في المقهى.!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مرمر القاسم
    عضو الملتقى
    • 08-09-2009
    • 106

    في المقهى.!


    كنتُ أعتقد دوماً بأن الأماكن الضيّقة تضيّقُ الخناق على الأفكار و تحجب المفردات عن القلم ,
    ما أن استيقظت حتى قررت أن أمضي باحثةً عنه ذلك اليوم , و أتفرس بغداد في عينيه , فمنذ اللحظة الأولى لوصولي إلى ذلك المقهى تآمرت الأقدار معه ضدي ,
    كانت بي رغبة جارفة في أن أقتل شوقي للعراق به و هذا القلب لا يتوقف لحظة واحدة عن إرسال تعليماته البائسة , لكن ...
    كانت في عينيه السوداوين المعبّرتين نظرات محمومة و ألم عميق , تحدثان عن وعيه الكامل بما يدور حوله و بأنه كان يعتمد على رجال متلونين وثق بهم حتى وصل إلى موقف صعب مه الإستمرار , عينان تجيدان التحدي دون مبرر أحياناً مما يجعل العلاقة أكثر تعقيدا و إرهاقا ,

    تجمدت سنواتي أمامي و ليس في قلبها تغيير , رأسي خاوية و أفكاري هاربة , أحسستُ بالذهول من نفسي حين وجدتها تحسب الدم المتدفق في العروق , و دخان السجائر المتذمر من قسوة المكان , تلك الحقيقة التي أصابتني بالشلل التام , حيث كنت أتلاشى و أذوب في أعماقي محاولة إخفاء حقيقة ما أشعر به نحوه , و رغماً عني أخذتني أفكاري إلى منحى بعيداً و وحيداً و أكتشفت غبائي بعد أن غادرت المكان , و شعرت بألم الإنسلاخ الذي لا يعادله ألم.
    مع كل رشفه للقهوة كانت تتسع مسامي لاستقبال ضحكته و ذبذبات صوته المُعذَب , لكن كتلة من الذعر في أعماق الظلمة القاتمة المرصوصة مثل أحجار الشوارع القديمة ملأت الطاولة الخمرية رعباً,
    و ثبتنا الذعر في المكان , و العجيب أننا نغرق في الخيالات اللامنطقية لنشمت من أنفسنا قبل أن يوبخنا أحد, فحين تُعَهّر الروح تفزر النفس أشياء غريبة مقززة و يصير الفكر مخبولاً بتأثيرٍ من القرف مما يدور حولك, كما تشعر و كأن من حولك يتبادلون نظرات السخرية , و هم لا يشعرون بأننا نتأوه من الألم و بأن نظراتهم الساخرة تنهشنا , لكنه كان يعتصر الألم بصمت و كبرياء لم أرَ مثله قط , يال كبرياء هذا الرجل .
    كنا ندير حواراً يوحدنا فيه الخجل و قلوبنا هدها التعب و غطى الشحوب على وجوهنا التي بدأت تتآكل مع الزمن ,و نشعر بالتلاشي و الذوبان حتى الإختفاء , و الحروف الموجعة تسقط مترنحة على طاولة الجراح,
    نصارع واقعاً مليئاً بالمآسي كي نستعيد شيئاً من الصمود و الرفض بوجه الإنكسار ,
    و في النهاية نبتسم مدّعين الفرح , ’!

    إن هذا الرجل بقدر ما أثار إستغرابي فإنه أثار شهيتي أيضاً ,و حضوره الذي يبعث الشجن و يملء الفراغ ,أسكن فيّ احساسا حميميا و أنا أتجول في عينيه و حلمي يلهو بي ,ولطالما تمنيت شرب قهوتي بصحبة رجل عراقي ,و كنت أتخيل أيّ قدر كنت سأساق اليه برفقته و أنا اعلم جيداً كم هو حجم شوقي لقطرة عاطفة نقية ,
    أختصر خزائن الحب الفاخرة بالقوافي ,و صمت البوح على مرافئ القلب ,بعثرني الحنين لأرضه و لا أذكر أين أضعت بوصلتي و توقفت عن الكلام ,لأستقبل همساته العذبة و أنصت لأنفاسه التي حملتني إلى بلاد الرافدين ,

    كبلني حضوره لأتغلغل في أعماق المستحيل و أصاب بعقم يعانق الحلم,و رعشة الخوف تنتحر على جسد الحكاية كي لا تهرم في قلبي الأشواق و لا تشيخ,فتحتضر الكلمات في حضوره,
    أيها الرجل كم بحثت عنك في تجاويف الحرف فوجدتك نبضاً يتوهج وينمو في وريدي و أشواقي تزحف نحو عينيك بعذاب كاد يغتالها ,و الوهم الضامر الشديد الإغواء كان يفضح أفكاري ,
    فكم تمنيت الإلتصاق بك و أن لا أنفصل عنك أبداً,كي أستمد منك الطمأنينة و الدفء ,و أمارس الحب المجنون و اللامنطقي معك دون أن أبالي , و لتعود ابتسامتي و حيوية صوتي ,فتلك لحظات أتوق لها بأعماقي,و لا أتحسّر على شيء سوى على هذا الحب الذي لم يتحقق.

    لكن ..هل كنتُ عاشقة حقاً.؟!
    كنتُ أعيش بحالة لهاث لحدوث شيء مميز يكون قادراً على امتصاص زخم أفكاري و عواطفي المحبوسة في قمقم الصمت,جعل روحي تلتهب بهوى المغامرات, و لأبرر لنفسي هذا الجنون الإقتحامي
    حاولت جمع الأفكار فتوالدت في الخيال لذة معتقة بالحب,
    أجمل ما حدث لي مع هذا الرجل أنه لم يكن عليّ تبديل ملامحي أو أن أتمثل القناع الذي يتوجب عليّ في مواجهة أيّ رجل آخر...
    حضوره يفتح الشهية للحب و الحياة كما يوقظ الغرائز التي أسقطت في غيبوبة طويلة ,
    و بين هذا الرجل و نظرات الشك ممن حولي , كنتُ أُحسُ باللامبالاة من نظراتهم ,و قلبي يشتعل و يندفع نحوه , أحسستُ بأنه إنتمائي ,و أنه قادرٌ على تغيير حياتي و شعور بالإمتنان أقرب منه للحب ,
    و في اللحظات الأخيرة كانت تتقاذفنا المشاعر المتناقضة و الفرح مرهقٌ حد التعب , نتأرجح بين قلب يخفق بالحب و واقع ينادي بالرحيل,تحاصرنا الإنفعالات المتضاربة و حبالُ الشوق المثقلة بقصيدة ,
    و روحٌ تتألم من مهزلة و خبث المدينة.

    و....حان موعد السفر....
    [COLOR="DarkSlateBlue"][SIZE="3"][CENTER]لايكفي أن تطرق باب الإنسانية لتحس بمجيئها نحوك , عليك أن تخطو تجاهها و التوقف عن الاختباء خلف الزمن,[/CENTER][/SIZE][/COLOR]
  • يسري راغب
    أديب وكاتب
    • 22-07-2008
    • 6247

    #2
    في المقهى
    خلف الحدود الخضراء
    كنت اتطلع اليه
    باحثة عن قرابة بابل لكنعان
    الوذ بهويتي في عينيه
    وانتمي الى لهفتي
    فاتوسد الشواطيء
    واراسل السحاب
    لعلني اجد مكانا لي بجانبه
    ربما يكون المقهى ملاذ
    وربما اكون انا ليلاه
    ------------------------------
    الاديبة القديرة
    مرمر
    بكل العناوين
    قرات هنا قصة قصيرة رائعة بلاغة وفصاحة واسلوبا وسردا
    من الذات الى الذات
    من حيفا الى بغداد
    قلم محترف في صياغة الكلمات
    تقديري التام والكامل وكل المودة

    تعليق

    • سالم العامري
      أديب وكاتب
      • 14-03-2010
      • 773

      #3

      الله....
      مثل هذه الكلمات تشرع الروح قطرة في نزيف المتاه،
      وتستفز غواية الحرف خطوة على قارعة لا تفضي إلى أين....
      ولن أطيل....
      وما عساي أقول غير "شكراً" لو تفي شكراً لحرف هتكت
      جفونه ببراءة الحلم حجب الرحيل إلى غد لا يجيء....
      أحسنت أختي الكريمة مرمر القاسم، وتحية تليق بقلم خط
      هذه الكلمات....
      لك صادق ودي والامنيات

      سالم



      إذا الشِعرُ لم يهْزُزْكَ عند سماعهِ
      فليس جديراً أن يُـقـالَ لهُ شِــعْــرُ




      تعليق

      • مرمر القاسم
        عضو الملتقى
        • 08-09-2009
        • 106

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة يسري راغب مشاهدة المشاركة
        في المقهى
        خلف الحدود الخضراء
        كنت اتطلع اليه
        باحثة عن قرابة بابل لكنعان
        الوذ بهويتي في عينيه
        وانتمي الى لهفتي
        فاتوسد الشواطيء
        واراسل السحاب
        لعلني اجد مكانا لي بجانبه
        ربما يكون المقهى ملاذ
        وربما اكون انا ليلاه
        ------------------------------
        الاديبة القديرة
        مرمر
        بكل العناوين
        قرات هنا قصة قصيرة رائعة بلاغة وفصاحة واسلوبا وسردا
        من الذات الى الذات
        من حيفا الى بغداد
        قلم محترف في صياغة الكلمات
        تقديري التام والكامل وكل المودة
        في المقهى كان حضوره الثائر
        في المقهى وجدتني و بعد ان غادرت اضعتني مرة أخرى
        شكرا له و شكرا لمرورك الأكثر من رائع

        احترامي
        [COLOR="DarkSlateBlue"][SIZE="3"][CENTER]لايكفي أن تطرق باب الإنسانية لتحس بمجيئها نحوك , عليك أن تخطو تجاهها و التوقف عن الاختباء خلف الزمن,[/CENTER][/SIZE][/COLOR]

        تعليق

        • محمد زكريا
          أديب وكاتب
          • 15-12-2009
          • 2289

          #5
          الله الله الله يامرمر
          وكأنكِ ترسمين هنا لوحة بديعة
          صدقيني لو قلتُ لكِ بأنني عشت تفاصيل هذا المكان وكأنه قد سكنني ذات مرة !
          \\
          ذات ضجر قمت بكتابةِ نص مختزل يشابهُ فكرة هذا النص بشكلٍ كبير قد أسميته محطة للتناسي والنسيان
          النص هنا أقرب للتخاطر القصصي أو فصل من فصول رواية جميلة بديعة مثيرة
          \\
          قرأت ببعض المقاطع أفكاراً أوردتها مستغانمي بفوضى الحواس
          وتخيلت ماجدة تغني لنزار ((الجريدة ))
          وحين حان موعد السفر ..وجدتُ نفسي أدندن
          ((غاب في الزحام ..مخلفا وراءه الجريدة وحيدة ..مثلي أنا وحيدة ))
          \\
          مرمر القاسم
          تمتلكين موهبة فذة ياسيدتي ..باستطاعكِ أن تجعلي هذا النص فصل لرواية..و أنا واثق بأنكِ قادرة أن تكملينها بحبكة وحنكة ومهنية رهيبة
          \\
          شكراً لأنكِ تكتبين يامرمر
          شكراً وجداً سيدتي
          \\
          خمس نجوم يستحقها النص وبجدارة
          نحن الذين ارتمينا على حافة الخرائط ، كحجارة ملقاة في مكان ما ،لايأبه بها تلسكوب الأرض
          ولاأقمار الفضاء
          .


          https://www.facebook.com/mohamad.zakariya

          تعليق

          • سهير الشريم
            زهرة تشرين
            • 21-11-2009
            • 2142

            #6
            القديرة / مرمر القاسم

            بدأت أقرأ ومن ثم التهمت عيوني الحروف بسرعة .. كان ذات ذائقة مختلفة .. حيث تحلقت بها الأحاسيس إلى صميم الوجدان .. فلبدت النفس ساكنة بين أحد حروفها ..
            كنت باذخة بحق يا مرمر .. تستحقين اسمك بعمق ..

            دعي اليراع يتحدث فحديثه حلو المذاق زكي الشهية .. رائق الفؤاد ..
            أبدعتي

            كنت هنااا وزهر

            تعليق

            • مرمر القاسم
              عضو الملتقى
              • 08-09-2009
              • 106

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة سالم العامري مشاهدة المشاركة

              الله....
              مثل هذه الكلمات تشرع الروح قطرة في نزيف المتاه،
              وتستفز غواية الحرف خطوة على قارعة لا تفضي إلى أين....
              ولن أطيل....
              وما عساي أقول غير "شكراً" لو تفي شكراً لحرف هتكت
              جفونه ببراءة الحلم حجب الرحيل إلى غد لا يجيء....
              أحسنت أختي الكريمة مرمر القاسم، وتحية تليق بقلم خط
              هذه الكلمات....
              لك صادق ودي والامنيات

              سالم
              لم نجد الطريق الذي علينا الدخول منه لإنقاذنا
              وكان لقاءً قصيرا لم يوصلنا الى اليقين
              طريقنا ضيق و عالمنا مخيف
              هكذا قرر حكامنا أن نلتقي
              في محطات ,لا نملك حق البقاء أو الرحيل,

              مرحبا بأستاذي ..و شكراً لمرورك

              احترامي
              [COLOR="DarkSlateBlue"][SIZE="3"][CENTER]لايكفي أن تطرق باب الإنسانية لتحس بمجيئها نحوك , عليك أن تخطو تجاهها و التوقف عن الاختباء خلف الزمن,[/CENTER][/SIZE][/COLOR]

              تعليق

              • بلال عبد الناصر
                أديب وكاتب
                • 22-10-2008
                • 2076

                #8
                كــ اسمكْ هو النص هنا ...

                فـ شكراً لكِ ...

                تقديري و أكثر .

                تعليق

                يعمل...
                X