المتشرد .. بقلم الأديبة نادية كيلاني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    المتشرد .. بقلم الأديبة نادية كيلاني

    المتشرد :
    قصة قصيــرة .. بقلم الأديبة / نادية كيلاني

    قم يا ولد يا بن الـ .........
    وركله بمقدمة حذائه.. كان الولد يرقد على ظهره مظللا عينيه بذراعه..
    رفع ذراعه ونظر إلى صاحب الركلة الذي أشار بيده كي ينهض من فوق عتبة المحل حتى يفتحه..
    قام الولد بتكاسل شديد يسلخ جسدا مهدودا من الأرض..
    رفع الكرتونة التي كان يستلقى عليها.. دسها تحت إبطه ومشى يجر ساقيه خلفه..
    جسده ثقيل ككيس من الجير حمِّل على ساقين كفرعين من شجر جاف،
    عند نهاية الرصيف فرش الكرتونة وحط فوقها كيس الجير.. شد حافتي قميصه الممزق يداري بهما صدره الصديء..
    عبث بأصابع معروقة فى مزق بنطلونه المدهون بالشحم، فجأة رفع يديه الاثنتين إلى رأسه يهرشها بعنف وضيق حتى جرح فروتها..
    مسح الدم العالق بين أظافره فى قميصه.. تثاءب.. عاد وهرش رأسه وركبته، وظهره، وأذنه، وأنفه.....
    قام ينفض ملابسه، ويرتبها فوق جسده النحيل، ثم عاد وقعد فى مكانه
    مسترخيا واضعا ساقا على ساق .
    دون أن يمد يده ألقى أحدهم إليه بقطعة نقود.. تفحصها جيدا دون أن تلمع عيناه فرحا ..
    قام رافعا الكرتونة ومشى خطوات بطيئة إلى عربة الفول المدمس ناولها للرجل، ناوله نصف رغيف محشو فولا بالزيت الحار عاد بـ "الساندويتش" إلى مكانه
    افترش الكرتونة وجلس يلتهم إفطاره بشهية، ثم أعطى ظهره للطريق ونام .
    لما إلتفَّت الشمس ناحيته وبعثت بأشعتها إلى قفاه وظهره وساقيه،
    استحلى دفئها فاستدار لها لتغمر وجهه وصدره وبطنه،
    ولما تحول الدفء إلى لسعات محرقة قام ساحبا فراشه تحت إبطه وراح يجر فرعيه الجافتين .
    المحلات تفتح أجفانها واحدة بعد الأخرى.. تبرق "فتريناتها" بملابس الرجال والنساء،
    ملابس داخلية وخارجية، ملابس للسهرة وأخرى للصباح، وهو يمشي من أمامها ولا يبالي ..
    فإلي أين سيذهب بها؛ مجتمعاتها غير مجتمعه.
    يمر على محلات تبيع الأحذية البنية والسوداء، وهناك أحذية بيضاء وصفراء. هو أيضا لا يبالي؛ إزداد سمُك الجلد في قدميه فما حاجتهما لجلد البقر .

    هناك محلات لعصير الفاكهة والوجبات السريعة، وهو لا يشعر بجوع أو عطش .

    ثم تسمرت ساقاه فجأة أمام واجهة محل .. بالفاترينة يقف تمثال لأنثى
    صُبَّ جسدها فى قالب بمقاييس الجمال.. اكتسى هذا الجسد بملابس بحر حريرية من قطعتين، فوقهما روبا من الحرير الملون لا يستر ساقها المتقدمة عن الأخرى.
    وقف المتشرد يتأمل الموديل.. يتفحص أجزاء جسدها عضوا عضوا .
    دب النشاط فى جسده عضوا عضوا .
    تخيل عينيها ترنوان إليه.. تخيل شفتيها تبتسمان له.. شعر بحاجبيها ترتفعان وتهبطان له، بدأ يلاغيها بحاجبيه، وابتسامته، وشره عينيه .

    تجرأ ومد يده يدعوها للانطلاق معه، ولما كان صادقا فى دعواه لبت نداءه
    مدت يدها وخطت خارج زجاج الفاترينة بخطواتٍ رشيقة.. انطلقت بصحبته
    ظلا يركضان ويركضان فوق رمل الشاطيء الخالي إلا منهما..
    ظلا يضحكان ويضحكان حتى سمعت ضحكاتهما نجمة نائمة فى السماء
    فاستيقظت.. سحبها من يدها ناحية البحر.. ترددت خجلى، وهزت كتفيها فى دلال
    جذب ذراعها باصرار لطيف.. مشت معه مستسلمة بحذر.. ظلا يتوغلان داخل المياه رويدا رويدا..
    تغطى المياه أقدامهما، ساقيهما، أفخاذهما، ارتفعت إلى البطن فالصدر
    قفزا لأعلى يصدان الموجة فالموجة.. تمددا بنعومة فوق سطح المياه..
    ظلا يسبحان ويسبحان دون أن تبتل ملابسها الناعمة ..
    كست الشمس جسدها بأشعتها الذهبية فوردت وجنتيها أكثر .
    اقترب يقطف لهيبهما بشوق .
    ظل يضغط بشفتيه ويضغط فوق زجاج الفاترينة.
    قذفه صاحب المحل بطول ذراعه على الرصيف.. شجت رأسه.
    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    أهلا بك أستاذة نادية ، و هذه القصة الرائعة
    عن متشرد محروم حتى من الحلم
    محروم من العيش
    محروم .ز بل مسروق منه حقه تحت الشمس
    حتى ولو كانت فى مخيلته
    و ليت أحلاما تدب على الأرض
    فليمت هذا المتشرد إذن و من على شاكلته
    ليمت ، و ليسرق هذا الهواء أيضا ، ذاك الذى يتنفسه

    لى حديث طويل معها .. لكنى أكتفي

    أهلا بك أستاذة و هذا الإبداع
    الذى أظنه يثرى المشهد هنا
    و يثري معرفتنا بالعالم
    و الإنسان


    خالص احترامى و تقديري
    sigpic

    تعليق

    • بسمة الصيادي
      مشرفة ملتقى القصة
      • 09-02-2010
      • 3185

      #3
      كثير ما نظّن أن ذلك الطفل المتشرّد على الطرقات يحتاج فقط لقطع النقود، أو الملابس والطعام، لكن الحقيقة أنه يحتاج إلى شيء أهمّ بكثير، الحنان ..
      الإيماءة .. اللمسة اللطيفة، التي تشعره بأن إنسان، الدفء الذي يحميه من برد الزمان .. الحلم الذي تقطعه كل الأيدي ... لأنه متشرد ..
      والإنسان أيضا متشرد، حينما يمرّ قرب الطفولة الباكية ولا يمسح دمعتها،
      حين لا يرى في ذلك الطفل، وجهه البريء، جسده النحيل ولا قلبه المحتاج للحنان، عندها يتحول الإنسان إلى كلتة حجرية، تتدحرج بقسوة فوق أحلام المساكين .........
      ما وجدته هنا هو مشاعر متدفقة، وجياشة، لقلم إنسانيّ نبيل
      الأديبة نادية كيلاني : وجودك معنا يشرفنا
      تحياتي
      وشكر للأستاذ محمد سلطان ولأنامله التي نقلت إلينا هذه القصة الجميلة..
      في انتظار ..هدية من السماء!!

      تعليق

      • إبراهيم كامل أحمد
        عضو أساسي
        • 23-10-2009
        • 1109

        #4
        [align=justify]
        الأخت الغالية نادية كيلاني

        هلت أنوار إبداعاتك.. روعة النص جسدت آلام المتشرد وأيقظت هموماً كثيرة هدهدناها لتنام.. وفي داخل أي إنسان متشرد يلهث وراء شردات الضلال.. دمت متألقة.
        [/align]
        التعديل الأخير تم بواسطة إبراهيم كامل أحمد; الساعة 17-07-2010, 14:38.
        [CENTER][IMG]http://www.almolltaqa.com/vb/picture.php?albumid=136&pictureid=807[/IMG][/CENTER]

        تعليق

        يعمل...
        X