قراءة في شاعر وقصيده

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • لميس الامام
    أديب وكاتب
    • 20-05-2007
    • 630

    قراءة في شاعر وقصيده

    قراءة في شاعر وقصيده:



    ابن الشبل البغدادي الشاعر الطبيب يعرف بابن الشبل البغدادي وهو ابو علي الحسني بن عبدالله بن يوسف بن شبل عاش في بغداد وتوفي بها عام 474 هـ. يذكر ابن ابي اصيبعة عن هذا الشاعر الطيب انه كان فيلسوفا متكلما وشاعرا مجيدا. ويصفه بأنه كان حكيما ، وقد جرت عادة القدماء على انهم اطلقوا كلمة حكيم على الطبيب ارادوا بها طبيب العيون خاصة...
    ويشترك ابن الشبل البغدادي مع الشيخ الرئيس ابن سيناء في الاسم والكنية واسم الاب ، فالشيخ الرئيس هو ابو علي بن عبدالله وربما كان هذا اللبس هو ما جعل احدى القصائد تنسب اليه مرة وتنسب الى ابن سيناء مرة اخرى وهي قصيده جيده مطلعها:

    بربك ايها الفلك المدار
    أَقَصْدٌ ذا المسير أم اختيار؟

    وتتكن من خمسين بيتا وهي تدل كما يقول صاحب عيون الانباء على قوة اطلاع في العلوم الحكيمة والاسرار الالهية وهي يأسى في هذه القصيدة على خسران الانسان في هذه الحياة وضلال سعيه وغروره ومغارفته الذنوب
    ويعود بالتراجيديا الانسانية المؤلمة الى بداية دبيب الانسان على ظهر هذه الارض من عهد آدم الذي علمه الله الاسماء كلها وبعد ان حكى لنا جانبا من قصة سيدنا ادام واكله من الشحرة ونزوله الى الارض...عمد الى تصوير جانب اخر من اهوال يوم القيامة ..
    يوبدو في هذه القصيدة تأثر ابن الشبل البغدادي بلغة القرآن فهو يصف لنا بعض مشاهد يوم القيامة وحيرة عقول الناس ازاء هذا الهول العطيم والكرب الجسيم فيقول:

    اذا التكوير غال الشمس عنا
    وغال كواكب اللي انتثر
    وبدلنا بهذي الارض ارضا
    وطوح بالسماوات انفطر
    واذهلت المراضع عن بنيها
    لحيرتها وعطلت العشار
    وغش البدر من فرق وذعر
    خسوف للتوعد لاسرار
    وسيرت الجبال فكن كثبا
    مهيلات وسجرت البحار
    فاني ثبات ذي الالباب منا
    واين مع الوجوم لنا صطبار؟
    واين عقول ذي الافهام مما
    يرد بنا؟ واين الاعتبار؟

    ففي هذه الابيات نراه يحشد كثيرا من مشاهد يوم القيامة يقتبسها اقتباسا صريحا من التعبير القرآني فتحتوي ابياته اشارات الى الايات القرانية الاتية على الترتيب:
    (إذا الشمس كورت) (اذا الكواكب انتثرت)
    ( يوم تبدل الارض غير الارض)
    (اذا السماء انفطرت) (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت)
    (إذا العشار عطلت) (إذا الجبال سيرت) (يوم ترجف الارض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا)
    (وإذا البحار سجرت)
    وقد انصب اهتمام الشاعر على مجرد تجميع هذه الصور المتتابعة وحاول حشد اكبر عدد منها متشبثا بالالفاظ القرآنية كما هي دون جهد ملموس لتوظيف معطيات هذه الصور المتتابعة في تهيئة النفس الانسانية لما ينبغي ان تتهيأ له استقابلا لهذا اليوم من رهبة وخشوع وتوبة وعمل صالح؟ بل اعتمد الشاعر على امكانية انزجار الانسان من تلقاءنفسه بهذه المشاهد وهو ينص على هذا صراحة حيث يقول:

    ولكن كل ذا التهويل فيه
    لذي الالباب وعظ واعتبار..

    في قصيدة اخري يرثى فيها شاعرنا اخا له يدعى احمد يطالعنا الشاعر فيها بروح الفيلسوف المتأمل الذي يتخذ من الموت قضية انسانية يتأمل فيها سنن الحياةوما تزخر من متناقضات وآلام فانسان في هذه الحياة يضطرب بين الالم والامل بهما يعيش وبهما يكتوي وبهما يلتذ وبينهما تفر ايامالحاة سراعا كأنها حلم عابر:

    غاية الحزن والسرور انقضاء
    ما لحي من بعد ميت بقاء
    ليس شعرى حلما تمر بنا الايام
    ام ليس تعقل الاشياء؟

    ثم يفلسف شاعرنا ما يكتنف حياة الانسان من متنقضات يعبث بعضها ببعض وتعبث في اضطرابها بالانسان الذي يمر بها او تمر به فلا يدري لها كنها ، ولا يعلم لها تأويلا...
    ان بعض ابيات هذه القصيده تذكرنا بذلك البيت القديم الشهير:

    وان الغتى يحيا بما قد يميته
    فالماء يحيا، وهو بالماء يغرق

    وتذكرنا بقول النواسي:

    دع عنك لومي فان اللوم اغراء
    وداوني بالتي كانت هي الداء

    بل ربما طاف هذا البيت بذهن شاعرنا ان الشبل البغدادي وهويقول في قصيته هذه

    بالذي نغتدي نمووت ونحيا
    اقتل الداء للنفوس الدواء؟

    وهو بيت رائع من الشعر لا يجافي العلم الحديث فقد ثبت لدى علماء الطب ان الا ثار الجانبية لبعض الادوية قد تكون في بعض الحالات طرقا ممهده الى امراض جديدة غير ذلك المرض الذي اعتلت به النفس وتداوى بتلك الادوية. ولا غرو ان يعبر شاعرنا عن هذه الحقيقة العلمية الحديثة في العصر القديم فهو كما قدمت طبيب.

    ثم انه بقوله ( بالذي نموت ونحيا) يصيب كنهالحقيقة العلمية مرة اخرى فمن المعروف ان التغذية السليمة طريق الصحة وان النظام الغذائي الفاسد طريق المرض وكما جاء في الحديث الشريف( المعدة بيت الداء).

    ثم ينتقل شاعرنا من هذه الحقيقة المبنية على التناقض (الغذاء الموت اوالحياة) اللا تناقضات اعلى ادراكا ، تتعلق بالدنيا كلها فالدنيا اما أخذ او عطاء:

    ما لقينا من غدر دنيا فلا كانــــت
    ولا كان اخذها والعطاء
    راجع جودها عليها فمهما
    يهب الصبح ، يسترد المساء

    ثم ينعي على الآباء والامهات الذين يلدون اولادهم ابتغاء اللذة، فيأتي الاولاد الى الدنيا فلا يجدون الا الالم والاذى وهويتأثر هنا بخط ابي العلاء المعري ال اتهم اباه بالجناية عليه حين انجبه:

    قبح الله لذة لأذانا
    نالها الامهات والاباء
    نحن لولا الوجود لم نألم الفقر
    فإيجادنا عليها بلاء....
    ثم ينتقل الى رثاء اخيه وبعدان يتحدذ حديثا تقليديا عن خلاله الكريمة وصفاته الحميدة يأتي بهذا البيت الذي اراه اروع ما في القصيدة:

    شطر نفسي دفنت ، والشطر باق
    يتمنى ، ومن مناه الفناء

    انه يتوحد مع اخيه الفقيد ، فهما معا شخص واحد ..مات شطر وبقى شطر يلهوب الحياة ويتمنى ، ومما يتمناه ان يفنى ويموت ليلتقي بشطره الذي سبقه بالموت.
    ولنا بعدهذهالجولة ان نتساءل: مالاذي يمكن ان نستنتجه عن حياة هذا الشارع الذي نحاول استطلاع ملامحه من خلال النسيان؟
    ان الاشعار القليلة التي بين ايدينا تدلنا علىان هذا الشاعر كان قوي الصلة بالتراث الشعري القديم كما المحت الى ذلك آنفا. يدل علىهذا ايضا ابيات نجه فيها يتكلف من الاستعارات على ذلك النحو الذي كان يستهوى القدماء ـ ففي هذه الابيات الثلاثة يريد ان ينصحنا بأن نصبر للهم اذا ما اتانا حتى يزول عنا..وهو لا يؤدي الينا هذه المعنى اليسير بلطفه الذي اعتدناه بل انه يشبه لنا الهم بضيف ثقيل ينبغي لنا ان نتلقاه اذا جاء بالصبر لكي يرحل عنا سريعا. فهو ضيف شره اكول وهو لا يأكل الطعام الذي تأكله الضيوف بل انه يأكل النفوس...

    تلق بالصبر ضيفالهم ترحله
    ان الهموم ضيوف اكلها المهج
    فالخطب ما زاد الاوهو منتقص
    والامر ما ضاق الا وهو منفرج
    فروحا لنفس بالتعليل ترضى به
    عسى الى ساعة من ساعة فرج

    ونستنتج ايضا انه كان يعيش قصة حب مع محبوبة قاسية لا ترحم ويبدو لنا من معظم شعره ان محبوبته تهجره هجرا غير جميل فيتعذب بالبعد ويعاني الحرمان ويجهد في ان يصبر نفسه على هذا الهجر ما استطاع اليه سبيلا:

    وفي اليأس إحدى الراحتين ل ذي الهوى
    على ان احدى الراحتين عذاب
    اعف وبي وجد ، وأسلو وبي جوى
    ولو ذاب منى اعظم وأهاب
    وآنف ان تعتاق همي خريده
    بلحظ وان يروي صداي رضاب
    فلا تفكري عز الكريم على الاذى
    فحين تجوع الضاريات تُهاب

    ويقول في قصيدة اخرى:

    ليكفيكم ما فيكم من جوى نلقى
    فمهلا بنا مهلا ورفقا بنا رفقا
    وحرمة ودي لا سلوت هواكم
    ولا رمت منه لا فكاكا ولا عتقا
    سأجر قلبا رام في الحب سلوة
    وأهجره ان لم يمت بكم عشقا
    ايجمل ان اجزى عن الوصل بالجفا
    وينعم طرفي والفؤاد بكم يشقى

    فهذه اللام الاولى هي لام الامر وكان الاولى حذف حرف العلة علامة على جزم الفعل بعدها : فيقال: مثلا : "ليكفكم" ولكن ولع الشاعر بالتجنيس بين " يكفيكم ما فيكم " جعله يغض النظر عما يبتغي سيبويه سعيا وراء ما يرتضي النحو...ولكن شاعرنا على اية حال شاعر مجيد وطبيب خفيف الروح.

    مودتي وتمنياتي لكم بقراءة مفيده..

    لميس الامام
  • د. جمال مرسي
    شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
    • 16-05-2007
    • 4938

    #2
    أديبتنا الرائعة و الناقدة المتألقة لميس الإمام
    شكرا لك إلقاء الضوء على شخصية هذا الشاعر الحكيم ابن الشبل البغدادي الذي أتعرف إليه لأول مرة عن طريق قراءتك الجميلة لبعض شعره
    بارك الله فيك
    و تقبلي خالص الود و التقدير
    sigpic

    تعليق

    • لميس الامام
      أديب وكاتب
      • 20-05-2007
      • 630

      #3
      اتشرف بهذا التقدير اخي الدكتور جمال مرسي
      فهناك الكثير من الشعراء المخبؤين في ذاكرة التاريخ
      يستأهلون منا ان نحيي ذكراهم...

      اشكر مرورك الطيب دائما وتقديري المفعم بأيات الامتنان..

      مودتي الخالصة

      لميس الامام

      تعليق

      يعمل...
      X