شذى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    شذى

    شذى

    مرّت بجانب الرّمس ..
    لم مرّت بجانب الرّمس؟
    من علّمها الحفر و نبش القبور؟
    لم يكن لاهيا و لا ناسيا ،كان ميّتا.ألا يشفع الموت لصاحبه بالقليل من الغياب و الدّهشة؟ألا يحقّ له أن يفقد لبعض الوقت صوابه و يخون؟
    قال لنفسه ذات خفقة وقت كان يتوهّج نبضا و قوّة يلتمس لها الأعذار:صغيرة..و لا تعي ما تقول..ستدرك يوما أنّي ابن عمّها و أنّي الأجدر بها.
    لمّا كبرت و قبل أن يغفو الغفوة الأخيرة سألها من جديد:تتزوّجينني؟
    قالت :ليتك تنسى.
    قال يؤجّل الفقد دقيقة أخرى:حبيبتي..سنعمّر الدّنيا ..سأُحبّك حتّى أبلغ بك أقصى آماد السّعادة..
    قال صمتها الغريب:آسفة..
    أصرّ على معرفة الأسباب..كبُرت الكلمة في فمها فبلّغت عنها:عريس مُهذّب،جهّز بيتا،و خرج من الشّرنقة يطلب أُنثاه..حبيبي شاعر مجنون..الحُبّ مغامرة أو لا يكون.
    أرسل إليها أن سأُشكّل لك من الشّعر أواني من خزف و كوخا من وئام و مرجان.
    و لكنّها ألقت بلؤلئه في البحر أمام عينيه ساعتها.. بذّرته و أسرفت فيه..لم يتحمّل فسقط في المجهول ،اختنق و هلك.
    و أيّ قوّة كان عليه أن يتحلّى بها كي يبقى على قيد السّلام و هو يشاهد أمصاله التي فيها شفاء لها – لو فقط أصغت إليه – تُراق جزافا أمام عينيه؟
    فلم تراها عادت بعد كلّ ذاك الموات لتمرّ بجانب الرّمس؟
    مرّت ،كأنّها لم تكفّ يوما عن المرور،حيّرت الطّين من تحته، خضّه وقع أقدامها العسليّة،تجرّ وراءها حلما لا يخشى التّلاشي و لا أوبة النّيام ،و عبيرا أخضر كمضيّ الرّغيف نحو الفساد.
    عُد أرجوك ..أحتاجك..نهشني النّدم..
    و بياضا ظالما مغرورا كفستان الفرح في عيون حبيب، لو لا بطاقة الدّعوة لما سمحوا له بحضور حفل زواله منها.و شذى لعوبا ،أسمر،تستحقّ صاحبته الصّفح ، يسحق و يرمّم دون عناء كريح البعث.ليجعل للطّعم رائحة،و للّحن رائحة ،و للتّجلّي رائحة،و للسّفر رائحة و للقبلة لونا و رائحة.. و يحوّل الخيانة إلى طقس عبادة..
    هناك عطور تحوّل وجهة الحواس و تُفقدها عناوينها.
    من أجلها صحا..بفضلها صحا..صحا ببساطة لأنّ حميم أنفاسها ،يُعمي و لا يترك للثّأر من مجال،..نفض عنه أدران الفوات..غفر لها قتله.. كوى جرحه ..غمر حفنة حبّ و الكثير من هوان الرّوح.و همّ بالقيام.تشقّق الرّمس و اهتزّ.بلمسة واحدة من شذاها تنكّر للأموات ،هتك سرّهم و أخبر عنهم:إذا جاءك من التّفاح طعم التّوت فألق به في الحال إنّ به لعنة.
    فاض تجربة و نضجا.رتق مزقه . قشّر لها قلبه ليمونة.و تنبّأ بمعجزة تُبقيها ، طوفانا يؤويهما.
    خشي قصاص الأموات فبنا الفلك.سيكون على متنه زوج واحد لا غير؛هي و بقاياه؛شتات رجل مُستهلك ،مضمّخ بثلاث أطفال و أخرى،رجل لم يعُد يملك نفسه..دعاها فاستجابت..آمنت ..صدّقت و لم تضحك ..ألآن؟ أكُتب على المخمور أن يموت مرّتين كي تصدّق الكرمة على الأقلّ بأنّه مريض؟
    أخيرا أدركتِ أنّ الفلك تجري في الماء لكنّها تُبنى في العراء..يا كم هو سعيد.. تدافع السّيل من كلّ صوب..ركبت ..همّ بالصّعود فلم يجد نفسه ..ارتفعت ..حاول اللّحاق بها ..مدّت له يدها ..لم يجد يدا يمدّها..تمرّد..للفقد مرارة لا توصف إذا تكرّر..بحث عن نفسه مرّة أخرى،فلم يجدها..ما أحرّ المستحيل ..مع ذلك حاول مرّات و مرّات ..و كانت كلّما طفت السّفينة أكثر كلّما ازداد التصاقا بالقاع..وقف على أمشاط أقدامه مكذّبا أن يكون شذاها هو الذي شنّ عليه الخراب..إنّها حتما كذبة..لمّا غمره الماء فقط صدّق بأنّه السّفح من جديد؛الزّوال من جديد..
    لم هناك دائما مصائر لا نعترف بها إلاّ إذا غمرنا الضّيم إلى الأذقان؟
    و هو يغوص ،تناهى إلى سمعه صوتها كالمطارق و هي تناديه..الغرقى لا يجيبون.. فقط ألقى نظرة أخيرة على أسفل السّفينة ،نظرة لم يترك الرّعبُ لليأسِ فيها مقدار ذرّة.و حدّث نفسه يختنق ثانية و أخيرا بأنّها منذ الأزل مخطوفة و بأنّه منذ خُطفت كُتِب من الغابرين،و بأنّ عنيدا لم يُفلح في عجن الأقدار من قبل.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد فطومي; الساعة 17-07-2010, 08:29. سبب آخر: -
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    #2
    الصديق المبدع محمد فطومي
    تحية طيية وبعد
    أعجبتني اللغة المجازية التي استخدمتها وحاولت فك بعد خيوطها .. النص يفوح بشذى الحب سيدي ولولاه ما تحملنا صدأ الحياة ورتابتها .. نظل نحلم ونحلم وأحيانا نستفيق على صدمة الموت .. وأحينا يتحقق الحلم فيتأبطنا تحت جناحيه ونقلع معه في فلك مسكونة بالحياة .. ويبقى الحلم منفردا بنا ليعود الموت ثانية فنغرق ثم نغرق ثم نغرق وما أصعب لحظات الفقد ..
    تحياتي لك سيدي وخالص تقديري
    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

    تعليق

    • محمد فطومي
      رئيس ملتقى فرعي
      • 05-06-2010
      • 2433

      #3
      صديقي محمد سلطان ،
      ندين للوهم بنسيان ما نكره ،و للحبّ بالحياة ،و للصّدق بما نكتب و يُعجب النّاس.
      مودّتي لك أيّها الأديب المتميّز.
      مدوّنة

      فلكُ القصّة القصيرة

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        الزميل القدير
        محمد فطومي
        رائعة جدا
        سرد مهيبوسلس وجذاب
        عمق الفكرة
        نص جميل أسعدني أني قرأته
        فقد لي ملاحظة
        رأيت ومضة النهاية عند
        (( لم يفلح في عجن الأقدار من قبل ))
        فكر فيها فهي النهاية المثلى للنص وماجاء بعد هذا السطر ان كأنما تقريريا أو شرحا
        ودي الأكيد لك

        الخلاص
        وفاء لم يكد ْيدلف البيت, حتى تناهت أصوات القادمين لسمعها, وطرقعة الأسلحة, تدوّي حولها, تقرع أجراس الخطر, فبان الهلع, على قسمات وجهها الحزين: - اهرب قصي, سيقتلونك, اسرع أمسك يدها, يسحبها - معي وفاء, لنهرب معاً, سيقطّعونك بدلا عني, سيعذبونك, حتى الموت. - لن يفعلوا, سأشاغلهم, فقط اسرع قبل أن يقتحموا الباب. حمل سلاحه, قفز
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • محمد فطومي
          رئيس ملتقى فرعي
          • 05-06-2010
          • 2433

          #5
          الأستاذة القديرة عائدة محمد؛
          كبير جدّا أن تحظى القصّة منك بكلمة "رائعة جدّا"
          أرى أنّ ملاحظتك بعد أن ألقيت نظرة حياد على النصّ بأنّها صائبة و في محلّها .
          شكرا لك أختي الغالية.
          مدوّنة

          فلكُ القصّة القصيرة

          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
            الأستاذة القديرة عائدة محمد؛
            كبير جدّا أن تحظى القصّة منك بكلمة "رائعة جدّا"
            أرى أنّ ملاحظتك بعد أن ألقيت نظرة حياد على النصّ بأنّها صائبة و في محلّها .
            شكرا لك أختي الغالية.
            زميلي القدير
            أشكرك على ثقتك برؤيتي
            ولكن ماذا تنتظر
            هيا لأني أريد ترشيحها للذهبية
            ودي الأكيد ومحبتي
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            • محمد فطومي
              رئيس ملتقى فرعي
              • 05-06-2010
              • 2433

              #7
              أحلى تحيّة أخت عائدة.
              و شكرا على الإرهاق الّلذيذ.
              المعادلة كانت صعبة للغاية ،إذ كان عليّ أن أحافظ على الأقلّ على الجسد الأوّل للقصّة في حال أخفقت في تطويرها.
              أرجو أن أكون قد وُفّقت.
              يوما سعيدا و دمت بألف خير.
              مدوّنة

              فلكُ القصّة القصيرة

              تعليق

              • مصطفى الصالح
                لمسة شفق
                • 08-12-2009
                • 6443

                #8
                جميلة ورائعة جدا اخي محمد

                نقلتنا من عوالم الى عوالم بيسر وسلاسة

                مفاتيح النص كانت تراوغ بسبب الرمزية

                هذه هي الحياة

                نعشق احيانا من طرف واحد

                ياكله الندم فيعود.. ولكن بعد فوات الاوان

                فلا تنفع العدالة المتاخرة.. هي ظلم.. عدم حصولها افضل

                امتعتني بحق


                تحيتي وتقديري
                [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

                ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
                لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

                رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

                حديث الشمس
                مصطفى الصالح[/align]

                تعليق

                • محمد فطومي
                  رئيس ملتقى فرعي
                  • 05-06-2010
                  • 2433

                  #9
                  أستاذي العزيز مصطفى الصّالح
                  أمّا وقع كلماتك فقد أحدث بداخلي ما قد يُحدثه بروز المعلم القدسيّ فجأة لمريد طالت به الأشواق.
                  و ما كنت لأجد التّشبيه لو لا أنّي الصّدق أقول.
                  أشكرك أستاذي ،و دمت بخير.
                  التعديل الأخير تم بواسطة محمد فطومي; الساعة 18-07-2010, 11:01.
                  مدوّنة

                  فلكُ القصّة القصيرة

                  تعليق

                  يعمل...
                  X