خطوات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبو القاسم علوي
    أديب وكاتب
    • 12-05-2009
    • 43

    خطوات

    خطوات


    هذا الرّجُل يتأثـّرني حيثما ذهبت ، إنه يُشعرني كما لو كنتُ كائنًا صغيرًا ، سُلّط عليه ضوءٌ على شريحة شفافة لدراسة سلوكا ته.
    معطفه الأسود الطويل ، وملامحُه التي جمعتْ كلّ المتناقضات ، تلفّه بهالة من الرّهبة لا يمكن اختراقها،
    دقّاتُ قلبي تستجيب لوقع أقدامِه ، في تناغم يُفقدني الإحساسَ بكلّ ما هو حولي ، تتلاشى الأصوات ، تتباطأ حركة النّاس والأشياء ، لتنتهيَ بي إلى سكونٍ رهيب ،
    لا صوتَ يعلو هذه الأيام على صوت " أمن الوطن" و" هيبة الدولة " ولا أحدَ يملك حقَّ الاعتراض، ولعلّه من باب الاعتراض ، أنْ أشعِر صاحبَ هذا الظل الثقيل أنّه بات مكشوفًا لدي.
    أنا لا أحبّ السياسة ولا أكره رجالاتِها ، لقد حرصتُ دومًا أن أبقى على الحياد الودّي ، وخطُّ سيري واضح محدّد ـ من البيت إلى المدرسة ـ وما طرقي لأبواب هذه المصالح الحكومية الكثيرة اليومَ ، والتنقل بين أروقتها إلاّ أمرٌ استثنائيٌ ، حملتني عليه ضرورةُ استكمالِ ملفِّ تقاعدي ، لكنّني لم أكن أعلم أن أمرًا كهذا ، يحتاج إلى كلّ هذا العناء ..
    كنت أحسبني أبعَد الناس عن الاشتباه ، فقد كانت أمّي تقول لي ناصحة " من خاف سلم " ولا زالت تعيدها على مسامعي حتى غدَتْ عقيدةً راسخة ، وهأنذا خائف ، وأطعت أمّي ، غير أنّ هذا الرجلَ لن يطيعها ويمنحني السّلم ، لأنها ليست أمّه ، إنّه يطيع آخرين لا أعرفهم أنا ، لكنّهم يعرفونني ..
    إنّه لا يزال يستبيح خطواتي ويجعلني في مرمى نظراته ، وهاهو ذا يدخل خلفي مسرعا يسبق معطفَه الأسود .. يتوقف لحظة ، يمسح بعينيه المكان ، يتقدم خطوتين نحوي ، يعود إلى كرسي الانتظار، يجلس ، يفتح ملفًا أحمر، يخرج ورقة .. يا ويلتي إنه يكتب ..
    آه .. أكيد أنت المقصود أيها المربي الفاضل .. فهذه خامس مصلحة أراه فيها خلفي .
    لكن ماذا فعلت أنا ؟
    ـ ليس شرطا أن تكون فعلت . فكم سمعنا عن أناس لم يفعلوا شيئا انتهوا إلى ما لا يحبّون ..
    أنسيت جارك الذي قضّى خمسَ سنوات في المعتقل ، ثم خرج بلا تهمة ،
    مهدي ..
    جارك ..
    مهدي الذي زرتَه يومَ خروجه من المعتقل ، وطفقت تحتضنه ثم انفرد بك من دون الحاضرين.. أكان يجب أن تحضنه بكل تلك الحميمية ، ألم تكن تكفي مصافحته .
    ـ لست أنا الذي احتضنه ، إنه هو الذي سحبني إليه وجعل يضمني ..
    ـ وما أدراك ، لعلّ الإفراج عنه كان طعما لمعرفة عناصر التنظيم .
    ـ عناصر التنظيم! ! أي تنظيم؟
    ـ المعادي للرئيس..
    ـ الرئيس !؟ لكنني لست ضد أحد .
    ـ هل صار الرئيس أحدا ؟
    ثم بماذا تريدهم أن يفسروا رفضَك شراءَ صورة الرئيس من ذلك البائع المتجول .. هل تظن نفسك وحدك ..
    ـ أنا لم أرفض شراءها لأنها صورة الرئيس ، إن حجمها كان كبيرا جدا ،ولم أكن لأجد لها مكانا في البيت .. ثم إنّني لم أكن حينها أمتلك ثمنها .
    ـ عندما يقتادك هذا الرجل إلى التحقيق ، قل له هذا الكلام ، فأنت محترف كلام ، ولك أسلوبك في الإقناع ، وبخاصة وأنت في أوج حماستك تكلم طلبتك عن الحضارة الإسلامية..
    ـ وهل هذه تهمة ؟
    ـ التحريض على قلب نظام الحكم أخطر التّهم على الإطلاق .
    ـ إنه يتجه إلى الموظف الذي أجرى لي المعاملة يسأله عني ..
    شعرت وأنا أحدث نفسي ، بوهن شديد في كل جسدي ودوارٍ غريبٍ ،ورغبةٍ مُلحّة في الاستفراغ ، أنا الآن متّهم بالتخطيط لقلب نظام الحكم ..
    وكأنّي بزملائي في العمل وقد وصلهم نبأ اعتقالي يتساءلون..
    حمزة : أيُعقل أن يكون هذا صحيحا ،لم يكن يبدو عليه أي نشاط معادٍ للنّظام .
    الطيب : (بحماسته المعتادة)
    لقد كانت كل تصرّفاته غريبة ، وكان يحب العزلة ، وهو قليل الكلام ، وهكذا هم النشطون ، حذرون جدًا ، أنا كنت أشك في أمره ..
    عادل : (يهمس)
    لقد سمعت أنه هو رئيس التنظيم في المنطقة الشرقية كلها ..
    الطيب: (بصوت مرتفع)
    لا بد أن نصدر بيانا ، نعلن فيه استنكارنا و براءتنا منه ومن تصرفاته .
    المدير : لم يعد ضمن الأسرة التربوية ، فهو الآن في حكم المقاعد ، ولم تعد المؤسسة مسؤولة عنه .
    حمزة : حمدًا لله أنّه فارق المدرسة .


    حتى أنت يا حمزة ..
    بدأت أدخل في حالة غيبوبة ، لم يحُل بيني وبينها إلا صوتُ ملف أحمرَ يطير في الهواء ، وصوتٌ يرتفع بكل أنواع السِّباب ،لم يسلم منه رئيس أو مرؤوس ،جعل صاحبُه يشق ثوبه وهو يقول : ....هذي رابع مرة ترفض ملف تقاعدي يا حقير... أفنينا أعمارنا نربي أبناءكم وعندما نقف بين أيديكم تتلذّذون بتعذيبنا ، أتظنون أنكم دولة ، تعودتم على الرشوة يا كلاب ...يا كلاب ..
    لم تمض دقيقة على ما فعل وقال ، حتى دخل ثلاثة يلبسون معاطفَ سوداءَ ، اقتادوه إلى خارج المصلحة التي خيم عليها صمت رهيب .
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو القاسم علوي; الساعة 01-07-2010, 19:56. سبب آخر: خطأ لغوي
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    أبو القاسم العلوي
    زميلي العزيز
    لقد أخفتني
    تخيلت أنواع التخيلات مع مدرسك هذا
    ونظرت بخيبة للزملاء وهم يتبرؤن منه
    ويحنا كم نحن جبناء
    أنا لست جبانة ولم أسكت يوما
    ربما لأني لم أواجه مثل تلك المواجهات
    أو ربما لأني كنت بعيدة جدا عن الناس البسطاء
    أو ربما لأني جسورة
    لا أدري
    هل نزرع الشك في نفوسنا فينبت الخوف!!
    حقيقة لا أعرف
    نص جميل جدا
    وصاحب المعطف كان دوره رائعا
    ودي ومحبتي لك


    عين؛ وأنف؛ وصوت؛
    عين؛ وأنف؛ وصوت عرفني امرأة سريعة العطب! أكاد لا أميز الأسود من الأبيض حين أغضب، أفقد صوابي ولا أعود أتذكر حتى إنسانيتي.. هكذا عودتني أيامي. أعب كؤوسا مترعة من الهم، أتجرعها شئت أم أبيت فهذي حياتي، مذ عرفت طريق الليل أسيره وحيدة بين وجوه غريبة عني، وأياد تدفع لتدلف باب غرفتي الموارب تتلمس جسدي الذي لم أعد أملكه، تشتري مني
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • محمد سلطان
      أديب وكاتب
      • 18-01-2009
      • 4442

      #3
      المعادلة صعبة صديقي وباتت الأمور متداخلة وتناقض مقيت وعلى حد قولك مثير للاستفراغ .. الكل متشبث بحجة "أمن الوطن" وبهذه العبارة يفعلون ما يحقق مصالحهم .. والغريب أنهم يقولون أننا المخربون .. ولا نعرف من المخرب الحقيقي نحن أم هما ؟؟
      ألا تبا لهم ولعنة الله على مختلسى الأوطان المنافقين ..
      تحية صباحية حارة لهذا النص الثائر ..
      صفحتي على فيس بوك
      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

      تعليق

      • إيمان الدرع
        نائب ملتقى القصة
        • 09-02-2010
        • 3576

        #4
        أيتها الأوطان:
        كم باعوك واشتروك..وساوموا على ترابك الطاهر..؟؟
        كم راح الأشراف ضحيّة حبهم لك..
        وكم طعنك المقامرون على يد غدرهم..؟؟
        وكم اُغمضت عيون الجبناء عن الحقوق الضائعة..؟؟
        نصّ مترعُ بالحزن،يصرخ بالألم...
        سلمت يداك..أستاذ أبو القاسم علوي..
        دُمتَ بسعادةٍ...تحيّاتي..

        تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

        تعليق

        • أبو القاسم علوي
          أديب وكاتب
          • 12-05-2009
          • 43

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
          أبو القاسم العلوي
          زميلي العزيز
          لقد أخفتني
          تخيلت أنواع التخيلات مع مدرسك هذا
          ونظرت بخيبة للزملاء وهم يتبرؤن منه
          ويحنا كم نحن جبناء
          أنا لست جبانة ولم أسكت يوما
          ربما لأني لم أواجه مثل تلك المواجهات
          أو ربما لأني كنت بعيدة جدا عن الناس البسطاء
          أو ربما لأني جسورة
          لا أدري
          هل نزرع الشك في نفوسنا فينبت الخوف!!
          حقيقة لا أعرف
          نص جميل جدا
          وصاحب المعطف كان دوره رائعا
          ودي ومحبتي لك


          عين؛ وأنف؛ وصوت؛
          http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=57245
          الأخت الفاضلة عايدة محمد نادر
          شكرا لك مرورك الطيب وقراءتك التي نتشرف بها .
          دمت بكل خير ولك فائق التقدير

          تعليق

          • أبو القاسم علوي
            أديب وكاتب
            • 12-05-2009
            • 43

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة محمد ابراهيم سلطان مشاهدة المشاركة
            المعادلة صعبة صديقي وباتت الأمور متداخلة وتناقض مقيت وعلى حد قولك مثير للاستفراغ .. الكل متشبث بحجة "أمن الوطن" وبهذه العبارة يفعلون ما يحقق مصالحهم .. والغريب أنهم يقولون أننا المخربون .. ولا نعرف من المخرب الحقيقي نحن أم هما ؟؟
            ألا تبا لهم ولعنة الله على مختلسى الأوطان المنافقين ..
            تحية صباحية حارة لهذا النص الثائر ..
            محمد إبراهيم سلطان
            تحية طيبة .
            أشكر لك قراءتك وتعليقك ودمت أخي بكل خير .

            تعليق

            يعمل...
            X