الجحيم.. الطريق إلى الجنة أحياناً..!!
لم يُقدر له أن يرى والده بوعي كامل ؛ فقد استشهد عندما كان في عامه الثاني . ربته أمه و أخوته على الخوف . لكنها لم تكن تعرف أنها قتلت من فرط خوفها ؛ خوفهم منه..!!
كان بعد صغيراً غير مدركٍ لحقائق الأمور؛ حين ماتت أخته الكبرى (فاطمة) . لكنه علم فيما بعد أنها من قتلت نفسها..!! و لم يدر لمه..؟! أمه أبداً لم تكن تريح أسئلته الحيرى بأية أجوبة..!! فقط كان يرى دموعها الصامته تنسال في حرقة.
ظل يسمعها دوماً تحذر أخيه الأوسط (ياسين) ؛ كي يبتعد عن أعمال المقاومة. تتوسل إليه باكية.. فهما كل ماتبقى لها من حطام الدنيا .هم زادها الذي يعينها على شظف العيش - الذي لا يكادون يجدونه إلا بالذلة و الهوان - .
..لا يدري لما كان يعتصره فؤاده , و يشعر بغصة في حلقه كلما شاهد أولائك الجنود ذوي البشرة الحمراء , و العيون القططية , يفتشون والدته بكل وقاحة و عنف . و هي رافعة يديها مباعدة مابين ساقيها في حسرة و ألم ؛ بينما يعبثون في جسدها , و دموعها الصامتة تسيل في قهر على خديها..!! حتى هو كانوا يسخرون من نظراته النارية المتحدية ؛ فيضربونه بأيديهم على مؤخرة رأسه , و يدفعونه بأرجلهم بقوة . و يغرسون بنادقهم الألية في ظهره .
حكى له (ياسين) ذات مرة , كيف أغتالوا أبيه برصاصات الغدر , و هو يؤم المصلين في صلاة الجمعة. يحثهم فى خطبته على الجهاد - حتى أنه أطلق عليه نفس الأسم تيمناً – كيف رآه مدرجاً في دمائه مع عشرات المصلين , حيث نطق الشهادتين , مبتسماً رافعاً أصبعيه علامة النصر .
كان أخوه (ياسين) مثله الأعلى , من علمه أول حروف العزة , و معنى الكرامة . فقد كان يشارك سراً في حركات المقاومة . رآه ذات يوم يخبئ الأسلحة , و العبوات الناسفة في ساحة منزلهم الخلفية . فأمّنه سره , و طلب منه ألا يخبر والدته . شاهد ذات مرة في التلفاز شريطاً مصوراً لأحد منفذي العمليات الإستشهادية يبثه إلى أهله. كان المحللون يشرحون تفصيلاً كيف تمت تلك العملية ؛ التي يصفونها بالإرهابية..!!
.. في ذلك اليوم سمع أخيه يتحدث مع أمه بصوت مرتفع . يهتف قائلاً:
- لابد أن أنتقم من أجل أبي الذي اغتالوه..من أجل أختي التي هتكوا عرضها .. من أجل كرامتنا التي داسوها في التراب ..من أجل وطني الذي أستولوا عليه .. و نهبوه .. و جعلونا نرزح في الفقر.. من أجلك أمي .. و من أجل أخي الصغير.. كي تستنشقوا هواءاً نظيفاً ..لم تسممه أنفاسهم الكريهة ..!!
جثت على الأرض , تتوسل إليه باكيه , تشبثت بقدميه زاحفة ؛ لكنه تركها , و دلف مسرعاً إلى حجرته , ثم أخرج حقيبة كان يخبئها تحت فراشة , و أمسك شيئاً - لم يكن يعرفه في بادئ الاًمر- و ارتداه أسفل ملابسه . ثم ربط خيطاً رفيعاً في سبابته , و أشار إليه بيده اليمني علامة النصر , و قال بكل فخر:
- هذا هو طريقنا إلى الجنة..و سوف يذهبون إلى الجحيم..
فجأة سمعا طرقات عنيفة , و سريعة على الباب . فخلع أخوه الحزام الناسف في عجل , ثم وضعه في الحقيبة , و قفز من النافذة , و أسرع يخبئها في الساحة الخلفية , ثم أمره أن يفتح الباب في حذر , و يحذره إذا ما وجد شخصاً لا يعرفه . ذهب صاغراً. فوجد جارهم (ياسر) – و كان يعلم أنه مع أخيه في جماعات المقاومة - سأله في لهفة:
- أين ياسين..؟!
أشار إليه بيده , فقفز مسرعاً إلى الداخل , سمعه يخبر أخيه قائلاً:
- لابد أن تغادر المنزل الآن ..هناك من خاننا ..و أبلغ عن العملية..!!
استشاط (ياسين) غضباً , و همّ بالدخول لجلب الحقيبة. فاستوقفه (ياسر) قائلاً:
- لا يوجد متسعاً من الوقت..هناك سيارة تنتظرنا بالخارج ..و سوف تواجهنا نقاط تفتيش من الشرطة ..و لن نستطيع الوصول إلى هدفنا المنشود..
انطلقا في سرعة .. و ماهي إلا لحظات ؛ حتى سُمع دوي إنفجار مروع هز الحي بأكمله. انطلقت أمه إلى الشارع ؛ تصرخ في لهفة , فألفت ابنها , و صديقه جثتين متفحمتين . أخذت تولول , و تلطم خديها , و تعفر وجهها بالتراب . فربت على كتفيها , و هو يبكي , ثم قبل رأسها , فاحتضنته بقوة . فهمس لها في أذنها:
- لا تحزني يا أمي .. لقد بشرني أخي ..أننا سنلقاه إن شاء الله في الجنة ..
في نفس ذات اليوم ؛ خرجت كل القنوات الفضائية تتحدث عن العملية الإستشهادية الجديدة , التي قُتل فيها عشرات من جنود الإحتلال ؛ و أن منفذ العملية طفلاً لم يتجاوز السابعة.
كان بعد صغيراً غير مدركٍ لحقائق الأمور؛ حين ماتت أخته الكبرى (فاطمة) . لكنه علم فيما بعد أنها من قتلت نفسها..!! و لم يدر لمه..؟! أمه أبداً لم تكن تريح أسئلته الحيرى بأية أجوبة..!! فقط كان يرى دموعها الصامته تنسال في حرقة.
ظل يسمعها دوماً تحذر أخيه الأوسط (ياسين) ؛ كي يبتعد عن أعمال المقاومة. تتوسل إليه باكية.. فهما كل ماتبقى لها من حطام الدنيا .هم زادها الذي يعينها على شظف العيش - الذي لا يكادون يجدونه إلا بالذلة و الهوان - .
..لا يدري لما كان يعتصره فؤاده , و يشعر بغصة في حلقه كلما شاهد أولائك الجنود ذوي البشرة الحمراء , و العيون القططية , يفتشون والدته بكل وقاحة و عنف . و هي رافعة يديها مباعدة مابين ساقيها في حسرة و ألم ؛ بينما يعبثون في جسدها , و دموعها الصامتة تسيل في قهر على خديها..!! حتى هو كانوا يسخرون من نظراته النارية المتحدية ؛ فيضربونه بأيديهم على مؤخرة رأسه , و يدفعونه بأرجلهم بقوة . و يغرسون بنادقهم الألية في ظهره .
حكى له (ياسين) ذات مرة , كيف أغتالوا أبيه برصاصات الغدر , و هو يؤم المصلين في صلاة الجمعة. يحثهم فى خطبته على الجهاد - حتى أنه أطلق عليه نفس الأسم تيمناً – كيف رآه مدرجاً في دمائه مع عشرات المصلين , حيث نطق الشهادتين , مبتسماً رافعاً أصبعيه علامة النصر .
كان أخوه (ياسين) مثله الأعلى , من علمه أول حروف العزة , و معنى الكرامة . فقد كان يشارك سراً في حركات المقاومة . رآه ذات يوم يخبئ الأسلحة , و العبوات الناسفة في ساحة منزلهم الخلفية . فأمّنه سره , و طلب منه ألا يخبر والدته . شاهد ذات مرة في التلفاز شريطاً مصوراً لأحد منفذي العمليات الإستشهادية يبثه إلى أهله. كان المحللون يشرحون تفصيلاً كيف تمت تلك العملية ؛ التي يصفونها بالإرهابية..!!
.. في ذلك اليوم سمع أخيه يتحدث مع أمه بصوت مرتفع . يهتف قائلاً:
- لابد أن أنتقم من أجل أبي الذي اغتالوه..من أجل أختي التي هتكوا عرضها .. من أجل كرامتنا التي داسوها في التراب ..من أجل وطني الذي أستولوا عليه .. و نهبوه .. و جعلونا نرزح في الفقر.. من أجلك أمي .. و من أجل أخي الصغير.. كي تستنشقوا هواءاً نظيفاً ..لم تسممه أنفاسهم الكريهة ..!!
جثت على الأرض , تتوسل إليه باكيه , تشبثت بقدميه زاحفة ؛ لكنه تركها , و دلف مسرعاً إلى حجرته , ثم أخرج حقيبة كان يخبئها تحت فراشة , و أمسك شيئاً - لم يكن يعرفه في بادئ الاًمر- و ارتداه أسفل ملابسه . ثم ربط خيطاً رفيعاً في سبابته , و أشار إليه بيده اليمني علامة النصر , و قال بكل فخر:
- هذا هو طريقنا إلى الجنة..و سوف يذهبون إلى الجحيم..
فجأة سمعا طرقات عنيفة , و سريعة على الباب . فخلع أخوه الحزام الناسف في عجل , ثم وضعه في الحقيبة , و قفز من النافذة , و أسرع يخبئها في الساحة الخلفية , ثم أمره أن يفتح الباب في حذر , و يحذره إذا ما وجد شخصاً لا يعرفه . ذهب صاغراً. فوجد جارهم (ياسر) – و كان يعلم أنه مع أخيه في جماعات المقاومة - سأله في لهفة:
- أين ياسين..؟!
أشار إليه بيده , فقفز مسرعاً إلى الداخل , سمعه يخبر أخيه قائلاً:
- لابد أن تغادر المنزل الآن ..هناك من خاننا ..و أبلغ عن العملية..!!
استشاط (ياسين) غضباً , و همّ بالدخول لجلب الحقيبة. فاستوقفه (ياسر) قائلاً:
- لا يوجد متسعاً من الوقت..هناك سيارة تنتظرنا بالخارج ..و سوف تواجهنا نقاط تفتيش من الشرطة ..و لن نستطيع الوصول إلى هدفنا المنشود..
انطلقا في سرعة .. و ماهي إلا لحظات ؛ حتى سُمع دوي إنفجار مروع هز الحي بأكمله. انطلقت أمه إلى الشارع ؛ تصرخ في لهفة , فألفت ابنها , و صديقه جثتين متفحمتين . أخذت تولول , و تلطم خديها , و تعفر وجهها بالتراب . فربت على كتفيها , و هو يبكي , ثم قبل رأسها , فاحتضنته بقوة . فهمس لها في أذنها:
- لا تحزني يا أمي .. لقد بشرني أخي ..أننا سنلقاه إن شاء الله في الجنة ..
في نفس ذات اليوم ؛ خرجت كل القنوات الفضائية تتحدث عن العملية الإستشهادية الجديدة , التي قُتل فيها عشرات من جنود الإحتلال ؛ و أن منفذ العملية طفلاً لم يتجاوز السابعة.
تعليق