الغروف في مدينة القمر 2\مصطفى الصالح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصطفى الصالح
    لمسة شفق
    • 08-12-2009
    • 6443

    الغروف في مدينة القمر 2\مصطفى الصالح

    لم يستطع الشبان التحرك في العواصف الشديدة، والمطر الغزير المفاجيء الذي بدأ مع الغروب، ظنوا أنها مطرة غسيل الزيتون جاءت مبكرة، وأنها خلال ساعة أو ساعتين ستنجلي، لكنها استمرت تعب من الوقت حتى أذان الفجر، في هذه الأثناء.. وبعد العشاء مباشرة، لم يصبر العشريني حمدان وقرر الذهاب بالعربة وحده، من أجل أن ياخذ قسطا من النوم، ليستيقظ قبل الشمس للبدء بالقطاف..
    كان حمدان الترس الأهم والأسرع في محرك العمل في المزرعة، شاب مغتر بشبابه وقوته، تضطرم في داخله براكين عنيفة متفجرة.. تحركه بعنفوان وتغلق على عقله فتحات التفكير السليم..
    كم حاول حامد ثنيه عن عزمه المضي في العاصفة بلا فائدة! يا حمدان! الظلام دامس.. والطريق موحل.. والسيول من كل جانب.. لن تصل بسلام
    إجلس أنت كالنساء ودعني.. سأذهب لمصلحتك أنت
    كيف ؟
    أليس عرسك مرهون بانتهاء القطاف؟
    نعم.. ولكن ليس على حساب حياتك
    لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. قالها وانطلق بين أنياب المطر وبراثن الطريق ومخالب العاصفة.. انطلق لا يلوي على شيء في فم الظلام..
    مع تململ النهار وتجهزه للاستيقاظ، كان حامد وحماد على الحصان متجهان نحو المزرعة خارج القرية، وقد صفت السماء وطردت غيومها، وابتعلت الأرض معظم الماء.. إلا من أوحال خجلة هنا وهناك.. نسيم الصباح يداعب الوجوه الندية بلطف، ينقل للأنوف رائحة الزيتون المغسول الشهية، فتمتليء الصدور بحب التراب والشجر..
    لم ترهما الشمس وقد مضى على مسيرهما أكثر من نصف ساعة.. على الطريق آثار متعرجة متموجة لعربة.. لا بد أن هذا التعرج في المسير بسبب المطر والعاصفة .. قالها حامد وفي نفسه يخشى الأسوأ..
    كانت هناك.. ممدة بعرض الطريق.. أكلت النار معظم جسدها.. غطتها الحروق حتى لم تعد تعرف.. لكنها معروفة من عظم جسدها وطولها.. آثار العجلات تنتهي عندها ثم تتجه يمينا نحو الوادي.. كانت مقسومة نصفين؛ نصف ممدد بعرض الطريق والنصف الآخر استلقى على بعد أمتار من جانب الطريق.. ألقيا نظرة وداع أخيرة عليها.. أزاحاها إلى جانب الطريق.. ومضيا يتبعان آثار العجلات نحو الوادي، الذي يسير بمحاذاة الطريق على مسافة بريئة.. وقلباهما يكادان يقفزان من مكانيهما.. خاصة عندما رأيا العربة مفككة محطمة بلا بغلة!! تناثرت أجزاؤها في المحيط.. كأنما تفجر بها لغم..
    لبسهما الحزن وغطتهما سحب الكآبة السوداء.. فرت دمعات من عيني حماد بينما اختنقت العبرات وغص حلق حامد.. وقفا برهة مشدوهان يجولان بنظرات حائرة في المكان.. خلف أشجار المزارع القريبة.. لا أثر.. لا حركة غير بعض الكلاب الضالة، تنهش تتقاتل فيما بينها على ما نفق من مواش، وجيف قد طريت بفعل المطر.. تلبستهما الأفكار السوداء فصارا يركضان خلف الكلاب، يطردانها كي يروا ماذا تأكل.. وفي كل مرة يريان غير ما يتوقعان، يغزو قلبيهما بعض أمل ويقولان: الحمد لله.. وبينما هما يتراكضان يمنة ويسرة على كتف الوادي، سمعا صوتا مخنوقا لا يكاد يبين: حامد.. حماد.. أنا هنا
    الصوت قادم من التلة فوق السنديانة المحروقة.. يقول حماد وهو يشير بيده مستفهما راكضا نحوه على أقدام اللهفة
    يسير حامد خلفه موجها إياه: اتجه نحو الكهف.. إنه هناك يشير بيده..
    ها .. حمدا لله على سلامتك.. ماذا حصل؟؟ وأين الدابة؟
    قال حمدان بصوت مليء بالألم وهو يتأوه: كلما ابتعدتُ عن البلدة ازداد عنف العاصفة و قوة المطر كذلك.. بصعوبة كنت أسيطر عليها.. إلى أن اقتربتُ من السنديانة..اه.. اه
    على مهلك .. لا تستعجل قال حامد وهو يحاول تبين موقع الألم في جسده
    سقط عليها برق قسمها نصفين .. وقع أحدهما أمام الدابة، فنفرت وهربت بجنون ذات اليمين.. باتجاه الوادي الذي كان عامرا بالماء الهادر.. اه.. في نفس اللحظة التي كنت أنوي فيها مغادرة العربة، اتجهتْ بحركة فجائية يسارا أدتْ إلى انقلابنا جميعا.. وتدحرجنا عدة مرات كانت كافية لانفلات الدابة وهروبها.. وتحطم العربة فوقي.. ويبدو أني وقعت على صخور شجت رأسي وأصابتني بكدمات.. بالإضافة إلى تحطم العربة.. اه.. فوقي.. زحفت حتى الشجرة المشتعلة.. استدفأت قليلا ثم اختبأت هنا في هذا الكهف الصغير.. الحمد لله
    الحمد لله.. الحمد لله على سلامتك قالها الإثنان ثم تابع حامد: سنحملك الآن على الحصان ونكمل السير إلى المزرعة لنرى ماذا فعل والدانا في هذه الليلة الليلاء


    بقية الاجزاء هنا

    الغروف في مدينة القمر 1\مصطفى الصالح
    [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

    ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
    لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

    حديث الشمس
    مصطفى الصالح[/align]
  • خالد يوسف أبو طماعه
    أديب وكاتب
    • 23-05-2010
    • 718

    #2
    الأستاذ القدير ........ مصطفى الصالح
    هنا وجدت معاناة من كانوا ولا زالوا يعقدون الأمل
    على حصاد السنة من المحاصيل لتوفر لهم أدنى سبل
    العيش الكريم وربما كانوا يعقدون الأمل والرجاء في
    الزواج بعد الموسم إذا كان(غلال ).....
    هنا استوقفتني بعض العبارات الرائعة والتشبيه البلاغي
    المتين في حلاوتها وطلاوتها وعذوبتها ....
    قالها وانطلق بين أنياب المطر وبراثن الطريق ومخالب العاصفة.. انطلق لا يلوي على شيء في فم الظلام..
    عبارات رائعة وغيرها الكثير في النص ...
    في هذا الفصل لاحظت وجود نقلة في كيفية السرد
    تنوع الضائر كان حاضرا وملفتا للنظر ... تارة يكون الحديث بصيغة ضمير الغائب وأخرى بصيغة المتكلم وهذا الأمر يسجل للكاتب ويثبت من
    امتلاكه لعناصرها وإحكام قبضته عليها ولا يلويه عنها أي شيء
    وهذا النوع من السرد لا يتقنه أي شخص لأن حالة الانتقال في حالتي الضمير
    ليست بالأمر السهل أو الهين ..
    نقلة رائعة ومشوقة جدا وجدتها في هذا الفصل الرقيق والحزين
    فقط مجرد سؤال : وقلباهما ... أم ... وقلبيهما .... أيهما الصواب
    هذا من باب الفضول والمعرفة لا غير لأنني لست نحويا ولا أنظر
    للنص إلا من الجانب الفني له وهذه رؤيتي لكل النصوص ...
    تحياتي وودي الكبيرين
    التعديل الأخير تم بواسطة خالد يوسف أبو طماعه; الساعة 31-07-2010, 13:29.
    sigpicلن نساوم حتى آخر قطرة دم فينا

    تعليق

    • مصطفى الصالح
      لمسة شفق
      • 08-12-2009
      • 6443

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة خالد يوسف أبو طماعه مشاهدة المشاركة
      الأستاذ القدير ........ مصطفى الصالح
      هنا وجدت معاناة من كانوا ولا زالوا يعقدون الأمل
      على حصاد السنة من المحاصيل لتوفر لهم أدنى سبل
      العيش الكريم وربما كانوا يعقدون الأمل والرجاء في
      الزواج بعد الموسم إذا كان(غلال ).....
      هنا استوقفتني بعض العبارات الرائعة والتشبيه البلاغي
      المتين في حلاوتها وطلاوتها وعذوبتها ....
      قالها وانطلق بين أنياب المطر وبراثن الطريق ومخالب العاصفة.. انطلق لا يلوي على شيء في فم الظلام..
      عبارات رائعة وغيرها الكثير في النص ...
      في هذا الفصل لاحظت وجود نقلة في كيفية السرد
      تنوع الضائر كان حاضرا وملفتا للنظر ... تارة يكون الحديث بصيغة ضمير الغائب وأخرى بصيغة المتكلم وهذا الأمر يسجل للكاتب ويثبت من
      امتلاكه لعناصرها وإحكام قبضته عليها ولا يلويه عنها أي شيء
      وهذا النوع من السرد لا يتقنه أي شخص لأن حالة الانتقال في حالتي الضمير
      ليست بالأمر السهل أو الهين ..
      نقلة رائعة ومشوقة جدا وجدتها في هذا الفصل الرقيق والحزين
      فقط مجرد سؤال : وقلباهما ... أم ... وقلبيهما .... أيهما الصواب
      هذا من باب الفضول والمعرفة لا غير لأنني لست نحويا ولا أنظر
      للنص إلا من الجانب الفني له وهذه رؤيتي لكل النصوص ...
      تحياتي وودي الكبيرين

      اشكرك الاستاذ العزيز خالد على هذا المرور الرائع

      هذا الغوص لا يتقنه الكثيرون كما قلت سابقا

      نعم

      هذا هو الحال.. حال المزارعين الذين ينتظرون الحصاد وكل امالهم معلقة عليه وبه يفكرون

      بالنسبة لسؤالك وقلباهما هي كما هي لكني لا استطيع تفسيرها نحويا ولغويا

      لكني اعتقد انها الصواب

      تحيتي وتقديري
      [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

      ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
      لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

      رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

      حديث الشمس
      مصطفى الصالح[/align]

      تعليق

      يعمل...
      X