الغروف في مدينة القمر\ مصطفى الصالح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصطفى الصالح
    لمسة شفق
    • 08-12-2009
    • 6443

    الغروف في مدينة القمر\ مصطفى الصالح

    ...........................

    .........................................
    التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى الصالح; الساعة 01-10-2017, 13:10.
    [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

    ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
    لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

    حديث الشمس
    مصطفى الصالح[/align]
  • مصطفى الصالح
    لمسة شفق
    • 08-12-2009
    • 6443

    #2
    2

    لم يستطع الشبان التحرك في العواصف الشديدة، والمطر الغزير المفاجيء الذي بدأ مع الغروب، ظنوا أنها مطرة غسيل الزيتون جاءت مبكرة، وأنها خلال ساعة أو ساعتين ستنجلي، لكنها استمرت تعب من الوقت حتى أذان الفجر، في هذه الأثناء.. وبعد العشاء مباشرة، لم يصبر العشريني حمدان وقرر الذهاب بالعربة وحده، من أجل أن ياخذ قسطا من النوم، ليستيقظ قبل الشمس للبدء بالقطاف..
    كان حمدان الترس الأهم والأسرع في محرك العمل في المزرعة، شاب مغتر بشبابه وقوته، تضطرم في داخله براكين عنيفة متفجرة.. تحركه بعنفوان وتغلق على عقله نوافذ التفكير السليم..
    كم حاول حامد ثنيه عن عزمه المضي في العاصفة بلا فائدة! يا حمدان! الظلام دامس.. والطريق موحل.. والسيول من كل جانب.. لن تصل بسلام
    إجلس أنت كالنساء ودعني.. سأذهب لمصلحتك أنت
    كيف ؟
    أليس عرسك مرهون بانتهاء القطاف؟
    نعم.. ولكن ليس على حساب حياتك
    لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. قالها وانطلق بين أنياب المطر وبراثن الطريق ومخالب العاصفة.. انطلق لا يلوي على شيء في فم الظلام..
    مع تململ النهار وتجهزه للاستيقاظ، كان حامد وحماد على الحصان متجهان نحو المزرعة خارج القرية، وقد صفت السماء وطردت غيومها، وابتعلت الأرض معظم الماء.. إلا من أوحال خجلة هنا وهناك.. نسيم الصباح يداعب الوجوه الندية بلطف، ينقل للأنوف رائحة الزيتون المغسول الشهية، فتمتليء الصدور بحب التراب والشجر..
    لم ترهما الشمس وقد مضى على مسيرهما أكثر من نصف ساعة.. على الطريق آثار متعرجة متموجة لعربة.. لا بد أن هذا التعرج في المسير بسبب المطر والعاصفة .. قالها حامد وفي نفسه يخشى الأسوأ..
    كانت هناك.. ممدة بعرض الطريق.. أكلت النار معظم جسدها.. غطتها الحروق حتى لم تعد تعرف.. لكنها معروفة من عظم جسدها وطولها.. آثار العجلات تنتهي عندها ثم تتجه يمينا نحو الوادي.. كانت مقسومة نصفين؛ نصف ممدد بعرض الطريق والنصف الآخر استلقى على بعد أمتار من جانب الطريق.. ألقيا نظرة وداع أخيرة عليها.. أزاحاها إلى جانب الطريق.. ومضيا يتبعان آثار العجلات نحو الوادي، الذي يسير بمحاذاة الطريق على مسافة بريئة.. وقلباهما يكادان يقفزان من مكانيهما.. خاصة عندما رأيا العربة مفككة محطمة بلا بغلة!! تناثرت أجزاؤها في المحيط.. كأنما تفجر بها لغم..
    لبسهما الحزن وغطتهما سحب الكآبة السوداء.. فرت دمعات من عيني حماد بينما اختنقت العبرات وغص حلق حامد.. وقفا برهة مشدوهان يجولان بنظرات حائرة في المكان.. خلف أشجار المزارع القريبة.. لا أثر.. لا حركة غير بعض الكلاب الضالة، تنهش تتقاتل فيما بينها على ما نفق من مواش، وجيف قد طريت بفعل المطر.. تلبستهما الأفكار السوداء فصارا يركضان خلف الكلاب، يطردانها كي يروا ماذا تأكل.. وفي كل مرة يريان غير ما يتوقعان، يغزو قلبيهما بعض أمل ويقولان: الحمد لله.. وبينما هما يتراكضان يمنة ويسرة على كتف الوادي، سمعا صوتا مخنوقا لا يكاد يبين: حامد.. حماد.. أنا هنا
    الصوت قادم من التلة فوق السنديانة المحروقة.. يقول حماد وهو يشير بيده مستفهما راكضا نحوه على أقدام اللهفة
    يسير حامد خلفه موجها إياه: اتجه نحو الكهف.. إنه هناك يشير بيده..
    ها .. حمدا لله على سلامتك.. ماذا حصل؟؟ وأين الدابة؟
    قال حمدان بصوت مليء بالألم وهو يتأوه: كلما ابتعدتُ عن البلدة ازداد عنف العاصفة و قوة المطر كذلك.. بصعوبة كنت أسيطر عليها.. إلى أن اقتربتُ من السنديانة..اه.. اه
    على مهلك .. لا تستعجل قال حامد وهو يحاول تبين موقع الألم في جسده
    سقط عليها برق قسمها نصفين .. وقع أحدهما أمام الدابة، فنفرت وهربت بجنون ذات اليمين.. باتجاه الوادي الذي كان عامرا بالماء الهادر.. اه.. في نفس اللحظة التي كنت أنوي فيها مغادرة العربة، اتجهتْ بحركة فجائية يسارا أدتْ إلى انقلابنا جميعا.. وتدحرجنا عدة مرات كانت كافية لانفلات الدابة وهروبها.. وتحطم العربة فوقي.. ويبدو أني وقعت على صخور شجت رأسي وأصابتني بكدمات.. بالإضافة إلى تحطم العربة.. اه.. فوقي.. زحفت حتى الشجرة المشتعلة.. استدفأت قليلا ثم اختبأت هنا في هذا الكهف الصغير.. الحمد لله
    الحمد لله.. الحمد لله على سلامتك قالها الإثنان ثم تابع حامد: سنحملك الآن على الحصان ونكمل السير إلى المزرعة لنرى ماذا فعل والدانا في هذه الليلة الليلاء



    للرد على هذا الجزء من هنا على هذا الرابط لطفا

    الغروف في مدينة القمر 2\مصطفى الصالح
    التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى الصالح; الساعة 31-07-2010, 09:50.
    [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

    ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
    لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

    حديث الشمس
    مصطفى الصالح[/align]

    تعليق

    • مصطفى الصالح
      لمسة شفق
      • 08-12-2009
      • 6443

      #3
      3
      كانت مفاجأة غير سارة عندما وصلوا إلى المزرعة.. لم يكن بالمزرعة أي ضرر.. لكنهم عندما توجهوا بأنظارهم صوب المنزل ولم يروه أصيبوا بالهلع الشديد.. تراكضوا جميعا .. حتى حمدان نسي آلامه وتراكض خلفهما.. لكن.. كان كل شيء قد انتهى.. أشرقت الشمس عابسة.. خافت نورها.. يظللها حزن شديد.. كانت تجفف سيول الدمع المتفجرة من مآقي الشبان الثلاثة وكأنها تواسيهم وتعتب.. تعتب على المنزل- الذي غمزته بالأمس- على فعلته الشنيعة
      حضر عمال القطاف على موعد بعد الشتوة الأولى.. كانت جنازة مهيبة.. اختلط فيها الزيتون مع الدمع.. الحزن مع الفرح.. استرجعت الأرض بعض أماناتها وقدمت من رحمها أيضا حياة للحياة..
      كانت هناك بالقرب حادثة أخرى؛ غرق في السيل، وبعض الحوادث التي لم تصل إلى هذا
      كان الحزن شديدا، ووقع المأساة قويا مدويا على الأوسط.. ظل يلوم نفسه لعدم استطاعته الوصول في الوقت المناسب.. لكن الأكبر كان يلومه على إيمانه بالقدر وتصرفه هذا.. كان يؤمن بضرورة تجاوز المرحلة، واحتضان الغلام الذي لم يبلغ العشر سنوات، وتخفيف آثار الحادثة عليه.. وكان عليه أن يؤجل زفافه.. إلى حين..
      كان الحصاد وفيرا لدرجة فتحت عيون الناس على المنطقة لخصوبة تربتها وسخائها؛ جاءه أحد التجار عارضا عليه ما كان يحلم به؛ بستانا في وسط البلدة مقابل جزء من مزرعة الزيتون، كان البستان وكرا للكلاب الضالة والحيوانات المفترسة والأفاعي.. تنعق فيه الغربان بلا توقف.. أشجاره صفراء.. شمطاء تنتظر الرحيل.. كالمشردين..
      بعد سنة صار البستان عروس بساتين البلدة.. وبعدها بسنتين انسحبت الحدود من بينه وبستانين مجاورين.. تفيض كلها بالحمضيات.. تشتم رائحتها من مسافت بعيدة،
      علم أحد الوجهاء المقربين من الإدارة الحاكمة بعزل القائمقام الحالي الذي لم يسمح له بالتجاوز على حقوق العباد، وتعيين خلف معروف بالخداع والاغتصاب- ربما كان هذا الوجيه سببا في هذا الأمر-، حاكت وحامت في رأسه.. أرسل مبلغا تافها من المال إلى حامد مقابل أن يتخلى عن البساتين
      تشاور مع إخوته ووصلوا إلى قناعة عدم البيع حتى لو زاد الثمن.. فقد غذوها بعرقهم وزينوها بنور عيونهم..
      كان الوجيه يتوقع هذا الجواب.. فبدأ باستغلال الوضع الأمني المرتبك جراء تجهز القائمقام الحالي للمغادرة وعدم اهتمامة الدقيق بالإدارة كما مضى؛ أرسل في إحدى المرات بعض قطاع الطرق، لمهاجمة العربات التي تنقل المحاصيل إلى السوق ونجح في إتلاف بعضها، مما اضطر أحد الأخوين لمرافقة عرباتهم بسلاحة.. ثم قام بتأليب التجار عليهم من أجل عدم استقبال محاصيلهم، كي تبور.. ففشل أيضا لأن بعضهم لم يرضخ لإرهابه أو إغرائه.. وفي هذه الأثناء كان يرفع من سعره الذي لم يبلغ في نهايته ثمن بضع شجيرات في أرض بور، وكان يُقابل بسد منيع في كل مرة، حتى نفد صبره مع اقتراب قدوم القائمقام الجديد.. لن يتخلى عن جزء مهم من ثروته التي تناقصت بسبب كساد تجارته.. لرواج تجارة الأخوة، ولكنه يعقد أملا كبيرا على القائمقام الجديد لاسترداد كل ما فقده؛ لذلك يجب الحصول على البساتين بأي ثمن لإهداء جزء منها للحاكم الذي سيتغاضى عن كل ما سيفعله بالإنسان والأرض..
      كان حمدان عائدا من السوق إلى المنزل لأخذ دفتر الحسابات، عندما كانت الشمس تلفح الرؤوس ولا ترسم ظلا للأشياء.. التقى بغريب في طريق البستان.. حيث سلم عليه الأخير وسأله عن شخص معروف يسكن في الجهة الأخرى من البلدة على الطريق العام، فدله عليه.. ومضى كل في سبيله
      بعد يوم وفير التعب كريم العطاء، مع تهيؤ الشمس للإنزواء إلى مخدعها، جلس الأخوة في البستان يحسبون ويتناقشون ويتدارسون.. عاد حماد بإبريق شاي مغلي على الحطب مع بعض الأكواب وهو يحرك رأسه باستغراب.. وضع الإبريق أمام أخويه وبدأ بصب الشاي لهما وهو يسأل: هل أرسلتما الحارسين إلى أي مكان؟؟
      أجاب الإثنان بالنفي وأردف حامد: ربما خرجا لحاجة خاصة.. لن يبتعدا.. لا تقلق، هيا لنلفظ تعب أقدامنا في ماء القناة البارد بينما نرتشف الشاي ونتسامر
      اقتنع الجميع بالفكرة وبدأوا التطبيق..
      متى تتزوج يا أخي؟؟ لم يعد لك حجة بعد الآن؟! إذهب إليهم غدا وحدد الموعد
      هتف حماد بفرح: نعم يا أخي لقد تأخرت كثيرا وسيفوتك القطار إذا لم تركبه الآن.. فهي لن تنتظرك أبد الدهر
      حسنا سنفكر في الأمر
      رد حمدان: لا تفكير .. اقسم أن أتركك إذا لم تذهب غدا لإنهاء الموضوع.. ودعمه حماد في هذا التفكير.. فلم يجد بدا من الموافقة والانطلاق مع زقزقة العصافير في الغد..
      كان العشاء قد اقترب وقته عندما حضر ثلاثة رجال.. ألقوا السلام.. دعوهم لشرب الشاي والجلوس ففعلوا.. لم تمض دقائق حتى أفصح سيدهم عن مقصده: أبي يقرؤكم السلام ويريدكم أن تفكروا بعرضه الجديد؛ فقد رفع المبلع إلى الضعفين.. وهو مبلغ جيد
      قاطعه حمدان: كيف يكون جيدا وهو لا يساوي ثمن ربع هذا البستان؟ قل كلاما معقولا أو اخرج ولا تشغلنا بالكلام الفارغ.. ووقف على قدميه من شدة الغضب ووجهه يكاد يلتصق بوجه السيد
      يمسكه حامد ويسحبه للجلوس مكانه ويجلسه رغما عنه.. لكن عيناه ما زالتا تنفثان حمما بوجه السيد الذي توجه بكليته إلى حماد: وماذا تقول أنت يا كبيرهم؟
      لا يخفى عليك- وأنت من جيلي – كم تعبنا واجتهدنا وعملنا لسنوات حتى صرنا إلى ما ترى وهو ليس بالشيء الكثير بالنسبة لكم.. لكن عرضكم بخس جدا، ولا تتوقعوا منا قبولا يمرغ كرامتنا بالوحل
      قاطع حمدان مرة أخرى: لن نبيع ولن تحصلوا على شبر منها إلا على جثتي
      اصمت يا حمدان.. هذا كلامنا النهائي.. هات عرضا مقنعا وسنفكر
      حسنا.. سأعود
      أهلا وسهلا بك في أي وقت
      وما هي إلا دقائق حتى عادوا ومعهم ما يلزم من أدوات لإقناعهم بالقوة.. تطايرت العصي والخناجر والسيوف والفؤوس في الهواء وهوت على الأجساد الفائرة، ابتلعت المسافات والأشجار صرخات الاِستنجاد وزغرد الليل بستاره الحاجب للمطاردات والمداهمات..
      انتهت المعركة بعد منتصف الليل مسفرة عن ثلاثة قتلى وجريحين ..


      للرد على هذا الجزء من هنا على هذا الرابط لطفا

      الغروف في مدينة القمر 3\مصطفى الصالح
      [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

      ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
      لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

      رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

      حديث الشمس
      مصطفى الصالح[/align]

      تعليق

      • مصطفى الصالح
        لمسة شفق
        • 08-12-2009
        • 6443

        #4
        4


        الهروب





        ركب الأخوان الأكبران الجريحان الحصانين.. تاركان البغل للأصغر, وأمراه بالتوجه إلى المشتى، صوب الجنوب الشرقي باتجاه الأغوار، على مقربة من شمال غرب البحر الميت، حيث أطلال قصر هشام بن عبد الملك بن مروان، الموجود في بلدة أريحا الواقعة ضمن منطقة مدينة القمر.. كان لا بد من المغادرة والتفرق فشبح الثأر لن يتركهم، وسيكون إيجادهم سهلا ما دام ثلاثتهم مجتمعين



        اغرورقت العيون.. لكن الوداع المرتجف كان أسرع من الدموع ..



        ركب حماد أتانه بعدما عانق أخويه عناقا سريعا لم يعلم هل سيكفيه في غربته القادمة للتغلب على ضروس الحياة أم لا، وهو الأصغر والمدلل، وما زال غلاما لم تغز أية شعرة وجهه الغض الطري بعد


        فيما توجه أحد الأخوة شمالا توجه الآخر جنوبا مع الساحل باتجاه مصر..

        وتحركت خطى الوداع في الطريق.. استبشر التراب بالمطر القادم من ينابيع مآقيه، في ليل صيف ملتهب، وحماد يسير بربع قلب، فؤاده ممزق مبعثر بين أخويه والأموال التي تركوها.. مقتنع هو بالخطة التي رسمها أخواه الأكثر خبرة، رغم أنه سيتأبط حزنا قد يلازمه ويلازم الأجيال من بعده.. حزنه على أخويه الذين كانا أبا وأما وأخا له بعد وفاة والداهم في السيل الكبير.. لكنه سينفذ الخطة بحذافيرها


        سار طوال الليل خائفا يترقب، بين سهول ووديان ومزارع وتلال إلى أن وصل محطته الأولى؛ نزل عليه مع خيوط الشمس وهي تطرد فلول الليل، وقبل أن يتوجه الخال إلى قطف ثماره.. أخبره أنه قادم من القدس حيث مكث أياما في المسجد الأقصى للعبادة والتعلم ، ومر من أجل الإطمئنان عليه، وأنه عائد الآن إلى القرية بعد السير طوال الليل، فاستبشر به الخال وبارك مسيره ودعاه للإستراحة لبينما يرجع من الحقل.. فوافق وخبأ بغلته في غرفة التبن، ونام على يقظة على مقربة منها..
        مع تهيؤ الحقول لوداع الشمس، كان هو أيضا يودعها واطلالتها الأخيرة على البساط الأخضر الذي ترعرع فيه، وتذكر بألمٍ الدم الذي سال الليلة الماضية, وهو ينظر إليها تغرق في دماء الأفق..أيقن ساعتها أنها لن تشرق عليه ثانية من هذا المكان
        بدأ ضباب أسود يخيم منتشرا على نهاره ومد بصره، مؤذنا برحيل الشمس وقرب موعد رحيله أيضا، ودع الخال بعدما أخذ ما يكفي من زواد وانطلق
        سار طوال الليل الفارغ إلا من خطواته البعيدة عن الأعين، وهو يفكر بأخويه؛ هل نجيا؟ هل شفيا من جراحاتهما؟ وتدهمه الهواجس.. ماذا لو تم القبض عليهما؟ ماذا سيفعلون بهما؟ لا شيء.. سوى القتل..!! الذي هربنا منه.. آآآه..!! يجب أن أعود.. إذا قبض عليهما أو على أحدهما حتى.. لا أستطيع أن أتركه، يجب أن أنقذه من براثنهم.. يجب أن أرجع..
        انتصف الليل وهو ما زال في أخذ ورد بينه وبين نفسه، تزداد الأسئلة إلحاحا، تركبه الهواجس وتصيبه بالشرود والتهيؤات.. سميره القمر.. يلقى بخيوطه على أغصان الشجر المتراقصة مع النسيم.. فيخيل إليه أن هناك من يتربصه أو يراقبه، أو يتبعه.. أصابه الخوف.. بدأت فرائسه ترتعد وهو يرى أشباحا تتراقص حوله وتقطع عليه الطريق.. نزل عن الدابة وربطها، ربت عليها حتى هدأت.. وجلس يصغي إلى الليل.. استلقى على ظهره يرقب القمر والنجوم المتسامرة.. السماء صافية هادئة تلقي بسكينتها على القلب، أغمض عينيه ينشد عزيمته من أعماقه.. تذكر مهمته ووصية أخويه؛ ألا يرجع مهما حصل حتى يراهما رأي العين.. " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" قالها وانتصب على بغلته, وغذ السير حتى محطته الثانية

        27\06\2010

        للرد على هذا الجزء من هنا لطفا

        الغروف في مدينة القمر4\مصطفى الصالح


        [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

        ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
        لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

        رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

        حديث الشمس
        مصطفى الصالح[/align]

        تعليق

        • مصطفى الصالح
          لمسة شفق
          • 08-12-2009
          • 6443

          #5
          5


          مع تدفق شلالات الضوء, كان على مشارف البلدة مستترا ببعض الأشجار، واقفا فوق تلة مطلة على مزرعة كبيرة كواحة, تحتضنها أشجار النخيل، اصطفت أشجار الحمضيات بداخلها صفوفا وطوابير كالعساكر في العروض، ازدانت أرض جزء منها بمختلف الخضروات بألوانها الشهية الحمراء والخضراء والسوداء، بزهورها خلابة الألوان.. ينتصب في أولها بيت ريفي صغير..
          يا ميسر يا الله.. تمتم بكلمات مرتعشة وقلبه يقرعه الخوف بقوة؛ إذ عليه أن يلبس الخفاء قبل أن تفضحه الشمس.. جال ببصره متفحصا المنطقة الجرداء حول المزرعة بحذر, حيث لم تجرؤ الأشجار الاِقتراب أكثر من مائة وخمسين مترا من النخل.. تفقد الطرق والممرات.. ألقى ببصره يمنة ويسرة على طريق التحف التراب, يبدو نائما لم يستيقظ بعد.. تفرقت بخجل على جانبيه بعض النباتات والأعشاب البرية, تتثائب وقد اغتسلت بالندى..
          أخذ نفسا عميقا منعشا كأنه يطلب المساعدة منه, لبس سكونه وعلى أصابع الحذر بدأ بالنزول إليه... توقف فجأة..
          هناك شيء مريب.. فلأنتظر قليلا.. ولكن يجب ألا أمكث في الضوء في مكان بارز، يجب أن أمضي.. مهلا.. انتظر.. صه.. لا يوجد صوت.. ولا أية حركة في هذه المزرعة الكبيرة..! الوقت وقت قطاف ولا يوجد أي مزارع هناك..!! يجب أن أنتظر، هذه وصية أخوتي.. لا يُعقل أن تنام إلى هذا الوقت! وكأن الهدوء فرض نفسه سيدا للموقف.. يعود للوقوف في مكانه على جمر الاِنتظار
          بعد لحظات خائفة حذرة, يخرج من الكوخ عسكري عثماني ثم آخر، يتبعهما العم أحمد ضاربا كفوف الاستغراب ببعضها, أو فاتحا ذراعي الجهل, ثم زوجته التي تلقي بحيرتها على الباب وهي تحضن إلى صدرها طفلة صغيرة تطوقها بذراعيها.. تحاول نزع بكائها بضمها والربت على كتفها وتقبيلها.. يصرخ الجندي بصوت يتردد صداه، ويلوح بيديه متوعدا..
          أخذته رعشة فكت عقال ركبتيه فأقعدته أرضا وصارت تستلحه على الهرب, لكنه تشبث بالأرض أو هي تشبثت به..
          يعرف حامد أن المزرعة غيرت مالكها الأصلي الذي أصبح حارسا ومزارعا فيها بعربي- من أذناب العثمانيين- استخدم قبضة من حديد مغموس بالظلم بعدما تولى مساعد آمر الدرك في المنطقة..
          أخفى حماره ثم انبطح على بطنه يراقب الأحداث واضعا خطة للهرب وهو يراقب العثمانيين يدوران حول المنزل إلى الغرفة الخلفية فيخرجان حصانيهما ويغادران..
          يتأكد من خلو الطريق وغياب الأعين فينزل بحذر مسرعا ويدس دابته في الاسطبل.. فتستقبله عمته بالحضن والقبل والاستفهام يقلق عينيها.. تقبله وتتكلم بلهفة وهي تتفحص جسده.. ولماذا حضرت لوحده؟ أين أخواك؟؟ ولماذا يبحث الدرك عنكم؟ تعال اجلس.. لا بد أنك متعب وجائع.. سأحضر لك طعاما.. بينما تغسل نفسك..
          كان حامد مشدوها من وصول الخبر قبله, فتملكه الخوف على إخوته وانعقد لسانه وعمته تمطره بالأسئلة، ولا تدق بابه أية إجابة.. احتار فعادت له الهواجس مرة أخرى.. لمعت قطرات في عينيه.. أغمضهما.. بدأ يغوص في أمسه.. حرك رأسه يمنة ويسرة رافضا, وهو يحاول بصعوبة تناول الطعام.. لاحظ زوج العمة فطلب منها الصمت وأخذ بتهدأته، حتى أنهى طعامه..
          : أبي.. أمي.. أبي.. أمي..
          يسمعون صوتا قادما من بعيد صارخا, فينتفض الجميع مهرولين إلى مصدر الصوت..


          02\07\2010


          للرد على هذا الجزء من هنا على هذا الرابط لطفا

          الغروف في مدينة القمر 5\مصطفى الصالح

          [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

          ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
          لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

          رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

          حديث الشمس
          مصطفى الصالح[/align]

          تعليق

          • مصطفى الصالح
            لمسة شفق
            • 08-12-2009
            • 6443

            #6
            6



            الخروج من عنق الزجاجة, كان هو الهم الأكبر للأخوين, الذين أرسلا أخاهما الأصغر, وأخذا يصارعان الوقت للنفاذ بجلديهما, من أجل مغادرة المزرعة والوصول إلى مأمن, قبل أن تبدأ ذرات الضوء باغتيال العتمة التي تسترهما
            ركب حامد على حصانه بمساعدة حمدان, لأن الدم كان يتدفق بكثافة وحيوية, من الجرح العميق في فخذه جراء طعنات الخناجر, بينما تلقى حمدان عدة ضربات على مختلف جسده ورأسه, أثمرت عن انتفاخات بحجم التين وجرح ليس بليغا في كتفه
            يجب أن نربط قدمك ونوقف تدفق الدم, لا يمكن أن تسير هكذا فخلال سويعات ستهلك من نقص الدم
            ليس لدينا وقت يجب أن نتحرك ونفترق بسرعة وإلا..
            انتظر لا تذهب لا يمكن أن أدعك تذهب هكذا, يجب أن اربطه وإلا هلكت فلا فائدة من هربك إذن
            حسنا بسرعة هيا
            سأربطها من أعلى منطقة في فخذك هيا شمر بنطالك
            نعم انطلق الآن على بركة الله, ولا تنس ان تمر على معارفك في شبعا ومن الضروري أن تعالج قدمك .. اسمع ضروري جدا لا تهمل فأنا أعرفك
            حسنا حسنا لا تكثر الكلام هيا انطلق أمامي بسرعة
            إذهب أنت أولا
            كلا أنت أولا فحصاني قوي سريع
            حسنا لنتحرك في نفس الوقت ولا تنس شمشمة الأخبار من هنا وهناك والاطمئنان على حماد
            وأنت لا تنس جرحك.. عالجه وإلا سيصيبك تسمم
            حسنا يا أخي
            ويركب حمدان حصانه.. ويتعانقان عناق وداع كأنه الأخير بلا لقاء.. عناق الرجال التي تذرف دموعها إلى الداخل..
            عمدا الى جولة وداع في ربوع البساتين, التي اختفى حراسها في بطن الظلام!!.. أخذا كل ما خف وزنه وغلا ثمنه..
            انطلق حامد باتجاه الشمال بينما اتجه حمدان بعكس شروق الشمس ليسير فيما بعد بموازاة الساحل الفلسطيني باتجاه غزة
            كانت جراح فخذه تئن.. قدمه الأخرى غدرت بها ضربة عصى غليظة ربما تسببت بتهشم العظم في منطقة الساق، لم يشعر بها في بداية الامر, لكنها مع البرودة بدأت تصرخ بجنون.. لم يلق لكل ذلك بالا.. بل استوطنت عقله الهواجس على أخيه حماد.. لكنه رجل فقد تلافى كل الضربات بحمد الله, وأهوى على رأس أحدهم بعصى أفقدته توازنه مما سهل علي التخلص منه.. هو رجل لن أخشى عليه فقد ربيناه تربية رجال.. لكن الليل غدار ومركبه ضعيف بطيء.. فهل سيصل يا ترى؟!.. تجتاحه الهواجس تسير مع خيط أحمر يترك أثره على التراب.. وهو يناور الليل والشجر والحضر.. يروغ من الظلال وبصائص النور, بحصان قوي يهرول دون كلل.. يحاول يحاول الحفاظ على دم الوقت بين يديه.. وطرد الاوهام والأفكار السوداوية التي تستعر في رأسه كزوبعة سيبيرية..
            بدأ يشعر بالبرد ويترنح على ظهر الحصان لا يثبت إلا بصعوبة.. يحاول بضعف رفع رأسه وفتح عينيه لرؤية ما تبقى من طريق.. جسده يتهالك تخور قواه بسرعة.. بدأت طلائع النور تغزو فلول الليل على مقربة من قرية الشجرة التابعة للناصرة
            رفع رأسه.. تحامل على جفونه.. فتحهما.. لمح منارة المسجد الصغير المنزوي كصومعة في بداية القرية.. توجه نحو البيت المحتمي خلفه.. توقف الحصان عند باب السياج الخاص بالمزرعة المؤدي إلى البيت الصغير
            يسمع من في البيت صهيل الحصان.. كان الحاج أسعد يستعد للوضوء من أجل قراءة بعض الابتهالات قبل الأذان, فلما سمع الصوت أسرع وتوجه إلى الخارج
            هذا الحصان أعرفه.. كأنه حصان حامد الأدهم.. من أتى به إلى هنا .. وأخذ يفرك عينيه محاولا تبين الظل الراكب على ظهره في ظلام الليل.. اقترب أكثر وهو يفرك عينيه ويحك راسه في محاولة لاستجماع انتباهه حتى صار عنده
            هذا الحصان بلا راكب!! أين راكبه؟

            مصطفى الصالح
            10\07\2010

            للرد على هذا الجزء من هنا لو سمحت

            الغروف في مدينة القمر 6\مصطفى الصالح

            التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى الصالح; الساعة 25-01-2012, 18:34.
            [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

            ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
            لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

            رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

            حديث الشمس
            مصطفى الصالح[/align]

            تعليق

            • مصطفى الصالح
              لمسة شفق
              • 08-12-2009
              • 6443

              #7
              – 7 -

              غير بعيد، في ساعات الصباح الأولى، على قصر مترف يعج بالدسائس.. يضخها ضخا في شرايين الحياة البسيطة للمجتمع الريفي، كان التوتر يخيم قبيل الشروع في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بليل حالك السواد رغم أمطار الرحمة التي عجزت عن غسل الحقد والحسد الآسنين في أوعية اختفت.. ابتعدت عن النور
              في الصالة الكبيرة التي ضاقت بما احتوت وأخفت على مدى سنين طويلة، وتصدعت جدرانها من هول ما رأت وسمعت، يجلس كهل- يطل الجشع من عينيه الغائرتين، المستترتين تحت حاجبين كثيفين، يشيان بكثير من حنكة ودهاء بالإضافة إلى خبرة بالحياة، بلباس كأنه قد خرج للتو من تحت يد خياط ملوكي- مع ابنه- الذي يلبس ستائر من الترف والعجرفة- ورجل آخر- امتصت الحياة لحمه وتركت شروخها تزين وجهه-.. في يده سبحة فضية تود التحرر من يمينه، يحركها بعصبية في كل الاتجاهات تارة، وتارة أخرى يمر على حباتها مثنى وثلاث.. قدماه تهتزات معا أو فرادى وهو يصطنع التكلم بهدوء:
              - يا بني! هذا سلامة.. حدثتك عنه.. آخر الدواء الكي.. لا نريد أن نلجأ إلى العنف، لا تقلق نفسك به الآن فسأرسله في مهمة تساعدنا فيما لو فشل الحوار، إذهب أنت الآن وأتني بأخبار السوق بينما يقوم هو بمهمته.. هيا انطلق
              - حاضر يا حاج.. ويخرج على عجل.
              - اسمع يا سلامة! هل أنت متأكد أنهم لا يعرفونك ولم يروك في أي مكان؟
              - نعم يا سيدي.. فلقد غادرت القرية عندما كان أكبرهم رضيعا
              - وهل تستطيع اقناع الحراس؟
              - بالطبع.. فقط دعهم يرون الأصفر.. أقرباء وأصدقاء طفولة؛ أعرفهم جيدا
              - إجلس قليلا ريثما أعود
              يغادر الصالة متوكئاً على عصا ممشوقة القوام تختال بالأصفر كأنها عروس ليلة الزفاف.. يغيب لحظات ثم يعود بيده بعض القطع الفضية و الصفراء
              - أعتقد أن مجيدي واحد أو اثنان يكفيان لكل شخص، حاول أن ترضيهم بأقل القليل، نصف الهدية حالا والباقي بعد التنفيذ.. إذهب الآن وعد قبل الظهر بنتائج مفرحة، ولك عندي جائزة قيمة.
              - حاضر يا سيدي
              يجلس على سريره: سأقنع القائمقام الجديد بالجزء البعيد من المزرعة فهو أفضل له لأنه بعيد عن الأعين، وسآخذ الباقي المثمر.. نعم، الثمار فيه أفضل وأشهى وستجلب الكثير من الأرباح....
              - حاج! يا حاج!.. السلام عليكم.. هل أنت نائم؟ استيقظ يا حاج
              - نعم نعم.. من.. من؟؟
              - أنا ابنك.. استيقظ فقد انتصف النهار..
              - اه.. يبدو أنني غفوت قليلا.. ها.. ماذا وراءك؟
              - لقد باعوا كامل المحصول يا حاج، يجب أن نحصل على تلك المزرعة؛ حصادها وفير وثمرها ناضج ممتليء..
              يعتدل الكهل بصعوبة في جلسته: ألم يحضر سلامة؟
              - لم أره.. ها هو قادم، هل أدخله
              - نعم.. تعال يا سلامة.. أدخل.. ماذا خلفك؟
              - لم استطع إقناعهما بإقل من ليرة عصملي يا سيدي؛ فالأمر خطر ويخافان.. و..
              - حسنا.. حسنا.. تذهب بعد العملية لتعطيهما باقي الحساب.. اذهب الآن وعد في المساء.. مع السلامة.. هه ويطلق قهقة ماجنة
              تذهب أنت يا بني بعد المغرب لإقناعهما بضعفي الثمن مع اثنين من الرجال الأشداء.. وإلا فأنت تعرف ما عليك فعله
              - حاضر يا حاج
              لم يستسغ حمدان الخروج هكذا؛ غادر المزرعة، سار وهو يحاول تجرع مرارة الفقد.. الفراق وضياع الجهد والتعب الطويلين، حصانه يسير إلى الأمام وهو ثابت منزرع في المزرعة.. قلبه يخفق بشدة قلقا على أخويه الطريدين.. مثله، متعلق لا يستطيع مفارقة جذوره.. ولكن للضرورة أحكام.
              جالس على السرج يتفقد رأسه المنتفخ.. جسده وجرحه: الحمد لله الجرح خفيف ولا يوجد نزيف..بعض الضربات ما زالت تؤلم.. تفقد نطاقه.. أخرج جراب ماله ولم يجد الآخر.. جن جنونه: ذلك الجراب لا يحوي الكثير من المال، لكن قيمته المعنوية عظيمة؛ إنه أحد ثلاثة خاطتها أمي بنور عينيها على مدى سنوات، رصعتها بالنقوش والخيوط الجميلة، وبعض الحجارة الكريمة، يجب أن أرجع وأحضره من حيث سقط.
              وبحركة سريعة سحب الخطام ولكز الحصان باتجاه المزرعة، لم يكن قد ابتعد كثيرا، اقترب بهدوء مستترا بالظلام الذي أصبح صديقه الآن، الهدوء يسود المكان، بصيص نور ينبعث من غرفة الحارس الجنوبي.. ترك الحصان على مسافة الصوت، اقترب على قدمي الهدوء حتى نظر من النافذة المشرعة قليلا.. رجلان بالداخل، أحدهما الحارس، أما الآخر فلا أظنني أظنني أعرفه، لكن لم يبدو مألوفا بالنسبة لي؟.. اه.. نعم.. إنه الذي رأيته ظهر اليوم خارجا من اتجاه المزرعة حيث سلم وسأل.. صه.. الصوت يعلو.. الحارس يصرخ: ليس ذنبي إن لم تفلحوا في عملكم، أريد مالي
              الرجل الآخر يرفض.. تشاجرا وعلا الصوت.. الحارس يضربه على رأسه فيطيحه أرضا، فيدخل حمدان فورا بعدما فهم الخديعة.. ويسلم على قلبه بخنجره.. يتفقد الرجل الملقى على الارض في نفس اللحظة التي يسمع فيها أصواتا قادمة من الجهة الآخرى للمزرعة فيتركه ليخرج على عجل..

              للرد على هذا الجزء لطفا اضغط هنا

              [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

              ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
              لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

              رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

              حديث الشمس
              مصطفى الصالح[/align]

              تعليق

              • عبير هلال
                أميرة الرومانسية
                • 23-06-2007
                • 6758

                #8
                قرأت الجزء الأول من روايتك الرائعة

                ولي عودة أديبنا القدير

                لأكمل قراءة بقيتها

                لك مني أرق تحياتي

                وباقة لا تنضب من التقدير
                sigpic

                تعليق

                • محمد الحلو
                  محظور
                  • 26-06-2015
                  • 89

                  #9
                  تحتاج لاشتغال أكثر
                  تحيتي لك

                  تعليق

                  يعمل...
                  X