وكأنه الموج ينبثق من خطوي ليغسل قلبي بنسوة الفجر .. تساءلت في نفسي وبي بعض سعادة : هل البشر حقا هم الوجه الكئيب لهذا الكون النشيط السعيد ؟ وكانت على مرمى السؤال أشواك تلدغني طول الوقت .. وأنا في سفح الجبل لم يعد الزمن ذا معنى ، ركود فظيع يأكل هذه البقعة النائية من الكون ، إلا قلبي ، كانت حرائقه تلتهمني بدون رحمة ..
قدرت أن مصباحي الأعمش الذي أتحسس به الطريق الحجرية الصاعدة يبدو مهما وذا جدوى ، بينما أبدو تافها ومهرولا إلى ضعفي، تماما كتلك الأحجار الصغيرة المترامية التي ربما لفظتها الأرض يوما ما ، بعدما ضاقت بها ذرعا .. تأملت الطريق الصاعدة فبدت لي تشق جوف السماء، أنا صاعد نحو الله إذن ! أحسست أن الجبل فتح ذراعه ليحتضنني أو ليلتحم بي .. أنا قطعة شرعية منك ،همست في أذن الجبل العظيم .. حاولت استرجاع " زينب" و"أمينة"و "بشرى" وغيرهن ممن سوفن عاطفتي المشبوبة ، ولكن كنت أثقب سحنة الفجر ببصيرتي الهرمة التي ترى العالم بمنظار آخر، أنا الآن عفيف وغني وفي جعبتي الكثير من النضج والعقل .. والكآبة كذلك .. تذكرت عالما محاضرا كان يمجد الحياة ويدعو إلى تقبلها كما هي ، تلك الحياة التي انتشلتني في لحظة محسوبة من العدم .. وفي كل الأحوال العدم جميل لأنه لا يعرف الألم ، والحياة جميلة كذلك لأنها لا تستحق الألم .. حتى أن جدتي الأمية سخرت من العلم ذات يوم ، وكانت تقصد ذلك العلم الذي يتدخل في سيرورة الحياة ليضبطها ويصحح حركتها، الحياة في نظرها كانت وستزال مجالا طبيعيا لكل التناقضات، واللاترتيب والفوضى .. وكما قالت جدتي : إن الحياة بالضبط كالطفل ذي العامين، الذي يتعامل مع الأشياء بكامل الحرية وفي غياب الضوابط والإكراه والنظام الأحمق .. ما أجمل الحرية حين تمتزج بالبراءة، همست مقتنعا وأنا أصعد من خطوي المرتبك ..
تحتد أنفاسي على وقع المسير المنهك ، وبغتة يعود الموج من جديد ليغسل القلب المتورم بالصدأ والأدران .. تنط "نادية" في طريقي الموحش، بتنورتها الحمراء وابتسامتها اللازوردية ، ومن صدرها تفوح رائحة الخلود ، تذكرت أني وثقت فيها كثيرا، حتى آمنت أنها سر من أسرار وجودي أو ربما من أسرار خلودي .. آه .. للزمن ألاعيبه وللنفس حساباتها المنفلتة من الجكمة ، والحكمة لغة طبعا، واللغة برنامج من الإدراك والتجربة المستمرة .. ولن ينال الخلود فاقد الحكمة ..
حدست أني قطعت أغلب الطريق .. لذلك جلست ألتقط انفاسي المتمردة في صدري المهزوم، اللعنة.. ثمة أشياء في صدري ستقتلني ذات يوم ، أو ربما ستدفعني نحو المجد ، المجد هنا كشبع وجودي وليس كشهرة فارغة .. أطفأت مصباحي ، نظرت في السفح فتراءت لي خيالات أشجار تستحم في بركة من رضى القمر .. كانت عروشها تتهادى لترش أسماعي بسمفونية الفجر العظيم .. هكذا تكون الحياة أنت .. أو ما قررتها أن تكون .. أو لا تكون .. تشرحها في مختبر العمر وتنظرها بمنظارك .. هناك طبعا منظار برونق وربيع وماء ، وهناك أيضا منظار آخر بأوساخ وأدران وألوان قاتمة .. قلت في نفسي ملخصا كمن يعجل بإنهاء الموضوع : كل الهزائم هي في عقولنا فقط، وبسبب طريقة تفكيرنا الخاطئة .. وشرعت أغني لأحارب وحدتي الفادحة "مسافر زاده الخيال ... والحب والفن والظلال".. وكنت ظمآنا فعلا ..
لما وطأت قدمي قمة الجبل كنت منهكا ومرعوبا .. جلست تحت شجرة أو ما شابه ذلك و أشعلت سيجارة .. الخيوط البيضاء المتسللة من الأفق لم تفلح في طرد هذا الليل الثقيل .. في تلك اللحظة .. انتصبت رافعا يدي نحو السماء، أشعلت المصباح وأطفأته ثلاث مرات .. على الفور لمحت ضوءا مشابها يومض على مسافة غير بعيدة .. انتفض قلبي كطائر يصارع الموت ..قلت بصوت متحشرج : من هناك ؟ وكررتها بحذر .. ثم سمعت صوتها الرافل في غنج الأطفال يجيب بنبرة المرح : أنا لبنى أيها الرعديد .. حبيبتي لبنى ! قلت في لهفة وأنا أنط من فوق الأحجار التي كادت تدمي قدمي ..
قدرت أن مصباحي الأعمش الذي أتحسس به الطريق الحجرية الصاعدة يبدو مهما وذا جدوى ، بينما أبدو تافها ومهرولا إلى ضعفي، تماما كتلك الأحجار الصغيرة المترامية التي ربما لفظتها الأرض يوما ما ، بعدما ضاقت بها ذرعا .. تأملت الطريق الصاعدة فبدت لي تشق جوف السماء، أنا صاعد نحو الله إذن ! أحسست أن الجبل فتح ذراعه ليحتضنني أو ليلتحم بي .. أنا قطعة شرعية منك ،همست في أذن الجبل العظيم .. حاولت استرجاع " زينب" و"أمينة"و "بشرى" وغيرهن ممن سوفن عاطفتي المشبوبة ، ولكن كنت أثقب سحنة الفجر ببصيرتي الهرمة التي ترى العالم بمنظار آخر، أنا الآن عفيف وغني وفي جعبتي الكثير من النضج والعقل .. والكآبة كذلك .. تذكرت عالما محاضرا كان يمجد الحياة ويدعو إلى تقبلها كما هي ، تلك الحياة التي انتشلتني في لحظة محسوبة من العدم .. وفي كل الأحوال العدم جميل لأنه لا يعرف الألم ، والحياة جميلة كذلك لأنها لا تستحق الألم .. حتى أن جدتي الأمية سخرت من العلم ذات يوم ، وكانت تقصد ذلك العلم الذي يتدخل في سيرورة الحياة ليضبطها ويصحح حركتها، الحياة في نظرها كانت وستزال مجالا طبيعيا لكل التناقضات، واللاترتيب والفوضى .. وكما قالت جدتي : إن الحياة بالضبط كالطفل ذي العامين، الذي يتعامل مع الأشياء بكامل الحرية وفي غياب الضوابط والإكراه والنظام الأحمق .. ما أجمل الحرية حين تمتزج بالبراءة، همست مقتنعا وأنا أصعد من خطوي المرتبك ..
تحتد أنفاسي على وقع المسير المنهك ، وبغتة يعود الموج من جديد ليغسل القلب المتورم بالصدأ والأدران .. تنط "نادية" في طريقي الموحش، بتنورتها الحمراء وابتسامتها اللازوردية ، ومن صدرها تفوح رائحة الخلود ، تذكرت أني وثقت فيها كثيرا، حتى آمنت أنها سر من أسرار وجودي أو ربما من أسرار خلودي .. آه .. للزمن ألاعيبه وللنفس حساباتها المنفلتة من الجكمة ، والحكمة لغة طبعا، واللغة برنامج من الإدراك والتجربة المستمرة .. ولن ينال الخلود فاقد الحكمة ..
حدست أني قطعت أغلب الطريق .. لذلك جلست ألتقط انفاسي المتمردة في صدري المهزوم، اللعنة.. ثمة أشياء في صدري ستقتلني ذات يوم ، أو ربما ستدفعني نحو المجد ، المجد هنا كشبع وجودي وليس كشهرة فارغة .. أطفأت مصباحي ، نظرت في السفح فتراءت لي خيالات أشجار تستحم في بركة من رضى القمر .. كانت عروشها تتهادى لترش أسماعي بسمفونية الفجر العظيم .. هكذا تكون الحياة أنت .. أو ما قررتها أن تكون .. أو لا تكون .. تشرحها في مختبر العمر وتنظرها بمنظارك .. هناك طبعا منظار برونق وربيع وماء ، وهناك أيضا منظار آخر بأوساخ وأدران وألوان قاتمة .. قلت في نفسي ملخصا كمن يعجل بإنهاء الموضوع : كل الهزائم هي في عقولنا فقط، وبسبب طريقة تفكيرنا الخاطئة .. وشرعت أغني لأحارب وحدتي الفادحة "مسافر زاده الخيال ... والحب والفن والظلال".. وكنت ظمآنا فعلا ..
لما وطأت قدمي قمة الجبل كنت منهكا ومرعوبا .. جلست تحت شجرة أو ما شابه ذلك و أشعلت سيجارة .. الخيوط البيضاء المتسللة من الأفق لم تفلح في طرد هذا الليل الثقيل .. في تلك اللحظة .. انتصبت رافعا يدي نحو السماء، أشعلت المصباح وأطفأته ثلاث مرات .. على الفور لمحت ضوءا مشابها يومض على مسافة غير بعيدة .. انتفض قلبي كطائر يصارع الموت ..قلت بصوت متحشرج : من هناك ؟ وكررتها بحذر .. ثم سمعت صوتها الرافل في غنج الأطفال يجيب بنبرة المرح : أنا لبنى أيها الرعديد .. حبيبتي لبنى ! قلت في لهفة وأنا أنط من فوق الأحجار التي كادت تدمي قدمي ..
تعليق