رواية /ممرات الانتظار ..شوق حارق الحلقات 13-14-15-16-17-18-19-120-21-22-23

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ازدهار الانصارى
    عضو أساسي
    • 17-07-2009
    • 504

    رواية /ممرات الانتظار ..شوق حارق الحلقات 13-14-15-16-17-18-19-120-21-22-23


    -13-
    تبتهج كطفلة حين تجده مقبلا عليها بابتسامته الرائعة, وأحضانه المشرعة لاحتوائها.. تعيش معه الأمل والحلم بغد قادم, يحمل الكثير من الحب والحياة.. لهفتها تسبقها اليه.. فيرتبك حبا وشوقا.. يحتوي جنونها بجنون أكبر وأعمق.. تصر على أنه أجمل هدية منحتها لها الحياة.. ويؤكد أنه ما خُلق إلا لها..
    تتظافر العذوبة في اللقاء.. تملأ الكون من حولهما بالأمل في غد أجمل.. يعيشان هدوء الشوق وجنونه بألفة رائعة ودفء.. كلاهما يعطي ما يستطيع للأخر, فتزداد هياما به وشوقا اليه،لكنها..! تتعثر في مربكات القدر التي تحاول أن تغلق آفاق الغد.. يستبدلان الحلم بالواقع لكنه واقع مختلف واقع ليس كالحلم..!!
    -أعترف لك أن حبك كالدم يسري في عروقي..هو غذاء روحي وارتواء عطشي.. أسكن في حناياك لأنسى الماضي بأيامه المتعبات.. وأتجاوز القهر والألم. لتكون أنت مملكتي التي لا يضاهيها الماس جمالا..
    - رائع أنت بحبك حبيبي.. لا أدري متى بدأت أحبك..!
    ولا أدري كيف عشقتك..! ولا أين وجدتك..! لا أدري سوى أني أحبك أنت.. أنت حلم عمري الذي ما عدت أعيشه إلا لأجلك.. هل في قلبك مكان للسر إذاً. اقترب أعطني أذنك..همست بسحر:
    - أحبك.. أين كنت حبيبي.. أوجعت روحي في انتظارك..؟
    - سبق وأخبرتك, لا تنتظري لماذا تؤلميني..؟
    - أيهما يؤلمك انتظاري أم وحدتي..؟
    - غريبة أنت أبدا لا تفهمين..
    - وماذا افهم..؟
    - عليك أن تعرفي أن ظروفي ليست كلها مواتية للقاء.. وأني حين أكون قادرا فستجدينني معك..لذا إغلقي باب الانتظار..
    كيف أغلقه وأنا أتوقع مجيئك في أية لحظة أنت لم تخبرني أنك لن تأتي..
    - واجهتني ظروف منعتني من المجيء والاتصال..
    - لو أنك جئت ولم تجدني ألن تغضب..؟
    - لن أغضب, ولماذا الغضب يجب تحكيم العقل في مثل هذه الأمور..
    - وكيف أحكمه وقد أصابه الهذيان والقلق..
    -قلتها لك مئات المرات لا تخنقيني أعطني فسحة هواء لتنفس, لا تكوني كالطوق حول عنقي..
    - هل أصبحت الآن طوقا, وكنت قبل هذا مساحات الدفء وعطائه... ما الذي انكسر لعلي استطيع جبره..!!
    - لا تهولي الأمور لا شيء تغير فقط أنت لحوحة..
    - أها وأصبحت لحوحة أيضا..!
    - لا تقفي على الكلمات فأنا لا أقصد وتعرفين كم أحبك..
    - نعم أعرف لكنك لم تعد تعرف..!
    - أعرف ماذا..؟
    قالت: أن الخوف يترصدني ويكاد يفتك بي..
    - لخوف ممَ؟
    - أن حبك ابتدأ يفتر وشوقك لم يعد كالسابق و..
    - كل هذا لأني لم أحضر لقاءنا أمس..!!!!
    - لا ليس هكذا.. لكنه الخوف أن أجدك يوما تحلق بعيدا عني, وحينها سأذوي كما الشمعة..
    - وإذاً..!
    - يرعبني ذلك المشهد ويميتني..
    - لا تذكري الموت حتى لو كان لفظا لا تذكريه لك..
    -تخاف عليّ..!
    - أحبك مجنونتي..

    -14-
    يظل ذات التساؤل يطاردها.. متى..؟
    آه شيء ما يحترق في الداخل.. لهيب من نار حامية يطلقها القلب شوقا وتوقا ولهفة وسؤال حارق.. متى..؟
    تعودت أن تراه كل ليلة.. يمضيان الوقت في حديث مختلف.. كلاهما مختلف والظروف تتشابه في اختلاف غريب.. تعودت أن تحلم به فتنمو في وجدانها جذور جورية حمراء قانية.. بعطر من الياسمين الجبلي.. تعودت أن تراه فيتمثل أمامها شاخصا بابتسامة ساحرة تصهرها في خلاياه فتشرق شمس دافئة تذيب حواف الجليد الذي يتكوّم فوق سنوات عمرها الذاوي, فتصبح أكثر ألقا وتألقا.. أدمنت وجوده معها فهامت في حب مختلف.. تارة تحبه كوليد يحتاج منها الى الرعاية والحنان.. أخرى تشعره سندا وحماية واحتواء وأمان..!!
    وتارة أخرى تتبعثر في حناياه فلا يتبقى منها سوى نبضات قلب يعيش الأمل القادم.. ولكن!
    يظل يراوح مكانه السؤال متى؟
    متى نلتقي حبيبي..!!!. أحسك حبيبي بعيدا على الرغم من قربك.. أحسك مغتربا على الرغم أنك هنا في الوطن..قال:
    - آه حبيبتي الاغتراب في الوطن أفظع مما لو كان بعيدا عنه..
    - ما بك حبيبي.. لماذا استنشق عبير دموعك بين الكلمات..؟
    - إنها دموع يبتل بها الفؤاد كي ترطب جفاف الروح حين تصبح بلا وطن..
    - حبيبي ألست أنا وطنك.. ألست سكنك.. لم كل هذا الأسى..؟
    هو ليس حزنا.. هو إحباط تولده الظروف القاهرة التي نعيشها.. تخيلي كيف أني لا أستطيع أن أراك.. أتحسسك حقيقة..!
    - نعم حبيبي معك حق.. فخيبتنا تزداد عنفا يوما بعد أخر.. ولكن هل بيدنا تغيير القدر..؟
    - القدر لا.. لكننا نستطيع في الأقل التظلم والانتفاضة والتمرد والعصيان على جملة الأخطاء التي تسحقنا دون ان تنظر الى قيمة الانسان..
    - حاولت التمرد, وأعلنت ثورتي على الظلم فوجدتني حبيبي خارجة بلا أرض تلمني, ولا سماء تحميني, وجدتني حبيبي خارج حدود الأزمنة والأمكنة أجتر خيباتي المتلاحقة..
    - لا تحزني يا عشقي الكبير.. لا تتألمي يا حبي الاخير فكلانا في الهم شرق.. ويكفينا أننا معا على الرغم من كل شيء..
    - نعم حبيبي نحن معا فاسند ظهري بقوتك وضمني بين أحضانك.. وكن قريبا مني حبيبي..
    - نعم أيتها الغالية سأكون أبدا معك فقط كوني بخير
    -نعم حبيبي لأجلك سأظل هادئة استنشق عبق أنفاسك.. وأعيش لك.. لك أنت فقط
    - أيتها الوطن والسكن أحبك..
    -15-
    اشتاقت لسماع صوته.. شعرت بحرقة في روحها تدفعها الى الاتصال.. تصيبها حالة من الاحتراق.. الشوق يشعل براكين انتظارها فتعلن التمرد على الوقت.. تتصل.. يرن الهاتف.. ومع كل رنة يتساقط نبضها أرضا.. لا يرد... تفقد الوعي وتجهش ببكاء أعمى..!!!
    خواطر زهقت منها الروح.. تلاعبت بالنفس كيفما شاءت.. حالة من القهر.. لماذا لا يسمع صدى بكائها..؟؟؟؟
    معه حق فقد أخلفت موعدها معه لظروف قاهرة.. تظل تصرخ
    -لماذا لم تعد ترد علي..؟؟ ألا تعلم أني أموت لو ابتعدت عني.. بربك قل لي.. لماذا
    تشعر بدوار يخترق الرأس والقلب.. تتساقط رويدا.. رويدا.. سيارة الإسعاف تصل بعد جهد مخترقة زحام الشوارع لتحمل جثة امرأة مازالت تناضل وتقاوم للبقاء على قيد الحياة..!!!
    هناك.. تحت الأجهزة المختلفة سجي جسد منهك متهالك أسرعوا في إمداده بسبل الحياة والقلب يتوقف.. لاشيء محدد في الذهن لا بل هناك صدمة ما وسؤال يلح بعنف..لماذا؟ تتقاطر أشرطة الذكريات.. أذرع ممتدة لالتقاط الروح والاحتفاء بها.. بعض ابتسامات ترسل إشعاعات نور هيا اقتربي أكثر.. وجمهرة دموع تتوسل عدم الرحيل..
    يعود القلب للخفقان بحزن.. في خضم تلك الغيبوبة تصدر الروح أنينا متقطعا وتنثال الدموع موجوعة والجسد مسجى فوق السرير..
    أصوات غريبة.. أحبة ينظرون الى لحظة الوداع بألم، والعقل ينتظر ذات اللحظة برغبة عارمة للانفلات من سجن الحياة.. تتماهى كل الأشكال والوجوه.. وجه يظهر بين الضلوع, وجه شديد التألم والبكاء يمسك بطرف القلب يهزه كي يتحرك.. القلب رفات أصابه البرد فتجلد.. الرغبة في الحياة أعلنت انسحابها واستسلمت كل الأعضاء.. سقوط من أسفل.. وصعود الى الهاوية هناك عند بوابة الزمن المجهول كل المجاهيل معلومة إلا جسدي كان غريبا وسط الأحبة جسد خلا من بعض أحشائه المريضة والقلب مازال متوقفا..
    أصوات تتعالى " بسرعة إبرة إنعاش للقلب.. بسرعة جهاز تنشيط الدورة الدموية الجسد يتجلد العروق يخترقها اليباس " وتظل الدموع وحدها تشير الى وجود بعض حياة.. من هم هؤلاء..؟ لماذا يبكون لا اعرفهم.. دعوني ارحل رفعت رايتي البيضاء واستسلمت دعوني ارحل, ففي الرحيل نهاية للانتظار والشك والقهر والألم.. آه الألم نعم أشد بشاعة من الموت..!
    الموت بدء جديد ونقطة في أول السطر.. نبض عقيم يتمسك بالقلب ووجدان تكسرت فيه المشاعر.. إحباط.. صدمات.. أوجاع.. متتاليات لا تنتهي.. إلي بالرحيل لتنتهي الرحلة في آخر المحطات.. يعلن القلب انه مازال مهترئا ينتظر..!! جحود ونكران وقسوة.. محطات.. محطات تصغر وتصغر وتضمحل ليبقى القلب وحده عالقا في نفق مظلم بانتظار الرحيل..! تتناثر عبر الذاكرة المشوشة المتوترة أشباح مرت أمام ناظريها.. دموع وصراخ وانهيارات خلفتها مرارة الاحتلال, ووجع القلب المنهك بتشابه سلم الحياة هناك وهنا وبين بين..!!
    - 16 -
    حين التقيا تلك الليلة كانت أحلام شاردة الفكر, دامعة العنين كان يؤلمه رؤيتها تبكي تساءل:
    -حبيبتي ما بك! ما سر دموعك وشرودك؟
    - آه حبيبي انه الألم الذي يصر على مواجهتنا بصلافة وقهر..
    - حبيبتي ما الامر احك لي؟
    - نعم حبيبي سأحكي لك قصة رجل من حينا لم يفق من صدمة حتى وقع في أخرى سأحكي لك حكايته كلها.
    في الأيام الماضية دأب على ممارسة عمله بنشاط كبير وحيوية كان يشعر أنها غادرته نتيجة كبر السن, او لعله واقع البلد المضني بمتاهاته المختلفة, غير أنه في أحدى اللحظات قرر أن يعيد حساباته ويبدأ حياته المليئة بالمفاجآت والصدف المختلفة بتخطيط أكثر دراية ودقة..
    في ذلك الصباح وهو يخرج من بيته مصطحبا معه ولده البكر, وليد ليتشرب مهنة أبيه وجده لم يدر بخلده نوع الأحداث التي ستواجهه.. لعله كان يحسب حسابا للزحام الذي يملأ الطرق وصعوبة الوصول الى محل عمله..!
    لعله كان يفكر بأن الناس وعلى الرغم من الأسى الذي يعيش بينهم إلا أنهم قرروا ان لا يتركوا الابتسامة والفرح، لذا فهم مازالوا يفرحون في أعراسهم ويشترون كل حسب إمكاناته لوازم العرس والفرح.. وكان اليوم موعدا لتسليم غرفة نوم عروس وعليه أن يصل مبكرا كي يكمل بعض أشياء ناقصة, ومن بينها التشطيبات النهائية فهم مستعجلون جدا على تزويج ولدهم لكي يأتي الحفيد سريعا، ذلك الامتداد الذي سيبقى أبدا أشجار مثمرة في زمن الجدب.. بعد لأي وجهد، وطرقات مليئة بدبابات الاحتلال ومدرعاته التي تغلق الشوارع كي تمر قوافل المحتلين وصل الى محل عمله, لم تكن هذه الصورة تفارق ذهنه على الرغم من تأكده أن لن يصيبه إلا ما كتبه الله لكنه!
    في ذلك اليوم كان شديد القلق, ولا يعرف مبررا جديدا لقلقه سوى ما يعرف.. دخل محله وأرسل ولده لجلب الشاي من المقهى القريب, وحين عاد الولد وهو شاب يافع في السابعة عشرة من عمره الى المحل حاملا صينية الأكواب وبراد الشاي, سأله والده عما سيقوم به من عمل, وطلب إليه أن يهتم بالزبائن القادمين ريثما يشرب شايه وسيجارته التي لا تفارق شفتيه على الإطلاق..
    كان نجارا ما هرا وعمله متقن على الدوام, والزبائن تأتيه من كل حدب وصوب لأمانته ودقته في العمل والمواعيد.. ذهب الولد لمتابعة العمل وجلس ساكنا محدقا في ثلة من الشباب.. دخلوا الشارع وهم يحملون أسلحة خفيفة في أحزمتهم.. داخله خوف شديد ورعب وتساءل بين نفسه:
    - ترى على من أتى الدور اليوم?
    وقفت العصابة أمام محله فترك الشاي وذهب يستطلع الامر، ووجدهم يسألون عن رجل يعمل قريبا منهم يسألون الشاب وليد الذي قرر أن لا يرد إلا بكلمة لا أعرف أو لا أدري.. وحين وصل إليهم راح يسألهم عن بغيتهم وماذا يريدون من الرجل حدجه أحدهم بنظرات شزرة وقال له:
    - أجبنا ولا تسأل ثم من أي الأديان أنت.. ومن أي المذاهب..؟؟
    أصابه هلع شديد, ونظر الى ولده الواقف بجانبه صامتا ينتظر رد أبيه وأجابهم:
    -أنا مسلم..
    فرد عليه ذات الشخص:
    -نعم ومن أي المذاهب أنت..؟
    أصر على أن لا يجيب سوى بأنه مسلم فقط..!! نظر أفراد العصابة بعضهم البعض وغادروا المحل.. حينها أ حس الرجل براحة يتخللها خوف رهيب عميق.. وعاد الى استكمال العمل الذي كان مقررا موعده اليوم ومضى النهار وهو غارق وولده في العمل حتى أنّ تناولهم لطعام الغداء كان سريعا, ولم يأخذ قسط الراحة الذي تعوده طوال حياته في هذا العمل..
    قبل لحظات الغروب بقليل حضر العريس صاحب الغرفة وأعجب أيما أعجاب بالعمل المتقن الذي قام به الرجل, وفي أثناء تحميل الأغراض في سيارة النقل عادت ثلة العصابة وكان في المحل ما لا يقل عن سبعة أشخاص.. أما هو فكان جالسا عند طاولة في أقصى مكان من المحل، وولده وعاملين والعريس ومع آخرين يحمّلون الأثاث الى السيارة وفي طرفة عين انهال إطلاق الرصاص على المحل ويا للهول...!!!!!
    فاجعة..!!!
    كان يحاول الوقوف والوصول الى مكان المجزرة التي حدثت في محله وهو فيه, ولم يصبه خدش حتى كان أمرا صعبا.. قدماه لم تكن لتسعفه وهو يطلق العنان لصوته صارخا..
    - وليد ولدي..!!!
    كان بعض الضحايا قد اسلم الروح فورا, وكان وليد ساقطا على الأرض ينزف دمه القاني بغزارة مازال حيا, خرج الأب الى الناس الذين تجمهروا وهم يضربون كفا بكف على المجزرة التي حدثت ,وبعضهم يحمل الجرحى وهو يصرخ:
    - خذوني معكم ابني وليد ابني..!!!
    في الطريق الى المستشفى كانت روح وليد قد ارتدت حلة الشهداء ويدا بيد مع العريس تم زفافهما الى السماء..
    أنهت أحلام حكايتها ونظرت الى احمد الذي غرق وجهه بالدموع.. قال:
    - كلنا في الهم شرق لا تحزني حبيبتي هم أحياء عند ربهم يرزقون لابد للغد ان يأتي وحينها تنفرج السماء بشمس ساطعة ناصعة
    تنهدت أحلام قائلة:
    -لابد اذا من الانتظار ولكن حتى متى.. حتى.. متى..
    -17-
    قال لها الطبيب: ا
    - احذري, فأنت قاب قوسين أو أدنى من الموت
    قالت لأحمد:
    - وضعي الصحي يسوء لا ادري ما افعل..
    جن أحمد:
    - أنا السبب في تعبك.. كيف أنسَ انك مريضة حين يتملكني شيطان الغيرة الأعمى..
    تؤكد له:
    - لا حبيبي ليس أنت.. أنت عبق الحياة, أنت الهواء الذي أتنفس.. أنت بقائي لا تقل هذا مجددا ولأجلك حبيبي سأظل أقاوم لن أسمح للموت أن يقترب مني.. سأعاركه بقوة ولكن كن معي كن قريبا..كي أعيشك كي أتنفسك يا حبة القلب ومهجة الروح وعمق الوجدان.. احبك.. أحلامك عاشقتك مخلصتك الى الأبد..
    - آآآه حبيبتي يا مرفأي وسكني ومرساي الاخير, يا حبي الكبير دوما أنا معك, سامحي جنوني لو تطاول في لحظات الغيرة, سامحيه كوني بخير, هل نسيت أمنياتنا في اللقاء وأمنياتنا بتحقيق الأمان والوصول اليه والحصول على السلام, كي نعيش أخيرا ونحقق أحلامنا.. أحلامي أنت رائعتي راقيتي الحبيبة الغالية.. الصبورة التي تحتملني حين افقد إحساسي بذاتي..
    -احبك يا أناي أحبك, يا كل الحب وكل الحياة يا كلي وأغلى من حياتي..
    تسرح أحلام.. يتساءل احمد ما بالك حبيبتي
    تؤكد له ان لاشيء ويؤكد لها ان قلبه يشعر بها.. تقول:
    - بغداد تحتضر.. تقتلها أياد خفية.. تقتلع قلبها وتفقأ عينيها.. موت مجاني على الأرصفة.. لعبة تعود الى الساحات، وعلى أبواب رمضان، تبكي الأمهات الثكالى .. تنوح الأرامل على أزواج كانوا السند والحب والعافية.. ويصرخ أيتام أين بيوتنا..؟ أين أمهاتنا..؟؟ من ذبح من..؟؟
    القصف لا ينتهي وقتل الروح لا يغتفر.. بين الأنقاض تبحث الأم عن الرضيع الذي ألقمته ثديها قبل قليل.. هاهي تجد قطعة من ملابسه..!
    تظل تنفش الأنقاض والأحجار بقلب مات منذ زمن.. وعينان ذابلتان..!!
    تبحث عن الرضيع الذي رماه عصف الانفجار في الهاوية.. تبكي الدموع دما قانيا.. تتوجع الأجساد.. ممتهن أنت أيها المسكين لا قيمة لك في زمن أخرق.. تحتضر بغداد..تحكي هلوسات من نيران موقدة في الروح..!
    النواح يزداد.. كل البيوت تعلن الحداد.. الموت مجاني.. يقتلون تحت مختلف المسميات.. الموت يزداد شراسة.. التفجيرات تتوزع في الأمكنة كلها والزمن واحد.. الساعة صفر..!! ورمضان يدق الأبواب الصدئة..!!
    تحتكم أحلام الى الله.. ليس إلا هو من ينقذهم من قذارة وسفالة أكلة لحوم البشر.. لكنها لن تموت مازالت هناك أمنيات, وأحلام على الرغم من العفن الذي يترصد نفوسا بريئة تبدأ مشوار الحياة.. ستظل تحكي وتحكي في انتظار الزمن القادم..!!
    فقأوا عينيها..! استباحوا جسدها..! اقتلعوا قلبها..! حاولوا اغتصاب الروح, لكنها ما تزال تنوح وتحكي بكل اللغات.. لعل كلمة ما تصل يوما نحو البدء
    ***
    في صباح اليوم التالي كان الحي كله خامدا تحت وطأة وثقل انتشار الجنود في أركانه..
    كانت تتابع بوجع جارها المسكين الذي يحاول الخروج الى عمله..
    لكن الجيش يسد كل المنافذ..
    البيوت تنام كقبور باردة والصباح هو أحد صباحات رمضان..
    - أرجوك أخي لابد ان اذهب الأن إنه وقت دوامي.. لا أحد يرحم لو تأخرت
    - ابتعد وعد الى منزلك إياك أن تغادره..!!
    يتصل صادق بأحد الزملاء:
    -المنطقة محاطة بالجيش ولا يسمحون لنا بالمغادرة ما العمل..؟
    على الطرف الآخر صوت المدير:
    - قل له ان لم يأت فسيخصم من راتبه الشهري, لا موانع للقدوم إنما هي حجج واهية..!!
    يقسم صادق أنه صادق في ما يقول.. لكن المدير يصر هو الآخر على قطع مرتبه
    يتوسل اليه:
    - لدي عائلة والعيد قادم والمرتب لا يكفي للمعيشة فكيف تخصم منه أرجوك سيدي المدير لا تفعل سأحاول إقناع الجيش بالمجيء
    يتوسل صادق الى الضابط:
    - سيدي سيقطعون راتبي إن لم أذهب.. ماذا أفعل ساعدني أنت؟؟؟
    يرق له قلب الضابط ويسمح له بالخروج ولكن!
    قبل ذلك لابد من خروج العائلة من البيت
    - سيدي لماذا؟؟
    يبتسم الضابط وعلامات الحزن بادية على وجهه...
    - أخي أرجوك ابتعد بعائلتك من هنا واخلِ البيت فورا بجواركم عبوّة ناسفة..!
    ينسى العمل وقطع الراتب والمدير ويهرول ساعيا لإخراج أهله من البيت..
    هناك صوت انفجار عاصف يهز المنطقة في الشارع الآخر.. وصادق يحمل أطفاله ويسحب أمه المقعدة للخروج من البيت..
    الساعة الآن هي الثانية عشرة ظهرا.. يصل صادق منهكا الى العمل ويفاجأ بتغييبه لذلك اليوم.. يجلس منهكا واضعا رأسه بين كفيه صوت انفجار آخر يهز الجدران..!
    صوت قادم اليه من البعيد..
    - قم بني لا تيأس من رحمة الله
    - قلق أنا على عائلتي وبيتي الذي قد ينهبه المتسللون..
    وفوق هذا مغيب عن العمل والراتب لا يصمد عدة أيام قليلة من الشهر والإيجار والقهر والاحتلال والحصة التموينية التي لم يبق منها شيء لم يقتطع..
    يضرب الرجل كفا بكف يصرخ صادق.. حسبي الله ونعم الوكيل.. تتصل زوجته.. الأطفال يبكون يريدون العودة الى البيت.. يقولون انه تم تفكيك العبوة فلماذا لا نعود..
    -عزيزتي ومن يضمن لنا عدم وجود مفخخة بدل العبوة..؟؟؟؟؟؟
    -18-
    وتظل أحلام تستمع الى الحكايات وهي ترقد فوق سرير المرض، تستمع الى شكاوى النساء وبكائهن ونواحهن في زياراتهن المتواصلة, بعد ان فقدت قدرتها على الحركة وحيث لم يعد في هذه الأرض غير النواح والشكوى..
    قالت المرأة:
    - قررت الهجرة والابتعاد.. لم تعد لي قدرة على الاحتمال..
    طاقتي انتهت وملّ الصبر من صبري.. تلوك القلب حسرات الفراق وتوجع الروح مساحات مظلمة ما بين السراب والعتمة تدور.. أدرك ان الوقت قد حان لانفلات بعيد.. العودة حيث اللا مكان جزء من الزمن المتاح..
    تسرح أحلام تطالعها قطتها بحذر..!!
    - هل نويت الهجرة فعلا..؟
    - الى أين يا أحلام..؟ مازال هناك حديث لم ينته بعد.. تعرف أن الأحاديث والحكايات لا تنتهي.. لكنها مصابة الآن بخيبة كسائر الخيبات التي مرت..!
    لم تعد حكاياتها تثير الفرح.. تمضغها آهات الألم المتصل.. عليها أن تغادر لعل في هجرتها نبع أخر جديد تنبض منه الحكايات.. تبحث عن سبيل للقاء أحمد لكن الطرق كلها محاطة بالعسس من كل مكان.. تمد يدها اليه عبر المديات لعله يأخذ بيدها نحو عالم سماوي بهي لا قتال فيه.. لا دمار.. لا خراب..!! عالم يحمل في جنباته أريج الحب والسلام..
    القطة تحاورها:
    - هلمي إليّ عودي حيثما التقينا هناك أول مرة..!!
    -لا أملك سبيلا للذهاب.. الطرق مغلقة أمامي.. الدروب عليها عسس محتل.. أبحث عن سبيل لهجرتي.. أبحث عن سلام بين الحطام.. أبحث عن درب يوصلني ولكن..!
    -هناك أمل بالوصول دائما لا تيأسي مازال المشوار طويلا.. استنهضي قوتك في زمن الخذلان والتيه..!
    - هاأنذا أستنهضها لتعلن على الملأ أن الخير قادم ولاشك.. وأن الشمس مشرقة ولا ريب.. الأمل برعم صغير مازال يمتد جذورا.. ويحلق بجناحين يغلفهما زغب العصافير نعم هاأنذا قادمة الى هناك.. ولكن! حين أجد الطريق لن أقول وداعا.. مد يدك احمد ضمني أليك, احتوي عبراتي, احتويني لعلنا نلمس الواقع..
    حبيبي لم اعد احتمل الانتظار..
    -19-

    تلك الليلة كانت أحلام تهذي.. متعبة منهكة من استغلال المرض لجسدها, ومن شغف الروح بتحقيق حلمها وأمنيتها في اللقاء بأحمد, حبيب العمر والروح الذي يسكن عمق وجدانها وكل كيانها.. مرهقة من أجواء تعيش فيها مجبرة مقهورة في بلد كان أروع البلاد وهاهو يرزح تحت الاحتلال والاغتصاب.. ووجدت نفسها تحكي وتحكي قصتها لأحمد من الألف الى الياء
    ".. ا اذكر أني كنت طفلة يوما.. أظنني خلقت هكذا.. لم أكن طفلة مدللة.. ولم املك أن أغير قدري..!! لكني كنت أحلم..! طموحات كثيرة وأمنيات لا تتعدى الروح تنسج خيوط أمل قد يأتي ذات يوم..!! ويتحقق فيه الحلم..!
    كنت أرى الأطفال يلعبون بالدمى يتراكضون.. يتضاحكون.. لم يكن لدي دمية لألعب معهم.. كنت كبيرة في السابعة..!! لا يسمح لي باللعب..! علي كثير من المهام..!! كنت استغل بعض الوقت لأهرب منهم..!!
    أمام بيتنا سكة يمر عليها القطار.. كنت أضع أذني عليها كي أسمع صوت القطار وهو قادم.. لعله يحملني يوما في إحدى العربات، مهاجرة الى عالم آخر عالم يسكن أحلامي وتسكنه..!! مجرد أحلام أكبر فتكبر معي..!!"
    ينصت أحمد بكليته أليها متسمرة نظراته على ملامح وجهها.. يشعل السيجارة تلو الأخرى في إصغاء تام الى أحلامه التي تقص حكايتها فيغرق في حبها وعشقها أكثر وأكثر اعترف.. أني حين كنت أنتظر القطار.. كنت أحلم أن يحمل لي معه بعض أمنيات.. شيء من الحب والحنان والدفء.. كنت أحب الشتاء لأنه الزمن الوحيد الذي تحتوينا فيه أمي.. كنا نتحلق حول المدفأة.. ونتابع البلوط وهو يحترق فوقها, كنا ننتظر ان نذوق حلاوته المرّة.. كنت أعشقها.. وأثناء ذلك كانت أمي تحكي لنا حكايات عن السحرة والمردة.. وعن بنت السلطان بدر البدور التي عشقت حسن الحمّال.. أصغي بشغف.. وحين تكمل الحكاية نذهب الى النوم قسرا.. كانت تحتضن اختي الصغرى التي تبكي خوفا من العفاريت.. تحتضنها وتنام أختي الصغيرة في حجرها.. فأقول:
    - أمي أنا أيضا أخاف العفاريت..!
    فتقول لي:
    - لا.. أنت كبيرة..
    ".. وأذهب الى النوم وحدي في الظلام..أتحسس الطريق خوفا من العفاريت.. أدخل رأسي تحت اللحاف وأنا أرتجف من البرد والخوف معا.. أبكي بنشيج لا يسمعه أحد.. ثم أعود وأتذكر بنت السلطان وحسن الحمّال.. فيسرح خيالي بعيدا, وأرى أني صرت بدر البدور..في برج القصر أقف منتظرة أن يأتي حبي الجميل وينتشلني من سجن البرج.. وأروح أغط في أحلامي التي كانت هي كل ما أملك من وجودي..!!"

    -20-
    تظل أحلام منساقة في اعترافاتها كأنها تزيح عن كاهلها عبء زمن مضى, تاركا حلكته وظلامه وقهره فوق أكتافها, وفي حنايا روحها فتعترف إليه بصدقها وشفافيتها منذ التقيا..:
    أعيش لحظات عجيبة.. نواقيس وأجراس تدق في متاهات روحي فأجدني متأثرة بها، وغير عابئة بصدى ارتجاجاتها الذي لا يعطيني فسحة للتأمل.. اندفاع ورغبة جامحة لا أجد أمامها سوى الرضوخ.. تمنعني أشياء كثيرة عن التساؤل ما اذا كانت ستأخذني الى الجنة أم الجحيم..!
    الطفلة عادت للعبث.. مسها جنون الوقت والخوف من انسيابه منها، فراحت تجري في الأركان باحثة عن مكان اشد إيلاما لتقف عنده..!!
    عبثها يتعبني.. لكنه في ذات الوقت يمنحني بعض نشوة ونشاط.. أظنني افتقر إليهما.. غير أني أخاف توهجها, ولعلي لم اعد راغبة في كبح جماحها الآن, فربما في هذا التوهج الذي طرأ عليها.. تستعيد بعضا من العافية المفقودة!!.. لعلها تستمد بعض الدفء لتقاوم به البرد الذي ينخر عظامي..
    اعترف لك:
    -اشتقت أليك كثيرا فأرجوك لا تبتعد اكثر..!!!
    يبتسم أحمد فما يسمعه فعلا هو جنون طفلة حرمتها الأقدار ان تعيش كما يجب.. يتمنى لو يستطيع ان يحتضنها, لكن كيف وهما مازالا بانتظار لقاء يضمهما على الأرض مازالا حديثا عاشقا ومشاعر ملتهبة عبر الأثير.. كلاهما لا يستطيع الوصول الى الآخر..
    تكمل أحلام سرد حكايتها وأحمد يشعل السيجارة تلو الأخرى والحديث لا ينقطع.. يهامس احمد ذاته:
    " تأخذني مشاعري الى سنوات مضت.. زمن آخر أنا والبحر فيه عاشقين. قبالته أجلس تشدو في صدري ترانيم أمواجه الصاخبة يحتويني أفقه ومداه أنساب اليه كما تنساب مياهه في أمواجها أستكين لرغباته يملأني إحساس بالنقاء سعادة اللقاء تقتحمني..!
    تتسارع نبضات قلبي تزداد سخونة ومع هدهدة أمواجه أغفو.. تأخذني أليها لحظات السكون.. في قمة لحظات استكانتي يغضب فجأة..! يطويني هيجانه العنيف..!
    ينتابني رعب ورغبة في الفرار أحث نفسي بقوة لأبتعد لا ادري كيف ومتى وصلت الشاطيء انصبت نظراتي على صخب وعنف طوفانه الغريب, ازداد رهبة وخوفا أرتد راجعة أدراجي يؤلمني غدره وغضبه غير المبررين وأعد النفس على عدم العودة اليه لكني أبدا لا أنفذ وعدي ذلك أني لا أستطيع إلا أن أنزوي بين أمواج البحر.."
    ***
    يصرخ أحمد:
    - البحر يا احلام ياااااه هو صديقي الحكيم هو متنفسي كلما شعرت بالاختناق لولاه لا اعرف ما كان حلّ بي أنت أيضا عاشقة للبحر.. البحر يا أحلام عالم عميق جدا يأخذ بلبي كلما هزني الوقت وأوجعتني متاهاته.. تسهم قليلا ثم تقول:
    - كنت عاشقة للبحر لكني الآن عاشقة لك, لا سواك وان كنت أحب البحر إلا انك أنت عشقي الأبدي أحلامك عاشقتك مخلصتك الى الأبد
    يبتسم احمد ابتسامته الساحرة ويرجوها ان تكمل, لكن الصباح قد حان, وفي الصباح يفترق كلاهما الى عالم واقعه المفروض, مع وعد للقاء جديد في الليل يسهران بين القمر والنجوم

    -21-
    لم تنم لم تستطع النوم وراحت الى دفتر مذكراتها تعبث من جديد.. كتبت:
    " كان الأمس رهيبا.. متعبا.. بكل ما فيه.. أشعر بوجع وقهر يحتويني.. بكيت حتى بت أشعر أن لا فائدة من الدموع..!! صرخت.. حتى لم يعد لي صوت كي أصرخ به..!!
    كان حبيبي هنا مستمع مرهف الحس ولكن! لماذا أشعر بالاختناق..؟؟ أين أنت..؟ ترى هل تغيرت صورتي أمامك يا حبيبي بعد كل ما عرفته مني.. لا أظنك تفعل هذا, اشعر بتوق للقاء حقيقي بيننا لقد مللت الانتظار.. ومللت لحظاته المملوءة بالأمل الكاذب.. والرغبة الحارقة..!!
    أن الحروف صارت تئن وجعا وضجرا وقهرا.. أي زمن هذا وأي وقت.. عقيم يحتل الأمكنة حولي كيف الخلاص إذاً ومتى..؟؟؟؟؟
    أني على الرغم من جنوني بك.. ورغبتي الحارقة أن تكون معي بكل ذراتك.. أجدني خائفة من شيء ما يهدد حلمي يهددني بالإفاقة منه..!!!
    مازالت اللغة مستعصية عليّ وحتى أدرك مفرداتها أظل أقول لك:
    آآآآه حبيبي كم إشتقتك...!!!"

    -22-
    وتأتي لجان أخرى ويستمر المسلسل.. التعذيب.. واستئصال الأعضاء. .ولا جدوى.. تشعر أحلام بأنها تذوي مثل شمعة.. تحارب عدوا خفيا يسكن في أحشائها.. كائن لا تعرف من اين أتى واستقر هناك داخلها.. لم يعد لديها ما تستطيع به المتابعة.. وهل تجدي..! لا فائدة ترتجى يأتيها صوت أحمد من البعيد..!!
    ولكن لا يأس مع الحياة...فجأة يأتي الحل من السماء..
    ***
    - أمي تقول أن الطبيب يؤكد ان هناك أجراءً وحيداَ.. عملية استئصال وزرع.. آخر تداخل جراحي..! ستتحسن حالتك.. ستكونين بخير..
    - أنا بخير لا داعي للقلق..!
    يقول الطبيب:
    - ليس هناك إمكانية لإجراء العملية هنا.. هي فقط في الغرب الامريكي..!
    - وكيف لنا ان نصل هناك..!!!
    - الأمل ضعيف في تقبل أنسجة الجسم لزرع جديد..كما أنها مكلفة للغاية..
    اسقط في يدها.. ماذا تفعل..؟
    تجمع أوراقها.. تقاريرها.. تلجأ الى المنظمات الإنسانية مجددا..
    البلد في حالة انهيار تام.. وهي تبحث عن أمل وسط الركام.. وتمر الأيام الألم يزداد وحشية.. ولا رد.. تنتكس حالتها الصحية.. تفقد مقاومتها للحصار.. وتفقد القدرة على الاستمرار, واحمد يبذل جهدا خارقا في رفع معنوياتها ويطالبها بالصمود والمقاومة أكثر..
    يدافع بأقصى ما يستطيع من أجل حبه عشقه الاخير أحلامه.. بارقة أمل تلمع في الأجواء.. وأخيرا هناك من قرر احتواءها لإجراء آخر تداخل جراحي بنسبة 5 بالمائة..!
    يصر أحمد على الرفض يعلنها صراحة هو لا يريد أن يفقدها لا يريدها أن ترحل:
    - حبيبتي لا تجري هذه العملية قلبك لا يحتمل العملية خطرة لا أرجوك لا تفعلي..!
    -حبيبي لماذا لا أحاول لقد تعبت مللت من الألم أريد ان أعيش لأجلك..
    -التداخل الجراحي خطير جدا غاليتي, بل لا جدوى منه, صدقيني أرجوك قاومي المرض قاوميه, واقبليه كما هو تحديه بقوة الصبر والإرادة.. أحلامي الغالية يا شطر قلبي العاشق لا تجازفي..لا تغامري أتوسلك حبيبتي.. عديني انك لن تفعليها عديني غاليتي قلبك لا يحتمل هل نسيتِ لقاءنا المنتظر ماذا افعل دونك أنا..
    - حبيبي ليتني قادرة على إسعادك.. كم احبك أنا يا حب عمري وعشقي الأبدي.. سنرى ما بعد الفحوصات ما سيقرره الأطباء لا تقلق حبيبي لا تقلق..!!
    ***
    حين تأتي الموافقة.. يعلن الطبيب عدم إمكانية إجراء أي تداخل جراحي..القلب ضعيف لا يحتمل..الكائن الخبيث مازال ساكنا في مكانه ولم يمتد الى أماكن أخرى... اذا لا فائدة من التداخل الجراحي..
    ماذا ننتظر.. والألم العضال لا ينتهي.. أنها مشيئة الله.. قدر الله وما شاء فعل..!!
    يصر أحمد على أن حبيبته أحلام ستعيش, وسيلتقيان يوما قريبا على ارض الواقع فيلتئم شمل قلبيهما وروحيهما معا في لقاء لابد ان يأتي مع الغد المشرق الذي ينتظره العاشقان....
    -23 – الخاتمة
    غدا عام جديد.. نقطة في أول السطر.. أمنيات تحملها الريح وتطوف بها بين القلوب العاشقة فتهبها إلى الأرواح التي أوجعها الانتظار.. أمنيات بتحقيق الأحلام..
    في تلك الليلة ينزوي العاشقان أحمد وأحلام عبر ممرات الأثير, يلتقطان بشغف أحلامهما يودعان عام عشقهما الأول انتظاراً لشمس تشرق دافئة تملأهما بالأمل والرغبة في حياة جميلة تظل دوما ملتهبة ببركان عشق لا يهدأ..
    يشربان نخب الحب والأمان الذي تهفو إليه روحيهما.. يرسلان لبعضهما قلوب الحنان الذي يستنشقان عبيره من عبق الجوري والياسمين.. وهمس تسمع صداه كل النفوس العاشقة التي أنهكها الانتظار..
    قالت:
    - هل تعرف ماذا يعني قربك مني..؟
    - نعم أعرف فأنا أحسه.. وأحسك..!
    - وماذا تعرف.. ها.. اخبرني ما الذي تحسه..؟
    - قربك يعني أني امسك بزهر الجوري حيث يظل عبقه حاضرا كلما التقينا.. فتحتويني وتحتوي جنوني ليتفجر ساطعا كالشمس..
    - وماذا أيضا؟
    - قربك هو باقة يا سمين تنعش فكري وتجعل عقلي يتنفس بهدوء.. ماذا ترين الست محقا.. هل بت أفهمك وأستوعبك..؟
    - نعم ولكن مازال هناك الكثير..
    -وما هو.. أفيديني فأنت الأوعى..؟
    - لا حبيبي لست الأوعى ولكني امرأة عاشقة.. أحبك حدا لا يملك حدودا..لا حواجز تمنع انسيابه ولا قيود. أحبك بشكل مختلف لا يعيه الآخرون وربما لا يفهمونه..
    - نعم هيا أكملي..!!
    - أحبك يا كل أملي الذي به أمسك بتلابيب الحياة.. أحبك بلهفة تكاد تخترق ضلوعي صارخة بأنها تريدك.. أحبك في لا أزمنة ولا أمكنة تستطيع إيقاف مد الجنون الذي يكتنف هذا الحب.. أحبك أبداً..
    - أيتها الحبيبة الطيبة كوني قريبة مني كما أنت دوما, لا تبتعدي بعد أن ملكتِ شطر قلبي النابض بالحب والحنان, ولكن احذري مواجع عقلي..!!
    - كيف لي أن أحذر عقلك وهو يسيطر على فكري وعقلي ووجداني..؟ كيف لي أن لا أكون إلا أنت معك يا أنا.. حبيبي مخلصتك أبدا كن على ثقة من ذلك.. حبك سبيلي في الحياة بل هو كل الحياة..
    -أحبك أيتها الحمامة المسالمة كوني بخير من أجلي.. كوني بركانا ثائرا على الدوام كي تنعشي قلبي الذي لا يمكن له أن يستمر إلا بطوفان هذه المشاعر التي تحملين.. أحبك يا مخلصتي أحبك..
    - أعشقك فكن لي دفئا دائما أكن لك لهيبا مشتعلا ينير دربك ويضيء قلبك وعقلك بكل الحب الذي يملأني إليك..
    - إذاً حبيبتي الغالية..!!
    - هنا يا حبيبي أدرك شهرزاد الصباح لكنها لم تنم بعد هي ترتاح دوما كلما شعرت بعنفوان حبك وشوقك ولهفتك إليها.. سنغلق البوابة والنوافذ على هذا الهمس.. ولنترك قلبينا يتهامسان بعيدا عن العيون..!!
    ***
    استيقظت المدينة على هدير وقع انفجارات هائلة ، حين أطل الصباح كان الوجوم قد سيطر على الوجوه وهي تحمل نعش امرأة حاولت بالحب ان تعيش الحياة لم تكن تملك سوى أمنية وحيدة باللقاء .. في مقبرة الغرباء أنزل النعش الى مثواه الاخير .. وعبر المسافات والمديات كانت هناك نافذة تنتظر بشغف وخوف عودة أحلام التي قررت الرحيل دون وداع ..!!
    [CENTER][COLOR=purple]صرت لا أملك إلا أن أستنطق بقاياكِ [/COLOR][/CENTER]
    [CENTER][COLOR=purple][/COLOR] [/CENTER]
    [CENTER][COLOR=purple]لعلها تعيد إليّ بعض روحي [/COLOR][/CENTER]
    [CENTER][COLOR=purple][/COLOR] [/CENTER]
    [CENTER][COLOR=purple]التي هاجرت معك ..[/COLOR][/CENTER]
  • هادي زاهر
    أديب وكاتب
    • 30-08-2008
    • 824

    #2
    أختي الكاتبة الرائعة ازدهار الانصاري
    تصوير رائع يأخذنا معه بسهولة متناهية
    هل قدر شعبنا أن لا تكتمل فرحته ؟
    محبتي
    هادي زاهر
    " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

    تعليق

    يعمل...
    X