حاكموه حين أطعم الذئاب
لا يمكن للأمر أن يتعلق بالضواري فالذئاب والثعالب انقرضت منذ زمان... ولا يمكن أن تكون تاهت وقد كانت مقيدة ومربوطة بحبال صلبة...فهل سرقت إذن ؟ اللصوص يسرقون العجول والخراف فكيف لهؤلاء يسرقون الحمير...وقيل حتى الكلاب لوحظ اختفاؤها...
في ليلة حالك سوادها قيد الأهالي جحشا خارج المضارب وكمنوا بعيدا عنه...مر الليل متثاقلا ولم يظهر اثر للفاعل...وجاء وقت صلاة الفجر...بعد العودة من المسجد لم يجدوا الجحش في مكانه...توالى اختفاء الحمير والكلاب ...وقيل حتى القطط ـــ وظل نصب الكمائن بلا جدوى. حتى اهتدى الفقيه إلى حيلة قد تسعف في القبض على الفاعل...حين تفرق القوم عشاء وهم عازمون على نصب الكمين أوصى ولديه أن يأخذا مكان الرجال أثناء أدائهم صلاة الفجر....
ـــ احرصا ألا يشعر بكما احد.
وبعد الصلاة رجع الولدان يتخافتان...لقد جاءا أباهما بالخبر اليقين :
ـــ إنها أمي رحمة.
ـــ لن اغفر لكما إن ناد يتماها بهذا الاسم مرة أخرى.
كانت تدعى "الرقطاء" لكنها بفعل ما برعت فيه سماها الأهالي "أمي رحمة" ...فكم من عريس "مثقف" حلت...وكم من متزوج مربوط فكت...وكم من عانس على يديها تزوجت...وكم من عاقر بفضلها أنجبت وخلفت...لكن الفقيه كان إذا قيل له "أمي الصالحة" يرد :
ـــ ما هي إلا بالفاسدة...إن كل ما تأتي به هو من عمل الشياطين... كل ما تقوم به إن هو إلا من أفعال إبليس لعنة الله عليه وعليها إلى يوم الدين...
إن "أمي رحمة "لن تحتاج في أعمالها الشيطانية من سرقة الحمير إلا للمخ واللسان... فأين ترمي بباقي الجثة... وما سر اختفاء الكلاب والقطط إذ لا حاجة لها بهذا النوع من الحيوانات... قد تحتاج إلى الحر باءات أو الضباع... لكن الكلاب والقطط ؟؟؟؟؟؟؟أيكون لزوجها رحمون الجزار دخل في الموضوع ؟؟؟؟
كتم الفقيه الأمر عن الأهالي واستعان فقط بولديه حتى توصل إلى الحقيقة فقام بالإبلاغ. وتمت إحالة رحمون الجزار على المحكمة...تكلم القضاء الواقف وطالب بأقسى العقوبات واشدها ولما انتهى قال القاضي لرحمون الجزار :
ـــ واش باقي عندك ما تقول ؟
ـــ سيدي الرئيس...عندي أفواه ستة تنتظرني يوميا أن أطعمها... و بطون ستة تنتظرني يوميا أن أملأها... أشبعها...ومحل اشتغل فيه علي دفع إيجاره...وضرائب للدولة علي تسديدها ...من أين لي كل هذا إذا كنت بالكاد أبيع لحم شاتين أو ثلاثة في الأسبوع...ولمن ؟ كل زبنائي هم من الأغراب... العابرين...المسافرين...أما الأهالي فإنهم لا حول لهم ولا قوة... فأمام ارتفاع سعر اللحم وضعف قدرتهم الشرائية يمرون على اللحم المعلق ينظرون إليه في حسرة ويتنهدون... فهم لا يتذوقون طعم اللحم إلا مرة كل عام... في عيد الأضحى... أمام كل هذه الظروف الصعبة ماذا عساي أن افعل لما يبعث أسيادنا المسؤولون الكبار بسائقيهم الخاصين أو بخادمات بيوتهم أو يتصلون بواسطة هواتف المصالح التي يسهرون على تسيير شؤونها يطلبون حصتهم اليومية من اللحم ومن غير أن يدفعوا ولو فلسا واحدا...
التفت القاضي إلى مستشاريه...أشار إلى القضاء الواقف الذي ترك مكانه والتحق بهم...قربوا رؤوسهم...آذانهم من بعضهم البعض...همس فيهم... إليهم السيد القاضي:
ـــ واش حتى انتم شبعتو لحم ؟ !!!!!!!!!!!!
البروج
في
04/07/2010
تعليق