جوهر الحياة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د.محمد أنس بركات
    عضو الملتقى
    • 14-01-2010
    • 51

    جوهر الحياة

    جوهر الحياة هو حقيقة الحياة بعيداً عن الأوهام والخيال , هو سبب وجودنا ومماتنا , هو الرؤية الصحيحة لمغزى الحياة ولما تركناه من بصمات وعمل ورسائل نرشد بها من ضلت قلوبهم عن الصواب .
    جاءت الديانات بشكل عام والكتب السماوية بشكل خاص لتضع النقاط على الحروف , جاءت لتعطي معنى للحياة . وجاء الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق , وليضع دستوراً كاملاً للإنسان . وعندما نتفهم الإسلام بعمق مبادئه وتشريعاته , عندئذ نسمو بالأخلاق . نعم لقد جاء الإسلام نوراً ليضيء قلب من تاه في ظلمات الليل ويرشده إلى بر الأمان .
    *
    ولكي نتفهم ابعاد جوهر الحياة , علينا التعمق بالنظر إلى الأفكار التالية :
    تبدو الحياة كثمرة الفاكهة , القسم الخارجي للاستهلاك ويمثل متطلبات الحياة وملذاتها , أما النواة فهي رمز التجدد لأنها الأمل في المستقبل , الأمل في شجرة أخرى , الأمل في استمرار الحياة وتجددها , الأمل في التجدد والعطاء .
    تتجدد الحياة وتستمر بآن واحد لأنها سنّة الكون , لأنها من خلق المبدع الرحمن , وتمثل كل ذرة من هذا الكون الماضي والحاضر والمستقبل , فكل ذرة في هذ الكون ليست إلا قصة الماضي وأمل المستقبل , هكذا نجد في انفسنا التجدد والاستمرار , التجدد في أولادنا والاستمرار في اعمالنا . لايخضع هذا التجدد والاستمرار لقانون البقاء لأن " كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " ( الرحمن 26-27 ).
    يسير الكون إلى قدر معين كما هو الحال بالنسبة إلى الإنسان , فالكل يسير إلى قدر مرسوم ومبرمج بأدق التفاصيل , وكل مانراه من زلازل وأعاصير وكوراث ليست إلا جزءا ً من برمجة الكون , الكل يسير بقانون البداية والنهاية إلا الله سبحانه وتعالى فهو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية , سبحانه عز وجل .
    لن يعيش الإنسان سعيداً في حياته إلا عندما يتواصل مع خالق الكون , عندئذ يحصل انسجام الجسد والروح مع الكون . جوهر الحياة هو السعادة ولن نجدها إلا عندما نتقرب من الله , إلا عندما نعرف سر الكون , إلا عندما نعبد الخالق حق العبادة , عندها نجد مانبحث عنه وتنفتح لنا أبواب السماء .
    كثيراً مايبحث الإنسان عن علامات ترشده وتساعده ليميز بين الماس الحقيقي والمزيف , بين اللؤلؤ الحقيقي والمزيف , فطوبى لمن استطاع التمييز وفضّل ماهو حقيقي عن المزيف , طوبى لمن اختار الحقيقة ولم تخدعه الحياة , طوبى لمن تغلب على مكر الحياة وقسوتها .
    هي الحياة اختبار محدد الزمان والمكان , اختبار على عدد معين من الأسئلة علينا الإجابة عليها بكل دقة والتزام , علينا الإجابة عليها رغم كل الصعوبات والإزعاجات , علينا الصبر والتضحية لنحقق النجاح , فطوبى لمن أجاب على الأسئلة وقلبه مع الله , طوبى لمن نجح في الامتحان .
    إن متاع الدنيا قليل وعابر , لذلك لاتطمع بالحياة واجعل طمعك بالتقرب من الله , سيأتيك الرزق كما كتبه لك ربك فلا تستعجله , انتظر رزقك وأنت متحل ٍ بالثقة والكرامة ولاتشتره بالقلق والجبن وارتكاب المعاصي . قال تعالى في كتابه العزيز : " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لايحتسب " ( الطلاق 3 ) .
    اعمل بالأسباب لأن الله أمرك أن تأحذ بها واصبر على البلاء , وتأكد أن الله لايضيع مثقال ذرة , تأكد أن الله مع الصابرين .

    *
    علمتني الحياة أن أبحث عن الجوهر , أن أبحث عن الحقيقة وابتعد عن المزيف , أن ابحث عن حقيقة الكون وعن الخالق الرحمن . وإليكم القصة التالية علّها تحمل في طياتها المغزى والفائدة للقارئ :

    أرسل استاذ في الجامعة دعوة لطلابه لحضور حفل ٍ يتسامر خلاله الزملاء في أمور الحياة ومااستجد معهم بعد تخرجهم من الجامعات , لقد كان حظهم في الحياة كبيراً لأنهم شغلوا أفضل المراكز في الشركات والمؤسسات , رغم ذلك شكا معظمهم من قسوة الحياة وأنهم لم ينالوا حظهم كما يجب من الحياة .
    دعاهم استاذهم لتناول أكواب القهوة وكان على الطاولة مزيج من الأكواب البراقة والثمينة المصنوعة من أثمن أنواع الخزف , كما تواجدت أنواع من الأكواب بخسة الثمن لاتجذب الأنظار .
    توزع الزملاء حول الطاولة ليتناولوا أجمل الأكواب متنوعة الأشكال والألوان , ثم تسارعوا لسكب القهوة في أكوابهم وكل منهم ينظر لكوب الآخر ويتمنى الحصول على مالدى الآخرين رغم أنه حصل على أجمل أنواع الخزف .
    وقف الجميع حول الطاولة يتسامرون , ثم أردف الأستاذ قائلا ً : هل لاحظتم أن الأكواب الجميلة فقط هي التي وقع عليها الاختيار, وأنكم تجنبتم الأكواب العادية ! . ثم تابع : من الطبيعي أن يتطلع الواحد منكم إلى ماهو أفضل , وهذا بالضبط سبب قلقكم وتوتركم ... ماكنتم بحاجة إليه هو القهوة وليس الكوب , ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة الثمينة , ووقف كل واحد منكم يراقب مافي أيدي الآخرين من الأكواب . هذه الأكواب مجرد أدوات تحوي الحياة , والقهوة تبقى قهوة لاتتغير , وعندما نركز على الأكواب ليس غير فإننا نضيع فرصة الاستمتاع بالقهوة . انصحكم ياأحبائي بعدم الاهتمام بالأكواب والفناجين واريدكم أن تستمتعوا بالقهوة .

    *
    وإليكم بعض العبر من أبيات فجائع الدهر لأبي البقاء الرندي :

    لكل ِ شيء ٍ إذا ماتم َّ نقصان ُ فلا يغرَّ بطيب ِ العيش إنسان ُ
    هي َ الأمورُ كما شاهدتها دولٌ من سرهُ زمن ٌ ساءته ُ أزمان ُ
    وهذه الدار ُ لاتبقي على أحد ٍ ولايدوم ُ على حال ٍ لها شان ُ
    فجائع ُ الدهر ِ أنواع ٌ منوعة ٌ وللزمان ِ مسرات ٌ وأحزان ُ
    وللحوادث ِ سلوان ٌ يُسهلها ومَا لما حلَّ بالإسلام ِ سلوان ُ



  • ركاد حسن خليل
    أديب وكاتب
    • 18-05-2008
    • 5145

    #2
    قرأت هنا رسالة تدعونا للعودة إلى الأصول
    ومعرفة ما نريد من هذه الحياة
    والإستمتاع بما بين أيدينا من خير
    وهل خيرٌ من الإسلام مرجع وعودة

    " اعمل لدنياكَ كأنّك تعيش أبدا
    واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا "


    أخي العزيز د. محمد أنس بركات
    بارك الله بك على هذه الرسالة الهادية
    شكرًا لك

    تقديري ومحبّتي
    ركاد أبو الحسن

    تعليق

    • محمد محقق
      أديب وكاتب
      • 28-11-2009
      • 181

      #3
      مقال جميل وشامل للتوصل إلى معرفة المغزى التربوي منه وهو أن كل شيء في الوجود يجب أن نستمتع به لتظل الحياة تشع بريقا ولمعانا ينور صدورنا ونتمسك بأساس هذه الجمالية المتدفقة سيلان ماء زلال على النفس البشرية جمعاء كتاب الله وسنة رسوله الكريم .
      مشكورا أخي على الموضوع المتفرع لقضايا الجمال الكوني

      تعليق

      • د.محمد أنس بركات
        عضو الملتقى
        • 14-01-2010
        • 51

        #4
        الأخ العزيز الأستاذ محمد محقق
        جوهر الحياة هو مقطع من كتاب صغير" كتاب روحي ذكرى لوفاة والدتي رحمها الله وسميته " في دروب الحياة" يمكنك الاطلاع عليه في صفحتي على الشبكة الإلكترونية
        abarakat.spaces.live.com
        قراءة المستقبل

        كثيراً مايندم الإنسان بعد فوات الآوان وهو ينظر إلى ماقد مضى من حياته دون أن يحقق آماله وأحلامه , دون أن يدرك في الوقت المناسب أهمية الوقت وقراءة المستقبل . وإذا بحثنا عن سر النجاح والتوفيق فإنهما, دون أي شك , موجودان حيثما نجد الصبر وقوة الإرادة . وهناك عامل آخر يلعب دوراً مهماً في النجاح ألا وهو قراءة المستقبل لأننا بنوره نبني , لأننا بدراسة إحتمالاته نتجنب الكوارث , لأن نجاح الحضارات يعتمد بشكل أساسي على قراءة سليمة ودقيقة لما تخفيه الآيام القادمة .
        إذا نظرنا إلى الماضي سنتعلم الكثير لأن الماضي يكرر نفسه ولكن بأشكال مختلفة , ويبقى جوهر الموضوع واحدا ً وهو التعلم من الماضي وتفادي الأفخاخ والأخطاء , ولذلك كرم الله جميع الأنبياء والدعاة وأهل البر والإيمان بالحدس السليم وتوقع المستقبل . ولقد جاء في القرآن الكريم كثير من القصص والعبر لتوضح أهمية توقع المستقبل والتخطيط في بناء كيان مادي وروحي يجمع المجتمع تحت لواء المحبة والتعاون والإيمان والصدق والصبر , ونذكر على سبيل المثال قصة يوسف عليه السلام عندما فسر رؤيا العزيز بوجود كارثة اقتصادية في البلاد وحصول المجاعة , فقد قام بالتخطيط المستقبلي للخروج من الأزمة بخطة محكمة لمدة خمسة عشر عاماً تهدف إلى إنقاذ البلاد من كارثة المجاعة , وقد قص القرآن الكريم وقائع الحادثة في سورة يوسف عليه السلام عبرة لمن يعتبر .
        *
        يعود الفضل في النجاح والتوفيق في الحياة إلى حد كبير لقوة التنبؤ وحسن قراءة المستقبل , وهي صفات تنبع من الإيمان القوي لكل إنسان أدرك معنى الحياة واستطاع أن يفك رموزها ليعرف معناها حق المعرفة , ولكن حتى يستطيع الإنسان إدراك معنى الحياة عليه أن يتذوق مرار الصبر والإخفاق , عليه أن يخضع للتجربة والامتحان , عليه أن يشكر ربه في السراء والضراء , عليه أن يشعل ضوء الأمل في قلبه مهما اشتدت الظلمات , وعليه أن يزرع الايمان في قلبه ويرسخه مهما اشتدت ريح الإعصار والأزمات .
        تعتمد قراءة المستقبل على الأخذ بالأسباب والتوكل على الله , لأن المستقبل لايعلمه إلا الله , ولكن القراءة الجيدة مع الإيمان والإرادة القوية هي وقود الحياة , ولاييأس الإنسان لأن الغرس قد يتطلب عشرات السنوات حتى يؤتي أكله .
        *
        يحكى أن كسرى أنوشروان مر بفلاح عجوز يغرس شجرة لاتثمر إلا بعد سنوات طويلة قد لايمتد إليها عمر الفلاح العجوز , فقال له كسرى : كيف تتعب نفسك في غرس هذه الشجرة التي لن تنال من ثمارها شيئاً ؟ , فأجاب الفلاح قائلاً : لقد غرس الناس قبلنا فأكلنا, ونغرس نحن لمن بعدنا . هذا هو قانون الحياة , وهذا هو معنى الحياة , أننا لن نبلغ المجد إلا عندما نلعق الصبر .
        *
        توقع المستقبل وقراءته علم بحد ذاته , علم لنجاح الإنسان في حياته, كما أنه علم لنجاح المجتمعات لأن جوهر الإدارة الجيدة نابع من قوة التنبؤ بالأشياء قبل حدوثها . نحن لانتكلم عن سحر أو شعوذة إنما عن إيمان وخبرة وحدس ينمو مع الإنسان ليجعل بصره حديدا ً , ليجعله متميزاً عن غيره في قراءة الزمن وقراءة التاريخ , قراءة حياة الإنسان بين دفتي كتاب أزلي اسمه الإيمان .
        لقد بلغ عدد المؤسسات المهتمة بالدراسات المستقبلية في أمريكا وحدها أكثر من 600 مؤسسة تهتم بدراسة هذا النوع من العلوم المستقبلية وتعليمه , ولقد أنشأت دولة السويد منذ فترة وزارة شأنها الإهتمام بقراءة المستقبل والتوقعات الطارئة على المجتمعات والإنسان . لننظر الآن إلى ماحققته بعض المجتمعات من تقدم وازدهار , لننظر كيف استطاعت كل من الصين وماليزيا والهند وضع خطط مستقبلية مناسبة وقراءة صحيحة للمستقبل للخروج من أزمات إقتصادية كادت تعصف بها و تكون كارثة لأفرادها وللعالم على حد سواء .
        *
        أرجو من الله أن يرشدنا للطريق الصواب , ويجعل لنا من الامتحانات السابقة درساً نتعلم منه الدراسة الصحيحة للتاريخ , نتعلم منه النظرة الموضوعية للحاضر , وكيف نضع برامج مناسبة لقراءة المستقبل .

        ولعل بعض الأبيات تلخص موضوعاً بكامله :
        سعيت ُ للمجد ِ والساعون قد بلغوا جهد َ النفوس وألقوا دونه الأزرا
        وكابدوا المجد َ حتى ملَّ أكثرهم وعانق َ المجد َ من أوفى ومن صبرا
        لاتحسب َ المجد تمرا ً أنت آكله ُ لن تبلغ َ المجد َ حتى تلعق الصبرا
        حب الحياة

        يبنى الأمل على محاور عدة منها محوران أساسيان هما : حب الحياة والتوكل على الله الخالق المبدع . نعم حب الحياة هو جزء أساسي من الأمل والتفاؤل , ولكن علينا أن نفهم الحياة قبل أن نحبها . و عندما يسيء الإنسان فهم الحياة تتحول محبته للحياة إلى نقمة عليه , ويفسد بالتالي إيمانه وتصبح حياته مجرد أضغاث أحلام , مجردة من الهدف والمعنى , وتنتهي آماله في أغلب الأحيان تائهة وراء السراب .
        خلق الله الإنسان وسخّر له الأرض ليكون خليفته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . ولقد أرسل الله لكل قوم من يدعو إلى الخير والإحسان , من يدعو إلى الأخلاق الكريمة وينبذ الشر والإساءة للآخرين . وجاء الإسلام ليكرم الإنسان ويتمم مكارم الآخلاق , ولذلك توجب علينا الإبتعاد عن الضباب ورسم هدف واضح حتى لانجد أنفسنا تائهين في دروب الحياة .
        هنالك علاقة متلازمة بين الإيمان وفهم الحياة وحب الحياة , فالإيمان القوي والقائم على قواعد صلبة هو الإيمان المتفهم لمعنى الحياة , وعندما ندرك ونفهم المغزى من الحياة يزداد حبنا وتقربنا إلى الله وبالتالي حبنا للحياة .
        *
        وحتى نفهم الحياة علينا إدراك المغزى من الأفكار التالية :
        1-لن يستطيع الإنسان حسب قدراته وإمكاناته المحدودة تفسير الحياة ولكنه يستطيع فهمها , وأفضل وسيلة لفهما هو الاستغراق الروحي في الكون ومكوناته , هو إنعام النظر في قدرات خالق الكون وإعجازه , ومن هذا المنطلق يستطيع الإنسان إدراك مفهوم الأزلية , سبحانه الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية , وما حياة الإنسان إلا جزءٌ من هذه الأزلية وضعها الله عز وجل في جسد الإنسان ليكون خليفته على الأرض يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
        2-عندما يدخل الإنسان في الاستغراق الروحي والتأمل , عليه أن يتفاعل ويتناغم مع إيقاع مشاعره بحيث يصبح جزءاً من هذا الكون فيدرك أنه جزء من الخير والشر , جزء من السعادة والحزن , جزء من الجمال والقبح , جزء من هذا الكون يحب ذاته ويحب كل ماخلق الواحد الرحمن لأن في خلق الله والحياة والكون كثيرا ً من العبر لأولي الألباب . نعم علي أن أحب الحياة في كل أبعادها وأشكالها , أن أجد في الحزن معنى السعادة وفي القبح معنى الجمال وفي اليأس معنى الأمل والتفاؤل , علي أن أحب كل ماأوجد المبدع الرحمن حتى أميز بين العسل والعلقم وأختار طريقي في الحياة .
        3-لن نستطيع فهم معنى الحياة إلا عبر حبنا لتناقضاتها , وعندما نستخرج الدواء من سم الأفعى , ونجد في النار فائدةً ومضاراً ,عندها نحب الحياة, عندها يكشف لنا أبعادٌ في حياتنا وعلاقاتنا تعجز كل الوسائل والأنماط الأخرى عن كشفها .
        4- اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً , من هذا المنطلق على المؤمن الموازنة بين حبه للحياة وبين هدفه من الحياة . ربنا أعنّا على أداء واجباتنا وساعدنا للوصول إلى ماتسمو إليه أرواحنا , إلى حبك ورضاك أنت العزيز الرحيم .
        5-لن نستطيع حب الحياة إلا عندما يدخل الحب في قلوبنا فنجد في الحياة حياة. نعم الحب بجميع أشكاله منحة من الله عز وجل إياكم أن تدفنوه في الحياة مهما تقلب بكم الدهر وأظهر لكم من الأسى , فبالحب تحيا القلوب وتنبض بالأمل , به ندرك سر النعم ومعنى السرور ولغز الأمم , ونفهم قلباً لماذا بكى ونفهم قلباً لماذا ابتسم .
        6-إن للقلب عقلاً لايفهمه العقل إلا عندما يقترن الإيمان بحب الحياة فيضيء الإيمان العقل وينبض القلب بحب الحياة , هكذا يتناغم الإيمان مع حب الحياة في إنشودة الخلود لله .

        *
        بالحب ندرك سر النعم
        ومعنى السرور ولغز الأمم
        ونفهم قلباً لماذا بكى
        ونفهم قلباً لماذا ابتسم .



        معنى الحياة

        يصعب حصر معنى الحياة في كتب أو مجلدات , ولذلك لن يكون هنا إلا بعض الهمسات والومضات , و لعل بعض الأمثلة تضيء قلبنا لفهم الحياة والتقرب من الخالق الرحمن .
        معنى الحياة هي أن تدرك تمام الإدراك الهدف والمغزى من حياتك , فعندما يدرك الإنسان هدفه يكون قد تجاوز الأوهام وأدرك أنه كما أتى إلى الدنيا فهو مودع في يوم من الأيام .
        معنى الحياة هي أن تصل إلى نهاية دربك وأنت سعيدٌ ومسرورٌ , راض ٍ بما أنجزته , ولن تحصل على السعادة إلا إذا بحثت عنها . كل الطرق مكللة بالورود والأشواك , ولن تستطيع قطف الورد إلا بعد أن تتألم وتدمى يداك , هي الدنيا كذلك تطلب منك الثمن قبل الحصول على المراد .
        لن يستطيع الإنسان فهم معنى الحياة إلا إذا أدرك كيف يبرمج حياته حسب قانونها , لأنها كالحاسوب تستطيع أن تبرمجها وتستخدمها كما تشاء , ببرامج للتسلية واللعب أو أن تملأها بما يعود بالنفع عليك وعلى الآخرين.
        وحتى نتفهم ماذا تعني برمجة الحياة وماهو قانونها إليكم القصتين التاليتين :
        برمجة الحياة :
        وقف أستاذ الفلسفة أمام تلاميذه بعد دخوله قاعة المحاضرات صامتاً . وقد أحضر معه على غير عادته وعاء ً زجاجياً كبيراً , وكرات مضرب الطاولة, وأكياسا ً أخرى, وكوباً كبيراً من القهوة الساخنة إحتسى منها بعض الجرعات .
        نظر الأستاذ إلى تلاميذه دون أن يتفوه بأية كلمة , ثم بدأ العمل بصمت .
        أخذ كرات مضرب الطاولة وملأ بها الوعاء الزجاجي , ثم سأل تلاميذه الذين كانوا ينظرون إليه بدهشة واستغراب : هل الزجاجة مملوءة الآن ؟
        فأجابوا جميعاً : نعم
        ثم أخذ كيساً آخر به قطع صغيرة من الحصى وأفرغه في الوعاء الزجاجي ورجَّه حتى تجد الحصى مكاناً لها بين كرات مضرب الطاولة , وسأل تلاميذه مجدداً : هل الزجاجة مملوءة الآن ؟
        فأجابوا جميعاً : نعم هي مملوءة .
        ثم اخذ كيساً آخر به رمل ناعم وأفرغه في الوعاء الزجاجي ورجَّه رجاً خفيفاً حتى امتلأت جميع الفراغات بالرمل الناعم , وسأل تلاميذه مرة اخرى : هل الزجاجة مملوءة الآن ؟
        فأجابوا جميعاً بلهفة : نعم , نعم .
        تناول الأستاذ بعدها كوب القهوة ليرمي ماتبقى في داخله ضمن الوعاء الزجاجي فتغلغل السائل في الرمل , عندئذ ضحك التلاميذ مندهشين .
        انتظر الأستاذ حتى حل الصمت ثم أردف قائلاً :" أريدكم ان تعرفوا معنى الوعاء , هو في الحقيقة الحياة , حياة كل واحد منكم ".
        تمثل كرات مضرب الطاولة الأشياء الأساسية في حياتنا : الصحة , الأخلاق , الأسرة , العلم , الإيمان . هي أسس الحياة السعيدة والناجحة .
        تمثل قطع الحصى الأشياء الضرورية التالية بعد تأمين الأسس الأولية للحياة ومثال ذلك السيارة .
        أما الرمل فهو يمثل كل الأشياء الصغيرة في حياتنا , ولو أنكم وضعتم الرمل قبل كرات مضرب الطاولة والحصى , فلن يكون هناك مجال للكرات ولن يجد الحصى له مكاناً بعد امتلاء الوعاء بالرمل . ينطبق ماسبق على حياتنا , فلو شغلنا أنفسنا بالأشياء الصغيرة فقط فلن نجد طاقة على الأمور الكبيرة والمهمة في حياتنا , عليكم الاهتمام بالواجبات الأساسية قبل الأشياء الصغيرة .
        كاد الأستاذ يغادر القاعة عندما رفعت إحدى التلميذات يدها لتسأل : وماذا عن القهوة , أستاذ ؟
        سعيد جداً بهذا السؤال : أجاب الأستاذ , فمهما كانت حياتك حافلة ومليئة بالأحداث فلا بد أن يكون فيها متسع لفنجان من القهوة مع صديق أو حبيب .
        قانون الحياة :
        خرج أحد الحكماء مع ابنه خارج المدينة ليعرفه على تضاريس الطبيعة في جو نقي بعيداً عن صخب المدينة وهمومها .
        سلك الاثنان وادياً عميقاً تحيط به جبال شاهقة وأثناء سيرهما تعثر الطفل في مشيته ثم سقط على ركبته , وصرخ على أثرها بصوت مرتفع تعبيراً عن ألمه
        فإذا به يسمع من أقصى الوادي من يشاطره الألم بصوت مماثل .
        نسي الطفل الألم وسارع في دهشة سائلاً مصدر الصوت : ومن أنت ؟
        فإذا الجواب يرد عليه السؤال : ومن أنت ؟
        انزعج الطفل من هذا التحدي بالسؤال فرد عليه مؤكداً : بل أنا أسألك من أنت ؟
        ومرة أخرى لم يكن الرد إلا بنفس الحدة والجفاء : بل أنا أسألك من أنت ؟
        فقد الطفل صوابه بعد أن استثاره المجابه في الخطاب فصاح غاضباً : أنت جبان , وبنفس القوة يجيء الرد : أنت جبان
        أدرك الطفل عندها أنه بحاجة لأن يتعلم فصلاً جديداً في الحياة من أبيه الحكيم الذي وقف بجانبه دون أن يتدخل في المشهد الذي كان من إخراج ابنه .
        تملك الأبن أعصابه ولم يتماد في تقاذف الشتائم وترك المجال لأبيه لإدارة الموقف حتى يتفرغ هو لفهم هذا الدرس .
        تعامل الأب كعادته بحكمة مع الحدث , وطلب من ولده أن ينتبه إلى الجواب هذه المرة , وصاح في الوادي : إني أحترمك
        كان الجواب من جنس العمل أيضاً فجاء بنفس نغمة الوقار : إني أحترمك
        عجب الطفل من تغير لهجة المجيب ولكن الأب أكمل المساجلة قائلاً : كم أنت رائع , وأتى الجواب بنفس الوتيرة لتلك العبارة الراقية : كم أنت رائع .
        ذهل الطفل مما سمع ولاذ بالصمت لينتظر تفسيراً من أبيه .
        علق الحكيم على هذه الواقعة بالتالي : بني َّ , نحن نسمي هذه الظاهرة الطبيعة في علم الفيزياء بالصدى , لكنها في الواقع هي الحياة بعينها
        إن الحياة لاتعطيك إلا بقدر ماتعطيها , ولاتحرمك إلا بمقدار ماتحرم نفسك منها .
        الحياة مرآة أعمالك وصدى أقوالك .
        إذا أردت أن يحبك أحد فأحبب غيرك
        وإذا أردت أن يوقرك أحد فوقر غيرك
        إذا أردت أن يرحمك أحد فارحم غيرك
        وإذا أردت أن يسترك الغير فاستر غيرك
        وإذا أردت أن يساعدك الناس فساعدهم
        لاتتوقع من الناس أن يصبروا عليك إلا إذا صبرت عليهم
        بني َّ , هذه سنة الله التي تنطبق على شتى مجالات الحياة , وهذا ناموس الكون الذي تجده في تضاريس الحياة كافة ً, إنه صدى الحياة.
        ستجد ماقدمت وستحصد مازرعت .


        ذلك بعض ما ورد في الكتاب
        أرجو أن ينال إعجابك
        أنس
















        تعليق

        • محمد محقق
          أديب وكاتب
          • 28-11-2009
          • 181

          #5
          شكرا لك أيها الجميل الطيب على عملك هذا متمنيا لك الرفعة والسمو والدرجات العلا أخي الكريم د.محمد أنس بركات

          تعليق

          يعمل...
          X