..............
كنت مقيماً حديث العهد بها, وبساكنيها الذين استقبلوني بالماء والطعام , وأوجدوا لي المأوى والعشيرة ..
مازلت أذكر يوم دخولي تلك القرية .. حالي كحال أي نازح جديد نزل ببلدٍ يقصد فيه الزوج والعيش الحلال ..
الليلة الأولى , قضيتها مع والد سعد على جسر القرية, كنت منسجماً لحديثه ومن فرط طيبته وليونته, نسيت أني غريب عن البلد يومها, وهو يحاسب على المشروبات وكرسي المعسل قال لي :
مازلت أذكر يوم دخولي تلك القرية .. حالي كحال أي نازح جديد نزل ببلدٍ يقصد فيه الزوج والعيش الحلال ..
الليلة الأولى , قضيتها مع والد سعد على جسر القرية, كنت منسجماً لحديثه ومن فرط طيبته وليونته, نسيت أني غريب عن البلد يومها, وهو يحاسب على المشروبات وكرسي المعسل قال لي :
ـ خلينا أهلك ولا تخجل إن نقص عنك شئ , خبط على الباب وادخل بلا تردد .. كلنا في خدمتك .
خفت حدة القلق التي رافقتني منذ أن وطأت أرضهم , تفتت كلس الخوف الذي اعتراني وبدأت البشائر تهل .. أشعرني كلامه بالطمأنينة , بل وزاد اطمئناني لما أخبرني أنه سيصطحبني معه لأساعده في شغل البحيرة , ورزقي ورزقه على الله .
منذ تلك اللحظة وأنا أتحين أي فرصة لرد الجميل .
وجاءت الفرصة بخروج سعد من حبسه , صحيح أنها مناسبة وانتظرتها, لكن لم أتمناها في تلك الظروف , كنت أعد العدة لردها في فرح بنت من بناته , أو ليلة زفاف سعد , أو على الأقل يوم تخرجه .
دبرت مبلغاً كنت أدخره كل جمعة من أجرتي, تحسباً لأي ظرف .. والآن أعتقد أني لست بحاجة لادخاره ومن اللائق أن أبدي شيئاً من الواجب .
بالمندرة البحرية حالي كحال باقي الضيوف الذين جاءوا لمواساة الرجل, ومباركة عودة سعد , فالخارج من تحت يدي ممدوح سالم, مولود!
وكم سمعت عنه وعن أساليبه القذرة في تعذيب المقبوض عليهم .. وأول ما خطر ببالي أن أنظر إلى أظافره .. قالوا أنهم في سجون أمن الدولة يخلعون أظافر المتهم وينقطون مكانها على اللحم المدمي بشمعة مشتعلة .. وبعد إصبع أو إصبعين على أعلى تقدير ينهار المتهم ويفقد أعصابه .. هذا إن لم تقف عضلة قلبه .. ويحدث له أمراً من اثنين :
منذ تلك اللحظة وأنا أتحين أي فرصة لرد الجميل .
وجاءت الفرصة بخروج سعد من حبسه , صحيح أنها مناسبة وانتظرتها, لكن لم أتمناها في تلك الظروف , كنت أعد العدة لردها في فرح بنت من بناته , أو ليلة زفاف سعد , أو على الأقل يوم تخرجه .
دبرت مبلغاً كنت أدخره كل جمعة من أجرتي, تحسباً لأي ظرف .. والآن أعتقد أني لست بحاجة لادخاره ومن اللائق أن أبدي شيئاً من الواجب .
بالمندرة البحرية حالي كحال باقي الضيوف الذين جاءوا لمواساة الرجل, ومباركة عودة سعد , فالخارج من تحت يدي ممدوح سالم, مولود!
وكم سمعت عنه وعن أساليبه القذرة في تعذيب المقبوض عليهم .. وأول ما خطر ببالي أن أنظر إلى أظافره .. قالوا أنهم في سجون أمن الدولة يخلعون أظافر المتهم وينقطون مكانها على اللحم المدمي بشمعة مشتعلة .. وبعد إصبع أو إصبعين على أعلى تقدير ينهار المتهم ويفقد أعصابه .. هذا إن لم تقف عضلة قلبه .. ويحدث له أمراً من اثنين :
يعترف على نفسه بالتنظيم المخالف لأمن الدولة ,
أو يوقع على عريضة لا تخلو من جرائم التحرش والاغتصاب .!
أو يوقع على عريضة لا تخلو من جرائم التحرش والاغتصاب .!
هذا ما سمعته من الناس ويبقى التأكيد أو التكذيب عند سعد حينما تنفك عقدة لسانه ويحكي لنا ما جرى وعلى أي عريضة ترك توقيعه ؟!
لكن كانت أصابعه سليمة .. طول الوقت يفركها ويفرقعها, لا تبدو عليها آثار كي أو تعذيب .. فقط كان أصفر الوجه .. صامتاً لا يتحدث .. تطل من عينيه الزائغتين ألف سكة وسكة للهروب من تساؤلات الحاضرين .. وبين الحين والحين تبتل هذه السكك بدموعه التي حاول كتمانها قدر المستطاع كلما تلاقت نظراته بنظرات والده المنكسرة .. فأدركت أن التعذيب كان داخلياً لا علاقة له بالشمع ولا بالأظافر , ورأيت من الأفضل أن أفض الحديث وأستأذن كإشارة للضيوف بالانصراف .. :
لكن كانت أصابعه سليمة .. طول الوقت يفركها ويفرقعها, لا تبدو عليها آثار كي أو تعذيب .. فقط كان أصفر الوجه .. صامتاً لا يتحدث .. تطل من عينيه الزائغتين ألف سكة وسكة للهروب من تساؤلات الحاضرين .. وبين الحين والحين تبتل هذه السكك بدموعه التي حاول كتمانها قدر المستطاع كلما تلاقت نظراته بنظرات والده المنكسرة .. فأدركت أن التعذيب كان داخلياً لا علاقة له بالشمع ولا بالأظافر , ورأيت من الأفضل أن أفض الحديث وأستأذن كإشارة للضيوف بالانصراف .. :
ـ أستأذنكم يا جماعة والحمد لله على سلامتك يا بو السعود .
ـ خذنا معاك .
ـ سلام عليكم .
ـ خذنا معاك .
ـ سلام عليكم .
وبينما نحن منصرفون وبيننا والد سعد يشكر ناسه و وذويه , استوقفني بضغطة من يده ـ أي انتظر ـ فتقاعست خلفهم متظاهراً بالانشغال في ربط الحذاء , ثم استدرت إلى مقعدي استجابةً لإلحاحه , وكانت أجفانه لا تزال متورمة وأحداقها كحبة الفراولة المطبوخة , يطل منها حديث طويل تتخلله علامات استفهام وفواصل .
قرأت سطور وجهه وأنا على ثقةٍ من صحة المكتوب .. أو على الأقل فتكهني أقرب إلى الصواب حتى ولو خمنت ثلاثة أرباعه .
ظل يجمع الكلمات في فمه مرة ويمضغها مرات .. أحسسته ينتقي صيغة مناسبة لمقدمة لا تجرح مشاعري .. نعم .. صعب عليه أن ينطقها والكلمة بجد ثقيلة كالرصاص .. حارقة إن انصهر .. وبخاصة على الرجال الذين ذاقوا أوجاع الظهر وتيبست فقراتهم في أم أمشير القارص ..
أحسك يا أبا سعد وأشفق عليك من وقع الحديث , فمثلك ما لم يفضفض قتله الكتمان , وإن فضفض خرجت كلماته كرابيجا ملتوية حول الرقاب .. تندفع كحمم تشوي الوجوه ..
الكلمة جاثمة على صدرك يا أبا سعد ستطبقه .. لكن سأوفر عليك وأهون ثقلها , سأساعدك في انتقاء الصيغة التي ترضيك قبل أن يخضع لها قراري بالرحيل إن أحببت .. !
كان سعد ممدداً على الكنبة المقابلة .. يغط في نوم عميق .. وهذا ما بان من شخيره المسموع , يعلو صدره وينزل كالمرتبة الأسفنجية إن تقافز فوقها طفل لعوب ..
فجأة ينتفض وتبرق عيناه فيستدير إلينا قائلاً :
قرأت سطور وجهه وأنا على ثقةٍ من صحة المكتوب .. أو على الأقل فتكهني أقرب إلى الصواب حتى ولو خمنت ثلاثة أرباعه .
ظل يجمع الكلمات في فمه مرة ويمضغها مرات .. أحسسته ينتقي صيغة مناسبة لمقدمة لا تجرح مشاعري .. نعم .. صعب عليه أن ينطقها والكلمة بجد ثقيلة كالرصاص .. حارقة إن انصهر .. وبخاصة على الرجال الذين ذاقوا أوجاع الظهر وتيبست فقراتهم في أم أمشير القارص ..
أحسك يا أبا سعد وأشفق عليك من وقع الحديث , فمثلك ما لم يفضفض قتله الكتمان , وإن فضفض خرجت كلماته كرابيجا ملتوية حول الرقاب .. تندفع كحمم تشوي الوجوه ..
الكلمة جاثمة على صدرك يا أبا سعد ستطبقه .. لكن سأوفر عليك وأهون ثقلها , سأساعدك في انتقاء الصيغة التي ترضيك قبل أن يخضع لها قراري بالرحيل إن أحببت .. !
كان سعد ممدداً على الكنبة المقابلة .. يغط في نوم عميق .. وهذا ما بان من شخيره المسموع , يعلو صدره وينزل كالمرتبة الأسفنجية إن تقافز فوقها طفل لعوب ..
فجأة ينتفض وتبرق عيناه فيستدير إلينا قائلاً :
ـ كنت هغرق .. كنت هغرق !
وتبدأ أولى ثورات البركان .. تنفجر شهقة مريرة من صدر الرجل , ودون تحكماً مني أبادله سراً شهقات أثخن .. وبيني وبين نفسي أتعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. ثم أقوم أغطيه , وأفرد بجانبه وسائد صغيرة تصده من الحواف كالمعيل الصغير ..
خمدت ثورة البركان , لكن بقيت توابعه تنذر بالقادم .. ارتكز الرجل على ساعده الملاصق لي وأخيراً مال أكثر وتحرر من أسر سكاته :
خمدت ثورة البركان , لكن بقيت توابعه تنذر بالقادم .. ارتكز الرجل على ساعده الملاصق لي وأخيراً مال أكثر وتحرر من أسر سكاته :
ـ إبراهيم ! .. أعرفك تمتاز بالعقل .. اسمعني كويس !!
تعليق