موت كناري
مات كناري..
مات في غفلة من الزمن.. كل شيء فيها نائم.. العتمة والهواء والبيوت والشوارع والأشجار والناس والشمس والقمر
مات والكل في غفوة إلاّ خفافيش الظلام والنموس التي تتغطى بعتمة الليل الأسود..
مات وكل شيء في غفوة عدا عين الله الساهرة التي لا تنام!
في تلك الليلة التي نام فيها كل شيء إلاّ النموس وعين الله الساهرة التي لا تنام، تسلق النمس الجدران العالية حتى سطح الطابق الثاني من البيت، حيث الكناري وزوجته يحضنان بيوضهما التي توشك على التشقق.
يغفوان، هما أيضا أسوة بكل الأشياء النائمة..
تململت المرأة في فراشها ... أحسّت بحركة مريبة...
هل هي في حلم؟ أم هي في وهم..؟؟
لكن الحركة تدق أذنيها، كطبول الحرب ! وتخترق جفون عينيها كلمع البرق!!
تحرك بها شيء..
الشك ..هل هناك لصوص يقتحمون البيت!؟
أصغت السمع.. الحركة تزداد... هناك شبه عراك!!
زوجها تحت مرمى نظرها.. يرقد نائما ككل الأشياء النائمة..
" استيقظ" قالت له "هناك حركة مريبةعلى السطح"
فتح الزوج عينيه، وأصغى السمع هو أيضا ، قال مخاطبا زوجته
" ربما هناك أفعى، .. لايمكن ان يكون لصوص على السطح .
ثم صرخ فجاة
"الكنار على السطح!!"
وقفز واقفا على رجليه
لكنه سطح مقطوع من كل الجوانب،لا يمكن الوصول إليه ، أو منه على أي سطح آخر.
"لصوص يسرقون الكنار"
"كنار ثمين .. لايثمن بمال.. إنه كولد من أولادي"
لحقت به زوجته قائلة
"لن أدعك تخرج وحدك.. رجلي على رجلك"
" دعيني. الكنار في خطر. ، وهل أترك ولدي في خطر!!؟؟
لم ير نفسه إلاّ وهما على السطح... متجها نحو القفص
رأى القفص تابوتا.. يوحي بالموت..
أمعن النظر ... ألأنثى تنام بهدوء كهدوء الموتى. زوجها الكنار يدور حولها.. يضرب الهواء بجناحه..كأنه يحتج على عجزه وعدم قدرته عن الدفاع عن زوجته الكنارية والجناح الاخر يتدلى كالدلو، هذا الجناح الذي طالما رفرف وتراقص كأنه يصفق لأغنية تنطلق من حنجرة الكنارية الممددة أمامه .. لا تتحرك مثل كل الكون النائم الذي تحرصه عين الله التي لا تنام، على ما يبدو أن هذا الجناح انكسرفي معركة غير متكافئة مع النمس..يحاول أن يدفع الكنارية بمنقاره،، يحاول تحريكها ..هي هادئة هدوء الليل حين تنام كل الأشياء..يغرس منقاره بها.. يستحثها على النهوض.. لا تستجيب ..يدخل منقاره تحت ريشها..يحاول الوصول إلى لحمها... يقبلها..يشمّ رائحتها..يغرز منقاره بلحمها..كأنه إبرة تمدّها بإكسير الحياة..يبعثها في جسمها..يرفع رأسه فتسيل دموعه..ينوح كأنه يعزف سمفونية الموت..
وقف الزوج ، مصدوما، لا يقوى على الحركة، كلما فيه عاجز، عجَزٌ في يديه ، رجليه، لسانه، قلبه، عينيه، أذنيه، لم يعد يسمع شيئا أو يرى أي شيء
خرجت من أعماق روحه "آه" تغتال الذكريات الجميلة والألحان التي تنمو في خباياه والتي كان يطلقها الكناريان في حفلات سمرهما.
هل تموت الذكريات ويتوقف الفرح بين جدران هذا القفص الميت كالتابوت؟؟
هل تموت كما يموت الإنسان والحيوان والشجر؟
هل تجفّ كما تجف الأنهار والبرك المائية؟
وهل ينزف الفرح كما ينزف هذا الجناح المهزوم، ليحلّ الخوف بدلا من الغناء والحب والوفاء؟
لم يلحظ النمس وهو ينساب كالأفعى بين رجليه.. ينسل كالموت لا يحسّ به شي..
اقتربت منه زوجته، تريد أن تسنده أو تستند إليه
فقدت الحركة أغراضها، وفقدت الكلمات معانيها، وملأت الدموع محاجر العيون
سألته زوجته ،
ما للكنارية؟ وكأنها لم تستوعب هول الصدمة..
لم يجب.
كانت الدموع هي الصرخة الوحيدة الي تجيب لتسأل
كم مرة صرخ الكناري واستغاث قبل أن تموت كناريته
كم مرة مات الكناري وهو يحسّ بضعفه
كم مرة يموت المرء وهو يرى عدوه اللئيم يقتل
ابنه أو زوجته أو ي حبيب له
ولايستطيع حمايته ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
( موت عصفور(قصة قديمة) وموت كناري قصتان حقيقيتان جرت أحداثهما أما اعيننا)
2010/06/20
تعليق