ميلادٌ جَديد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد المختار زادني
    أديب وشاعر
    • 01-07-2007
    • 102

    ميلادٌ جَديد


    ميلادٌ جَديد
    [align=justify]
    عيناك كانتا وطني الذي حلمت به في غفوة الزمن المسروق، عشية حطّمت على صخور الرغبة زورق زهدي، وهجعتُ على رمْل وَهْمي أستشفّ في رسوم كثبانه سبيل نجاتي... عانقتني الغيوم آن الأصيل، وبكت معي فراق شمسي وحرقة انتظار صبح غدي.
    عيناك كانتا مهدا على متن الريح، عائما في حُباب خيالاتي، حين جاءت تداعبني ثَوْأباءُ الفجر، توقظ أحلامي وتكْسر في الضباب خمول التّلاشي بأطياف السّنا الورديّ، فتهزم دابر لون الرّماد على هامات الصّنوبر في الوادي.
    ما أحدٌ كان يحسب ذاك يوم وفاتي! وكم كان طعم الموت حلوا على شفاه ذاتي ...
    بعدها وُلدتُ اليوم هاهنا في خدر شمس هذا الربيع، وتعلمتْ أصابعي تغزل من خيوط الشّمس أبهى حلل المعاني، وتفرغها على صدف الحروف حيث تولدُ الكلمات. غداً أنسى حضن الموت الجليدي، وأعبث بكل أصابع الميلاد المرتعشة، وسأحبو صوب العين لأرشف عذب رحيق النبات البري، وغداً يعلمني الرّعد أنشودة المجد بألحان الحياة. وغداً يلمّ البرق أشلاء الأحلام بعد شتات، ويعصر في جفون الغيم دمع أفراح تحيك منه الريح سيولاً تُساق في منحدر الشلاّل، حيث يروي الشّدو أنضر ما كتب التاريخ على الرّبوات؛ وسينبري التاريخ ينفخ عن التلال رماد الأيام ويبرئُ الحروف من صدإ غطى فيها الألق. وستجمع الصّبا ما انتثر من كلمات في حلق الضياع وباقة من صرخات المظلومين، وأنّات المحرومين لتبذرها في رؤوس القاعدين على فرُش الهذيان بين سرادق الخنوع، تذكّرهم بعاصفة مضغت آمال زماننا ورمت بعظامه في خليج المذلّة... تلك ريح بَرَتْ لساني من سعف النّخل، يوم وضعت قلبي في تابوت الأمل وأودعته بين دواليب الغد المبهم. يوم أفقت على بريق المناجل وأريج الأقحوان يضوع من كفيك حين كانا يتداولان قبضة الرحى الدائرة في رتابة كرتابة الأيام ... سمعتك يومها تترنمين تارة وتتمتمين أخرى بكلمات جميلة غير أن ما علق منها كالشوك بتلابيب شعري الأغبر حينذاك، لم يبرح ذاكرتي إلا وقد حفر أخدودا ما لبثت أن احتلته أشواك الحسك بين تجاويف دماغي ! وكأني أسمعك الآن ترددين...
    إنْ ظمئتْ بالمشرق نغمةٌ من (فاس) سيق لها الغمام سلافا...
    (وهران) أهلوك كم لواءِ شهامة حملوا ...
    و(القيروانُ) لاح في أفق السنين منارها...
    وكم أهدت زمر الكُماة (طرابلس) ثمورها وسقياها ...
    وعلى مصبّ النيل ألقى البديع قصيده فأشجاها...
    سلوا بحرا قد لوّنت الشقائق ذكرهُ؛
    كم حضرميا على زورق الأمجاد شقّ عبابه شوقا (لأم درمان) ...
    وفي (عمان) شواهد الفنّ لم تزل نشوى ...
    أرى في هاتيك الفيافي رحالا مشدودة (لأم القرى) والخشوع من فوقها غلالة ...
    ومنابر الشّام كلّلها البيان سحرا...
    ومكامن الفيروز تحضنها (بيروت)...
    ومعين دجلة ينساب نشوان من طيب (بغداد) وراحها...
    وموطن المعراج أنبت سهله عِبَراً وفكرا...
    ترنيمة خفيفة كانت تصبّ النوم في جفنيّ الصّغيرين حينها، ويلفني خيال لأجداث العزائم والهمم، وأسراب الحمائم تجوب تلك الربوع قبل توالي عُقد الزمن المسروق!
    ترى، أمازلت تحلمين يقظة تحت ركام الدار البالية بعدما هدموا ذاك الجدار المحاذي لمنابت الحناء، وجلجلة غربان القصدير تحوم بشؤمها حول (حيفا)؟
    أمازال (الفرات) رقراقا عذبا كما شهدتْهُ جيوش الفاتحين؟
    أمازال طعم البنّ اليمني ينشي دروب (صنعاء)؟
    أرى عينيك تسمّرتا شاخصتين نحو سماء يخنقها ضباب اليأس... ألم تعلمي أني ولدت من جديد لأسمع ترنيماتك الجميلة؟ وُلدتُ ومعي رقاقة مسحورة ترصد الأحاسيس وتكشف خبايا الأفكار وتشتم عفن الدسائس. يطرد لمعانها الذئاب وأبناء آوى ويخنق طيبها الفطر والعفن. شفرتها نص مكتوب على الأثير وسيبقى غير منظور حتى يعود لعينيك بريقهما!
    [/align]
  • مصطفى الصالح
    لمسة شفق
    • 08-12-2009
    • 6443

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة محمد المختار زادني مشاهدة المشاركة
    ميلادٌ جَديد
    [align=justify]
    عيناك كانتا وطني الذي حلمت به في غفوة الزمن المسروق، عشية حطّمت على صخور الرغبة زورق زهدي، وهجعتُ على رمْل وَهْمي أستشفّ في رسوم كثبانه سبيل نجاتي... عانقتني الغيوم آن الأصيل، وبكت معي فراق شمسي وحرقة انتظار صبح غدي.
    عيناك كانتا مهدا على متن الريح، عائما في حُباب خيالاتي، حين جاءت تداعبني ثَوْأباءُ الفجر، توقظ أحلامي وتكْسر في الضباب خمول التّلاشي بأطياف السّنا الورديّ، فتهزم دابر لون الرّماد على هامات الصّنوبر في الوادي.
    ما أحدٌ كان يحسب ذاك يوم وفاتي! وكم كان طعم الموت حلوا على شفاه ذاتي ...
    بعدها وُلدتُ اليوم هاهنا في خدر شمس هذا الربيع، وتعلمتْ أصابعي تغزل من خيوط الشّمس أبهى حلل المعاني، وتفرغها على صدف الحروف حيث تولدُ الكلمات. غداً أنسى حضن الموت الجليدي، وأعبث بكل أصابع الميلاد المرتعشة، وسأحبو صوب العين لأرشف عذب رحيق النبات البري، وغداً يعلمني الرّعد أنشودة المجد بألحان الحياة. وغداً يلمّ البرق أشلاء الأحلام بعد شتات، ويعصر في جفون الغيم دمع أفراح تحيك منه الريح سيولاً تُساق في منحدر الشلاّل، حيث يروي الشّدو أنضر ما كتب التاريخ على الرّبوات؛ وسينبري التاريخ ينفخ عن التلال رماد الأيام ويبرئُ الحروف من صدإ غطى فيها الألق. وستجمع الصّبا ما انتثر من كلمات في حلق الضياع وباقة من صرخات المظلومين، وأنّات المحرومين لتبذرها في رؤوس القاعدين على فرُش الهذيان بين سرادق الخنوع، تذكّرهم بعاصفة مضغت آمال زماننا ورمت بعظامه في خليج المذلّة... تلك ريح بَرَتْ لساني من سعف النّخل، يوم وضعت قلبي في تابوت الأمل وأودعته بين دواليب الغد المبهم. يوم أفقت على بريق المناجل وأريج الأقحوان يضوع من كفيك حين كانا يتداولان قبضة الرحى الدائرة في رتابة كرتابة الأيام ... سمعتك يومها تترنمين تارة وتتمتمين أخرى بكلمات جميلة غير أن ما علق منها كالشوك بتلابيب شعري الأغبر حينذاك، لم يبرح ذاكرتي إلا وقد حفر أخدودا ما لبثت أن احتلته أشواك الحسك بين تجاويف دماغي ! وكأني أسمعك الآن ترددين...
    إنْ ظمئتْ بالمشرق نغمةٌ من (فاس) سيق لها الغمام سلافا...
    (وهران) أهلوك كم لواءِ شهامة حملوا ...
    و(القيروانُ) لاح في أفق السنين منارها...
    وكم أهدت زمر الكُماة (طرابلس) ثمورها وسقياها ...
    وعلى مصبّ النيل ألقى البديع قصيده فأشجاها...
    سلوا بحرا قد لوّنت الشقائق ذكرهُ؛
    كم حضرميا على زورق الأمجاد شقّ عبابه شوقا (لأم درمان) ...
    وفي (عمان) شواهد الفنّ لم تزل نشوى ...
    أرى في هاتيك الفيافي رحالا مشدودة (لأم القرى) والخشوع من فوقها غلالة ...
    ومنابر الشّام كلّلها البيان سحرا...
    ومكامن الفيروز تحضنها (بيروت)...
    ومعين دجلة ينساب نشوان من طيب (بغداد) وراحها...
    وموطن المعراج أنبت سهله عِبَراً وفكرا...
    ترنيمة خفيفة كانت تصبّ النوم في جفنيّ الصّغيرين حينها، ويلفني خيال لأجداث العزائم والهمم، وأسراب الحمائم تجوب تلك الربوع قبل توالي عُقد الزمن المسروق!
    ترى، أمازلت تحلمين يقظة تحت ركام الدار البالية بعدما هدموا ذاك الجدار المحاذي لمنابت الحناء، وجلجلة غربان القصدير تحوم بشؤمها حول (حيفا)؟
    أمازال (الفرات) رقراقا عذبا كما شهدتْهُ جيوش الفاتحين؟
    أمازال طعم البنّ اليمني ينشي دروب (صنعاء)؟
    أرى عينيك تسمّرتا شاخصتين نحو سماء يخنقها ضباب اليأس... ألم تعلمي أني ولدت من جديد لأسمع ترنيماتك الجميلة؟ وُلدتُ ومعي رقاقة مسحورة ترصد الأحاسيس وتكشف خبايا الأفكار وتشتم عفن الدسائس. يطرد لمعانها الذئاب وأبناء آوى ويخنق طيبها الفطر والعفن. شفرتها نص مكتوب على الأثير وسيبقى غير منظور حتى يعود لعينيك بريقهما!
    [/align]

    اخي محمد

    اهنؤك على هذا النص النثري الرائع

    شجي ومرهف وشفاف

    مزجت بين الخاطرة والسرد والصور والرمزية بحرفية عالية

    يعطيك ربي كل العافية

    شكرا على هذا الجمال

    تحيتي وتقديري
    [align=center] اللهم صل على محمد أفضل الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين

    ستون عاماً ومابكم خجــلٌ**الموت فينا وفيكم الفزعُ
    لستم بأكفائنا لنكرهكم **وفي عَداء الوضيع مايضعُ

    رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ

    حديث الشمس
    مصطفى الصالح[/align]

    تعليق

    • محمد زكريا
      أديب وكاتب
      • 15-12-2009
      • 2289

      #3
      مفردات جزلة ...وجمل رصينة قوية
      وصور غير مطروقة
      \\
      كنتُ هنا وراقني المكوث طويلا
      \\
      مودتي وتقديري سيدي
      نحن الذين ارتمينا على حافة الخرائط ، كحجارة ملقاة في مكان ما ،لايأبه بها تلسكوب الأرض
      ولاأقمار الفضاء
      .


      https://www.facebook.com/mohamad.zakariya

      تعليق

      • سهير الشريم
        زهرة تشرين
        • 21-11-2009
        • 2142

        #4
        القدير / محمد المختار زادني

        ما أجمل هذا التتابع وهذا الوصف المتألق مع جمالية إبداع وجزالة .. من عمق إحساس تحدثت حتى لقد عشنا بين السطور فسكن اليراع .. وانحنى

        تحياتي
        كنت هناا وزهر

        تعليق

        • محمد المختار زادني
          أديب وشاعر
          • 01-07-2007
          • 102

          #5
          أهلا بكم إخوتي الكرام مصطفى الصالح ومحمد زكريا وسهير الشريم

          سعدت بتعليقاتكم وهي شهادة أعتز بها

          تحية حب وتقدير لكم

          تعليق

          يعمل...
          X