زبيدة (4) .. !! محمد سلطان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    زبيدة (4) .. !! محمد سلطان

    .......



    الشهر الهجري منتصفاً ,والهلال الأخضر كشرخة البطيخ , يدور في سماء القرية و البلدان المجاورة بحرية مطلقة , من الحدود العليا للساحل حتى نهاية الدائرة , لطالما ساندته الحكومة وقدمت له الدعم اللازم , فلابد أن يكتسح , اختارت مرشحها بامتياز ولا مجال لإخفاق الهلال .
    بالذوق والأدب سينجح الهلال , بضرب النار ورفع المطاوي سينجح الهلال , كلها شعارات وهتافات معادة ومسموعة كل دورة , تملأ الشوارع وتجوب الحارات , صحيح أنهم لا يفقهون شيئاً عن دستورية القوانين ومشروعيتها , بل لا يميزون بين الوطني والمستقل , لكنهم صناع النصر وأبطال النجاح , لولاهم ما سطع الهلال ولا سقطت السمكة , بأيديهم إدخال هذا المجلس وإخراج ذاك من تحت قبة البرلمان , هكذا كانوا يعتقدون ويتخيلون أنفسهم , وللأسف غالبيتهم لا يمتلكون حق التصويت , أو لا يذهبون للتصويت من أساسه ويتولى الأمر عنهم عساكر المركز , فلا بطاقة انتخاب ولا جرأة وصلابة قلب أمام ضباط المركز المكلفين بإدارة اللجان بيد من نار منذ لحظة خروج الصناديق من النقطة حتى التقفيل بعد العشاء !
    الشوارع تعج باللافتات والميكروفونات الشبيهة بميكروفون المدرسة في نبرة الصوت والخرفشة , معلقة فوق سيارات الأجرة وعربات الكارو , وحشود متكتلة على المقاهي وجسر البلد في وقدة النهار, عمال وفلاحون وصيادون رجعوا من البحيرة لمساندة الهلال , النخلة و السمكة وعنقود العنب أبرز لاعبي الدورة , وخليط من البشر يتوقعون الفائز وأحيانا يباركون له مقدماً إن مر عليهم أثناء توتره كلما اقتربت ساعة الصفر , الأعصاب مشدودة غير مرخية .
    خرج الأطفال من مدارسهم معبئين جيوبهم بالطباشير , رسموا الهلال والجمل على الحيطان و الجدران , ونددوا بالسمكة وعنقود العنب , غير مكترثين بجوع , سمعتهم أم سعد .. تركت العجين وخرجت تتفحصهم على مصطبة الدار .. بيدها أبريقاً تسقي عيلاً عرقه يشق أنفه وذقنه , صانعاً جداولاً وخيوطاً متربة على رقبته , سألته عن سعد , سحب آخر قطرة ماء من الأبريق مع آخر شهقة ثم أجابها متلاهثا :
    ـ لا والله يا خالة ولا لعب معي انهاردة .
    ـ سعد أخوك يا حمامة , العبوا مع بعض وابعدوا عن الترعة , في عفاريت هناك تشدكم .
    ـ لا لا لا . ما في عفاريت بالنهار , وسمعت أمي بتقول لأختي الكبيرة بلاش تغني في الحمام بالليل العفريت يلبسك .
    ـ لكن الترعة مسكونة بالعفاريت ليل ونهار , بسرعة روح دور على سعد وأنا أديلك كراك .. بسرعة يا حمامة بسرعة .
    فرد حمامة جناحيه وطار يبحث عن سعد , طمعاً في "الكراك" !!
    لكن يا ترى ماهو هو كراكك يا أم سعد ؟ هريسة أم صحن مهلبية ؟ يارب يطلع فلوس .. يارب !
    دخلت خضرة تجرب اختمار العجين , وعقلها وفكرها كله طائرا مع حمامة وسعد , و وعيها وأذنيها على الباب , حاضرة بنصف وجدانها مع فاطمة , ترد عليها مرة وتسهو مرات , قالت لها فاطمة مستغربة :
    ـ عيانة انهاردة يا خضرة ؟ عنيكي دبلانين ومش هنا خالص .
    ـ الولد مرجعش من المدرسة , خايفه يكون يم المصارف أو حد ضحك عليه وراح معاه هنا أو هنا .
    ـ انتي عارفه انه بيرجع على دارنا . من امتى وهو بيحبكم ؟ عدمتوه العافية حرام عليكم .
    ـ بيخاف من أبوه عشان بياخده البحيرة , ولما بيسمع سيرتها بيركبه ميت عفريت .
    ـ هخلص معاكي وبعدين أروح دارنا أرصص القش وأجيبه معايا لو لاقيته .
    ـ لا روحي دلوقت وارجعي بسرعة , يلة قومي زمان أبوه جاي .. الانتخابات انهاردة وزمانه في السكة .
    قامت فاطمة تنفض عن خصرها دقيق الذرة العالق بالجلابية وتعيد تنظيم ملابسها اللاصقة على جسمها من حر الظهيرة , تضبط عصبة الطرحة وتخفي ضفائرها المفرودة على ظهرها من طي العجين و لتـّه .
    صحيح لم تتم فاطمة تعليمها وأقعدوها من المدرسة في الصف الثاني الابتدائي بعد زواج خضرة , لم تكن تتجاوز الثامنة .. كانت نبيهة ترسم الحروف وتقلدها كالمطبعة , لكن ضيق اليد ومحدودية المصاريف الضائعة على الزيت والسكر والدقيق لا بد لها من تضحيات , كانت فاطمة أقرب هذه التضحيات , وفي أيامها كان يكفيها الجلوس في الدار والتفرغ لجدتها القعيدة ولا داعي للذهاب للامتحانات كي يتم الفصل النهائي بعد كذا سنة من الانقطاع , كحال سائر البنات في تلك الآونة " بلا وجع راس .. يعني هتطلعي دكتور يا فطومة , كفاية عليكي تفكي الخط وتعرفي الألف من كوز الدرة " .
    قيظ النهار هدأ قليلاً , واقترب آذان العصر , ولم يظهر سعد بين الأولاد في عصابات الحارات ومناصرة الهلال , لا خبر عن حمامة ليسكت وسواس خضرة , ومن المفروض أن يرجع والده اليوم من البحيرة ليصوت للسمكة , لكن احتدم يأسه , خمس دورات متتالية ينتخب المهندس أحمد عبد السلام ليجلس تحت قبة المجلس ويحقق لهم أحلامهم المستحيلة لكن لم ينجح مرة .. جمعية الصيادين تحتاج لتطوير وإعادة نظر , مياه الشرب المتصلة بمواسير الصرف , الترع التي تبتلع طفلاً أو طفلة شهرياً , ولا يسعفهما إلا عزرائيل قبل وصولهما للمستشفى التي طفح الملح في جدران غرفها من الداخل , فتشعر بانقباض يأكل صدرك حين تسمع ما ينعق فوق نخلة في حديقتها القديمة , أو يتردد صداك في آخر عنابرها إن بحثت عن موظفيها ولم تجد , قديماً كانت المستشفى الوحيدة في المركز التي يتوفر بها مصل الكلب والفئران , أو عقار لدغ العقرب والحرباء , تأتيها الأعراب من آخر حدود الساحل استنجاداً بتلك الأمصال , لكن اليوم لا نسمع عن هذه العقاقير , انعدمت رغم توالد الكلاب وغزو الفئران و الزواحف , وإن عضتك كلبة مسعورة في فخذك أو قرصك عقرب أصفر فعليك أن تذهب إلى صيدلية المركز وتشتري الحقنة بأغلى الأسعار قبل أن يظهر نباحك أو تموت مسموماً .
    تقبب العجين , وغابت فاطمة , تفاقمت وساوس خضرة , وصورة سعد تتهيأ لها كل لحظة بألف هيئة , والمصيبة الكبرى ألا تجده بعد ذلك في دار جدتها , لبست جلابيتها السوداء واستعدت للبحث عنه بنفسها قبل أن يرجع أبوه .. فجأة زلزلتها طرقات باب الدار العنيفة فكادت أن تفسخه .. !


    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757
  • إيمان الدرع
    نائب ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3576

    #2
    مازلنا معك يامحمد..
    ومع فاطمة وخضرة ...وسعد
    لقد أصبحنا ضمن هذه الأسرة
    وهذه البلدة البسيطة..
    ومجريات الأحداث التي تلتفّ بشوارعها
    نريد أن نعرف أين سعد...؟؟؟
    ومن الذي يطرق الباب وكاد يشقّه..
    نتابعك وباهتمام
    ياابن عمي الغالي
    دُمتَ بسعادةٍ .... تحياتي

    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

    تعليق

    • محمد سلطان
      أديب وكاتب
      • 18-01-2009
      • 4442

      #3
      أحسد نفسي عليك إيمان .. أشكرك على تشجيعك المستمر

      رعاك الله و وفق خطاك

      خالص تحياتي وتقديري .. وحتى نلتقى مع ماحدث لسعد لك كل المنى ,,
      صفحتي على فيس بوك
      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        وفطاني ذهبت و لا جات
        و هناك سعد يبحث ربما عن الضائع منا هناك
        أو أخذه موجه إلى طريق بلا عودة
        لكن من المؤكد أن العجين تخمر ، و أن مصيبة سوف تحط على رأس
        سعد و من لف لفه !!

        استمر و اغترف كما شئت
        هنا هناك .ز فى الدار .. فى الغيط .. فى البحيرة
        القي شباكك بعيدا التقط بعض خيوط من بعيد
        بل خيوط كثيرة
        ثم ربطت لينتهى الأمر بسعد كبيرا ، خريجا فى قرية المتاعيس
        يقودهم لمواجهة الظلم الصاحي عند البحيرة
        و التى سوف تذهب رغم أنفه و أنف من معه !!

        ننتظر

        كن طيبا و جميلا

        محبتي
        sigpic

        تعليق

        يعمل...
        X