كأن قدري أن أسكن في حارة – سد – حتى أضطر كلما نزلت من بيتي إلى المرور من أمام بيتها الذي لم تغادر عتبته منذ ولادتي ..
بالنسبة لأم قدْرِيّة – القابلة – أنا قطعة اللحم الحمراء التي انزلقت بين يديها في يوم مولدي و لم أتغير في نظرها حتى بعد دخولي المرحلة الثانوية وبزوغ فجر شاربي ولحيتي .. مهما حاولت أن أتخفى عند نزولي من البيت كانت تراني وكأن الله سبحانه وتعالى قد أخذ من عافيتها كل شيء إلا الحاسة التي تشعرها بمروري من أمامها ..
باءت كل محاولات تسنينها بالفشل لتعدد رواياتها وصعوبة ربطها بتاريخ معين .. المهم أن تضاريس الزمن على وجهها وتكوينها تغني عن كل محاولات التنبؤ بعمرها ..
كنت أقف أمامها وأنا صغير أتأمل وجهها وأتعجب وكانت تتركني أتحسس تجاعيد وجهها بأناملي الصغيرة حتى إذا ما اقتربت من فمها الخالي من الأسنان - إلا من سنتين – أطبقته بسرعة على أناملي فأصرخ و أفر منها وتتعالى ضحكاتها .. ولكنني كنت أعاود الكرة مرات عديدة وكذلك كل أطفال الحي .. كانت تشدني إليها مشاعر لم أبحث عن تفسير لها وكانت تسعد بنا وتداعبنا مستغلة قدرتها الكبيرة على التلاعب بمعالم وجهها ..
كانت محبوبة من كل نساء الحي لأمانتها على أسرارهن حيث كنَّ يبُحن لها بأسرارهن ويفضين بمكنوناتهن مهما بلغت من الحساسية دون خجلٍ أو وجل فأصبحت مستودع أسرارهن وقاموس إخفاقات أبنائهن ..
كان هذا هو منبع تأثيرها ومصدر قوتها بين كل أبناء الحي مهما كبروا ومهما بلغت سطوتهم ..
كانت ملجأ ضعفاء الحي من صبي النجار إلى صبي القهوجي إلى كل من يعمل تحت يد أحد أبناء الحي فقد كانوا يفرون إليها بدهاء الضعفاء إذا تطاول عليهم أصحاب أعمالهم فما يكون منها إلا أن تقول لهم جملة واحدة تكررها في كل مرة ولا يمهلونها حتى تكملها وينصاعوا لأمرها حيث كانت تقول لهم : الله يرحم زمان لما كنت ....
كانت تحب العسلية والفول السوداني المطحون بالسكر وكلما مررت من أمامها وهي متكئة على عصاها الخشبية تناديني قائلة : واد ياتوتو خلي أمك تطحن لي شوية فول ياواد .. فيجن جنوني خاصة إذا كان أحد زملائي الغرباء عن الحي بصحبتي .. أذهب إلى أمي مشتكيا ومتوعدا فما يكون من أمي إلا أن تضحك وتناولني الفول المطحون بالسكر فأعود لأعطيه لها دون النظر إلى وجهها ..
في أحد الأيام كنت عائدا من المدرسة فمررت بها وهي متكئة على عصاها فلم تكلمني فعدت خطوتين إلى الخلف حتى تتبين وجودي فلم تفعل فصعدت درجات السلم وأنا في غاية الفرح فقد فقدت حاستها التي كانت تشعرها بمروري أمامها .. ولم أكد أبلغ أمي عما حدث حتى سمعنا صرخة عالية .. ماتت أم قدرية ..
أصابني الذهول وانخرط في البكاء وانقطعت عن المدرسة لعدة أيام ..
في أول يوم أنزل فيه من البيت بعد موتها مررت بعتبة بيتها وفي حلقي غصة وأنا أشيح بوجهي نحو الجانب الآخر من الحارة فلمحت صبي النجار يبحث في كل وجهة عن مهرب وهو يضربه بلا رحمة ..
بالنسبة لأم قدْرِيّة – القابلة – أنا قطعة اللحم الحمراء التي انزلقت بين يديها في يوم مولدي و لم أتغير في نظرها حتى بعد دخولي المرحلة الثانوية وبزوغ فجر شاربي ولحيتي .. مهما حاولت أن أتخفى عند نزولي من البيت كانت تراني وكأن الله سبحانه وتعالى قد أخذ من عافيتها كل شيء إلا الحاسة التي تشعرها بمروري من أمامها ..
باءت كل محاولات تسنينها بالفشل لتعدد رواياتها وصعوبة ربطها بتاريخ معين .. المهم أن تضاريس الزمن على وجهها وتكوينها تغني عن كل محاولات التنبؤ بعمرها ..
كنت أقف أمامها وأنا صغير أتأمل وجهها وأتعجب وكانت تتركني أتحسس تجاعيد وجهها بأناملي الصغيرة حتى إذا ما اقتربت من فمها الخالي من الأسنان - إلا من سنتين – أطبقته بسرعة على أناملي فأصرخ و أفر منها وتتعالى ضحكاتها .. ولكنني كنت أعاود الكرة مرات عديدة وكذلك كل أطفال الحي .. كانت تشدني إليها مشاعر لم أبحث عن تفسير لها وكانت تسعد بنا وتداعبنا مستغلة قدرتها الكبيرة على التلاعب بمعالم وجهها ..
كانت محبوبة من كل نساء الحي لأمانتها على أسرارهن حيث كنَّ يبُحن لها بأسرارهن ويفضين بمكنوناتهن مهما بلغت من الحساسية دون خجلٍ أو وجل فأصبحت مستودع أسرارهن وقاموس إخفاقات أبنائهن ..
كان هذا هو منبع تأثيرها ومصدر قوتها بين كل أبناء الحي مهما كبروا ومهما بلغت سطوتهم ..
كانت ملجأ ضعفاء الحي من صبي النجار إلى صبي القهوجي إلى كل من يعمل تحت يد أحد أبناء الحي فقد كانوا يفرون إليها بدهاء الضعفاء إذا تطاول عليهم أصحاب أعمالهم فما يكون منها إلا أن تقول لهم جملة واحدة تكررها في كل مرة ولا يمهلونها حتى تكملها وينصاعوا لأمرها حيث كانت تقول لهم : الله يرحم زمان لما كنت ....
كانت تحب العسلية والفول السوداني المطحون بالسكر وكلما مررت من أمامها وهي متكئة على عصاها الخشبية تناديني قائلة : واد ياتوتو خلي أمك تطحن لي شوية فول ياواد .. فيجن جنوني خاصة إذا كان أحد زملائي الغرباء عن الحي بصحبتي .. أذهب إلى أمي مشتكيا ومتوعدا فما يكون من أمي إلا أن تضحك وتناولني الفول المطحون بالسكر فأعود لأعطيه لها دون النظر إلى وجهها ..
في أحد الأيام كنت عائدا من المدرسة فمررت بها وهي متكئة على عصاها فلم تكلمني فعدت خطوتين إلى الخلف حتى تتبين وجودي فلم تفعل فصعدت درجات السلم وأنا في غاية الفرح فقد فقدت حاستها التي كانت تشعرها بمروري أمامها .. ولم أكد أبلغ أمي عما حدث حتى سمعنا صرخة عالية .. ماتت أم قدرية ..
أصابني الذهول وانخرط في البكاء وانقطعت عن المدرسة لعدة أيام ..
في أول يوم أنزل فيه من البيت بعد موتها مررت بعتبة بيتها وفي حلقي غصة وأنا أشيح بوجهي نحو الجانب الآخر من الحارة فلمحت صبي النجار يبحث في كل وجهة عن مهرب وهو يضربه بلا رحمة ..
تعليق