مراة وجه أمي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سناء شدال
    أديب وكاتب
    • 06-07-2010
    • 6

    مراة وجه أمي

    مرآة وجه أمي - جزء 2 من قصة طويلة في مجموعتي القصصية " ابي...ليس له انياب"



    بلغت العشرين، قالت أمي: الرجال لا يشبهون أباك. الرجل ستر المرأة. هكذا علمتني فآمنت. أبي لم يكف عن ضرب أمي، ولم يكف عن الصراخ. كبرت يومًا بعد يوم على نفس المشهد، طرحة الصباح وطرحة المساء، زعيق وصراخ وسبٌّ وشتم ورائحة الحانة هي نفسها. أمي صحراء قاحلة. أمي لم تكن صامتة، كانت تلعن في سرها وتبكي على صدري. أمي ألن تكفي عن البكاء؟ ألن تصرخي في وجهه؟ إنك تخنقينني. أمي تقول بأني لا أفهم شيئًا. أمي تسدُّ فمي بشهقتها المستسلمة. أمي جعلت مني خرقة بالية تجفف بها جراحها، تضغط على صدري كي لا أصرخ، وإن صرخت؟؟ لم أحاول يومًا. كنت فقط أسمع وأتفرج، ثم أدوِّن كل شيء على سطح البيت. أمي تقول: السطح بارد، انزلي وإلاّ ستمرضين. السطح دافئ أمي، أكثر من برودة البيت. سطح جيراننا الجدد لهيب يحرقني، عيون أحمد الذي في السطح تقتلني، ولفائف التبغ التي تحترق على شفتيه آاااه، لما هذا الشغف بالسطوح؟ هذا ما أنا عليه، وإن لم يرق لك الوضع فالشارع أعرض من هذا البيت، سمعت أبي يقول ذلك. علمت بأن فوضى أخرى قادمة، وليل طويل آخر لا ينتهي. أحمد جنون آخر، يعشق السطح والشمعة وحيائي. أحمد يقترب من سور السطح ليهمس لي بالكلام. أحمد يكتب الكلام فقط، ولا أسمعه. أبي يُكسِّرُ الأواني وأثاث البيت. أبي يُعيِّر أمي بالقحـ... المتعفنة، ولأول مرة أمي تلوك شذرات من أغنية رديئة. أمي بدون كلمات وبدون لحن أيضًا. أحمد يقترب وقلبي يزداد خفقانًا. أحمد حطم السور وأشعل السيجارة الرابعة. أحمد بطلي أمي. أحمد قفز السور لأجلي. بطلي يجيد الرّقص والهمس والضّغط على الشفاه. أرجوك أبي أن تستمر في الغناء عاليًا كي أسمع همس أحمد. اصرخ عاليًا لأغتال السيجارة الرابعة لأحمد. اصرخ عاليًا لأنتشي من حلاوة شفتيه. اصرخ ليمسح أحمد البرد عن أضلعي. اصرخ عاليًا فحياة أخرى قادمة من صراخك. صمت. أبي صفع الباب. أبي حين يخرج يصفع الباب بقوة. الباب يستعرُّ من أبي. أمي لا تفعل. أمي تنثر ضحكتها التائهة في البيت. تصمت، ثم تبدأ بلوك أغنيتها الرديئة من جديد. وأحمد؟؟؟ مع صفعة الباب طار أحمد. أنا وأحمد لم نكمل السيجارة الرابعة. عاد أحمد إلى سطح الجيران بصمت. نزلت. نزول السلالم عملية قاسية. وصوت أمي شرخ في وتر البيت. أمي تتجاهل الغضب في عيني دائمًا. أمي تتغابى بذكاء. أمي ثلاجة متعفنة. أمي طيف، شرخ، بقايا، أغنية، صنم، دموع، عاهة، خواااااء كل شيء إلاّ أمي. أمي عادة سيئة تعلمتها بالفطرة. أغضب، فتقول: أنت لا تفهمين يا بنت. بل أفهم. أمي، أريد مرآة امرأة لا تتكسر في وجهي، لم أجد وجهًا، أين وجهي؟؟ أين المرآة؟ أمي أرجوك، أريد فقط مرآة امرأة لأقابل حبيبي أحمد.
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    سناء شندال
    يا إلهي كم أذهلني هذا التمرد
    إنه ثورة ولاشك
    نص موغل بالشجن حد النخاع
    ثورة عارمة بين السطور
    أشفقت على تلك الأم فهي نتيجة أم قبلها
    هي ضريبة تدفعها النساء لأننا تربينا على أن نسكت على الظلم
    نص رائع
    هناك بعض الهنات عزيزتي تلافيها
    صححي بقراءة النص مرة أخرى
    وبودي أن أقرأ لك أكثر لأتعرف علي أكثر
    فالأديب مرآة أفكاره
    ودي الأكيد لك

    الخلاص
    وفاء لم يكد ْيدلف البيت, حتى تناهت أصوات القادمين لسمعها, وطرقعة الأسلحة, تدوّي حولها, تقرع أجراس الخطر, فبان الهلع, على قسمات وجهها الحزين: - اهرب قصي, سيقتلونك, اسرع أمسك يدها, يسحبها - معي وفاء, لنهرب معاً, سيقطّعونك بدلا عني, سيعذبونك, حتى الموت. - لن يفعلوا, سأشاغلهم, فقط اسرع قبل أن يقتحموا الباب. حمل سلاحه, قفز
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • إيمان الدرع
      نائب ملتقى القصة
      • 09-02-2010
      • 3576

      #3
      الأستاذة سناء شدال:
      كثيرات من النساء يحتجن مرآتك التي تبحثين عنها
      المرآة الصادقة ،التي تبحث عن فضاء أوسع
      والتي تشبهك..تناغم روحك
      كم مللنا هذه الأقنعة العفنة..
      مللناها حدّ الغثيان
      الرفض صار عالياً لم يعد مكتوماً..
      لقد توارثت المرأة عبر العصور قهرها..
      وصار لزاماً عليها أن تصدّع هذه القوالب الجامدة التي تحجب الضياء عن هامتها...
      وأن يكون الرجل في حياتها واحة أمان، وحبّ كبير يحميها ولا يمتلكها..
      رأيت الألم الرافض بين سطورك لكلّ أصفاد الروح..التي تطالب بحقّ الحياة
      أحببت هذا النزق المتسارع الذي يعتلي حروفك ويدفعها دفعاً يحفّه التمرّد
      على كلّ شيء قبيح يهدر الإنسانيّة ويستبيحها بلا ثمن..
      أحببتُ نصّك ومرآتك..
      دُمتِ بسعادةٍ....تحيّاتي

      تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

      تعليق

      • محمد فطومي
        رئيس ملتقى فرعي
        • 05-06-2010
        • 2433

        #4

        جمال القصّة جاء فوق ما توقّعت أختي سناء شدال.
        ضيم بهذا الصّدق لا يُبعثَر إلاّ على هذا النّحو.
        أحببت القصّة.
        لي ملاحظة بسيطة بعد إذنك أختي الفاضلة :

        "..السطح دافئ أمي، أكثر من برودة البيت."
        ليتها وردت :"..السّطح أكثر دفئا من البيت ،أمّي"
        أو :"..السّطح أقلّ صقيعا من البيت ،أمّي"
        لجواز مقارنة الصّقيع بالصّقيع و الدفأ بالدفىء.

        أكرّر في الأخير إعجابي بالنصّ و أتمنّى لك أوقاتا طيّبة.
        مدوّنة

        فلكُ القصّة القصيرة

        تعليق

        • سناء شدال
          أديب وكاتب
          • 06-07-2010
          • 6

          #5
          العزيزة عائده محمد نادر
          شكرا لمرورك الراقي على اول نشر لي بالمنتدى
          و شكرا مرة اخرى لتوغلك الجميل في النص

          تحياتي

          تعليق

          • سناء شدال
            أديب وكاتب
            • 06-07-2010
            • 6

            #6
            العزيزة ايمان
            اتحفتني قراتك للنص
            شكرا لمرورك العطر و دمت بود

            تحياتي لك

            تعليق

            • سناء شدال
              أديب وكاتب
              • 06-07-2010
              • 6

              #7
              محمد فطومي
              شكرا لك على المرورك العطر

              تعليق

              • صبري رسول
                أديب وكاتب
                • 25-05-2009
                • 647

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة سناء شدال مشاهدة المشاركة
                مرآة وجه أمي - جزء 2 من قصة طويلة في مجموعتي القصصية " ابي...ليس له انياب"



                بلغت العشرين، قالت أمي: الرجال لا يشبهون أباك. الرجل ستر المرأة. هكذا علمتني فآمنت. أبي لم يكف عن ضرب أمي، ولم يكف عن الصراخ. كبرت يومًا بعد يوم على نفس المشهد، طرحة الصباح وطرحة المساء، زعيق وصراخ وسبٌّ وشتم ورائحة الحانة هي نفسها. أمي صحراء قاحلة. أمي لم تكن صامتة، كانت تلعن في سرها وتبكي على صدري. أمي ألن تكفي عن البكاء؟ ألن تصرخي في وجهه؟ إنك تخنقينني. أمي تقول بأني لا أفهم شيئًا. أمي تسدُّ فمي بشهقتها المستسلمة. أمي جعلت مني خرقة بالية تجفف بها جراحها، تضغط على صدري كي لا أصرخ، وإن صرخت؟؟ لم أحاول يومًا. كنت فقط أسمع وأتفرج، ثم أدوِّن كل شيء على سطح البيت. أمي تقول: السطح بارد، انزلي وإلاّ ستمرضين. السطح دافئ أمي، أكثر من برودة البيت. سطح جيراننا الجدد لهيب يحرقني، عيون أحمد الذي في السطح تقتلني، ولفائف التبغ التي تحترق على شفتيه آاااه، لما هذا الشغف بالسطوح؟ هذا ما أنا عليه، وإن لم يرق لك الوضع فالشارع أعرض من هذا البيت، سمعت أبي يقول ذلك. علمت بأن فوضى أخرى قادمة، وليل طويل آخر لا ينتهي. أحمد جنون آخر، يعشق السطح والشمعة وحيائي. أحمد يقترب من سور السطح ليهمس لي بالكلام. أحمد يكتب الكلام فقط، ولا أسمعه. أبي يُكسِّرُ الأواني وأثاث البيت. أبي يُعيِّر أمي بالقحـ... المتعفنة، ولأول مرة أمي تلوك شذرات من أغنية رديئة. أمي بدون كلمات وبدون لحن أيضًا. أحمد يقترب وقلبي يزداد خفقانًا. أحمد حطم السور وأشعل السيجارة الرابعة. أحمد بطلي أمي. أحمد قفز السور لأجلي. بطلي يجيد الرّقص والهمس والضّغط على الشفاه. أرجوك أبي أن تستمر في الغناء عاليًا كي أسمع همس أحمد. اصرخ عاليًا لأغتال السيجارة الرابعة لأحمد. اصرخ عاليًا لأنتشي من حلاوة شفتيه. اصرخ ليمسح أحمد البرد عن أضلعي. اصرخ عاليًا فحياة أخرى قادمة من صراخك. صمت. أبي صفع الباب. أبي حين يخرج يصفع الباب بقوة. الباب يستعرُّ من أبي. أمي لا تفعل. أمي تنثر ضحكتها التائهة في البيت. تصمت، ثم تبدأ بلوك أغنيتها الرديئة من جديد. وأحمد؟؟؟ مع صفعة الباب طار أحمد. أنا وأحمد لم نكمل السيجارة الرابعة. عاد أحمد إلى سطح الجيران بصمت. نزلت. نزول السلالم عملية قاسية. وصوت أمي شرخ في وتر البيت. أمي تتجاهل الغضب في عيني دائمًا. أمي تتغابى بذكاء. أمي ثلاجة متعفنة. أمي طيف، شرخ، بقايا، أغنية، صنم، دموع، عاهة، خواااااء كل شيء إلاّ أمي. أمي عادة سيئة تعلمتها بالفطرة. أغضب، فتقول: أنت لا تفهمين يا بنت. بل أفهم. أمي، أريد مرآة امرأة لا تتكسر في وجهي، لم أجد وجهًا، أين وجهي؟؟ أين المرآة؟ أمي أرجوك، أريد فقط مرآة امرأة لأقابل حبيبي أحمد.
                العزيزة سناء شدال
                قصّة ممتعة: سرداً ولغة وفكرة
                اللغة القصصية أضفت، إلى جانب التشويق، متعةً فنية
                والفكرة وصلتْ للقارئ بكلّ أريحية
                شكراً لجمال الكلمة

                تعليق

                يعمل...
                X