الكاتب الساخر: سخرية الموقف، أم سخرية الشخص
ربما شاهد أكثرنا مسرحيات ساخرة (كوميدية)، وراح يغرق في الضحك، ويعود الى منزله وهو رائق النفس، منفرج الأسارير، مرتاح البال.
يقول الفلاسفة أن الضحك خاصة الإنسان، يتميز فيها عما سواه، وسببه هو إدراك الشيء الغريب مما يدفع الى التعجب فالضحك ... لهذا يقول المثل العربي المشهور: (الضحك بلا سبب من قلة الأدب)، فلا بد إذن من اطلاع الضاحك على ما يستغرب منه، ويكون سبباً لإثارة هذا الفعل، وإلا عدّ ذلك سفهاً.
وفي المسرحيات الساخرة التي أشرنا إليها، يكون سبب ضحك الجمهور لإحدى حالتين:
1. سخرية الموقف: والذي يحاول الممثل (الكوميدي) أن ينقل من خلاله فكرة للمجتمع بأسلوب ساخر، مما يثير فيهم التفكير على ارتياح ودون جهد وتعقيد وتشنجات لإيصال الفكرة، فيكون بعمله هذا قد ضرب عصفورين بحجر واحد كما يقولون، فهو بالإضافة الى أنه أشعرهم بالارتياح لسخرية الطرح الذي يحمل النفس على الاستغراب والضحك، قد أوصل إليهم أيضاً مضمون فكرة سلبية (ولو بنظره) أراد معالجتها أمام جمهور عريض، وبأسلوب مرضٍ لهم. وحينها يكون هذا الممثل البارع مصلحاً اجتماعياً (ولو بنظر فئة ما تتبنى طرحه) بأسلوب ساخر.
2. سخرية الشخص: والذي يكون معه الممثل (الكوميدي) عبارة عن ضُحْكَة (مهرّج) يقوم بالتصرفات الصبيانية، والحركات الغريبة التي تثير استغراب الجمهور فضحكهم، وفي حقيقة الأمر، فمثل هذا الممثل هو شخص قد فقد احترامه لنفسه، وراح يتخذ من إضحاك الناس عليه مهنة، ويالها من مهنة وضيعة تثير الشفقة عليه والاشمئزاز منه في ذات الوقت من قبل العقلاء، وربما كانت مرضاً نفسياً أو عقدة اجتماعية يعاني منها هذا الممثل فتجعله باحثاً عن محاولة إلفات النظر إليه بأية طريقة، حباً بالشهرة ولو على حساب كرامته.
إن هاتين الحالتين اللتين تعرضان على طريقة تمثيل الممثل الساخر، تعرضان أيضاً على طريقة الكاتب الساخر، والذي اتخذ من السخرية في الكتابة أسلوباً لتناول المواضيع التي يكتب عنها.
فقد يتخذ من السخرية شكلاً لطرح مواضيع تعالج مشاكل اجتماعية أو سياسية ونحوهما، فيثير في نفس القارئ استغراباً حول المسائل السلبية ليضحك منها ساخراً فيثير في نفسه الاشمئزاز منها والرفض لها.
والحالة الأخرى أن يكشف من خلال أسلوبه الساخر نفسيته غير الرفيعة باعتبار أن كل نص مكتوب يمثل انعكاساً لنفسية الكاتب وتعبيراً مباشراً لشخصيته كما تشير الى ذلك المدرسة النفسية في النقد، فغاية ما يخرج به القارئ الواعي والمتابع الجاد من الموضوع المطروح هو السخرية من الكاتب نفسه بسبب أفكاره المطروحة والتي لا تحمل مضموناً شريفاً، ومن الأسلوب الصبياني الذي تناول به ذلك الموضوع.
فهل عرف الكاتب الساخر وظيفته في الكتابة؟
تعليق