الغروف في مدينة القمر 3\مصطفى الصالح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصطفى الصالح
    لمسة شفق
    • 08-12-2009
    • 6443

    الغروف في مدينة القمر 3\مصطفى الصالح

    3
    كانت مفاجأة غير سارة عندما وصلوا إلى المزرعة.. لم يكن بالمزرعة أي ضرر.. لكنهم عندما توجهوا بأنظارهم صوب المنزل ولم يروه أصيبوا بالهلع الشديد.. تراكضوا جميعا .. حتى حمدان نسي آلامه وتراكض خلفهما.. لكن.. كان كل شيء قد انتهى.. أشرقت الشمس عابسة.. خافت نورها.. يظللها حزن شديد.. كانت تجفف سيول الدمع المتفجرة من مآقي الشبان الثلاثة وكأنها تواسيهم وتعتب.. تعتب على المنزل- الذي غمزته بالأمس- على فعلته الشنيعة
    حضر عمال القطاف على موعد بعد الشتوة الأولى.. كانت جنازة مهيبة.. اختلط فيها الزيتون مع الدمع.. الحزن مع الفرح.. استرجعت الأرض بعض أماناتها وقدمت من رحمها أيضا حياة للحياة..
    كانت هناك بالقرب حادثة أخرى؛ غرق في السيل، وبعض الحوادث التي لم تصل إلى هذا
    كان الحزن شديدا، ووقع المأساة قويا مدويا على الأوسط.. ظل يلوم نفسه لعدم استطاعته الوصول في الوقت المناسب.. لكن الأكبر كان يلومه على إيمانه بالقدر وتصرفه هذا.. كان يؤمن بضرورة تجاوز المرحلة، واحتضان الغلام الذي لم يبلغ العشر سنوات، وتخفيف آثار الحادثة عليه.. وكان عليه أن يؤجل زفافه.. إلى حين..
    كان الحصاد وفيرا لدرجة فتحت عيون الناس على المنطقة لخصوبة تربتها وسخائها؛ جاءه أحد التجار عارضا عليه ما كان يحلم به؛ بستانا في وسط البلدة مقابل جزء من مزرعة الزيتون، كان البستان وكرا للكلاب الضالة والحيوانات المفترسة والأفاعي.. تنعق فيه الغربان بلا توقف.. أشجاره صفراء.. شمطاء تنتظر الرحيل.. كالمشردين..
    بعد سنة صار البستان عروس بساتين البلدة.. وبعدها بسنتين انسحبت الحدود من بينه وبستانين مجاورين.. تفيض كلها بالحمضيات.. تشتم رائحتها من مسافت بعيدة،
    علم أحد الوجهاء المقربين من الإدارة الحاكمة بعزل القائمقام الحالي الذي لم يسمح له بالتجاوز على حقوق العباد، وتعيين خلف معروف بالخداع والاغتصاب- ربما كان هذا الوجيه سببا في هذا الأمر-، حاكت وحامت في رأسه.. أرسل مبلغا تافها من المال إلى حامد مقابل أن يتخلى عن البساتين
    تشاور مع إخوته ووصلوا إلى قناعة عدم البيع حتى لو زاد الثمن.. فقد غذوها بعرقهم وزينوها بنور عيونهم..
    كان الوجيه يتوقع هذا الجواب.. فبدأ باستغلال الوضع الأمني المرتبك جراء تجهز القائمقام الحالي للمغادرة وعدم اهتمامة الدقيق بالإدارة كما مضى؛ أرسل في إحدى المرات بعض قطاع الطرق، لمهاجمة العربات التي تنقل المحاصيل إلى السوق ونجح في إتلاف بعضها، مما اضطر أحد الأخوين لمرافقة عرباتهم بسلاحة.. ثم قام بتأليب التجار عليهم من أجل عدم استقبال محاصيلهم، كي تبور.. ففشل أيضا لأن بعضهم لم يرضخ لإرهابه أو إغرائه.. وفي هذه الأثناء كان يرفع من سعره الذي لم يبلغ في نهايته ثمن بضع شجيرات في أرض بور، وكان يُقابل بسد منيع في كل مرة، حتى نفد صبره مع اقتراب قدوم القائمقام الجديد.. لن يتخلى عن جزء مهم من ثروته التي تناقصت بسبب كساد تجارته.. لرواج تجارة الأخوة، ولكنه يعقد أملا كبيرا على القائمقام الجديد لاسترداد كل ما فقده؛ لذلك يجب الحصول على البساتين بأي ثمن لإهداء جزء منها للحاكم الذي سيتغاضى عن كل ما سيفعله بالإنسان والأرض..
    كان حمدان عائدا من السوق إلى المنزل لأخذ دفتر الحسابات، عندما كانت الشمس تلفح الرؤوس ولا ترسم ظلا للأشياء.. التقى بغريب في طريق البستان.. حيث سلم عليه الأخير وسأله عن شخص معروف يسكن في الجهة الأخرى من البلدة على الطريق العام، فدله عليه.. ومضى كل في سبيله
    بعد يوم وفير التعب كريم العطاء، مع تهيؤ الشمس للإنزواء إلى مخدعها، جلس الأخوة في البستان يحسبون ويتناقشون ويتدارسون.. عاد حماد بإبريق شاي مغلي على الحطب مع بعض الأكواب وهو يحرك رأسه باستغراب.. وضع الإبريق أمام أخويه وبدأ بصب الشاي لهما وهو يسأل: هل أرسلتما الحارسين إلى أي مكان؟؟
    أجاب الإثنان بالنفي وأردف حامد: ربما خرجا لحاجة خاصة.. لن يبتعدا.. لا تقلق، هيا لنلفظ تعب أقدامنا في ماء القناة البارد بينما نرتشف الشاي ونتسامر
    اقتنع الجميع بالفكرة وبدأوا التطبيق..
    متى تتزوج يا أخي؟؟ لم يعد لك حجة بعد الآن؟! إذهب إليهم غدا وحدد الموعد
    هتف حماد بفرح: نعم يا أخي لقد تأخرت كثيرا وسيفوتك القطار إذا لم تركبه الآن.. فهي لن تنتظرك أبد الدهر
    حسنا سنفكر في الأمر
    رد حمدان: لا تفكير .. اقسم أن أتركك إذا لم تذهب غدا لإنهاء الموضوع.. ودعمه حماد في هذا التفكير.. فلم يجد بدا من الموافقة والانطلاق مع زقزقة العصافير في الغد..
    كان العشاء قد اقترب وقته عندما حضر ثلاثة رجال.. ألقوا السلام.. دعوهم لشرب الشاي والجلوس ففعلوا.. لم تمض دقائق حتى أفصح سيدهم عن مقصده: أبي يقرؤكم السلام ويريدكم أن تفكروا بعرضه الجديد؛ فقد رفع المبلع إلى الضعفين.. وهو مبلغ جيد
    قاطعه حمدان: كيف يكون جيدا وهو لا يساوي ثمن ربع هذا البستان؟ قل كلاما معقولا أو اخرج ولا تشغلنا بالكلام الفارغ.. ووقف على قدميه من شدة الغضب ووجهه يكاد يلتصق بوجه السيد
    يمسكه حامد ويسحبه للجلوس مكانه ويجلسه رغما عنه.. لكن عيناه ما زالتا تنفثان حمما بوجه السيد الذي توجه بكليته إلى حماد: وماذا تقول أنت يا كبيرهم؟
    لا يخفى عليك- وأنت من جيلي – كم تعبنا واجتهدنا وعملنا لسنوات حتى صرنا إلى ما ترى وهو ليس بالشيء الكثير بالنسبة لكم.. لكن عرضكم بخس جدا، ولا تتوقعوا منا قبولا يمرغ كرامتنا بالوحل
    قاطع حمدان مرة أخرى: لن نبيع ولن تحصلوا على شبر منها إلا على جثتي
    اصمت يا حمدان.. هذا كلامنا النهائي.. هات عرضا مقنعا وسنفكر
    حسنا.. سأعود
    أهلا وسهلا بك في أي وقت
    وما هي إلا دقائق حتى عادوا ومعهم ما يلزم من أدوات لإقناعهم بالقوة.. تطايرت العصي والخناجر والسيوف والفؤوس في الهواء وهوت على الأجساد الفائرة، ابتلعت المسافات والأشجار صرخات الاِستنجاد وزغرد الليل بستاره الحاجب للمطاردات والمداهمات..
    انتهت المعركة بعد منتصف الليل مسفرة عن ثلاثة قتلى وجريحين ..


    للرد على هذا الجزء من هنا على هذا الرابط لطفا
    [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

    ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
    لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

    حديث الشمس
    مصطفى الصالح[/align]
  • خالد يوسف أبو طماعه
    أديب وكاتب
    • 23-05-2010
    • 718

    #2
    بدأت الفصول بالتغني والتجلي في يد السارد
    بدأ يشتد العزف على وتر النغم الرهيف
    بدأت الأحداث تشتعل وكأننا نعيش أحداثا لا تزال
    إلى يومنا هذا وهنا أيضا بدأ التحدي والظلم والتظلم
    بدأت المعارك بين الحق والباطل لم لا أليست الأرض
    تساوي العرض ؟؟؟؟؟؟؟؟
    أستاذ مصطفى بدأت تضرب عميقا وجمال الحرف كان جليا
    دم بخير صديقي
    sigpicلن نساوم حتى آخر قطرة دم فينا

    تعليق

    • مصطفى الصالح
      لمسة شفق
      • 08-12-2009
      • 6443

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة خالد يوسف أبو طماعه مشاهدة المشاركة
      بدأت الفصول بالتغني والتجلي في يد السارد
      بدأ يشتد العزف على وتر النغم الرهيف
      بدأت الأحداث تشتعل وكأننا نعيش أحداثا لا تزال
      إلى يومنا هذا وهنا أيضا بدأ التحدي والظلم والتظلم
      بدأت المعارك بين الحق والباطل لم لا أليست الأرض
      تساوي العرض ؟؟؟؟؟؟؟؟
      أستاذ مصطفى بدأت تضرب عميقا وجمال الحرف كان جليا
      دم بخير صديقي
      الاستاذ خالد

      كنت هنا كالضياء ينشر النور لنرى الاشياء

      اشكرك على هذا المرور الرائع والمتابعة الحثيثة

      دمت بكل الود والخير

      تحياتي
      [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

      ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
      لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

      رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

      حديث الشمس
      مصطفى الصالح[/align]

      تعليق

      يعمل...
      X