حوار مع الكاتب نبيل عودة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نبيل عودة
    كاتب وناقد واعلامي
    • 03-12-2008
    • 543

    حوار مع الكاتب نبيل عودة

    "الموقد الثقافي "في حوار مع الكاتب نبيل عودة


    حول قصته " الشيطان الذي في نفسي "



    *الابداع هو معرفة الربط بين الواقع والخيال * كنت اتمنى ان لا أغرق بالكتابة السياسية أو النقدية ، وأن أتفرغ فقط للقصة والرواية* الأدب هو الحياة بكل ما تحملة من تفاصيل ..والجنس في الأدب مثل قطرات الماء لظمآن في صحراء والثرات العربي كان أكثر اباحية * في العقود الأخيرة نشهد تقلصا مقلقا لدور الثقافة والأدبومساحة حرية الكتابة * الكتابة ليس فيها معاناة اطلاقا ، بل كلها فرح ونوسطالجيا واكتشافات تهز مشاعر المبدع * معركتنا تربوية ثقافية صعبة جدا في مجتمع تسوده فتاوي الفضائيات *



    ****

    اثارت قصة الكاتب نبيل عودة القصيرة " الشيطان الذي في نفسي" ، ردود فعل واسعة منذ نشرها في ومن أبرزها مراجعة نقدية للدكتور الناقد والباحث الأدبي والمحاضر في كلية دار المعلمين محمد خليل. كذلك لا حظنا ورود عشرات التعقيبات الثقافية والاستفساراتالتي تمس قضية الابداع الأدبي ، والعلاقة بين الابداع والواقع ، وقضايا الجنس في الأدب ، وغيرها من المسائل التي تطرحها الكتابة القصصية عامة وهذه القصة على وجه الخصوص .. والتي تشكل مجمل خبرة وتجرة القاص بشكل عام ونبيل عودة بشكل خاص ، وحصرا بكل ما يتعلق بقصة "الشيطان الذي في نفسي"

    وقام موقع "الموقد الثقافي" باستضافة الكاتب نبيل عودة على فنجان قهوة ليجري معه هذا الحوار الشامل حول قصته " الشيطان الذي في نفسي" .

    الموقد - : هل لك ان تدخلنا الى جو قصتك وما اثارته من تعليقات ؟

    نبيل عودة - منذ نشرت قصتي القصيرة " الشيطان الذي في نفسي ، قبل أكثر من عقد ونصف العقد من السنين ، وانا أتلقى ملاحظات وانتقادات ومديح واستفسارات وتحفظات ،وعندما نشرتها في صحيفة محلية معروفة وجهت رسائل للمحرر تستنكر نشرها وان نشر مثل هذه القصة يجعلهم يترددون بادخال الصحيفة الى بيوتهم . وقد لفتت القصة انتباه الناقد الدكتور محمد خليل فكتب نقدا للقصة التي صدرت في مجموعة قصصية تحمل الاسم نفسه .
    بعض المثقفين اعتبروا ان القصة فيها تعابير جنسية جريئة ، وهو الاغراء الذي يشد القارئ ، وبعضهم اعتبرني متجاوزا للإبداع الأدبي ... في نشري " مثل هذه القصة الجنسية " ، حسب تعبيرهم ، والبعض قال اني بطل لأني نشرتها بلا خوف ، وانا أقسم اني لست بطلا .. لأن الأبطال في عصرنا هم ملوك الكلام الذي لا تغطية ولا قيمة له..
    حقا أنا صادق مع نفسي . لا اكتب لأجد الاستحسان فقط بعيون قرائي ، انما لأطبق افكارا عديدة حول مفهوم الإبداع ، واللغة القصصية ، ورؤيتي الإجتماعية .... وقد جرت علي مقالاتي السياسية والنقدية حربا حامية الوطيس لم تخمد نارها بعد ، الشيء المطمئن ان القارئ يعشق الصدق حتى لو لم يقبل الموقف .
    الشيطان الذي في نفسي هي قصة انتجها الواقع ... حقا ما ذكرته في القصة عن زميل عامل واتصال تلفوني والمقلب الذي نفذته به لأكتشف المخفي ، هو حقيقة مع تغيير في مبنى تسلسل الحدث ... ودوري كان تفكيك الحدث واعادة صياغته قصصيا ... ولكن الحدث بحد ذاته عادي ويتكرر يوميا .. وهنا تبدأ عملية الأبداع الحقيقية ... معرفة الربط بين الواقع والخيال ، وليس شرطا ما اكتشفته من الاتصال التلفوني ومن اعتراف العاشق ... هذا لم يعد له أهمية لأنه الشيء الذي نسمعه ويتكرر الاف المرات ... فكان لا بد من الغوص بقضايا مجتمعنا وعقليات ما تزال سائدة وتقود الى اخلاقيات مضادة لها .. ومعرفة توظيفها في اللعبة التي بدأتها ، وأظن انها ليست اللعبة الأولى أو الأخيرة التي انفذها لأكتشف قصصي ... أحيانا بلا وعي لما اريد ان أصل اليه ، ولكن تبين لي مع الوقت ان كل "لعباتي" قادتني الى أعمال قصصية وروائية .. لذا الخيال ليس كل شيء ، والواقع ليس كل شيء .. بل معرفة الدمج ين الخيال والواقع وتوظيف اللغة المناسبة .. وانا أؤكد على أهمية اللغة وعظمتها ومعرفة اسرارها التعبيرية في العمل القصصي أو في المقالة السياسية أو النقدية .. لكل جنار لغته المختلفة واسلوب صياغة وتركيبة مختلفة ..
    كنت اتمنى ان لا أغرق بالكتابة السياسية أو النقدية ، بل أن أتفرغ فقط للقصة والرواية .. ولكن واقع ثقافتنا وواقعنا السياسي جرفني الى ما لا أحب ..

    الموقد - هل أنت مع الذين يدافعون عن هذه الإثارة بحجة أن الواقع والحبكة القصصية والدراما السينمائية تتطلب هذا ؟

    . نبيل عودة - الجنس في هذه القصة .. سبب لي انتقادات تافهة كثيرة . ذهب بعضها لالغاء صفة الأدب عن القصة .الأدب هو الحياة بكل ما تحملة من تفاصيل .. والجنس في القص ، قصة أو رواية او شعراو فن .. هو قضية انسانية بالمقام الاول . السؤال ما هي مبررات استعمال الجنس ؟
    الثرات العربي كان أكثر اباحية ..الجنس في قصص الدين والأحاديث لا يحتاج الى اشارة . أجمل آداب العرب كان الجنس في جوهرها .
    السؤال : هل نستعمل موضوع الجنس في اعمالنا الأدبية لدفع الناس الى الاباحية ؟
    ام نتطرق للجنس كحالة انسانية أخلاقية ؟
    ربما الذهنية العربية الماضوية ترى بالجنس أكبر المحرمات .. من منطلق ان المرأة شر يستغله الشيطان للإيقاع بالرجال . بتجاهل ان الرجال اياهم يمارسون أبشع أشكال الجنس العبودي والقذر تحت صيغ تُختلق باسم الدين والدين منها براء.
    يجب تحرير عقلنا من حواجز وجودها يجعل الجنس مدمرا للإنسان والمجتمع .
    اما قضية الاثارة الجنسية في الوصف فهو جزء لا يتجزا من نقل الواقع الذي نعيشه .. ومن اثارة الدهشة لدى القارئ .. هل يظن أحد ان اسبدال الوصف الجنسي بخطبة ،أو موعظة أخلاقية ، أو فتوى فضائية .. سيبقي قيمة للقصة ؟

    الموقد - بعيدا عن موقف الذين ينددون بالإثارة الجنسية سواء في القصص والروايا ت أو في الأفلام و يكون تصرفهم مناقضا لما ينادون به ، ألا ترى معي أن الأدب والفن يمكن أن يعبرا عن الجنس بالإيحاء وعدم السقوط في الابتذال ما دام الهدف ليس هو الجنس وإنما هو معالجة مشكل ما وإبلاغ الفكرة إلى القراء أو المشاهدين? !

    نبيل عودة - انا كاتب . أمارس حياة طبيعية . لست راهبا في صومعته . ولست ماضويا في تفكيري.. أتعامل مع الواقع ولا انتجه . افككه وأبنيه من جديد بما يتلائم مع اللعبة القصصية .الجنس في الأدب مثل قطرات الماء لظمآن في صحراء ... عندما أكتب أعطي للنص كل ما أستطيع من زخم المشاعر.. حتى لو كان نصا نثريا في موضوع غير قصصي ... في القص الوضع يختلف .. يجب ادخال القارئ لكل الحالات التي تطرحها القصة .. لا لن أكتب ايحاءات لأظهر كأخلاقي .. واذا استعملت اسلوب الايحاء أحيانا فلأني أستطيع عبره ان أدخل القارئ الى حالات أكثر تهيجا في توقعاته ... في "الشيطان الذي في نفسي " لم أتعمق في المشاعر والاثارة .. ربما يصح ان نسميها كتابة من الخارج .. القصة بحد ذاتها تتناول أحداثا جنسية ، وهناك فرق شاسع بين وصف الانصهار بحد ذاته وشد أعصاب القارئ واثارته .... والكتابة شبه الاخبارية في النص القصصي عن العلاقة بين بطلي القصة بما لا تخدم الفن القصصي . ربما أكون قد أضعت فرصة لتوسيع النص في "الشيطان الذي في نفسي ".. لوصف اللقاء في القاهرة والاندفاع لأحضان بعض بتفاصيل مليئة بالاثارة ..السؤال هل كان ذلك سيضيف شيئا يرفع من قيمة القصة ؟
    لا أظن .. ولا أعرف !!
    يجب اعطاء النص حقه الكامل .. ومعرفة مستوى استغلال عناصر الدهشة والاثارة بكاملها ، ولكن ليس أكثر من المطلوب حتى لا نقتل ترابط النص واستمراريته في ذهن المتلقي - القارئ .. الاضافة مثل المبالغة لا تخدم الفكرة القصصية بل تقتلها . على الكاتب ان ينمي جهازه الحسي والعقلي لمعرفة حدود الكتابة والممكن والمطلوب ... والويل لمن يحول القص الى فلسفة ميتافيزيائية .

    الموقد - ألا ترى معى أن الأدب من أهم وأعظم أهدافه الرقى بالمشاعر والالفاظ ... وخروجه من حيز البوهيميه والغرائز الغير محكومة والدونيه ؟وهل تقبل مثلا ان تقرأ حفيدتك هذه القصة ..؟

    نبيل عودة – وهل تظن ان حفيدتي أو حفيدتك مستقبلا .. ستسمع ، أو تقرأ ... الكلمة التي " تجرح المشاعر " لأول مرة في نص قصصي ؟
    حاول تغيير الكلمات او الصور القصصية التي يقول البعض انها ازعجتهم . ماذا سيتبقى من القصة ؟
    الى أين سنصل في الكتابة الابداعية على قاعدة القيود الآخذة بالاتساع في المجتمعات العربية ؟؟
    لن نصل الى شيء .. ربما الى صياغات تخرج من الثلاجة بلا حرارة.
    اذن هل يحق لحفيدي ما لا يحق لحفيدتي؟
    وهل سأكون سجانا على ما يقال وما يُسمع في الحياة اليومية على مسامع حفيدتي مثلا ؟
    بعض التعابير " التي تجرح المشاعر " هي لغتنا وأدواتنا .. والفن معرفة أين يجوز استعمالها وأين يحظر ذلك ...
    لا يوجد طابو على الكلمات .. حتى أكثر المحافظين او المنغلقين لا يعرفون ما يسمع ابنائهم وما يقرأون من أدب اباحي ، او ما يتجولون عبره في الشبكات الألكترونية.. او عبر الحديث ( التشات ) .
    نحن لسنا مجتمعا في القرن الخامس عشر .. من يعيش مغتربا عن مجتمعه مشكلته مخيفة... وهذه من مشكلات المجتمعات البشرية التي تتمسك بالفكر الماضوي.
    مرة أخرى اردد ما ذكرته بأن تراثنا كان أجرأ في تطرقه للجنس .. فهل نلغي التراث حتى لا تقرأه حفيدتي وأترابها ؟
    وهل أمنع حفيدتي من قصص الدين .. وكل الديانات ، لأنها تفيض بالجنس والجنس الاباحي ؟ وهل نلغي الأحاديث التراثية لأن فيها ما يجب توريته واستبداله وضبطه وجعله تلميحا والى آخر هذه الصياغات ..؟ وهل نقوم بثورة نحرق فيها كتب التراث مثل "طوق الحمامة "( نموذجا ) حتى لا يقراه صغارنا ؟
    اذا كانت مفردات اللغة تحدد الابداع وتبعث الخوف في اصحاب الأقلام ، وتشغلهم بما هو جائز وما هو محظور في لحظة الابداع .. فلن نصل الى شيء والأفضل ترك هذا الكار لمن يملك الجرأة ... . اقرأ هذا النص للشاعر مظفر النواب ، ولنجرب ان نغير بعض تعابيره النابية - ماذا سيتبقى منه ؟ :
    القدس عروس عروبتكم
    فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها
    ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها
    وسحبتم كل خناجركم، وتنافختم شرفاً
    وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض
    فما أشرفكم!
    اولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟؟؟
    اولاد القحبة
    لست خجولا حين اصارحكم بحقيقتكم
    ان حظيرة خنزير اطهر من اطهركم
    تتحرك دكة غسل الموتى
    اما انتم
    لا تهتز لكم قصبه

    الشاعر الكبير نزار قباني قامت الدنيا عليه وسميّ بالشاعر الإباحي ، ورغم كل "الحروب" التي شنّت عليه لم تؤثر مطلقاً على نجوميته وشعبيته الواسعة وحب الناس لشعره خصوصاً وأنه كان يكتب لكل الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية ، الروائي يوسف السباعي كان يغوص كثيرا في العلاقات الجنسية وتفاصيلها ومع هذا فرواياته من أنجح الروايات .
    القاص في حالتي ، حين يتناول بعض تفاصيل العلاقات الجنسية إنما ليوظفها في خدمة النص والرسالة التي يود توجيهها أو المشكلة التي يسلط عليها الضوء من خلال أقصوصته، في حين أن الكاتب الإباحي هو من يكتب خصيصاً لإثارة الغرائز بأسلوب رخيص ويكون هذا هو هدفه تحديداً بدون أي رسالة ذات قيّمة يود إيصالها للمتلقي، والفرق واضح تماماً.

    الموقد - هل تعتقد أن الأدب بكل أصنافه قادر في الوقت الحاضر على التأثير في مجريات الأمور على الساحة العربية والإسلامية ، في ظل تفشي الأمية وعزوف الشباب عن القراءة ؟

    نبيل عودة - ارى ان معركتنا تربوية ثقافية صعبة جدا في مجتمع تسوده فتاوي ارضاع الكبير والتبارك بالبول وضرب المرأة وقتل الميكي ماوس وان من يستعمل يده اليسرى يخدم الشيطان ، وان المرأة شر يستغله الشيطان ليوقع بالرجل ، وان الكرة الأرضية مسطحة.. وشيخ فضائي يصف نساء الجنة بالبث الحي والمباشر ، ويكاد يدخل في "اورغيا" على الهواء مباشرة... ومئات المضحكات المبكيات .. . هذه حقائق حياتنا وعلينا كمثقفين ان نواجهها ونصدها ونقمعها .. وللأسف ، أرى اننا نتطور الى الخلف ..
    للأدب كما لكل حركة اجتماعية ، فكرية وسياسية ، تأثيرها المفترض ... لا شك لدي ان المبدعين العرب أثروا حياتنا الثقافية ، وساهموا بتنمية وعينا الثقافي والوطني .. ولكننا في العقود الأخيرة نشهد تقلصا مقلقا لدور الثقافة والأدب .. وتراجعا مؤلما ..
    الانسان الذي همه الحصول على رغيف الخبز هو خارج الحياة الثقافية للمجتمع ... هو خارج الحياة بمفهومها الانساني الواسع.
    المجتمع الذي لا يقلق لوجود أمية واسعة بين أفراده ( واقع العالم العربي ) ،لن يقلق لحال الثقافة والمثقفين ... المجتمعات التي تعاني من بطالة وانعدام التنمية المتواصلة لخلق فرص عمل جديدة . هل ستهتم بالأدب والادباء؟
    بالطبع لا أنوي التوسع حتى لا يتحول الحوار الى طروحات بعيدة عن الأدب وعن المساحة التي تشغلها القصة موضوع الحوار ..
    انا متألم من عجزنا الواضح في الانتشار وان يصبح صوت المثقف هو الكلمة الفصل .
    هناك اشكالية عويصة أخرى ... لغتنا .
    هل تتوقع من الذين يعرفون القراءة ، ولكنهم لا يفهمون المقروء ، أن يقرأوا ويتأثروا بما نكتب؟
    المجتمع العربي داخل اسرائيل يبدو أكثر المجتمعات العربية تخلصا من الامية .. ومجتمع حقق انجازات تعليمية كبيرة .. ومع ذلك هناك مشكلة في فهم المقروء لدى اوساط واسعة من المواطنين العرب .. بالطبع هناك تأثير سيء للغة العبرية .. ولكني أرى ان السيء أكثر هو عدم تطوير لغة الضاد ، و تخليصها من حركة الآخر وعلامات الاعراب الأخرى ، وصياغة نحو جديد للغة جديدة تتطور ، كما حدث في لغات الأرض كلها .
    كل ذلك يعيق انتشار أدبنا وانتشار تأثيرنا .. وليس سرا اني فشلت في قراءة كتاب "الاستشراق" لادوارد سعيد مترجما للعربية من مترجم لغوي كبير .. وقرأته باللغة العبرية وزملاء لي أخبروني بنفس المشكلة وبعضهم قرأه بالانكليزية وليس بالعربية لأنهم لم يفهوا لغة الترجمة المعقدة ... اذ كانت هذه حال مثقفين اكاديميين مع لغتهم ، فما هي حال الانسان البسيط ؟

    الموقد - المثال الرائع لكلمات الشاعر مظفر النواب، وجمالية الكلمة النابية في موقعها المناسب في وصف او تعرية حقيقة معينة ، يؤدي بي في النتيجة الى طرح السؤال التالي عليكم : هل هناك ضوابط ادبية تحد من استخدامات كلمة الهجاء او الوصف السياسي برايكم ؟

    نبيل عودة - اذا كان قصدك بالضوابط الأدبية ،أو الضوابط الأخلاقية ،فهذا قائم دائما في وعي الكاتب ، وبغض النظر عن اللون الثقافي الذي يمارسه.
    بالطبع هناك قيود .. قيود تطرحها الأطيقا الصحفية والثقافية ويطرحها العقل ، والا تحولت الكتابة الى ردح وشتم مما نسمعه في الشوارع ، وهو للأسف قائم وواجهته مع أقلام مستأجرة آخرها من نصف مثقفة تكتب برعونة ، اسمها انوار ، رغم نصوصها الأدبية الركيكة والتافهة ، سخرت من قدرتي عن صياغة المقال لأن حضرتها كلفت بكتابة ردح شتائمي دفاعا عن ناقد لا يميز بين أصحاب المؤلفات ،ويُنظر حول القصة بعقليات القرن التاسع عشر .. وكان دفاعها عن خطأ لا يمكن الدفاع عنه بنسب كتب لكاتب معين الى كاتب آخر . وأعتقد انها اوقعت نفسها ، بغباء نادر ، في انتحار ثقافي ، ولن تجد المنتفعين في تحريكها ، يجرأون على مواجهتي دفاعا عنها.
    ان المتمكن من القلم واللغة ، يستطيع ان يقول ما يريد دون استعمال الكلمة المؤذية او النابية ويبرز ضعف السفهاء المتطاولين بما قاله نصف عاقل منفوخ بالهواء الثقافي ، بانه يريد ان يمتحن نبيل عودة بالاملاء ، وكنت قد رتبت له عملا في صحيفة "الأهالي" التي كنت نائبا لرئيس تحريرها ، تبين انه لا يفهم المقروء، ومن نماذج ذلك تصحيح مقال فكري لي اتحدث فيه عن الفلسفة والثقافة ، فظن ان كلمة " فلسفة " يجب ان تكون "فلسطين" ، ولا علاقة بفلسطين بالمقال المذكور "فصحح" الكلمة التي وردت بالمقال مرات عدة من "فلسفة" الى "فلسطين" وارتكب أخطاء أبشع مع مقالات أخرى ... فودعناه مفضلين جريدة بلا مصحح ، عن مصحح بلا وعي وفهم للمقروء .
    حالي مع هذا المدعي تشبه هذه الحكاية:
    سال المنصور أحد مقاتلي الخوارج : عرفني من أشد أصحابي اقداما؟
    فاجابه: لا أعرفهم بوجوههم ، فاني لم أر الا أقفائهم .

    الموقد - بالنسبة لفكرة الانتقام المطروحة في القصة الا يوجد بعد آخر ? عاشقان التقيا بعد غياب وحرمان فأول شيء يخطر في بالهم هو اختلاس اللحظات السعيدة ، وربما كانت هي تريد الحمل منه لأنها تعشقه . فلماذا ركزت على فكرة الانتقام طالما كان زوجها لطيف معها بالرغم من برودها تجاهه ؟

    نبيل عودة -الكاتب حين تحين لحظة الابداع لا يفكر بعقله ، بل يستسلم امام ما انتهى تسجيله في ذهنه ، ويغرق بفرح اكتشاف وبناء الشخصيات والأحداث ... الكتابة كلها فرح ونوسطالجيا واكتشافات تهز مشاعر المبدع .وأرفض من يدعي ان الابداع ألم وولادة ومعاناة ، صحيح انها كتابة مهنية ، ومع ذلك نجدها مليئة بالفرح الداخلي .
    حين يدخل المبدع في أجواء الكتابة الابداعية يصبح بحالة شبه انقطاع عن محيطه .. هذا لا يعني انه ينسى ويغيب عما حوله .. بل يستطيع ممارسة الوعي في تنظيم عمله وأفكاره . لذلك الكتابة تنطلق من وعي وتجربة... أما النص فيحدد مضمونه التوهج الواعي في لحظة الكتابة.
    بالطبع أجريت تحسينات عديدة على النص ، وعادة اراجع القصة بوعيي أكثر من مرة حتى أستقر على قناعة بأن نصي قد اكتمل.اما مسألة الانتقام- الحدث فهو مرتبط بجوهر الفكرة .
    بتفكير معاد الانتقام هو تصعيد لاظهار خطأ التحكم بمصائر الناس حتى لو كانوا ابناءنا .

    الموقد -الناقد الدكتور محمد خليل عبر عما يجول بخاطري ولم أستطع أن اوصله وهو انك وببراعة شديدة أستطعت أن تلفت النظر إلى شيطان الموظف وشيطان لولو وكل شياطين الدنيا إلا شيطانه هو (الراوي ) ولولا أنك أفصحت بآخر سطر عنه لكان بقي القاريء متجه بفكره الى شياطين الموظف ولولو وغيرهم

    نبيل عودة - من عادة الأديب ان يكتشف نفسة داخل قصته، تماما كما يكتشف القارئ واقعه وعالمه ... مشكلتي ان زمن طويل يفصلني عن "الشيطان الذي في نفسي ".. وبعض التفاصيل تبدو لي بين الحلم - الوهم والواقع.
    ليس من وظيفة الكاتب ان يحلل شخصياته ، لأنه ربما قصد شيئا وانتج نقيضا لما قصده .. اترك هذا للقراء . الصدفة قد تكون وضعتني في لحظة ما امام حكاية معينة ، ولكن الضرورة هي التي جعلتني أندفع لكتابة ذلك النص ،وهذا يتكرر بأشكال مختلفة .. نفس الأمر بقصة قصيرة أخرى قصة "الدرجات " ( اشار اليها الناقد محمد خليل أيضا ) ... شاهدت عجوزا يساعدها شاب على صعود درج طويل لبيت ميت من أجل التعزية .. وكنت بطريقي لطبيب الأسنان .. واثناء انتظار دوري لمعت فكرة القصة برأسي ، فصغتها على ألأطراف البيضاء لمجلة كانت في العيادة ، كي لا تضيع القصة. تلك الصورة العادية جدا أثارتني . أدخلتني في فكرة أضخم . تخيلتها بوضعها الصحي السيء تصعد الدرج الطويل ليتبين انها أخطات بالدرج وعليها الان ان تنزل لتصعد درجا آخر .. أي اسطورة سيزيف .. دمجت الفكرتين لأصور المعاناة الفلسطينية السيزيفية ... بشكل عام لا يمكن تأجيل اللحظة .. عملي حرمني من عشرات الأفكار ..التي خمد نارها بسبب التأجيل ...

    الموقد - ؟سؤال صغير ما هو شعورك لو ان صاحب القصة احتج عليها ؟؟؟
    وأيضا ً هل تتهيب الناس من جلستك كأن يقولوا الآن سيرسمنا في قصصه ؟؟وهل حصلت معك نوادر او طرائف في هذا المجال ؟؟

    نبيل عودة - بطل قصة الشيطان هو صديق لي التقيته قبل سنة بعد انقطاع طويل جدا ، تبين لي أمرا مذهلا، ان عشيقته ماتت اثناء ولادة طفلتهما واعترفت لزوجها قبل وفاتها بان الصبية الجميلة التي ولدتها ليست ابنته ، وهي اليوم تعيش مع والدها البيولوجي ( صديقي ) ، مع زوجته واولاده وقد تقبلت زوجته هذا الأمر ليس براحة في البداية ، وهذا الموضوع يشدني لقصة أخرى .. لا أعرف ان كنت سأكتبها.. ولكنها تتفاعل في داخلي منذ سنة على الأقل .
    والسؤال : هل يمكن ان يصبح الشيطان ملاكا ؟ ربما كان يجب ان اسمي القصة "الملاك الذي في نفسي ".. ونسأل هل يمكن ان يصبح الملاك شيطانا ؟ يبدو ان هذا أقرب للواقع ...

    الكاتب الذي لا يعرف التقاط قصصه من محيطه .. مصاب بالعقم الفكري ولن نجد لديه نصا يستحق القراءة. انما مجرد نصوص بلا روح . الموضوع أكثر اتساعا من التصوير الفوتوغرافي.. اللحظة التي يلتقطها الأديب قد لا يكون شيئا فيها بنظر الأكثرية من الناس .. ولكنه قادر على ان يرى ما وراء الصورة الفوتوغرافية المباشرة .ان يبني عالما بسبب لمحة خاطفة..

    نبيل عودة - nabiloudeh@gmail.com
  • يسري راغب
    أديب وكاتب
    • 22-07-2008
    • 6247

    #2
    الناقد والروائي والاديب
    الاستاذ نبيل عودة الموقر
    احترامي
    مابين الاخلاق والقيم وبين الاداب والفنون تقف لغة الجنس عقبة
    كما تقف بعض الاحيان لغة التقرب الى العقائد كمسحة شيطانية
    لماذا يتماهى الادباء رواية وشعرا في تجلياتهم البلاغية مع هاتين القيمتين الانسانيتين
    لماذا يحدث الضجيج
    هل خلل ان نبحر في الجنس
    ام لان الجنس هو الحقيقة الثابته في حياتنا الاجتماعية
    هي المكون الانساني لدوافع واتجاهات البشر
    كما ان الارتطام بالعقائد تعني الاصطدام بالحقيقة المطلقة الاساسية
    هل يعتلي الاديب صهوة الجواد - البراق - اذا ما حاكت انامله اساس الحياة وديمومتها
    التكوين وسر الكون
    مابين الخالق والمخلوق مساحة فيها بعض الضلال وبعض الهدى
    والجنس جسر النشوء والارتقاء
    لماذا يحدث الصدام في الكتابة عنهما
    وكيف يمكن لنا تجاوز تلك الاشكالية البلاغية
    دمت سالما منعما وغانما مكرما

    تعليق

    • آسيا رحاحليه
      أديب وكاتب
      • 08-09-2009
      • 7182

      #3
      حوار مثير..استوقفتني فيه عدّة نقاط مهمة..
      و بصراحة , أثرتم فضولي لقراءة القصة . فكيف يمكن ذلك ؟
      تحيّتي .
      يظن الناس بي خيرا و إنّي
      لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

      تعليق

      • إيمان الدرع
        نائب ملتقى القصة
        • 09-02-2010
        • 3576

        #4
        أستاذ نبيل : لك حضورك القويّ
        وإجاباتك كانت تشفّ عن إنسانٍ واعٍ ، مثقّفٍ,,
        يكره اجترار التقليديّ..
        ولديه روح التمرّد..رغبة في نسف هذا القمقم المتحجّر الذي يقيّد الإبداع
        من وجهة نظرك..
        رأي الأستاذ الفاضل يسري راغب ..على غاية من الأهميّة..
        وكذلك أضمّ صوتي لأختي آسية.. في الاطلاع على هذه القصّة..
        ولكن ليس بقسم القصّة القصيرة..الله يخليك..إذا كانت مفخّخة بالألغام
        بل في المنطقة الحرّة على الحدود...ههه
        دمتَ بسعادةٍ...أخي نبيل تحياتي...

        تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

        تعليق

        • نبيل عودة
          كاتب وناقد واعلامي
          • 03-12-2008
          • 543

          #5
          اعتذر عن تعوقي في الرد .. فقد غرقت بتحرير جريدة يومية ، وحتى ننظم شؤون عملنا ونبني فريق العمل ساضطر للغياب لفترات أخرى..
          ______________________________________

          [align=center]الشيطان الذي في نفسي

          قصة بقلم : نبيل عودة[/align]


          أمسك سماعة التلفون بشيء من التردد . نظر الي نظرة فيها ضيق . . ربما لوجودي في مكان يضايقه؟ تردد لحظات مراوحا بنظراته بين قرص التلفون وبيني. كنت مطمئنا لجلستي وراء المنضدة في مكتبي المكيف الهواء والمريح . لم اكن انوي التحرك من مكاني .. نظرت اليه وحثثته على الاسراع بحركة من يدي .. دون ان انبس ببنت شفة . كان وجهه المليء ، بذقنه التي لم تحلق منذ ايام ، يخفي بعض اضطراب نفسه وقلقه .. نظرة خاطفة لعينيه اظهرت لي تردده، ارتباكه ، وربما رهبته من شيء ما ؟ هل هو عاشق ؟ هل هناك امر آخر لا يريد ان يطلع عليه أحد ؟ لم اقف كثيرا امام ما تردد في ذهني من خواطر وأسئلة. التلفون يستعمله العشرات ، ولم يكن وجودي في مكتبي سببا لتردد احدهم في استعماله . واصلت التلهي بأمور عملي ، متناسيا اياه او متظاهرا بالنسيان .
          حسم تردده بحركات عصبية ، ضاغطا ازرار الارقام التي تطلق صفيرا خافتا فيه شيء من الموسيقى.
          انطلق صوته متمتما يحمل في نبراته قلقه الداخلي من أمر اجهله . غرق بذاته منصتا للرنين من الطرف الآخر . نظرت اليه خطفا وقد بدأ حب الاستطلاع يتملكني .. مدفوعا بهوايتي المجنونة اياها ، بالنظر الى الوجوه وتعابيرها ، وتغذية ذاكرتي بما هب ودب من التفاصيل الغريبة ...
          اعترتني رغبة بترك ما بيدي والالتفات اليه ، للتشبع جيدا من حركاته وتعابيره . زجرت رغبتي ، وواصلت محاولة تجاهله ، بينما احاسيسي تسجل ما يبدر عنه . لا ادري ما الذي جعلني مستثارا لهذه الدرجة . ربما ما يمر بي هو جزء من عملية الابداع ؟ .. البحث عن وجوه جديدة لقصص جديدة ؟ كشف عالم جديد ؟ .. او عادة سيئة بدأت تأخذ مكانها في نفسي ؟!
          انتظر بعض الشيء حتى جاءه الجواب من الطرف الآخر . تغير وجهه بسرعة ، وازداد اطراقا وتلعثما في الحديث ، واسرع يقول ، بعد ان بذل جهدا لا بأس به ، وبارتعاش واضح :
          - نمرة غلط .. آسف ..
          واعاد سماعة التلفون .. واتكأ مجهدا على طرف المنضدة ، محتارا ظاهر الارتباك ، ثم كرر لنفسه ، كأنه يحاول ان يقنع ذلك الذي رد عبر التلفون :
          - نمرة غلط !!
          وتحرك بتثاقل ، وعدم رغبة واضحة ، خارجا من الغرفة ..
          حاولت العودة لما كان في يدي من عمل ، الا ان نفسي لم تطاوعني، عالجت في ذهني الحالة التي المت بزميلي ، وتوقعت ان يكون وراءها أمر فيه عناصر تصلح لابداع قصة جديدة . هذه النبوءة المجنونة حين تمسني ، تجعلني اتغير . لا اعود انا هو انا نفسي . اسندت ظهري على المقعد ، ونظرت نحو التلفون الصامت .لا بد من وجود حكاية وراء ما مرامامي . اعدت في ذهني تمثيل ما كان ، منذ لحظة دخول زميلي ، حتى خروجه بالحالة التي خرج بها .. مترددا مرتبكا ، غامضا ، وتأكيده المضحك ، بعد ان اغلق السماعة ، ان النمرة غلط .
          لماذا لم يحاول ان يتصل مع النمرة الصحيحة ؟ ولماذا كل هذا الارتباك والتردد .. بل وبعض الخوف ؟!
          ولأمر لا افهمه في نفسي ، ولن افهمه كما يبدو ، التقطت سماعة التلفون ،وبواسطة الضغط على زر الذاكرة ، كرر التلفون الاتصال مع نفس النمرة ، التي سبق لزميلي ان اتصل بها .
          جاءني صوت رجل من الطرف الآخر . لم اكن ادري ما انوي فعله ، . ولم اكن قد رسمت في ذهني صورة تقريبية عما يمكن ان اسأل عنه .
          اول فكرة راودتني ان زميلي عاشق ، وانه بسبب صاحب الصوت ، ادعى ان النمرة غلط . خرجت من ترددي على تكرار الصوت من الطرف الآخر مستفسرا عما اريده .
          جمعت نفسي او شيطنتي وقلت :
          - نتكلم من شركة التلفونات .. هل طلبتم تغيير رقم تلفونكم ؟
          فوجئ محدثي بما أسأل عنه ، واحتار كما يبدو ، اذ سمعت تلعثمه .. ثم اجاب بوضوح :
          - أبدا .. لا ادري شيئا عن الموضوع .
          - آسف .. سأفحص .. مع من نتكلم ؟
          - بيت المحامي رامي الحيفاوي .
          - شكرا ، آسف على الازعاج .
          اعترتني ضحكة صامتة ، شاعرا اني اضع يدي على طرف خيط يقودني الى اكتشاف ممتع .ترددت منتقدا تطفلي على خصوصيات زميل . هززت كتفي محاولا ابعاد التردد من نفسي ، مؤججا في الوقت نفسه اندفاعي لمعرفة ما خفا عني ، معللا تمسكي بكشف ما خفى ، بطبيعتي التي لا تهدف الايذاء ، وانما محاولة اسداء المساعدة اذا امكن ، وسألت نفسي : " كيف يجوز ان أحشر نفسي لتقديم معونة لم تطلب مني أصلا ؟ " نفضت السؤال وبعثرت كلماته .. وقلت لنفسي انه لولا وجود هذه الميزة الحشرية عند لفيف من الناس لما وجد الأدب والأدباء اصلا .
          كل مشاعري متيقظة لالتقاط موضوع ذي شأن ، لا ادري كنهه ، ولو اني بدأت بوضع تقديراتي الاولية عنه . لو أجابه من الطرف الآخر صوت آخر ، صوت انثى مثلا ، هل كان يسارع للقول ان النمرة غلط ؟ هذا لوحده يمدني بمادة لوضع عشرات الاحتمالات .
          شعرت بأن عناصر التردد والاعتراض ستبدأ بالفوران في داخلي .. فنفضت نفسي ، وانتصبت واقفا مصمما على حل المعضلة التي تكونت امامي .
          استعرضت في ذهني بعض ما كان ، التردد والآرتباك اللذان اعتريا زميلي . النمرة غلط ، عدم الاتصال بالنمرة الصح .. تأكيده لنفسه ان النمرة غلط .. كأنه يحاول ان يقنع الذي في الطرف الآخر من الخط .. تضايقه الواضح .. لهجته المتلعثمة ، وخروجه كالمهزوم من معركة . في الطرف الآخر المحامي رامي الحيفاوي .. هل هو من حيفا ؟ ام ان الاصل غلب على الاسم ؟
          راودتني فكرة ، فلم اتردد . جلست ورفعت سماعة التلفون ، واتصلت بصديق لي ، محام :
          - استاذ عادل ؟ .. سلامات ..
          عرفني من صوتي . رحب وأطنب واستحثني على زيارته .. و.. قاطعته :
          - اريد ان استفسر عن موضوع صغير ..
          - تفضل .
          - المحامي رامي الحيفاوي ، تعرفه .. ؟
          - بالطبع .. زميلي وصديقي ، درسنا سوية ، وكانت لنا غرفة مشتركة بالايجار ..
          - هل هو من حيفا ؟
          - أجل ، مكتبه في " الهدار " .. هل تريد منه شيئا ؟
          - أبدا .. لا شيء خاص .. ولكن زميل لي وكله بقضية تأمين . قل لي هل هو متزوج ؟
          سؤالي كما يبدو فاجأه . شعرت بأنه يفكر بهذا السؤال . . الذي لا صلة له بموضوع توكيل محام .. ولكنه اجابني مترددا ، غير فاهم ما ارمي اليه ، وهذا جعله ، كما يبدو .. يمدني بكل ما يعرفه عن زميله الحيفاوي ، منتظرا تفسيري :
          - متزوج وأب لطفلتين ، على حد علمي .. وزوجته اسمها لولو كما أذكر ، معلمة في مدرسة ابتدائية، ولكن ..
          - سأشرح لك كل شيء فيما بعد .. لدي سؤال غريب آخر ، هل هي جميلة ؟ اعني هل رأيتها مرة ؟
          - كثيرا .. تصلح لان تكون عارضة ازياء .. ولكني لم افهمك بعد ..
          كدت اصفر من المفاجأة ..واعترتني رهبة عابرة ، شاعرا اني ارتكب حماقة لا معنى لها .
          ما دخلي انا في قضايا الناس ؟
          شكرت صديقي عادل ووعدته ان ازوره قريبا واوضح له كل شيء . ولعله الآن يقرأ قصتي هذه ، ويهز رأسه ، ولكني اثق انه سيحفظ السر ، الذي انا في سبيلي الى كشفه .
          اعدت سماعة التلفون شاعرا ببعض الكآبة الخفيفة ، التي سببها موقفي الغريب ، في ملاحقة خصوصيات الناس ، ولكني كنت متأكدا اني بدأت .. ولن اقف ، خاصة بعد ما حصلت عليه من معلومات ، قوت يقيني فيما ذهبت اليه من تقديرات وتأويلات .
          أرسلت في طلب زميلي ، فجاءني تسبقه عيناه القلقتان ، بوجهه غير المحلوق منذ ايام. كان هادئا بعض الشيء ، مطمئنا ان سره في أمان واستقرار ، دعوته للجلوس وانا انبش في اوراقي على المكتب .. كمن يبحث عن شيء مهم ، وقلت له بلهجة تحكمت بها بحيث لا يعتريه ادنى شك على صدق ما اقوله ، معتمدا بالوقت نفسه عنصر المفاجأة الذي يبقيه غير واثق من نفسه وموقفه ، ولو كان كل المنطق الى جانبه . قلت :
          - اتصل المحامي رامي الحيفاوي ، يسأل من اتصل به ، قلت له ان عاملا عندنا اتصل بالخطأ ، اصر ان يعرف الاسم ، فأخبرته بأسمك ..
          فوجئ بالاسم الذي ذكرته، وبان الارتباك والخوف الشديد في ملامح وجهه ، وبدون تفكير قال بصوت مذهول :
          - لماذا اخبرته بأسمي ؟ قل له نمرة غلط وكفى ..؟!
          - لماذا ارتعبت ؟
          - لا .. لا شيء ..
          - ضغط على جبينه بقبضة يده اليمنى واطرق مليا ، وتمتم لنفسه بكلمات لم يصلني منها الا بعض الأحرف ..
          - كان يجب ان لا تخبره باسمي .
          اشفقت عليه من حالة الذهول ، ولكني قررت الاستمرار في اللعبة . قال فجأة كمن اكتشف شيئا :
          - كيف عرف نمرة التلفون ؟
          أجبت بهدوء وبلا اهتمام ظاهر :
          - لا ادري ، اتصل به واسأله ؟
          وأخذت سماعة التلفون ومددتها نحوه ، فانتفض :
          - لا ، ولا بأي شكل .
          لوح بيده بسخط ، والذهول يشع من عينيه .
          قال محاولا ان يخفف عن نفسه :
          - مصيبة .. ربما تكون قد ورطني ؟!! وربما تكون صدفة غير مفهومة ؟!
          - لم تكن تتوقعه حين تلفنت ؟
          - .....
          - هل اردت الحديث مع لولو ؟
          حدق بي طويلا وهو مصعوق من ذكري لهذا الاسم .. وانا اواصل التظاهر اني غارق في اوراقي وفي عملي ، بينما عقلي متيقظ لالتقاط كل حركاته وتعابيره .
          شتمني مبتسما ابتسامة بلهاء .. متيقنا ان في الامر لعبة .. اذ لا يعقل ان اعرف كل هذه المعلومات من مجرد اتصاله بنمرة غلط ، او بنمرة صح ، فهو لم ينبس امامي ببنت شفة ، لم ينفس عن حرف فيما يخصه ، نعمل سوية منذ ثلاث سنوات ، لم يحدث احدنا الآخر حول خصوصياته ، فكيف اباغته الآن في صميم اسراره ؟
          - اسمع .. لم اعد احتمل .. صارحني اصارحك ؟!
          ابتسمت زاجرا ضحكة مجنونة في صدري :
          - اتفقنا .. ولكن لا ترجع بوعدك ؟
          اطمأنت نفسه قليلا ، وارتخت عضلات وجهه المشدودة من التوتر . قال وهو يأخذ نفسا طويلا ، مخرجا علبة سجائره من جيب القميص :
          - وعدتك .. على ان يبقى سرا بيننا ؟
          اشعلنا سيجارتين ، وبين حلقات الدخان حدثته كيف توصلت للمعلومات التي فاجأته بها. ابتسم مطلقا ضحكات صاخبة ، متحررا من خوفه ، من الكآبة والرهبة ، مطمئنا بعد معاناة . ذكرته :
          - والآن ماذا لديك لتضيف ؟
          تغيرت سحنته المرتاحة ، واختفت ابتسامته . اطرق صامتا للحظات ، وكأنه يتردد في الافصاح عن خبايا قلبه ، ثم قال دون ان ينظر الي :
          - بالنسبة لك قد تكون حكاية عاشق مغامر ..صائد نساء محترف .. اني لست كذلك .. ما بيني وبين هذه المرأة ليس صبابة عابرة .. نحن لسنا مجرد عاشقين.
          نظر في عيني ، فلمحت التردد ينعكس على وجهه ، كأنه يستصعب ان يبوح بما يلذه او يعذبه .. وفي نفس الوقت يأخذ نفسا طويلا ، ويحسن جلسته التي بدأها مترددا محتارا على طرف المقعد ، مما بعث الاطمئنان ليقيني ، انه في سبيله للبوح بما لديه ، ، وتملكتني فكرة من الجوالمحيط بنا انه بحاجة لزميل يصارحه بما لديه ..
          قلت لنفسي انه وقع على الزميل الملائم .. يستطيع ان يفهمه ، وأن يبادله الرأي بالرأي ، ويشد ازره اذا ما كان بحاجة الى ذلك .. ثم سألت نفسي : " هل استطيع ان اصون السر ؟ " أجبت تلقائيا بالايجاب . فسخرت من نفسي وذكرتها بما باحت به من اسرار . فأجبت باني ما بحت بسر اطلاقا ، انما انشأت حكاية موازية ، مستعينا بجوهر الحدث وليس بأشخاصه ، بهدم الاصل وتركيبه مجددا . سخرت متسائلا : " ما الفرق ؟ " فحسمت الجدل الذي بدأ يفور داخلي بأن حثثت زميلي :
          - احك بلا تردد ، وكن مطمئنا ..
          - انا لولو ابناء صف واحد .. نحب بعضنا البعض .. منذ ايام المدرسة الثانوية . تواعدنا ان نكون لبعضنا البعض .. مهما حدث .. هي ذهبت لدار المعلمين ، وانا انخرطت في العمل . كنت اريد ان اكون نفسي بسرعة .. ان يصبح لي بيت .. وأن تصبح لولو زوجتي .. لذلك ضحيت بالدراسة الجامعية .. والداي لم يفهما موقفي ، ولم يكن من الممكن ان يفهماني . انجح اولادهم يخرج للعمل الصعب وكل الظروف البيتية والمادية متوفرة له للدراسة الجامعية والتقدم في الحياة .اليوم افكر بخطأي . اشعر اني خسرت على جبهتين .. جبهة الدراسة وجبهة الحياة .. خسرت المركز الاجتماعي .. وخسرت امنية حياتي .. أحيانا يتملكني الندم والغضب لاني لم اواصل دراستي . ولكن هذا ما كان .. حبنا كان اقوى من كل المنطق ، احلامنا كانت اكبر من عالمنا ، لولو كانت ، وما زالت.. كل عالمي ، مع لولو كل شيء يطيب لي ، الشقاء والمعاناة والألم .. في سبيل لولو تتحول الى سعادة .. كنا نحلق في فضاء من الرغبات والاحلام .. من الأمنيات والآمال .. نلتقي دوما .. نتعانق ونتبادل القبلات والضحكات الوردية ..
          احافظ عليها كما يحافظ الانسان على بؤبؤ عينه .. رغبتي فيها لا تعرف الحدود ، ولكني اريدها طاهرة عذراء لليلة العرس ، كل ما يخصنا كان ابيض جميلا . كنت اواصل الليل بالنهار في سبيل تحقيق ذاتي . بسمتها كانت تكفيني ، صوتها المزغرد يملأ دنياي .
          عالمي انحصر في شيئين.. العمل ولولو . ربما في شيء واحد كبير .. أكبر من السماء .. اوسع .. اوسع من الأفق . عميق .. أعمق من البحر .. لولو .. لولو هي شغلي وأملي وأحلامي وحياتي . هي الماضي والحاضر والمستقبل .
          تقدمت لطلب يدها حسب الاصول .. فرفضتني عائلتها ؟!
          تهدج صوته وأطرق مليا محاولا السيطرة على دمعة كادت ان تفلت . كأن ما يؤلمه يعود بكل حدته وقساوته الآن ، وفي هذه اللحظات .. لقد بهرني بقدرته على السرد .. بحيث تمنيت لو اسجل حديثه كتابة .. حتى لا تفوتني منه كلمة او اشارة موحية .
          استعاد هدوءه رغم مسحة الحزن التي ارتسمت على محياه.
          - عانينا كثيرا بعد رفض عائلتها لي . قد تستغرب ان العائلة لا تزال تقرر في زواج ابنائها ؟! والدها كان مستبدا . دقة قديمة. قديمة جدا .. اكثر مما يتخيله العقل . فكرت : " اذا اخبرته بما بيننا يلين امام الحقائق ، فيقبلني مكرها ؟" ما حدث هو العكس . فرض على اهل بيته ما يشبه الاحكام العرفية . اضطهد والدتها واخواتها .. ضلوع مجتمعنا القاصرة ؟! حرض اولاده على تتبع خطوات البنات .. ماذا اقول لك ؟ .. لم يمض الا وقت قصير حتى نجح بتزويجها لمحام من حيفا ..لا ادري كيف حدث ذلك . لم استوعبه .. صدمت .. ربما لم اصدق امكانية زواجها من غيري ؟ انها معي دائما في احلامي وفي صحوي .. هذه النقطة مستعصية علي حتى اليوم . هل كان علي ان اخطفها ؟ وهل كانت تطاوعني ؟ لم يكن من السهل محادثتها وهي داخل المراقبة والحصار .. فقدت امكانية الاتصال معها.. بعد ان تجددت علاقتي بها اخبرتني انها اتصلت معي قبل عرسها باسبوعين للأتفاق على شيء.. لكنها لم تجدني ، ولم يكن من المتيسر امامها ايجاد فرصة اخرى للأتصال ، وصارت تشك اني تخليت عنها لانها مخطوبة لانسان آخر.. وكان عرسها بالنسبة لها اشبه بالجنازة...
          تزوجت لولو وانهارت احلامي وتناثر عالمي الجميل . اصبت بالمرارة والضيق من الحياة نفسها .. تملكني القنوط والاحباط .. وراودتني فكرة الانتحار .. ولولا امي التي لاحظت وضعي النفسي الغريب ، وشددت مراقبتها لي .. فربما كنت انتحرت .
          قد اكون واهما من فكرة الانتحار والقدرة على تنفيذها .. كل ما ادريه اني وصلت لوضع لم يعد للحياة فيه شأن في نفسي . تركت عملي وانطويت على نفسي لأشهر عديدة.. لا شغلة لي الا شرب القهوة والتدخين والتفكير بلولو وبعذريتها التي تهتك قسرا.. وبالعار والشنار الذي لحق بي وكأني مسؤول عن عذريتها.. احيانا اصرخ بصمت ، بدون صوت .. أنا اقول الحقيقة .. شيء يصرخ في صدري .. يستغيث .. يرفض ما يحدث .. يثور .. يشتم .. يقاتل .. ويلعن كل شيء .. يكفر بكل شيء ..يثور غضبي احيانا على لولو .. أكرهها .. اهشم وجهها الوادع .. اغرز اظافري في لحمها الناعم الطري الابيض .. ارى الدم ينقط من سجائري .. أقذف بالفنجان والسجائر وغلاية القهوة ..ضاربا "الاسكملة" بقدمي ، فتتناثر القهوة .. والدم .. في كل مكان .. فأصرخ بصوت مسموع ، لا اقوى على كبته .. متألما مستثارا ، ولا اعود الى نفسي الغاضبة الا بين يدي امي ، وهي تضم رأسي الى صدرها .. فأبكي كطفل صغير ، بحرقة .. وربما باعتذار ، عما اسببه لأمي من معاناة وقلق وألم .. ودموع تحاول ان تخفيها عني .. تشعرني بالخجل من نفسي .
          امي ، الله يرحمها .. قصر عمرها بسببي ، ماتت وهي توصي اهل البيت علي ، كانت امنيتها ان اتزوج ، فلم افعل ذلك الا بعد موتها ، وحسرتها علي في قلبها ..
          هل تظن اني نسيت ذلك ؟!
          عندما أعود لهذه الذكريات يثور الذئب في اعماقي ، وحش كاسر يبحث عن فريسته . لا تظن ان علاقتي بلولو تأثرت ... انا لا انتقم منها ، هي وسيلتي للانتقام ؟
          ابدا !! لولو حبيبتي ، ولن اجعلها وسيلة للأنتقام . اذن كيف انتقم ؟ بآية طريقة ؟ بأي اسلوب ؟ الا تعتبر علاقتي الممنوعة بها من باب الانتقام ؟ ببساطة وصراحة .. لو راودني شعور بأن علاقتي مع لولو فيها دافع من دوافع الانتقام ، لما ترددت في قطع ما بيننا . حبي لهذه الانسانة ، والذكريات الجميلة الطاهرة التي بيننا ، ذلك اغلى على نفسي ، واعز عندي الف مرة .. من اي انتقام كان .
          ولكني انتقم .. انا اعرف ذلك !!
          لا ادري كيف يتحقق انتقامي ولا نتائجه على من احب . شعور الانتقام يراودنا نحن الاثنين . هي ايضا تنتقم .
          توقف عن الكلام مجهدا وقد حل الغضب مكان الحزن في تعابير وجهه . اشعل سيجارة وأخذ نفسا طويلا ، نفث الدخان ببطء .. وتقطع ، وقد حسبت انه انتهى من مونولوجه المؤثر . . غيران شيئا يتحرك في داخلي حاثا على المزيد . صببت فنجاني قهوة من " الترموس " . أخذت شفطة وتذوقت طعم الهيل في القهوة ، وحثثته :
          - اشرب.
          ولسان حالي يقول : " المزيد " .
          يبدو عليه انه فهم قصدي . شرب نصف فنجان القهوة دفعة واحدة ، وطلب المزيد . ملأت له الفنجان ، وتركت " الترموس " تحت تصرفه .شرب نصف فنجان آخر ، وكأن فمه مبطن ضد الحرارة، وقال :
          - انقطعت صلاتي تماما مع لولو . انا لم احاول الاتصال بها حفظا لكرامتها وسمعتها . ربما تلك هي ارادتها . ربما ارادت تطمين والدها وانقاذ امها واخواتها من طغيانه ومما يتعرضن له بسببها ؟ هناك الف ربما .. وعشرات التأويلات والاحتمالات . . وما دامت هي لا تتصل ، فلأحترم رغبتها ، رغم اني لم اهضم ما حدث .
          خرجت من وضعي النفسي المضطرب الذي لازمني بعد زواجها ، وبدأت اعود لحياة طبيعية او شبه طبيعية .. ولكن بفتور .. وبعد تردد طويل تزوجت . لا شك ان فقداني لأمي وهي توصيني بالزواج ، وتوصي الأهل برعايتي ، كان سببا في خروجي من ازمتي وزواجي . انا احب زوجتي حبا عاديا .. احترمها .. لا استطيع ان احبها مثل لولو .. ولكنها غالية على نفسي . عندي منها ثلاثة اولاد . احبهم بجنون . هم اعادوني الى توازني ، أجد فيهم الصفاء والطهارة التي كانت ايام عشقنا المبكر انا ولولو .
          ومضت الايام .. اشياء كثيرة تغيرت وتتغير .. حتى لولو بدأت تتحول الى ذكرى جميلة . . اما حين اسلسل الحدث ، وهذا صار قليلا ما يحدث ، فأثور بغضب مدفوع بمشاعر النقمة . في السنة الاولى من زواجي كثيرا ما ناديت زوجتي باسم " لولو " . اقنعتها بأني احب هذا الاسم . ربما لم تصدقني زوجتي ، ولكنها لم تسألني عن سبب هذا النداء .. وحين رزقت بابنة ، وكانت تلك امنيتي ، قالت لي زوجتي وهي تقدم لي طفلتنا :
          - أنظر كم هي جميلة ولطيفة لولو ..
          وساعتها بكيت .. بكيت كما لم ابك من قبل .
          يقال وبحق ان الجبال لا تلتق ابدا ، انما الانسان...
          التقيت لولو في احدى الرحلات الى مصر.. ثماني سنوات من القطيعة ، وفجأة القاها امامي . ارتعشت من رأسي الى اخمص قدمي . غبشت عيناي من دمعتي فرح .. او ربما حزن .. او حزن وفرح في نفس الوقت .أمسح الدمعتين ، لولو صارت اكثر انوثة ، نظراتها مهمومة ، ارتعاش عينيها يفضحها .. نقف في قاعة الفندق الرحبة نتأمل بعض .. ننظر في عيني بعض .. تبتسم لي بحياء ، ابتسم لها بذهول .. تخفض عينيها ، اقترب منها والهث باسمها :
          - لولو .. لولو ..
          تنظر الي بعينين تملؤهما الدموع والاشواق ، صدفة مجنونة تلك ؟ ما كان بيننا بدأ يتحول الى ذكرى .. وفجأة اجدها امامي . كانت لوحدها وكنت لوحدي .. وباندفاع مجنون ، طوينا وراءنا الزمان والمكان . عبرنا الماضي والتاريخ والجغرافيا. جددنا ما كان ، واندفعنا لاحضان بعض بلا تردد وتفكير . غسلنا حزننا واشواقنا باتحاد جديد . لم ارغب بامراة كما رغبت بها ولم ترغب برجل كما رغبت بي . عشق ووجد وصبابة .ظمآنان وقعا على نبع ماء . اسكرنا الحب الممنوع . قالت لي ان نفسها لن تطمأن الا اذا ضاجعتها على فراش زوجها . أهي النقمة وراء رغبتها المجنونة هذه ؟ هل هو انتقام لا يعرف الحدود ؟ هل زوجها المقصود بالانتقام ؟ أم والدها ..؟ ام تنتقم من ذاتها هي ؟ ربما من كل عالمها ؟
          كثيرا ما قالت لي انها تشعر بالذنب وتريد ان تنتقم لنفسها لأنها ضعفت ورضخت لمشيئة عائلتها .
          هل تستغلني بهف تحقيق انتقامها ؟ كان بامكانها ان تفعل ذلك مع غيري ، ومن زمان ، اذا كان الانتقام هدفها من العلاقة الممنوعة بيننا . . ؟ تبكي وتصر انها تحبني حقا ، ولا تريد ان تفقدني مرة اخرى . انا ايضا لي حسابي . اقول لها ذلك ، فترجوني ان انسى موضوع حسابنا ......... وان نعيش لحظتنا الهانئة ، وتهمس لي :
          - انه حقنا الذي حرمونا منه وهو افضل ثأر ..
          - وهل يؤخذ الحق بهذا الشكل خطفا ؟
          - يكفي انه حقنا وليفهمه كل منا كما يشاء .
          كنت على يقين انها تنتقم من عالمها .. وانها ما كانت لتفعل ذلك بعلاقة مع شخص آخر غيري . علاقة مع شخص آخر معناها انها تنتقم من نفسها فقط . علاقتها معي هو حقها الذي حرموها منه . . وانتقام لا يعرف الرحمة من قيم ومثل واشخاص حرموها من حلم حياتها وحقها الطبيعي .. وقالت ان تزويجها بهذا الشكل هو اغتصاب متكرر لا يعاقب عليه القانون ، وانها منذ اتحدنا جسما وروحا شعرت بعظمة العلاقة بين رجل وامرأة .
          في لقائنا الاول ، في بيتها في حيفا قالت لي بطريقة اقرب الى الشراسة واللؤم وتعذيب الذات :
          - هيا انتقم لي منهم .. منهم كلهم .. من كل الذين ابعدوني عنك .. وأبعدوك عني ، اريدك هنا فوق فراشه ، أكره هالة القدسية الكاذبة ، اقيء على شرفهم المهترئ .. اكرههم .. اكرههم ...
          زجرتها وافهمتها اني لن اقبل ان اكون وسيلتها للأنتقام والثأر.. وان حقدي على من فرقونا لا يقل عن حقدها ، وربما لهذا السبب طاوعتها واريدها على فراش زوجها .. ولكني ارفض ان يتحول حبنا الى دوافع حيوانية محددة بالانتقام والثأر .
          بكت كثيرا وقالت انها تشعر نفسها كزانية ، وهي لا تريد لهذا الشعور ان يراودها .. وهو دافعها للتفوه بما قالته . وصارحتني ان زوجها لطيف معها ، ولا يفشل لها طلبا .. ولكنها لا تشعر معه باللذة والانسجام ، جسدها يرفضه لأنه يتمناني ، وهذا الشعور يرافقها منذ زوجت .. وهي لا تذكر انها وصلت معه الى قمة المتعة التي تصلها معي
          .زوجها يعارك محاولا بكل قدراته ان يوصلها .. اصيب بالحيرة واستشار طبيبا ، فلم يساعد الامر .. واقتنع كما يبدو انها باردة جدا .. لو رأى شبقها المجنون لما صدق عينيه . تقول انه اخطأ وليتحمل نتائج خطأه. خلال فترة خطوبتهما صدته ورفضته ، مع انه شاب مثقف ، له مركزه الاجتماعي ، وامكانيات مادية ، وشخصية قريبة لقلوب الفتيات ، كان عليه ان يفهم ما لم تستطع البوح به جهارا .ان يفهم انها لا تستطيع ان تكون له ... بهره جمالها ، واستعجل الزواج ظانا ان الزمن يجمع بين القلوب ، ويقرب بين الافئدة ، فلم يجن الا برودها ، وها هي تعطي نفسها بسخاء لغيره ... لحبيبها !!
          كثيرا ما حاولت ان افلسف ما بيننا من حب ملتهب وانتقام مشترك لا حدود له .
          قلت لها مرة :
          - يجب ان لا تجرفنا غرائزنا ، ممارستنا لحبنا هو احسن ثأر.
          - ما بيننا ليس غرائز . حبنا هو حقنا بالحياة وثأرنا ايضا .
          - لا تنسي اننا من تركيبة اجتماعية تنفر مما نحن به ، حتى لو كان حقنا ؟ وسنعامل باحتقار اذا ما انفضح امرنا ؟
          - هل تريد ان تقول ان ما نفعله حماقات ؟ حبنا حماقة وشذوذ ؟ ما بالك تتراجع عما قلته قبل لحظة ؟
          فأحتار فيما انا قائله واتردد امام اسئلتها .أضعف امام العتاب المنطلق من عينيها ، واغرق في رجاء شفتيها .. وحين تثور غريزتي ، اصبح كالثور الهائج ، وكأن هذا اول اقتحام لعذريتها .. لا ادري لماذا يراودني هذا الشعور كلما ولجتها .. كأن شيئا في نفسي يرفض ان يصدق ان لولو لم تعد عذراء . لولو عذراء ابدية ، تتجدد عذريتها بعد كل اقتحام ، وحين لا ارى آثارا للدم بين ساقيها ، تعاودني الفكرة المجنونة بأن لولو عذراء بعد .
          ومنذ سنتين نلتقي اسبوعيا . سافرنا لمصر عدة مرات .. تمتعنا بلا حدود ، احيانا تقول انها تغار من زوجتي علي ، تقول ذلك وتبكي لانها لا تريد ان تسيء لزوجتي .يراودها شعور سيء انها تخطفني من زوجتي واولادي . طمأنتها ان ما بيننا لا يجعلني اهمل بيتي . . وان حبي لها لا ينفي حبي لزوجتي واولادي .وتقول اننا مهما نصل في علاقتنا ، فسعادتها ناقصة ، وان السبيل لتخفيف ما هي به ، ان تحمل وتضع ابنا ، او بنتا مني .
          حذرتها من فكرتها المجنونة ، ولكنها تصر ! منذ اشهر وهي تصر ان تحمل مني ، تريد طفلا مني حتى تكتمل سعادتها ويهدأ بالها .. لان العلاقة بيننا ستنتهي يوما ما .. واعتقد انها حامل ، على الأغلب مني .. امس أجرت فحصا ، اردت ان اعرف النتائج .. أنا في حيرة من امري .. هل ما ارتكبه حماقة ؟ خيانة لزوجتي واولادي ؟ ام انتقام من اهلها ؟ ربما هو اخلاصي للماضي ؟ للأيام الحلوة الهانئة التي كانت ؟ ام هو حقنا التاريخي ؟ ام هي غرائز بشرية لا قدرة للعقل على توجيهها ؟
          لا اعرف كيف اتصرف . كنت احبها واريدها لي وحدي . اليوم احبها واقبلها رغم وجود شريك آخر .. زوجها .لا اعرف ان كنت اكرهه او اشفق عليه ؟ ولكني احسده .هي تدري اني لا استطيع ان اكون لها وحدها ، واني لن اتخلى عن زوجتي واولادي .هي تقبلني كما انا .اما انا فاعيش بدوامة لا اعرف لها قرار . يجرفني عشقها . اريدها بقوة وبرغبة وبحقد . . واعرف ان ما بيننا لم يعد ذلك الحب الحالم البريء . لم يعد اندفاعي ذلك الاندفاع الطاهر . القاها اليوم لاشبع جوعي اليها ، لأرتوي من رحيقها الذي لا ينضب ، لاهتك عذريتها التي لا تنتهي . تشدنا النشوة المجنونة الى الماضي الجميل الذي كان .الى الاحلام الضائعة .. نعيشها خطفا. هي حزينة لانها ليست كذلك .. ليست من هذا النوع .. هي تقول انه حقنا الذي حرمونا منه ، وليتحملوا هم النتائج . لا تكره زوجها ولا تنتقم منه ، ولكنها لا تحبه . حبنا الماضي تغير ، صار لحظات متعة ونشوة ، جنون للدخول والانصهار في بعض . مفهومنا للحب تغير . . ونحن تغيرنا . احيانا نقررانه هذا هو ، وصلنا لنهاية الطريق ، ولكل منا حياته الخاصة .. بيته الخاص .. أولاده .. هل نضحي بأولادنا في سبيل ذاتنا ؟ وهل يليق هذا بنا ؟ ألا يكفينا ما تمتعنا به ؟ ألم يرض غرورنا ، ويهدئ من لوعتنا ، وينسينا غضبنا ؟
          نودع بعض .. نبكي بحرقة .. نتبادل آخر عناق .. آخر قبلة .. فلا تمضي اربع وعشرون ساعة الا ونكون نحن الاثنين ، امام التلفون ، يبحث كل منا عن الآخر..
          ونعود لنلتقي مندفعين بحماس اشد ، ورغبة ممتدة لا تعرف نهاية ولا قرار.
          الى اين تقودنا غرائزنا ؟ لا ادري !!
          واليوم تترسخ العلاقة بيننا بطفل ، انا مضطر لتحقيق رغبتها ، ربما هذا هو آخر المشوار بيننا ؟ لا بد ان نصل لنهاية . نهاية للاندفاع بلا ضوابط .. سنبقى على حبنا ، سيكون لها ابن اوابنة مني .. قد يكفيها ذلك .. وأنا .. هل استطيع الابتعاد عنها ؟ الن يشدني الحنين لها .. ولابننا المشترك ؟
          هز رأسه بضيق وقال :
          - لا ادري !!
          صمت ، اخذ نفسا من سيجارته ، نظر الي بشيء من الحيرة ، وقال مؤكدا على شيء سبق وان طلبه :
          - السر هو سر .. انت عند كلامك ؟
          أكدت له ذلك بهز رأسي ، ولكن .. ماذا افعل بالشيطان الذي في نفسي ؟


          نبيل عودة- nabiloudeh@gmail.com

          تعليق

          يعمل...
          X