وانكسرت مرآة الحي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مجدي راشد
    عضو الملتقى
    • 13-11-2008
    • 18

    وانكسرت مرآة الحي

    كأن قدري أن أسكن في حارة – سد – حتى أضطر كلما نزلت من بيتي إلى المرور من أمام بيتها الذي لم تغادر عتبته منذ ولادتي ..
    بالنسبة لأم قدْرِيّة – القابلة – أنا قطعة اللحم الحمراء التي انزلقت بين يديها في يوم مولدي و لم أتغير في نظرها حتى بعد دخولي المرحلة الثانوية وبزوغ فجر شاربي ولحيتي .. مهما حاولت أن أتخفى عند نزولي من البيت كانت تراني وكأن الله سبحانه وتعالى قد أخذ من عافيتها كل شيء إلا الحاسة التي تشعرها بمروري من أمامها ..
    باءت كل محاولات تسنينها بالفشل لتعدد رواياتها وصعوبة ربطها بتاريخ معين .. المهم أن تضاريس الزمن على وجهها وتكوينها تغني عن كل محاولات التنبؤ بعمرها ..
    كنت أقف أمامها وأنا صغير أتأمل وجهها وأتعجب وكانت تتركني أتحسس تجاعيد وجهها بأناملي الصغيرة حتى إذا ما اقتربت من فمها الخالي من الأسنان - إلا من سنتين – أطبقته بسرعة على أناملي فأصرخ و أفر منها وتتعالى ضحكاتها .. ولكنني كنت أعاود الكرة مرات عديدة وكذلك كل أطفال الحي .. كانت تشدني إليها مشاعر لم أبحث عن تفسير لها وكانت تسعد بنا وتداعبنا مستغلة قدرتها الكبيرة على التلاعب بمعالم وجهها ..
    كانت محبوبة من كل نساء الحي لأمانتها على أسرارهن حيث كنَّ يبُحن لها بأسرارهن ويفضين بمكنوناتهن مهما بلغت من الحساسية دون خجلٍ أو وجل فأصبحت مستودع أسرارهن وقاموس إخفاقات أبنائهن ..
    كان هذا هو منبع تأثيرها ومصدر قوتها بين كل أبناء الحي مهما كبروا ومهما بلغت سطوتهم ..
    كانت ملجأ ضعفاء الحي من صبي النجار إلى صبي القهوجي إلى كل من يعمل تحت يد أحد أبناء الحي فقد كانوا يفرون إليها بدهاء الضعفاء إذا تطاول عليهم أصحاب أعمالهم فما يكون منها إلا أن تقول لهم جملة واحدة تكررها في كل مرة ولا يمهلونها حتى تكملها وينصاعوا لأمرها حيث كانت تقول لهم : الله يرحم زمان لما كنت ....
    كانت تحب العسلية والفول السوداني المطحون بالسكر وكلما مررت من أمامها وهي متكئة على عصاها الخشبية تناديني قائلة : واد ياتوتو خلي أمك تطحن لي شوية فول ياواد .. فيجن جنوني خاصة إذا كان أحد زملائي الغرباء عن الحي بصحبتي .. أذهب إلى أمي مشتكيا ومتوعدا فما يكون من أمي إلا أن تضحك وتناولني الفول المطحون بالسكر فأعود لأعطيه لها دون النظر إلى وجهها ..
    في أحد الأيام كنت عائدا من المدرسة فمررت بها وهي متكئة على عصاها فلم تكلمني فعدت خطوتين إلى الخلف حتى تتبين وجودي فلم تفعل فصعدت درجات السلم وأنا في غاية الفرح فقد فقدت حاستها التي كانت تشعرها بمروري أمامها .. ولم أكد أبلغ أمي عما حدث حتى سمعنا صرخة عالية .. ماتت أم قدرية ..
    أصابني الذهول وانخرط في البكاء وانقطعت عن المدرسة لعدة أيام ..
    في أول يوم أنزل فيه من البيت بعد موتها مررت بعتبة بيتها وفي حلقي غصة وأنا أشيح بوجهي نحو الجانب الآخر من الحارة فلمحت صبي النجار يبحث في كل وجهة عن مهرب وهو يضربه بلا رحمة ..
    التعديل الأخير تم بواسطة مجدي راشد; الساعة 26-06-2010, 21:26.
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    مجدي راشد
    هلا وغلا بك
    هذه أول مرة أقرأ لك نصا فيها حسب ظني
    قابلة الحي دائما محبوبة لأن أكثر الأبناء يولدون على يديها ويكون لها التأثير التام على الجميع ربما حتى الأسماء تكون لها علاقة بها
    نص يدخل في عمق العلاقات العامة المتداخلة وخاصة في المناطق الشعبية
    ودي ومحبتي لك


    عين؛ وأنف؛ وصوت؛
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • إيمان الدرع
      نائب ملتقى القصة
      • 09-02-2010
      • 3576

      #3
      الأستاذ الفاضل مجدي الراشد:
      يالله ..كم استمتعت بهذا النصّ..
      فيه عبق ذكريات مماثلة..
      دخلت زواريب الحارات الشعبيّة التي تحتضن أحلى الحكايا..
      الشخصيّات الحميميّة التي لها سطوتها على القلوب والذاكرة..
      رغم بساطتها وعدم تعلّمها الأكاديمي..
      كم أحبّها هذ النماذج وأرتاح إليها ..لمصداقيّتها وجدعنتها..وتلقائيّتها
      سررت بمشاركتك..أتمنى دائماً أن تحطّ رحالها لدينا دون ابتعاد
      دُمتَ بسعادةٍ....تحيّاتي

      تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        أستاذ مجدي راشد
        أهلا بك صديقي مبدعا جميلا نتعلم منه
        و يثري المشهد الأدبي هنا فى الملتقي
        بانتاجه الجميل ، الذي لمسناه منه فى هذه القطعة الطيبة
        بما تحمل من زخم الحارة العربية ، خاصة المصرية
        قصة رائعة ، لها رائحة التاريخ ، و الأيام الماضية
        حين كنا هنا و كانت هي .. و نحن أولادها .. حين لم
        تكن الأمهات تعرف ما الطب و ما أمره ، و إن كان موجودا
        تظل قابتي لها المكانة و المنزلة فى تكويني

        استوقفني السطر الأخير ، حيث لم تكن الرؤية فيه واضحة ، و ربما ليس له
        مبرر :
        في أول يوم أنزل فيه من البيت بعد موتها مررت بعتبة بيتها وفي حلقي غصة وأنا أشيح بوجهي نحو الجانب الآخر من الحارة فلمحت صبي النجار يبحث في كل وجهة عن مهرب وهو يضربه بلا رحمة ..

        عن ماذا كان يبحث عن مهرب وممن ؟
        ربما سقطت كلمة هنا
        و لكن ما ضرورتها ؟

        محبتي أستاذي
        sigpic

        تعليق

        • آسيا رحاحليه
          أديب وكاتب
          • 08-09-2009
          • 7182

          #5
          جميلة هذه القصة..
          شخصيا تشدّني الحكايات عن الحارات لأنها تكون قريبة من القارئ و يجد فيها شيئا من تاريخه , كهذه القابلة التي لم تكن حارة تخلو منها في القديم, و كان لها شخصية قوية , وسطوة و سلطة .
          استمتعتُ بالقراءة لك.
          تحيّتي.
          يظن الناس بي خيرا و إنّي
          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

          تعليق

          • مجدي راشد
            عضو الملتقى
            • 13-11-2008
            • 18

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
            الزميل القدير
            مجدي راشد
            هلا وغلا بك
            هذه أول مرة أقرأ لك نصا فيها حسب ظني
            قابلة الحي دائما محبوبة لأن أكثر الأبناء يولدون على يديها ويكون لها التأثير التام على الجميع ربما حتى الأسماء تكون لها علاقة بها
            نص يدخل في عمق العلاقات العامة المتداخلة وخاصة في المناطق الشعبية
            ودي ومحبتي لك


            عين؛ وأنف؛ وصوت؛
            http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=57245
            شرفني مرورك أيتها المبدعة وقد حرصت على أن أتعرف على كل من علق على قصتي من خلال أعماله قبل أن أرد .. وهذا مازادني سعادة ..
            تقبلي تحياتي

            تعليق

            • مجدي راشد
              عضو الملتقى
              • 13-11-2008
              • 18

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
              الأستاذ الفاضل مجدي الراشد:
              يالله ..كم استمتعت بهذا النصّ..
              فيه عبق ذكريات مماثلة..
              دخلت زواريب الحارات الشعبيّة التي تحتضن أحلى الحكايا..
              الشخصيّات الحميميّة التي لها سطوتها على القلوب والذاكرة..
              رغم بساطتها وعدم تعلّمها الأكاديمي..
              كم أحبّها هذ النماذج وأرتاح إليها ..لمصداقيّتها وجدعنتها..وتلقائيّتها
              سررت بمشاركتك..أتمنى دائماً أن تحطّ رحالها لدينا دون ابتعاد
              دُمتَ بسعادةٍ....تحيّاتي
              [align=right]
              سعيد جدا بهذا التعليق من مبدعة مثلك وكما ذكرت فقد حرصت على قراءة عمل من أعمالك الجميلة قبل التعليق .. أشكرك ياإيمان على هذا الإستقبال ..
              تقبلي تحياتي ..
              [/align]
              التعديل الأخير تم بواسطة مجدي راشد; الساعة 27-06-2010, 20:49.

              تعليق

              • مجدي راشد
                عضو الملتقى
                • 13-11-2008
                • 18

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                استوقفني السطر الأخير ، حيث لم تكن الرؤية فيه واضحة ، و ربما ليس له
                مبرر :
                في أول يوم أنزل فيه من البيت بعد موتها مررت بعتبة بيتها وفي حلقي غصة وأنا أشيح بوجهي نحو الجانب الآخر من الحارة فلمحت صبي النجار يبحث في كل وجهة عن مهرب وهو يضربه بلا رحمة ..

                عن ماذا كان يبحث عن مهرب وممن ؟
                ربما سقطت كلمة هنا
                و لكن ما ضرورتها ؟

                محبتي أستاذي
                أشكرك أيها المبدع الجميل على هذا التعليق الذي أسعدني وشرفني فمثلك من أتعلم منه سيدي ..
                أما هذا السطر فهو جوهر القصة .. فأم قدرية هي مرآة الحي التي يرى فيها كل صاحب سلطة من أبناء الحي نفسه على حقيقتها فيعود إلى صوابه .. كان يلجأ إليها ضعفاء الحي وبموتها فقد الضعفاء ملاذهم وتجبّر عليهم أسيادهم ومنهم صبي النجار ..
                أشكرك على هذه الملحوظة وعلى تشريفك لقصتي المتواضعة بجانب أعمالك الرائعة والتي أتعلم منها ..
                تقبل تحياتي ..

                تعليق

                • مجدي راشد
                  عضو الملتقى
                  • 13-11-2008
                  • 18

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                  جميلة هذه القصة..
                  شخصيا تشدّني الحكايات عن الحارات لأنها تكون قريبة من القارئ و يجد فيها شيئا من تاريخه , كهذه القابلة التي لم تكن حارة تخلو منها في القديم, و كان لها شخصية قوية , وسطوة و سلطة .
                  استمتعتُ بالقراءة لك.
                  تحيّتي.
                  هي الحارة حيث تشكل وجدان الكثيرين منا قبل أن تفقد تأثيرها على قاطنيها بفعل المدنية والتدهور الإجتماعي ..
                  أشكرك آسيا على تشريفك لقصتي وأنا بصدد الإطلاع على أعمالك حتى أتعرف عليك أكثر من خلالها وأتعلم منها ..
                  تقبلي تحياتي ..

                  تعليق

                  يعمل...
                  X