آخــــر الرقصــــات
في أي مكـان كنت تخبئين تلك الرقصـة يا أمي؟ أفي جسدك النحيل الذي حنتـه الأيام، و لم تبق منه سوى العظام ؟ أم في جيب سري من جيوب ثيابك التي فرغت من الفرح لعشرين عاماً ؟
صليت العصر، ثم شرّقت بصحبة عكازك، الذي يرافقك أينما توجهت، وعدت بعد نصف ساعة، بقامة منتصبـة، دون عكاز، تتأبطين ذراع أخي العائد..
كل شيء بدا عفوياً يا أمي.. فحين دخلت الدار، وأنت تزغردين، وتهنهنيـن، أخذ أهل الضيعة يتراكضون إلى دارنا.. وبعد دقائق معدودات، لم تعد غرف دارنا تتسع، ولا أرض الدار، ولا سطحنا، ولا أسطح دور الجيران، ولا الزقاق المقابل.. كأن أهل الضيعة ، كلهم ، حضروا ، ليفرحوا معنا بعودة أخي ..
أنا، إلى هذه اللحظة ، لا أعرف كيف وصلت الدربكـة الى حضن خالتي حنيفة .. نحن ما عندنا دربكـة .. أأنت تسمحين لدربكـة أن تدخل بيتنا ؟! وما هي حاجتنا إلى الدربكـة أصلاً ، إذا كان الفرح قد رحل من دارنا ، في اليوم نفسه ، الذي اختفى فيه أخي ، قبل عشرين عاماً ؟ حتى الضحك ، يا أمي ، نسيناه ، وإذا ما صادف ، ونسي أحدنا نفسه، فابتسم، فإن لكزة واحدة من لكزات يد أبي اليابسة، أو زورة واحدة من زوراتك المخيفة ، تجعلانه يتمنى أن تنشق الأرض ، و تبتلعه.. و كأنكما تودان أن تقولا له : كيف تبتسم يا قليل الناموس و أخوك الكبير غائب ؟!
أم أنك اشتريت الدربكـة سراً ، و أخفيتها في دارنا ، أو في دار قريب أو جار ، لتكون جاهزة في ساعة كساعة البارحـة ؟ إن إيمانك بعودة أخي لم يضعف في يوم من الأيام .. عشرون عاماً مرت، وأنت تنتظرين عودته ، و ما مللت من الانتظار .. عشرون عاماً مرت ولم يبتعد فيها عن بالك مسافة ذراع ..
" لا تكبروا على الأكل يا أولاد ، أخوكم فاخر كان يأكل من الموجود.. أفيقوا من النوم يا أولاد ، أخوكم الكبير كان يفيق قبل علام الضوء.. لماذا لا تدرســون؟ أخوكـم ما كان يرفع رأسه من الكتاب.. تتركون شغل البيت كله لي، أخوكــــم كان يساعدني بكل شغلة.. تتعبون من تعبئة قادوس ماء من الجبّ، فاخر كان يحصـد الحنطة معنا بالمنجل .." .
على المائـدة تضعين له صحناً و ملعقـة، و حولها تتركين له مكاناً فارغاً.. على المصطبـة تمدين فراشه في الصيف، وعلى التدريبة ، في غرفتنا الغربيـة ، تمدينه في الشتاء .. تخرجين صـرة ثيابـه من الدولاب، في صباحات أيام الجمع ، والأعياد، فتفوح الروائـــح الطيبة من أوراق الزيزفون، والورد الجوري ، وعروق الحبق، والعبيتران التــي تدسـينها بين الثياب.. أكثر القطع محبة الى قلبك كانت بذلتـه الجامعية الزرقاء ..
أنا أعتقد أنك من اشترى الدربكة مؤخراً ، لأن معنوياتك ، في الأيام الأخيـرة ، وصلت الى السماء .. شُفيت فجأة من آلام المفاصل ، التي لم تكن تتركك تنامين الل.. استقام ظهرك .. صرت ، بدلاً من أن تتوكئي على الكاز، حين تخرجين من الدار ، تضعيه على كتفك ، و تمشين، ظهر اللون الأحمر الذي تركه أثر الحناء على شعرك .. حَوَرت الدار ... غسلت الملاحف ووجوده المخدات .. أخذت تهتمين أكثر من السابق بأحواض الورد ، و الحبق ، و العبيتران .. صرت تكنسين أرض الدار مرتين في اليوم : صباحاً وعصراً، وترشين عليها الماء، كي تمنعي الغبار من الثورة ، إذا ما هبت نسمة هواء ، و بعد صلاة العصر ، تحملين عكازك على كتفك ، و تشرقين لمراقبة الطريق، في ظل شجرة البلوط الهرمة ، التي تستقبل زوار الضيعة .. خفنا على عقلك يا أمـــي.. همسنا لك بالسؤال كعادتنا دائما عندما تجيء سيرة أخي : وهل وصلك خبر ما من أحد ؟
ـ نعم .. و صلني ..
هجمنا عليك بصوت واحـد : ممن ؟ و متى ؟
ـ من هنا .. من فلبي ..
وأضفت، بعد خيبة الأمل التي لاحت على وجوهنا: إذا خرج من عندهم صباحاً، فمتى يصل الضيعة ؟
ـ يصل بعد الظهر..
ـ وإذا خـرج بعد الظهر؟
ـ يصل في الليل.. لكن لماذا تعذبين نفسك بالــذهاب والانتظار عند أول الضيعة ؟
ـ لأن الضيعة كبرت كثيراً بغيابه ، و توسعت ، وأخاف ألاّ يعرف دارنا ..
ست ليال انقضت، ما نمت فيها لساعــة على فراش، أو تمددت على أرض.. تغفين للحظات و أنت مقعية، أو مقرفصة، أو متربعة عند باب الدار، تبددين الليل بالتسبيح ، و الدعاء ، والتضرع ، وقبل حلول الليلة السابعة ، صدقت حسابات قلبك ..
كنت أعتقد أن وردة ستكون أول من سيقوم للرقص ، بعد أن رنــدحت الدربكـة حضن خالتي، وأن وداد ستكون أول من سيشاركهــا الرقص ، فور وصولهــا.. لكنك أنت من بدأت الرقص أولاً ، و استمرتْ الى النهايــة ..
لا أعرف، حين عانقت أخي ، ما الذي جعلني أتذكـر حرارة قبلاته ، عندما كان يجيء خميساً وجمعة ، قبل عشرين عاماً ، و أكثر ، و يصيح حين يصير بأرض الدار: يا أهل البيت.. فأصرخ من قلبي : جاء أخي فاخر .. وأقفز لملاقاتـه قبلــكم جميعــاً، فيأخذني بحضنه، ويقلبني.. كنت تقولين لــه ، حين ترين أثر أســنانـه على خديّ : أنت مثل الكرّ يا فاخر تغير من الأطفال ..
وما الذي جعلني أيضاً أستعيد دفء حضنه ، حين كان يجلسني فيه ، و يغني لي: طلعت يا محلا نورها .. و يا بحريـة هيلا هيلا .. و يحفظني أســماء بعض الـدول، وأسماء عواصمها .. كنت أظن، أيامها ، أني حفظت أسماء دول الدنيا كلها ، و أسـماء عواصمها كلها .. و ما أدراني أن أخي لم يكن يذكــر لي سوى أسماء الدول التي أحبَها ، و أحب عواصمها ؟ لقد اكتشفت ، حين كبرت ، وصرت من تلامذة المدارس، أن هناك دولاً أخـرى كثيرة، ولها عواصم أيضاً ، ما كان أخي الكبير يجيء على سريتها..
ـ من تكون هذه المرأة التي ترقص ؟
ـ مؤكد أنها واحدة من قريبات فاخـر..
أنا سمعتهم يتساءلون همساً.. ومن كان يصدق أن تلك الرقصة لكِ ؟ من كــان يصدق أنك رجعت أكثر من عشرين عاماً الى الوراء ، و صرت ترقصيــن رقــص الصبايا ؟
ـ يوجد شبه كبير بين المرأة التي ترقص و بين أم فاخـر..
ـ قد تكـون إحدى بناتها ..
ـ أنا أعتقد أنها هي ..
ـ مستحيل.. امرأة عجوز، تجاوزت الستين من عمرها، تتوكأ على عكاز ، لا يمكن أن ترقص مثل هذه الرقصـة ..
و هكذا .. حين بدأ أهل الضيعة يكتشفون أنك من كانت ترقص ، أخذت أبصارهم تشخص إليك، تاركة أخي العائد لي وحدي في البداية ، و لــي و لابنــة عمي وردة ، و أختي وداد ، بعد قليل..
لو رأيت وداد حين وصلتْ.. لقد شقت جموع الناس و هي تركض ، و تصـــرخ : أين أخي فاخــر ، أين حبيبي ؟
وداد ما كانت لتتعرف على فاخر لو لم أشر لها إليه.. كلنا لم نعرفه عند وصوله .. قبلته وداد على مهل من جبينه .. من خديـه .. من رقبتـه .. كأنهــا كانت تستنشق رائحتــه لتتأكد من أنــه هو .. ثم ، بعد دقيقـة، أو أقل ، ضمته بقوة ، و شرعت تقبلـه بشكل محموم ، و تهمس له: أنا وداد يا فاخر .. أنا أختك وداد .. كأنها أحست أن أخاها لم يعرفها .. أيعقل أن ينسى فاخر وداد ، أختـه ، التي كان يقول لها ، قبـل أن يختفــي: سأعلق شهادة الهندسة في صدر بيتك ، وسأمنحك نصف راتبي، لخمس سنين، مـدة دراستي بالجامعــة، على الأقل ..
أختي تستحق من أخيهـا أكثر من تعليق شهادة في صــدر بيتـها، وأكثر من نصف راتبــه لخمس سنين.. أصلاً لولاها من أين كان سيصرف على نفسـه، خلال دراسـته الجامعية، التي انقطعت باختفائـه قبل شهرين من تخرجـه ؟ لقد علمـت وداد ، منذ أن كانت طفلـة في الثانية عشرة ، في ورشات قلع البطاطا ، و حواش القطن ، و نبش البصل ، و قطاف الزيتون ، و حصاد الكمون ، و العدس ، و الحمـص ، من أجل المساهمـة بتأمين مصروف أخيهـا .. حتى في أيام الجمع ، أيام الاستراحة ، كانت تعجن، و تخبز ، و تساعدك بتجهيـز زوادة فاخر..
تذكرين يا أمي أن وداد كانت في عامها السابع عشر يوم اختفى أخي ، وأنهـا أجلت موعد عرسـها ، أكثر من مرة ، على أمـل أن يعـود الغائب، و يحضر العرس .. ولم تجبروها على الزواج ، بعد مرور سـنة من التأجيل ، والانتظار، ربما كانت قعدت مثل وردة ، وانتظرت عشرين عاماً..
حين وصلت أختي من دار زوجها ، كان المجتمعون في دارنا يوســعون لـكِ الدائرة ، كأن أرض دارنا لم تعد تتسع لرقصتك: تميلين، و تنحنين، وتقرفصيـن، وتقومين، وتتخوصرين.. تدورين حول نفسك، وتقتربين من أخي العائد ، تلامسينه بأطـراف ثوبك ، فرؤوس أصابـع يديك ، فبشفتيك ، ثم تطيرين الى صالح ، ابن خالتي ، الذي كان يغني لكِ : شيلي يا عمتي شيلي .. تقتربين منـه بصــدرك، وتفقسين لـه بأصابعــك، و تهزين بجسدك ، و حين يقترب بجذعــه منك ، تفرين بعيداً عنـه..
أذكـر، في صغـري ، أني كنت أرفقك الى بعض الأعراس، و أذكـر أنــك كنت تغنين بصوت عذب، كأكثر نساء الضيعـة.. بعد اختفاء أخي لم يبق من صوتك سوى بحـة الحزن فيه ، حين كنت تتلين ما تيسر لك من الآيات ، و السور ، بعد أدائك لصـلاة الصبح حاضرة .. أو حين كنت تغنين العتابات الحزينـة ، عند رؤوس الأحبـة مـن الراحلين من أهل الضيعـة، قبل دفنهم.. ألا تذكرين ماذا فعلت عند رأس أبـي ، الــذي ضاق صدره من همّ انتظار عودة أخي ، فتركنا، ورحل ، قبل نحو خمس سنين؟ يومها أبكيت الناس و الحجارة..
وأذكر أن رقصك لم يكـن مميزاً كصوتك .. كان مثل رقص أي أمــرأة فـي الضيعة ، ولا أعلم متى تدربت على رقصـة البارحـة ، و لا أين كنت تخبئينها.. البارحة رقصت بجنون وبحركات ما كانت معنية بإيقاع الدربـكة بيـن يــدي خالتي ، و لا بغناء صالح ، أو بتصفيق الناس .. رقصت رقصـاً ما رأيت امــرأة في ضيعتنا ، أو غير ضيعتنا ، كانت رقصت مثلــه.. كنت أمهـر من النوريات اللواتي كن يزرن قريتنا في المواسم، و يغنين على البيادر، و يرقصن ..
أختي ما شاركتك الرقص بعد وصولها، ولا وردة ابنة عمي رقصـت ، فبعـد ثوام من وصول زغارديك دار عمي ، كانت وردة قد صارت في دارنا، لأنها تدرك أنك لن تزغردي قبل عودة أخي .. عمي محمود ، و أفراد عائلته ، جاؤوا ركضاً مـن باب الدار ، إلا وردة ، فقد قفزت عن الجدار، مثلما كانت تقفـز عنـه قبل عشرين عاماً ، لتلقي فاخراً ، أو يقفز عنـه فاخـر ، ليلتقي وردة .. أنا ، ابن السنوات الخمس أيامها ، كنت متواطئاً بأكثـر لقاتءاتهما ..
يدسّ فاخر في جيبي ، فور وصولـه من المدينـة ، ربـع ليرة ، و رسالة ، فأركض إلـى بيت عمي محمود ، أسلم الرسالة لوردة ، وأنتظر بضع دقائق ، إلى أن تقرأها ، و تكتب جواباً عليها، تدسـه في جيبي ، مع ربع ليرة ، فأركض الى دارنا ، أسلم الرسالة لفاخــر، و مساء ، حين يلتقيان وراء بوابة دار عمي ، أقرفص على قبـة تنورنا ، أراقب لهما الموقف ، و أستمع الى زقزقاتهما.. هكذا كنت أمضي الوقت بعد وصول أخي من المدينة : بين دارنا ، و دار بيت عمي ، و قبة التنور ، و دكان الحاج مصطفى، أشتري بأرباع فاخر ووردة ..
بعد سنتين من اختفاء أخي ، علمت أن الشيخ سلّوم ، إمام جامع قريتنا ، همس في أذن عمي محمود : ابنتك صارت بحكم المطلقـة ، لعدم معرفـة مصير ابن عمها .. لقد كتب عليها، واختفى، وصار من حقها الآن أن تتزوج شخصاً غيره .. اليوم صـارت في العشرين ، و غداً لن تجد شاباً يطلب يدها..
من كان يجرؤ على مفاتحـة وردة بموضـوع كهذا ؟ لقد ربطت البنت مصيرها بمصير ابن عمها وانتهى الأمر.. عاشت، مثلك ، عل أمل أن يظهر في يـوم مــن الأيام ، وها هـو قد ظهـر، ولكن متى؟
حين قفزت وردة عن الجدار ، و ركضت إلينا ، توقعت أنها ستهجم على أخي ، و تغمره بشوق عشرين عاماً من الانتظار .. لكن ما الذي أصاب وردة وقتها ؟ أتكون أدركت ، ما أدركته أنا، فور وقوع نظرها على أخـي؟ أم تكون قد خجلـت مـن معانقته أمام الناس ؟ مستحيل ! أتخجل إمرأة من معانقة زوجها ، أمام الناس ، بعد سفرة استمرت عمراً ؟ صحيح أنهما لم يعرّسا ، لكن كتابكما مكتوب ، وهي بحكم زوجته على سنة الله و رسوله .. لقد تحول ركضها الى هرولـة في البـــداية ، ثم مشت ، فتمهلت حين اقتربت منه ، و أطرقت حين وصلت ، و بعد نظرة خاطفة ، مدت إليه يداً خجـولة ، وصافحتـه ..
اليوم اثنين ، همست لفاخر وأنت تلهثين، والخميس القادم سأعمل لكما عرساً ما عرفت الضيعة مثله ..
عن أي عرس تحدثت مع فاخر ووردة يا أمي، وعن أي خميس؟ وهل كنت ستعودين صبيــة ، فيما لو أقمنا لهما عرساً بالفعل، و ترقصين مثلما رقصت البارحة ؟ لو تعرفين أين وجدت وردة ، التي اختفت فجأة ، بعد سلامها الخجول على أخي ؟ ظننت في البدايــة أنهــا راحت تتفقد جهازك ، بعد أن حددت لهما موعد الزفاف.. كنت أبحث عن أختي وداد التي اختفت هي الأخــرى ، بعد انتهاء عناقها لأخيـها .. وجدت الاثنتين متعانقتين تنتحبان عند الجدار الفاصل ، بين دارنا و دار عمي محمود ، في المكان نفسه الذي كنت تقفز منه وردة ، أو يقفز من فاخر ، قبل عشرين عاماً..
قاومت دمعتي ، واستدرت إليك.. كنت تؤدين حركات راقصة ، من وضعية القرفصاء، أمام أخي.. فجأة تباطأت حركات يديك.. اقتربت بوجهك من وجهـه ، وبقيت تقتربين ، إلى أن تلاشت المسافـة بين وجهيكما.. حملقت فيـه لثوان ، ثم سقطت على الأرض..
أهي السّكرة كانت ذهبت يا أمي ، و جاءت الفكرة ؟ أم هو الفرح الذي أعمــى بصرك ، و باصرتك؟ إن أخي لم يكن أخي يا أمي .. أخي كان ممشوقاً ، باسماً ، شاباً ، ممتلئاً، و كان شعره مسترســلاً ، يغني وقت الغناء ، و يرقص وقت الرقص ، و يدبـك وقت الدبكـــة ، و يحكي إذا حضر الحديث ..أما الشخص الي جاءنا البارحـة ، فقد كان ضئيلاً ، هرمـاً ، محني الظهـر ، على رأسـه بضـع شعرات بيض ، لم يعبأ برقصـك ، و لا بدربكـة خالتي ، أو بغنـاء صالح، أو بفرح الناس من حوله بعودتـه.. كان شارداً طوال الوقت ينظر إلى الفراغ، لم ينطق بحرف واحد منذ وصوله.. حتى من الأحاسيس لم يكـن عنده شيء .. فلو كان عنده شيء منها ، لوجدنا لقبلاتـه حــرارة .. لحضنـه دفئاً .. لبقي معي هنا ، عند قبرك ، و لو لدقائق ، بعد انتهائنا من مراسم دفنك ..
في أي مكـان كنت تخبئين تلك الرقصـة يا أمي؟ أفي جسدك النحيل الذي حنتـه الأيام، و لم تبق منه سوى العظام ؟ أم في جيب سري من جيوب ثيابك التي فرغت من الفرح لعشرين عاماً ؟
صليت العصر، ثم شرّقت بصحبة عكازك، الذي يرافقك أينما توجهت، وعدت بعد نصف ساعة، بقامة منتصبـة، دون عكاز، تتأبطين ذراع أخي العائد..
كل شيء بدا عفوياً يا أمي.. فحين دخلت الدار، وأنت تزغردين، وتهنهنيـن، أخذ أهل الضيعة يتراكضون إلى دارنا.. وبعد دقائق معدودات، لم تعد غرف دارنا تتسع، ولا أرض الدار، ولا سطحنا، ولا أسطح دور الجيران، ولا الزقاق المقابل.. كأن أهل الضيعة ، كلهم ، حضروا ، ليفرحوا معنا بعودة أخي ..
أنا، إلى هذه اللحظة ، لا أعرف كيف وصلت الدربكـة الى حضن خالتي حنيفة .. نحن ما عندنا دربكـة .. أأنت تسمحين لدربكـة أن تدخل بيتنا ؟! وما هي حاجتنا إلى الدربكـة أصلاً ، إذا كان الفرح قد رحل من دارنا ، في اليوم نفسه ، الذي اختفى فيه أخي ، قبل عشرين عاماً ؟ حتى الضحك ، يا أمي ، نسيناه ، وإذا ما صادف ، ونسي أحدنا نفسه، فابتسم، فإن لكزة واحدة من لكزات يد أبي اليابسة، أو زورة واحدة من زوراتك المخيفة ، تجعلانه يتمنى أن تنشق الأرض ، و تبتلعه.. و كأنكما تودان أن تقولا له : كيف تبتسم يا قليل الناموس و أخوك الكبير غائب ؟!
أم أنك اشتريت الدربكـة سراً ، و أخفيتها في دارنا ، أو في دار قريب أو جار ، لتكون جاهزة في ساعة كساعة البارحـة ؟ إن إيمانك بعودة أخي لم يضعف في يوم من الأيام .. عشرون عاماً مرت، وأنت تنتظرين عودته ، و ما مللت من الانتظار .. عشرون عاماً مرت ولم يبتعد فيها عن بالك مسافة ذراع ..
" لا تكبروا على الأكل يا أولاد ، أخوكم فاخر كان يأكل من الموجود.. أفيقوا من النوم يا أولاد ، أخوكم الكبير كان يفيق قبل علام الضوء.. لماذا لا تدرســون؟ أخوكـم ما كان يرفع رأسه من الكتاب.. تتركون شغل البيت كله لي، أخوكــــم كان يساعدني بكل شغلة.. تتعبون من تعبئة قادوس ماء من الجبّ، فاخر كان يحصـد الحنطة معنا بالمنجل .." .
على المائـدة تضعين له صحناً و ملعقـة، و حولها تتركين له مكاناً فارغاً.. على المصطبـة تمدين فراشه في الصيف، وعلى التدريبة ، في غرفتنا الغربيـة ، تمدينه في الشتاء .. تخرجين صـرة ثيابـه من الدولاب، في صباحات أيام الجمع ، والأعياد، فتفوح الروائـــح الطيبة من أوراق الزيزفون، والورد الجوري ، وعروق الحبق، والعبيتران التــي تدسـينها بين الثياب.. أكثر القطع محبة الى قلبك كانت بذلتـه الجامعية الزرقاء ..
أنا أعتقد أنك من اشترى الدربكة مؤخراً ، لأن معنوياتك ، في الأيام الأخيـرة ، وصلت الى السماء .. شُفيت فجأة من آلام المفاصل ، التي لم تكن تتركك تنامين الل.. استقام ظهرك .. صرت ، بدلاً من أن تتوكئي على الكاز، حين تخرجين من الدار ، تضعيه على كتفك ، و تمشين، ظهر اللون الأحمر الذي تركه أثر الحناء على شعرك .. حَوَرت الدار ... غسلت الملاحف ووجوده المخدات .. أخذت تهتمين أكثر من السابق بأحواض الورد ، و الحبق ، و العبيتران .. صرت تكنسين أرض الدار مرتين في اليوم : صباحاً وعصراً، وترشين عليها الماء، كي تمنعي الغبار من الثورة ، إذا ما هبت نسمة هواء ، و بعد صلاة العصر ، تحملين عكازك على كتفك ، و تشرقين لمراقبة الطريق، في ظل شجرة البلوط الهرمة ، التي تستقبل زوار الضيعة .. خفنا على عقلك يا أمـــي.. همسنا لك بالسؤال كعادتنا دائما عندما تجيء سيرة أخي : وهل وصلك خبر ما من أحد ؟
ـ نعم .. و صلني ..
هجمنا عليك بصوت واحـد : ممن ؟ و متى ؟
ـ من هنا .. من فلبي ..
وأضفت، بعد خيبة الأمل التي لاحت على وجوهنا: إذا خرج من عندهم صباحاً، فمتى يصل الضيعة ؟
ـ يصل بعد الظهر..
ـ وإذا خـرج بعد الظهر؟
ـ يصل في الليل.. لكن لماذا تعذبين نفسك بالــذهاب والانتظار عند أول الضيعة ؟
ـ لأن الضيعة كبرت كثيراً بغيابه ، و توسعت ، وأخاف ألاّ يعرف دارنا ..
ست ليال انقضت، ما نمت فيها لساعــة على فراش، أو تمددت على أرض.. تغفين للحظات و أنت مقعية، أو مقرفصة، أو متربعة عند باب الدار، تبددين الليل بالتسبيح ، و الدعاء ، والتضرع ، وقبل حلول الليلة السابعة ، صدقت حسابات قلبك ..
كنت أعتقد أن وردة ستكون أول من سيقوم للرقص ، بعد أن رنــدحت الدربكـة حضن خالتي، وأن وداد ستكون أول من سيشاركهــا الرقص ، فور وصولهــا.. لكنك أنت من بدأت الرقص أولاً ، و استمرتْ الى النهايــة ..
لا أعرف، حين عانقت أخي ، ما الذي جعلني أتذكـر حرارة قبلاته ، عندما كان يجيء خميساً وجمعة ، قبل عشرين عاماً ، و أكثر ، و يصيح حين يصير بأرض الدار: يا أهل البيت.. فأصرخ من قلبي : جاء أخي فاخر .. وأقفز لملاقاتـه قبلــكم جميعــاً، فيأخذني بحضنه، ويقلبني.. كنت تقولين لــه ، حين ترين أثر أســنانـه على خديّ : أنت مثل الكرّ يا فاخر تغير من الأطفال ..
وما الذي جعلني أيضاً أستعيد دفء حضنه ، حين كان يجلسني فيه ، و يغني لي: طلعت يا محلا نورها .. و يا بحريـة هيلا هيلا .. و يحفظني أســماء بعض الـدول، وأسماء عواصمها .. كنت أظن، أيامها ، أني حفظت أسماء دول الدنيا كلها ، و أسـماء عواصمها كلها .. و ما أدراني أن أخي لم يكن يذكــر لي سوى أسماء الدول التي أحبَها ، و أحب عواصمها ؟ لقد اكتشفت ، حين كبرت ، وصرت من تلامذة المدارس، أن هناك دولاً أخـرى كثيرة، ولها عواصم أيضاً ، ما كان أخي الكبير يجيء على سريتها..
ـ من تكون هذه المرأة التي ترقص ؟
ـ مؤكد أنها واحدة من قريبات فاخـر..
أنا سمعتهم يتساءلون همساً.. ومن كان يصدق أن تلك الرقصة لكِ ؟ من كــان يصدق أنك رجعت أكثر من عشرين عاماً الى الوراء ، و صرت ترقصيــن رقــص الصبايا ؟
ـ يوجد شبه كبير بين المرأة التي ترقص و بين أم فاخـر..
ـ قد تكـون إحدى بناتها ..
ـ أنا أعتقد أنها هي ..
ـ مستحيل.. امرأة عجوز، تجاوزت الستين من عمرها، تتوكأ على عكاز ، لا يمكن أن ترقص مثل هذه الرقصـة ..
و هكذا .. حين بدأ أهل الضيعة يكتشفون أنك من كانت ترقص ، أخذت أبصارهم تشخص إليك، تاركة أخي العائد لي وحدي في البداية ، و لــي و لابنــة عمي وردة ، و أختي وداد ، بعد قليل..
لو رأيت وداد حين وصلتْ.. لقد شقت جموع الناس و هي تركض ، و تصـــرخ : أين أخي فاخــر ، أين حبيبي ؟
وداد ما كانت لتتعرف على فاخر لو لم أشر لها إليه.. كلنا لم نعرفه عند وصوله .. قبلته وداد على مهل من جبينه .. من خديـه .. من رقبتـه .. كأنهــا كانت تستنشق رائحتــه لتتأكد من أنــه هو .. ثم ، بعد دقيقـة، أو أقل ، ضمته بقوة ، و شرعت تقبلـه بشكل محموم ، و تهمس له: أنا وداد يا فاخر .. أنا أختك وداد .. كأنها أحست أن أخاها لم يعرفها .. أيعقل أن ينسى فاخر وداد ، أختـه ، التي كان يقول لها ، قبـل أن يختفــي: سأعلق شهادة الهندسة في صدر بيتك ، وسأمنحك نصف راتبي، لخمس سنين، مـدة دراستي بالجامعــة، على الأقل ..
أختي تستحق من أخيهـا أكثر من تعليق شهادة في صــدر بيتـها، وأكثر من نصف راتبــه لخمس سنين.. أصلاً لولاها من أين كان سيصرف على نفسـه، خلال دراسـته الجامعية، التي انقطعت باختفائـه قبل شهرين من تخرجـه ؟ لقد علمـت وداد ، منذ أن كانت طفلـة في الثانية عشرة ، في ورشات قلع البطاطا ، و حواش القطن ، و نبش البصل ، و قطاف الزيتون ، و حصاد الكمون ، و العدس ، و الحمـص ، من أجل المساهمـة بتأمين مصروف أخيهـا .. حتى في أيام الجمع ، أيام الاستراحة ، كانت تعجن، و تخبز ، و تساعدك بتجهيـز زوادة فاخر..
تذكرين يا أمي أن وداد كانت في عامها السابع عشر يوم اختفى أخي ، وأنهـا أجلت موعد عرسـها ، أكثر من مرة ، على أمـل أن يعـود الغائب، و يحضر العرس .. ولم تجبروها على الزواج ، بعد مرور سـنة من التأجيل ، والانتظار، ربما كانت قعدت مثل وردة ، وانتظرت عشرين عاماً..
حين وصلت أختي من دار زوجها ، كان المجتمعون في دارنا يوســعون لـكِ الدائرة ، كأن أرض دارنا لم تعد تتسع لرقصتك: تميلين، و تنحنين، وتقرفصيـن، وتقومين، وتتخوصرين.. تدورين حول نفسك، وتقتربين من أخي العائد ، تلامسينه بأطـراف ثوبك ، فرؤوس أصابـع يديك ، فبشفتيك ، ثم تطيرين الى صالح ، ابن خالتي ، الذي كان يغني لكِ : شيلي يا عمتي شيلي .. تقتربين منـه بصــدرك، وتفقسين لـه بأصابعــك، و تهزين بجسدك ، و حين يقترب بجذعــه منك ، تفرين بعيداً عنـه..
أذكـر، في صغـري ، أني كنت أرفقك الى بعض الأعراس، و أذكـر أنــك كنت تغنين بصوت عذب، كأكثر نساء الضيعـة.. بعد اختفاء أخي لم يبق من صوتك سوى بحـة الحزن فيه ، حين كنت تتلين ما تيسر لك من الآيات ، و السور ، بعد أدائك لصـلاة الصبح حاضرة .. أو حين كنت تغنين العتابات الحزينـة ، عند رؤوس الأحبـة مـن الراحلين من أهل الضيعـة، قبل دفنهم.. ألا تذكرين ماذا فعلت عند رأس أبـي ، الــذي ضاق صدره من همّ انتظار عودة أخي ، فتركنا، ورحل ، قبل نحو خمس سنين؟ يومها أبكيت الناس و الحجارة..
وأذكر أن رقصك لم يكـن مميزاً كصوتك .. كان مثل رقص أي أمــرأة فـي الضيعة ، ولا أعلم متى تدربت على رقصـة البارحـة ، و لا أين كنت تخبئينها.. البارحة رقصت بجنون وبحركات ما كانت معنية بإيقاع الدربـكة بيـن يــدي خالتي ، و لا بغناء صالح ، أو بتصفيق الناس .. رقصت رقصـاً ما رأيت امــرأة في ضيعتنا ، أو غير ضيعتنا ، كانت رقصت مثلــه.. كنت أمهـر من النوريات اللواتي كن يزرن قريتنا في المواسم، و يغنين على البيادر، و يرقصن ..
أختي ما شاركتك الرقص بعد وصولها، ولا وردة ابنة عمي رقصـت ، فبعـد ثوام من وصول زغارديك دار عمي ، كانت وردة قد صارت في دارنا، لأنها تدرك أنك لن تزغردي قبل عودة أخي .. عمي محمود ، و أفراد عائلته ، جاؤوا ركضاً مـن باب الدار ، إلا وردة ، فقد قفزت عن الجدار، مثلما كانت تقفـز عنـه قبل عشرين عاماً ، لتلقي فاخراً ، أو يقفز عنـه فاخـر ، ليلتقي وردة .. أنا ، ابن السنوات الخمس أيامها ، كنت متواطئاً بأكثـر لقاتءاتهما ..
يدسّ فاخر في جيبي ، فور وصولـه من المدينـة ، ربـع ليرة ، و رسالة ، فأركض إلـى بيت عمي محمود ، أسلم الرسالة لوردة ، وأنتظر بضع دقائق ، إلى أن تقرأها ، و تكتب جواباً عليها، تدسـه في جيبي ، مع ربع ليرة ، فأركض الى دارنا ، أسلم الرسالة لفاخــر، و مساء ، حين يلتقيان وراء بوابة دار عمي ، أقرفص على قبـة تنورنا ، أراقب لهما الموقف ، و أستمع الى زقزقاتهما.. هكذا كنت أمضي الوقت بعد وصول أخي من المدينة : بين دارنا ، و دار بيت عمي ، و قبة التنور ، و دكان الحاج مصطفى، أشتري بأرباع فاخر ووردة ..
بعد سنتين من اختفاء أخي ، علمت أن الشيخ سلّوم ، إمام جامع قريتنا ، همس في أذن عمي محمود : ابنتك صارت بحكم المطلقـة ، لعدم معرفـة مصير ابن عمها .. لقد كتب عليها، واختفى، وصار من حقها الآن أن تتزوج شخصاً غيره .. اليوم صـارت في العشرين ، و غداً لن تجد شاباً يطلب يدها..
من كان يجرؤ على مفاتحـة وردة بموضـوع كهذا ؟ لقد ربطت البنت مصيرها بمصير ابن عمها وانتهى الأمر.. عاشت، مثلك ، عل أمل أن يظهر في يـوم مــن الأيام ، وها هـو قد ظهـر، ولكن متى؟
حين قفزت وردة عن الجدار ، و ركضت إلينا ، توقعت أنها ستهجم على أخي ، و تغمره بشوق عشرين عاماً من الانتظار .. لكن ما الذي أصاب وردة وقتها ؟ أتكون أدركت ، ما أدركته أنا، فور وقوع نظرها على أخـي؟ أم تكون قد خجلـت مـن معانقته أمام الناس ؟ مستحيل ! أتخجل إمرأة من معانقة زوجها ، أمام الناس ، بعد سفرة استمرت عمراً ؟ صحيح أنهما لم يعرّسا ، لكن كتابكما مكتوب ، وهي بحكم زوجته على سنة الله و رسوله .. لقد تحول ركضها الى هرولـة في البـــداية ، ثم مشت ، فتمهلت حين اقتربت منه ، و أطرقت حين وصلت ، و بعد نظرة خاطفة ، مدت إليه يداً خجـولة ، وصافحتـه ..
اليوم اثنين ، همست لفاخر وأنت تلهثين، والخميس القادم سأعمل لكما عرساً ما عرفت الضيعة مثله ..
عن أي عرس تحدثت مع فاخر ووردة يا أمي، وعن أي خميس؟ وهل كنت ستعودين صبيــة ، فيما لو أقمنا لهما عرساً بالفعل، و ترقصين مثلما رقصت البارحة ؟ لو تعرفين أين وجدت وردة ، التي اختفت فجأة ، بعد سلامها الخجول على أخي ؟ ظننت في البدايــة أنهــا راحت تتفقد جهازك ، بعد أن حددت لهما موعد الزفاف.. كنت أبحث عن أختي وداد التي اختفت هي الأخــرى ، بعد انتهاء عناقها لأخيـها .. وجدت الاثنتين متعانقتين تنتحبان عند الجدار الفاصل ، بين دارنا و دار عمي محمود ، في المكان نفسه الذي كنت تقفز منه وردة ، أو يقفز من فاخر ، قبل عشرين عاماً..
قاومت دمعتي ، واستدرت إليك.. كنت تؤدين حركات راقصة ، من وضعية القرفصاء، أمام أخي.. فجأة تباطأت حركات يديك.. اقتربت بوجهك من وجهـه ، وبقيت تقتربين ، إلى أن تلاشت المسافـة بين وجهيكما.. حملقت فيـه لثوان ، ثم سقطت على الأرض..
أهي السّكرة كانت ذهبت يا أمي ، و جاءت الفكرة ؟ أم هو الفرح الذي أعمــى بصرك ، و باصرتك؟ إن أخي لم يكن أخي يا أمي .. أخي كان ممشوقاً ، باسماً ، شاباً ، ممتلئاً، و كان شعره مسترســلاً ، يغني وقت الغناء ، و يرقص وقت الرقص ، و يدبـك وقت الدبكـــة ، و يحكي إذا حضر الحديث ..أما الشخص الي جاءنا البارحـة ، فقد كان ضئيلاً ، هرمـاً ، محني الظهـر ، على رأسـه بضـع شعرات بيض ، لم يعبأ برقصـك ، و لا بدربكـة خالتي ، أو بغنـاء صالح، أو بفرح الناس من حوله بعودتـه.. كان شارداً طوال الوقت ينظر إلى الفراغ، لم ينطق بحرف واحد منذ وصوله.. حتى من الأحاسيس لم يكـن عنده شيء .. فلو كان عنده شيء منها ، لوجدنا لقبلاتـه حــرارة .. لحضنـه دفئاً .. لبقي معي هنا ، عند قبرك ، و لو لدقائق ، بعد انتهائنا من مراسم دفنك ..
تعليق