الشاعر وائل زيدان يكتب عن مجموعة حروف الدمع للقاص والاديب السوري محمد عزوز
هذه المجموعة القصصية كما يقول الأديب محمد عزوز , عبارة عن صور ومشاهد يوميةلأناس عاديينهم في حقيقة الأمر ضحايا , التقطها لهم عفواً بكاميرته الأدبية الخاصة . ونحن نعلم أنه صوّر الشخصيات كما هي وصوّر الأحداث كما وقعت , دون تدخّل منه , وبغير علم الشخصيات ذاتها , ونعلم أيضاً أنه لو فعل ونبّههم قبل التصوير , لكانوا مَسَحوا دموعهم وأصلحوا هيئتهم وابتسموا !
القيام بتصوير مسرح الجريمة , أمر بحد ذاته ليس مشوّقاً بالمرّة , فلا السكين ولا الطعنة ولا خطوط
الدم كانت في يوم من الأيام من العناصر الجمالية , لكن الجزء المشوّق والمهم في العملية برمّتها هو
أننا عندما نصوّر القتيل في مسرح الجريمة , نكون وبكل بساطة قد صوّرنا القاتل .
مجموعة / حروف الدمع / ليست قصص بوليسية , لكنها بالمقابل تصرخ في وجوهنا بغضب . . .
/ لماذا لا تريدون التصديق بأن القاتل يمكن أيضاً ألاَّ يكون بشرياً , وأنه يستطيع أن يكون مجرد فكرة
أو ثقافة أو حتى عصر بأكمله / .
في قصة / صفقة / يصوّر لنا الكاتب إمرأة تبوح أخيراً لزميلها في العمل بمأساتها . لقد أمضت خمسة وعشرين عاماً من حياتها في الدراسة , وثلاث سنوات في البحث عن عمل , لتكتشف في النهاية
أنها قد تجاوزت الأربعين وأنها أصبحت وحيدة . خسرت جمالها وسحر أنوثتها وحقّها المشروع في أن تُحِب
ومُنحت عوضاً عن ذلك على لقب نهائي مؤلف من ثلاثة أحرف قاسية , وهو / عانس / وصار لِزاماً
عليها من الآن فصاعداً أن تعقد الصفقات ..... / سأنهي عنوستك / .... يقول الخاطب الذي طلق زوجته
/ سأنهي عنوستك مقابل أن ترعي أولادي وتسلّميني راتبك ِ /
هذه الصورة أو هذه القصة , ليست مجرّد حديث مصطبة كما يُخيّل للوهلة الأولى , لقد ضمّنها الكاتب كل العناصر التي تؤهلها لتكون مشكلة إنسانية كبرى . أحد ما / ليس الخاطب طبعاً / سَخِر من أحلام تلك
المرأة , سَخِر من حياتها وحتى من جسدها .
القصة مؤلفة من ثلاث شخصيات فقط , لكننا نتساءل , من هي الشخصية الرابعة والغير مرئية في الصورة
التي كانت السبب في ضياع حياة تلك المرأة . خمسة وعشرون عاماً تمضيها بطلة القصة في الدراسة .
لاحظوا أننا نتحدث عن ربع قرن ! , لأنه مقارنةً بالإنسان تعتبر حياة الحشرة لاشيء . ومقارنة بعمر الأرض يصبح عمر الإنسان تماماً كعمر الحشرة , وهذا ما يوافق عليه الجميع .
منذ أن قررت البشرية التخلّي عن مجتمعها الزراعي , والدخول مرةً واحدة في الثورة الصناعية الكبرى
ثم عصر المعلومات . وجدت نفسها فجأة , داخل صفقة ضارية , شرطها النهائي , / إحصل على المعلومة لنعترف بك / .
مشكلة هذه الصفقة , أن المعلومة لا تنتهي , لكن الجسد الإنساني ينتهي ويزول . صفقة تشبه تماماً صفقة الدكتور فاوست , إنها صفقة مع الشيطان / سأريك العالم لكني أريد حياتك / حتى كلمة ( صفقة ) خرجت ثم تدحرجت ككرة الثلج من قاموس الثورة الصناعية .
احتاجت تلك المرأة الأربعينية إلى أنوثتها فلم تعثر عليها , فتّشت عن حقّها بالحب ولم تجده , لأنه
وبكل بساطة كان قد ضاع تحت عجلة الحياة الجديدة والمعلومة اللاّمنتهية بغزارتها . فحتى تكون مؤهلاَ للعيش في هذا العصر , يجب أن تُمضي أكثر من ربع قرن في البحث عن المعلومة , بعدها لا أحد يعنيه ماذا حلَّ بجسدك المنبوذ وصاحب السمعة السيئة عند أغلب الأديان والثقافات .
الشعوب التي انتقلت إلى العصر الصناعي الحديث , عرفت أن هذا العصر , مُعادٍ للطبيعة البشرية
بل إنه معادٍ للطبيعة ككل . واكتشفت أيضاً أن الصراع مع الطبيعة لا يوجد فيه منتصر , لذلك قررّوا أنهم
لن يصارعوا الطبيعة , هم فقط سيعملون معها , فعندما تبني سدّاً أمام النهر , لا يعني هذا أنك انتصرت
عليه , لأن النهر في الواقعً لم يمت .
بناء عليه رأت تلك الشعوب أنه من الضروري جداً الإنتقال إلى أخلاقيات أخرى تنسجم مع العصر الصناعي والحياة الجديدة وتتماشى معهما . ثقافتنا العربية التي تنتمي لها بطلة القصة , مازلت حتى الآن مترددة في الإنتقال إلى أخلاقيات جديدة . إنها تعيش في عصر صناعي لكن بأخلاقيات المجتمع الزراعي القديم .
وهنا تكمن مأساة تلك المرأة التي لم يأخذ ( آدم سمث ) رأيها في تلك الثورة , وهي بالمقابل لم تشارك في تدشين صامولة واحدة في آلاته .
هل العصر الصناعي هو الشخصية الرابعة والغير مرئية التي أرادنا الكاتب أن نكتشفها في هذه القصة ؟
أم أنها ثقافة عجزت عن تطوير أخلاقياتها وحوّلتها عوضاً عن ذلك إلى أصنام ؟
المرأة العانس وبعد صراع أخلاقي مع نفسها , حزمت أمرها وقررت أن تدخل أخيراً وبكل جرأة إلى مكتب زميلها في العمل في محاولة ضمنية يائسة لبناء علاقة إنسانية من نوع ما , لكن الزميل الطيب ينهض
وهو يقول : / عذراً آنستي .... المدير العام ينتظرني !! /
وفي قصته البسيطة التي عنوانها / بإنتظار قرار / نتلمّس وجه آخر من العنف تمارسه ثقافتنا يومياً
على الفرد , عندما يهرع الزوج نحو زوجته المريضة , فيقول / عليّ أن أفعل شيئاً وإلاّ اتهمتني بالتقصير /
لديه إحساس دائم بالخطيئة , وبأنه منذ الولادة مذنب ومدان حتى يُثبت العكس , فالمجتمع يتعامل معه منذ البداية مفترضاً سوء النية , وسيظل الزوج حتى النهاية مشغول بالبرهنة على نواياه الطيبة , في البيت والشارع وحتى بينه وبين نفسه , ليتحول أخيراً إلى إنسان غير منتبه إطلاقاً إلى حاجته الماسّة للشعور بالخير , لأن يتصرف مع من يحب بعفوية , إنه مُراقََََب من قبل المجتمع , إنه مُحاصَر بما يريدونه هم أن يكون عليه . مُحاصر بكلمة واحدة متوحشة هي كلمة / الواجب / , تنين نيتشه الضخم ذو الأصداف ,
والذي على كل صدفة مكتوب / يجب عليك / فبمجرد الوقوف أمام ذلك التنين ستشعر كم أنت ضئيل وقزم .
حينما تموت الزوجة في اليوم التالي يقول الزوج :
/ في العناية المشددة استغرب المعنيون سؤالي ولم يستغربوا لهفتي /
/ كانت تصلني همسات الناس ... يا أخي الجلطة ما بتخبي حالها ... كيف تركها وهي على هالحال /
/ قال جاب لها مية سخنة وبعدين غطاها وتركها /
/ والله لو أسعفها من وقتها كان الله نجاها /
/ أي بيكون حاطط عينو على شي وحدة تانية /
مجتمع يفتقد إلى الثقافة الطبية , يلوم أفراده على جهلهم بها , إنه مجتمع لم يختبر معنى الثقة , لا أحد يثق بأحد . الفعل الشرير يجب تصديقه فوراً , أما الخير فهو مُستبعد .
تلك الطريقة بالتعاطي أي عدم الثقة الدائم , هي التي تسرق فرصة الفرد في أن يكون حُرّاً , إنها لا تتركه حتى ليسترد أنفاسه .
/ يزداد ألمي وأنا أسمع مثل هذه التعليقات /
/ وضٍّحت لبعض المقرٍّبين .. أن الأمر لم يتجاوز التفكير ببعض البرد , وكنت أخمِّن أنه سيزول تدريجياً
بعد أن تتدثر /
/ حمدت الله أن الأولاد لم يستجيبوا لما يقال وإلاّ كنت في موضع إتهام بالتقصير والقتل / .
في قصة / إختلاس / ما يدعم نقاشنا السابق , فالموظف البسيط الذي اتُّهٍم زوراً بالإختلاس ,
وهو برأيي أهم شخصية بالمجموعة كلّها , طلبوا منه أن يكتب كل شيء عن إختلاساته , وهو بدوره
سيُمضي بقية عمره في الإعتراف وبتذكُّر تلك الإختلاسات .
/ ثلاثون ... خمسون ... اعتبروها مئة ماعون من الورق خلال خدمة عشرين سنة /
/ نسيت في بعض الأيام قلمي . أخذته إلى البيت , كتبت به أشياء /
/ مكالمة هاتفية , كنت أضطر لإستخدام خط الهاتف في الحديث مع زوجتي وأولادي للإطمئنان
على مرض أو نتائج إمتحان , هذا فقط منذ عشرة أعوام لا أكثر . دونوا ذلك /
/ ربما نسيت شيئاً ما في جيبي فعبث به الأولاد في البيت ولم تعد تجدي إعادته للعمل /
الموظف البسيط في زنزانته يطلب بأسلوب جعله الكاتب مؤثراً , ورقة من المساجين . لقد تذكر للتو
إختلاسات أخرى لم يذكرها بالاستجواب .
معظم الشخصيات في المجموعة سلبية , تترك نفسها ليجرفها العالم , إنها لا تقاوم أبداً . إنها تبوح فقط ,
لكن حتى في التراجيديات القديمة كان الأبطال وهم يمشون نحو أقدارهم وحتفهم يصارعون .
مجموعة/ حروف الدمع / باعتقادي هي بدايات قصص , إنها قصص غير مكتملة باستثناء قصة
/ لعبة الأمان / والتى أراها مهمة وناضجة , وهذا يحيلني إلى نقاش آخر يتعلق بالأدب , لأن تصوير لحظة من الحياة اليومية لايجعلها تنتمي لفن القصة وإنما للصحافة . فالصحفي كما هو متعارف عليه
/ مؤرّخ اللحظة / , ومهمة الأدب لا يمكن أن تنحصر في التأريخ وأنما هي تسير أبعد من ذلك .
كنت أحب أن يحرّك الكاتب شخصياته , وأن يجعلها تتفاعل مع بعضها البعض .
في قصة / إختلاس / بدأت تتبلور مع الكاتب شخصية غاية في الخطورة والأهمية , وكان من الممكن لهذه الشخصية أن تواجه العالم حتى بسلبيتها , كشخصية / بارتلباي / لهرمان ملفل , وأوفيليا لشكسبير .
لكن الكاتب لسبب غامض شاء أن يبتر القصة من وسطها . وهذا ما جعلنا نصاب بالخيبة .
كُتبت / حروف الدمع / بأسلوب رشيق فكه خالي من أهواء الشعر . وبلغة جميلة مرحة أدخلت القاص
محمد عزوز وبكل ثقة إلى قائمة الكُتّاب الساخرين .
وائل زكي زيدان
(حروف الدمع ) للقاص محمد عزوز
تفضح الشخصية الرابعة
هذه المجموعة القصصية كما يقول الأديب محمد عزوز , عبارة عن صور ومشاهد يوميةلأناس عاديينهم في حقيقة الأمر ضحايا , التقطها لهم عفواً بكاميرته الأدبية الخاصة . ونحن نعلم أنه صوّر الشخصيات كما هي وصوّر الأحداث كما وقعت , دون تدخّل منه , وبغير علم الشخصيات ذاتها , ونعلم أيضاً أنه لو فعل ونبّههم قبل التصوير , لكانوا مَسَحوا دموعهم وأصلحوا هيئتهم وابتسموا !
القيام بتصوير مسرح الجريمة , أمر بحد ذاته ليس مشوّقاً بالمرّة , فلا السكين ولا الطعنة ولا خطوط
الدم كانت في يوم من الأيام من العناصر الجمالية , لكن الجزء المشوّق والمهم في العملية برمّتها هو
أننا عندما نصوّر القتيل في مسرح الجريمة , نكون وبكل بساطة قد صوّرنا القاتل .
مجموعة / حروف الدمع / ليست قصص بوليسية , لكنها بالمقابل تصرخ في وجوهنا بغضب . . .
/ لماذا لا تريدون التصديق بأن القاتل يمكن أيضاً ألاَّ يكون بشرياً , وأنه يستطيع أن يكون مجرد فكرة
أو ثقافة أو حتى عصر بأكمله / .
في قصة / صفقة / يصوّر لنا الكاتب إمرأة تبوح أخيراً لزميلها في العمل بمأساتها . لقد أمضت خمسة وعشرين عاماً من حياتها في الدراسة , وثلاث سنوات في البحث عن عمل , لتكتشف في النهاية
أنها قد تجاوزت الأربعين وأنها أصبحت وحيدة . خسرت جمالها وسحر أنوثتها وحقّها المشروع في أن تُحِب
ومُنحت عوضاً عن ذلك على لقب نهائي مؤلف من ثلاثة أحرف قاسية , وهو / عانس / وصار لِزاماً
عليها من الآن فصاعداً أن تعقد الصفقات ..... / سأنهي عنوستك / .... يقول الخاطب الذي طلق زوجته
/ سأنهي عنوستك مقابل أن ترعي أولادي وتسلّميني راتبك ِ /
هذه الصورة أو هذه القصة , ليست مجرّد حديث مصطبة كما يُخيّل للوهلة الأولى , لقد ضمّنها الكاتب كل العناصر التي تؤهلها لتكون مشكلة إنسانية كبرى . أحد ما / ليس الخاطب طبعاً / سَخِر من أحلام تلك
المرأة , سَخِر من حياتها وحتى من جسدها .
القصة مؤلفة من ثلاث شخصيات فقط , لكننا نتساءل , من هي الشخصية الرابعة والغير مرئية في الصورة
التي كانت السبب في ضياع حياة تلك المرأة . خمسة وعشرون عاماً تمضيها بطلة القصة في الدراسة .
لاحظوا أننا نتحدث عن ربع قرن ! , لأنه مقارنةً بالإنسان تعتبر حياة الحشرة لاشيء . ومقارنة بعمر الأرض يصبح عمر الإنسان تماماً كعمر الحشرة , وهذا ما يوافق عليه الجميع .
منذ أن قررت البشرية التخلّي عن مجتمعها الزراعي , والدخول مرةً واحدة في الثورة الصناعية الكبرى
ثم عصر المعلومات . وجدت نفسها فجأة , داخل صفقة ضارية , شرطها النهائي , / إحصل على المعلومة لنعترف بك / .
مشكلة هذه الصفقة , أن المعلومة لا تنتهي , لكن الجسد الإنساني ينتهي ويزول . صفقة تشبه تماماً صفقة الدكتور فاوست , إنها صفقة مع الشيطان / سأريك العالم لكني أريد حياتك / حتى كلمة ( صفقة ) خرجت ثم تدحرجت ككرة الثلج من قاموس الثورة الصناعية .
احتاجت تلك المرأة الأربعينية إلى أنوثتها فلم تعثر عليها , فتّشت عن حقّها بالحب ولم تجده , لأنه
وبكل بساطة كان قد ضاع تحت عجلة الحياة الجديدة والمعلومة اللاّمنتهية بغزارتها . فحتى تكون مؤهلاَ للعيش في هذا العصر , يجب أن تُمضي أكثر من ربع قرن في البحث عن المعلومة , بعدها لا أحد يعنيه ماذا حلَّ بجسدك المنبوذ وصاحب السمعة السيئة عند أغلب الأديان والثقافات .
الشعوب التي انتقلت إلى العصر الصناعي الحديث , عرفت أن هذا العصر , مُعادٍ للطبيعة البشرية
بل إنه معادٍ للطبيعة ككل . واكتشفت أيضاً أن الصراع مع الطبيعة لا يوجد فيه منتصر , لذلك قررّوا أنهم
لن يصارعوا الطبيعة , هم فقط سيعملون معها , فعندما تبني سدّاً أمام النهر , لا يعني هذا أنك انتصرت
عليه , لأن النهر في الواقعً لم يمت .
بناء عليه رأت تلك الشعوب أنه من الضروري جداً الإنتقال إلى أخلاقيات أخرى تنسجم مع العصر الصناعي والحياة الجديدة وتتماشى معهما . ثقافتنا العربية التي تنتمي لها بطلة القصة , مازلت حتى الآن مترددة في الإنتقال إلى أخلاقيات جديدة . إنها تعيش في عصر صناعي لكن بأخلاقيات المجتمع الزراعي القديم .
وهنا تكمن مأساة تلك المرأة التي لم يأخذ ( آدم سمث ) رأيها في تلك الثورة , وهي بالمقابل لم تشارك في تدشين صامولة واحدة في آلاته .
هل العصر الصناعي هو الشخصية الرابعة والغير مرئية التي أرادنا الكاتب أن نكتشفها في هذه القصة ؟
أم أنها ثقافة عجزت عن تطوير أخلاقياتها وحوّلتها عوضاً عن ذلك إلى أصنام ؟
المرأة العانس وبعد صراع أخلاقي مع نفسها , حزمت أمرها وقررت أن تدخل أخيراً وبكل جرأة إلى مكتب زميلها في العمل في محاولة ضمنية يائسة لبناء علاقة إنسانية من نوع ما , لكن الزميل الطيب ينهض
وهو يقول : / عذراً آنستي .... المدير العام ينتظرني !! /
وفي قصته البسيطة التي عنوانها / بإنتظار قرار / نتلمّس وجه آخر من العنف تمارسه ثقافتنا يومياً
على الفرد , عندما يهرع الزوج نحو زوجته المريضة , فيقول / عليّ أن أفعل شيئاً وإلاّ اتهمتني بالتقصير /
لديه إحساس دائم بالخطيئة , وبأنه منذ الولادة مذنب ومدان حتى يُثبت العكس , فالمجتمع يتعامل معه منذ البداية مفترضاً سوء النية , وسيظل الزوج حتى النهاية مشغول بالبرهنة على نواياه الطيبة , في البيت والشارع وحتى بينه وبين نفسه , ليتحول أخيراً إلى إنسان غير منتبه إطلاقاً إلى حاجته الماسّة للشعور بالخير , لأن يتصرف مع من يحب بعفوية , إنه مُراقََََب من قبل المجتمع , إنه مُحاصَر بما يريدونه هم أن يكون عليه . مُحاصر بكلمة واحدة متوحشة هي كلمة / الواجب / , تنين نيتشه الضخم ذو الأصداف ,
والذي على كل صدفة مكتوب / يجب عليك / فبمجرد الوقوف أمام ذلك التنين ستشعر كم أنت ضئيل وقزم .
حينما تموت الزوجة في اليوم التالي يقول الزوج :
/ في العناية المشددة استغرب المعنيون سؤالي ولم يستغربوا لهفتي /
/ كانت تصلني همسات الناس ... يا أخي الجلطة ما بتخبي حالها ... كيف تركها وهي على هالحال /
/ قال جاب لها مية سخنة وبعدين غطاها وتركها /
/ والله لو أسعفها من وقتها كان الله نجاها /
/ أي بيكون حاطط عينو على شي وحدة تانية /
مجتمع يفتقد إلى الثقافة الطبية , يلوم أفراده على جهلهم بها , إنه مجتمع لم يختبر معنى الثقة , لا أحد يثق بأحد . الفعل الشرير يجب تصديقه فوراً , أما الخير فهو مُستبعد .
تلك الطريقة بالتعاطي أي عدم الثقة الدائم , هي التي تسرق فرصة الفرد في أن يكون حُرّاً , إنها لا تتركه حتى ليسترد أنفاسه .
/ يزداد ألمي وأنا أسمع مثل هذه التعليقات /
/ وضٍّحت لبعض المقرٍّبين .. أن الأمر لم يتجاوز التفكير ببعض البرد , وكنت أخمِّن أنه سيزول تدريجياً
بعد أن تتدثر /
/ حمدت الله أن الأولاد لم يستجيبوا لما يقال وإلاّ كنت في موضع إتهام بالتقصير والقتل / .
في قصة / إختلاس / ما يدعم نقاشنا السابق , فالموظف البسيط الذي اتُّهٍم زوراً بالإختلاس ,
وهو برأيي أهم شخصية بالمجموعة كلّها , طلبوا منه أن يكتب كل شيء عن إختلاساته , وهو بدوره
سيُمضي بقية عمره في الإعتراف وبتذكُّر تلك الإختلاسات .
/ ثلاثون ... خمسون ... اعتبروها مئة ماعون من الورق خلال خدمة عشرين سنة /
/ نسيت في بعض الأيام قلمي . أخذته إلى البيت , كتبت به أشياء /
/ مكالمة هاتفية , كنت أضطر لإستخدام خط الهاتف في الحديث مع زوجتي وأولادي للإطمئنان
على مرض أو نتائج إمتحان , هذا فقط منذ عشرة أعوام لا أكثر . دونوا ذلك /
/ ربما نسيت شيئاً ما في جيبي فعبث به الأولاد في البيت ولم تعد تجدي إعادته للعمل /
الموظف البسيط في زنزانته يطلب بأسلوب جعله الكاتب مؤثراً , ورقة من المساجين . لقد تذكر للتو
إختلاسات أخرى لم يذكرها بالاستجواب .
معظم الشخصيات في المجموعة سلبية , تترك نفسها ليجرفها العالم , إنها لا تقاوم أبداً . إنها تبوح فقط ,
لكن حتى في التراجيديات القديمة كان الأبطال وهم يمشون نحو أقدارهم وحتفهم يصارعون .
مجموعة/ حروف الدمع / باعتقادي هي بدايات قصص , إنها قصص غير مكتملة باستثناء قصة
/ لعبة الأمان / والتى أراها مهمة وناضجة , وهذا يحيلني إلى نقاش آخر يتعلق بالأدب , لأن تصوير لحظة من الحياة اليومية لايجعلها تنتمي لفن القصة وإنما للصحافة . فالصحفي كما هو متعارف عليه
/ مؤرّخ اللحظة / , ومهمة الأدب لا يمكن أن تنحصر في التأريخ وأنما هي تسير أبعد من ذلك .
كنت أحب أن يحرّك الكاتب شخصياته , وأن يجعلها تتفاعل مع بعضها البعض .
في قصة / إختلاس / بدأت تتبلور مع الكاتب شخصية غاية في الخطورة والأهمية , وكان من الممكن لهذه الشخصية أن تواجه العالم حتى بسلبيتها , كشخصية / بارتلباي / لهرمان ملفل , وأوفيليا لشكسبير .
لكن الكاتب لسبب غامض شاء أن يبتر القصة من وسطها . وهذا ما جعلنا نصاب بالخيبة .
كُتبت / حروف الدمع / بأسلوب رشيق فكه خالي من أهواء الشعر . وبلغة جميلة مرحة أدخلت القاص
محمد عزوز وبكل ثقة إلى قائمة الكُتّاب الساخرين .
وائل زكي زيدان
تعليق