احتضنها بحب ، واعتنقها بقوة ، فطال حضنه لها وعناقه في مشهد درامي أخاذ أثار الدموع في المآقي ، فربت الناس على كتفيهما ليأخذوهما إلى بيتهما وإلى أمهما ، ولكن هالهم أن الفتاة خار جسدها ، وهالهم أن وحيد تصلب جسده ، ففرقوا بينهما بقوة ليجدوها قلب لا ينبض ، ووجدوه قابضا بيمينه على سكين استقر في صدرها
ولأن صديقي وحيد كانت خبراته في الحياة قليلة ، ولم يخبره أحد عن معنى المسئولية وكيفية التعامل معها ، فقد أدى ذلك إلى حدوث فجوة بينه وبين إخوته البنات ، خاصة وأنهم جميعا كانوا في سن متقاربة ، وكلهم في سنوات التعليم العالي المختلفة ، إذ كان غاية ما أراده أن يحافظ على شقيقاته البنات من ذئاب البشر ، لكونهن على قدر من الجمال الملفت للأنظار ، فكانت غيرته وخوفه عليهن نار تتأجج دائما وتحدث كثير من الشجار والفرقة بينه وبينهن ، على الرغم من الحب الذي يحمله تجاههن والذي قلما أو ربما عجز عن أن يعبر لهن عنه بالقول أو بالفعل .
وفي ذات يوم عاد جميع إخوته من جامعتهن إلى البيت ، عدا الكبرى منهن التي كانت تدرس بالسنة النهائية بكلية الآداب ، تأخرت كعادتها بحجة المواصلات وبحجة المحاضرات وبحجج كثيرة لا مفر من تصديقها ، ولكن تأخرها هذه المرة فاق التصور وفاق الحد المقبول حتى انتصف الليل ، فإذا بالبيت يعج بعدد كبير من البشر من الأصحاب والجيران والأقارب ، كلهم أذهلتهم المفاجأة وكلهم جاء ليشارك في البحث عن هذه الشابة الجميلة ذات القوام الممشوق والوجه الأبيض النضر .
فإذا بالنصف الثاني من الليل يولي وإذا بالشمس تشرق متوسطة كبد السماء ، لتبدأ العيون في البكاء وتبدأ الأيادي في اللطم على الوجوه ، ويتعالى النحيب وتتداخل الأصوات وتتداخل معها التوقعات والتصورات ، ويمضي اليوم الثاني ثم الثالث فينفض الناس من حول وحيد وباقي إخوته وأمه المسكينة ، إلا من بعض ذوي القربى والرحم . حتى بدأ اليأس يدب في القلوب ويختنق الأمل في الضلوع ، ووحيد في كل هذه الأيام والليالي عود انثنى ووردة ذبلت وريشة تلاعبت بها الريح فقذفتها حيث اللامنتهى ،
فإذا برجل من أهل المدينة يسعى ، يخبرهم بأن الفتاة موجودة بمستشفى القصر العيني واقفة على بابه بعد أن شفيت من مرض ألم بها ، فيتنفس الجميع الصعداء ويهرول الجميع وينطلق الجميع ، وكان أسبقهم وحيد انطلق كسهم خرج من جعبته ، وقد اشتد عوده واستعاد نشاطه واسترد شبابه وتهللت أساريره ، انطلق ، ومع انطلاقته انطلقت ذكريات مخبأة ، أبى عقله الباطن أن يستخرجها إلا الآن ،
فتذكر أبوه وهو يوصيه بإخوته البنات ويقول له " وحيد أنت لم تعد صغيرا فتحمل المسئولية وحافظ على إخوتك البنات " ، وتذكر أبوه والدموع تتساقط من عينيه وهو الذي لم يراه باكيا أبدا ، عندما احتواه بين أحضانه وأخواته الأربعة جميعا فيقول لهم " خلوا بالكوا من نفسكوا ياولاد " ، وتذكر أبوه عندما كان يتصل به من الخارج المرة تلو المرة يسأله عن إخوته البنات فيطمئنه عليهن ويخبره أنه راع لهن ومسئول فلا يخشى شيئا ، ويتذكر أبوه أيضا عندما أخبره منذ أشهر قليلة أنه ينوي العودة لمصر ليستقر به المقام بعد أن سئم الرحلة والترحال ، ثم تذكر أمه التي انفطر قلبها من الحزن والخوف والوجل حتى استردت شيئا من وعيها عندما علمت بعودة ابنتها ، ثم تذكر في ذات الوقت شقيقته هذه التي لطالما تأخرت عن عودتها لبيتها كثيرا ، تذكرها ساعة أن كان يذهب إلى كليتها ليسأل عنها فيجدها مع زملائها الشباب خارج المحاضرات ، وتذكرها يوم أن راءها في سيارة زميل لها وقد بدا أن الأمر تعدى بينهما مرحلة الزمالة ، ثم تذكر هذا الفتى الوسيم الذي يسكن أمامهما وكانت تديم النظر إليه من شرفة المنزل يتبادلا النظرات والابتسامات ويتبادلا الإشارات ، وانتهت الذكريات عندما وجدها أمامه ضاحكة مستبشرة واقفة كطود عظيم فاتحة ذراعيها لتستقبل أخوها الوحيد بحضن الشوق والأمل وحضن البراءة والندم ، فهوى إليها كعصفور انتزعوا جناحيه وألقى برأسه على كتفيها يستنطقها جوابا عن سؤال لم يسأله لها " عملتي كده ليه ؟ " احتضنها بحب ، واعتنقها بقوة ، فطال حضنه لها وعناقه في مشهد درامي أخاذ أثار الدموع في المآقي ، فربت الناس على كتفيهما ليأخذوهما إلى بيتهما وإلى أمهما ، ولكن هالهم أن الفتاة خار جسدها ، وهالهم أن وحيد تصلب جسده ، ففرقوا بينهما بقوة ليجدوها قلب لا ينبض ، ووجدوه قابضا بيمينه على سكين استقر في صدرها