اللصوص
لملم المغيرون سرقاتهم ، نعاجا وخرافا ومتاعا ، بصوا فى أرجاء القرية عدة مرات ، وركبوا سيارتهم الجيب ، سعداء رحلوا ، يغنون ، فغنائمهم وافرة ، والرحلة ممتعة ، لا تحمل إلا بعضا من غبار .. وهتافات تفزع .. وبعضا من طلقات رصاص .. هنا أو هناك.. للتخويف لا أكثر !!
عيون القرية تملؤها الحسرة ، تتبع موكبهم يرحل ، حتى أخفته الأفق عن الأنظار ، وهى خائفة ترعش ، راجفة القلب ، تطل ، ثم تسرع ، وتبدأ فى عويل لا ينفك ، وعديد وصراخ .. هذى تبكى العنزة ، وهذى تبكى لحافا أو حملا صوفيا ،كان يدفىء أجساد صغار ، وهذى تبكى وعلى كتف يصرخ ولد من جوع ، النعجة كانت أمه ، يشرب منها إذا جاع ، وينام على صوت مواها .
ارتمى أهل القرية كالموتى ، بلا حيلة يرثون الحال ، والعُجب بما يحدث يعلو وجوههم ، ما كانوا هدفا لمغيرين ، ما عرفوا كيف يكون العدوان على الغير ، عاشوا فى أمن وأمان ، مرتعهم غيطان خضر ، وحياتهم عمل و مشقة من أجل عيالهم ، زرع ، وتربية نعاج وخراف ودواجن ، وبناء بيوت لعيال أدركهم سن زواج .. هذى كل حياتهم !!
كانت هذى غارتهم الثانية فى شهرين تباعا ، فى الأولى قالوا :" نزوة شيطان أو جوع ، دفعهم إلى السرقة .. والله عليم بعبادة .. الإنسان أولى من الفرة .. فلا تبكوا ماضاع .. فبكاؤكم نقصان فى العقل وفى الدين ".
و علي ذلك قنعوا بما أوتوا ، وتناسوا بمرور الأيام ماكان ، والأيام كفيلة ، والنسيان نعمة من نعم الخالق ، جدوا واجتهدوا ، وفاض الخير ، وفجأة حط السُّرَّاق كقدر داهم ، دهموا كل بيوت القرية ، ما تركوا شيئا .. و دون مقاومة رحلوا !
هتف بغيظ شاب فى القرية ، كان اسمه سيف :" الذئاب .. ما عاهدنا ذئبا يشبع .. أخذوا خير القرية ما تركوا شيئا .. وغدا يأتون .. فانتظروا الموعد !! ".
قاطعه رجل طيب :" يا سيف..لا تكثر .. اللص يأخذ ما يحتاجه ..ليسد الجوعة والعطشة !!".
صرخت سيدة غيظا :" القادمة لن يبقى شيئا .. حتما يطمع فى ولد أو بنت .. فلن يجد أناسا أجبن منا ".
هتف القوم :"لسنا جبناء يا جدة ..و ماكنا يوما جبناء..لكنا لا نعرف غير الفأس و المحراث ".
هتف سيف ثانية :" نتسلح يا ناس .. منا شباب كانوا يوما أسدا فى سيناء .. وعلى خط الجبهة وقفوا للدبابة والطائرة والمدفع !!".
قهقه أحد المجتمعين يقصد سخرية واستهزاء :" والأرض يافالح ، من يفلحها ، ويرعى زرعتها إن كنا سنلبس ثوب الحرب ؟ ".
وهنا خرج كبير القرية عن صمته ، وقال بتؤدة :" القوى لن يردعه إلا قوى مثله ، وأرى أن نستأجر من يدفع شره ، يقصم ظهره ، ويكفينى أمره ".
نال الغيظ قلب المدعو سيف ، لم يعجبه رأيه ، حين شهد ثناء الناس على قوله ، تنقل بين الناس ، وهو يقول بصوت كالرعد :" نستأجر ناسا ، مثلهم ، ترعى فى خير البلدة ، وتأكل ما أخرجت الأرض ، وتشرب لبن صغار القوم ، وتنام على فرش البيت ، ونكون بهذا كمن يحفر قبره !! ".
قاطعه جميع الناس ، رجال ونساء ، أُسكت رغما عنه،وانتظر يراقب آخر ما يصل الأمر إليه .
تنحنح الكبير ، وتململ بعض الشيء ، وأكمل :" يا ولدى .. نحن جميعا نزرع .. نحرث أو نقلع .. كل ما نعرفه الفأس والمحراث .. فإذا ما استأجرنا رجالا .. كفونا الشر .. أما عن مأكلهم أو مشربهم ، فكأن نساء البلدة أتين جديدا ، بنات وبنين ، و الخير بسم الله كثير .. حتى ينتهي الأمر فيرحلون !".
وعاد سيف يحاور :" من يضمن لك يا شيخ البلدة رحيلهم حسب الأمر .. من يضمن لك ألا يكونوا علينا .. فذئاب الغاب لن تنقلب ، وتتنكر لفصيل منها ".
هاجمه القوم ، لم يعجبهم قوله ، أو أعجبهم ، لكن عجزا فيهم ، أو إحساسا بفداحة أمره ، رفضوا ، بل فُسِّر رأى الولد بما لا يحمل ، إذا قالوا :" تسخر من سيدنا .. من أنت حتى لا يعجبك يا ولدا رأيه ".
ترجو الشيخ ليكمل ما بدأه ، وجلسوا مثل قطيع ، ينتظرون ، يهفون لكلمات الشيخ ، فتخرجهم من هم القادم ، وتنير ظلام القرية ، يصبح كالصبح الفائر ، ويعلو بين الحين صوت يتعجله ، وآخر ينبئه .. الكل موافق ، فلا تتركنا للصمت يدبدب ويعربد فينا !
وأخيرا ترك الصمت ، وطالبهم فورا ، كل من تحمل ذهبا تضعه فى المنديل ، وفرش الشيخ منديلا ، كل من يملك مالا يضعه ، كل من كانت فى حوزتها خلخالا ، قلادة كانت أو قرطا ، أو دبلة ، فضة كانت أو ذهبا ، وفى لحظة امتلأ المنديل ، هذى تجرى ، وتعود محملة ، وتلقى فى المنديل ، وهذى ترفع عن أذنيها القرط ، وهذى قرط ، وهذى كردان .. وهذا مال ، فضة أو ورق .. امتلأ المنديل وفاض ، فأشار الشيخ لأحد رجاله :" هات المنديل .. احمله بحرص ".
وُضِع المنديل بحجر الشيخ ، فتأمله بفرح ظاهر ، وقتل هموم الناس ، حين ابتسم وقال :" يكفى وزيادة .. وغدا فى الفجر أكون ببركة ربى ، فى العاصمة الكبرى ، وبخبرتى المعروفة طبعا، وبتوفيق الله ، أنهى ماسافرت إليه ، انتظرونى قبل حلول الليل ".
طبعا انصرف المدعو سيف ، والغضب يسيل على وجهه عرقا ، لم يهدأ ، دار هنا وهناك ، وفرس النقمة يتواثب فى صدره ، شرب بعض الماء ليهدأ ، لم يهدأ ، كيف يأتى الشيخ بناس لا ندرى عنهم شيئا ، يجترحون الحرمات ، وتكون بيوت القرية طبعا.. لهم مباحة .. أليسوا رجال القرية ، من زاد عن الشيء امتلكه . تفسيرات عدة ، وصور تتشكل .. على الجدران أمامه فتزيد النقمة .. ويهمهم فرس النخوة !
ماكان وحيد القرية سيف ، لكنه من أعلن رأيه ، وأصر عليه ، وظل الكل يلتحف بغطاء الصمت ، حتى تم ماتم ، فأسرع سيف ، كما شفنا ، وأدركه بعض شباب من طينته ، المعجونة بالحمية و النخوة و الغيرة الحلوة على أهله ، وعلى بلدته المحبوبة !
هاج وماج ، وأثخن كل الأصحاب ، وعاب سكوتهم المر ، وأوضح فى كلمات معدودات ما يعنى الأمر ، لو تم ، كما قال الشيخ ، ولم ينس أن أثنى عليه ، فهو بالطبع يبعدنا عن الموت ، كيف لشباب القرية أن تقف أمام القتلة ، وتحاربهم ، وهم مهرة ، فى القتل و فى السرقة ؟
اجتمعت كل قلوب الأصحاب على قلب واحد ، فأتمروا بأوامر سيف ، بحماس فياض ، واتفقوا على إيقاف الشيخ ، وقطع السكة مابين القرية ، والعاصمة المقصودة ، لم ينسوا طبعا الطلب من الله أن ينجح مساعهم ، وافترقوا ، لينالوا قسطا من نوم ، لكن سيفا لم تطرف جفناه لنوم ، صلى ودعا بالخير وبالتوفيق ، ودموعه تتساقط كالبحر الهادر !
حين تحرك شيخ البلدة ، وشيعه الناس ، بالتهليل وبالدعوات ، كان سيف وجماعته هناك ، خارج البلدة ، كل لثم وجهه ، ثم حملوا كتلة خشب ضخمة ، جعلوها بعرض الإسفلت ، قطعوا طريق السيارات المارة ؛ فالسيارة مهما كانت قوتها أو حنكة سائقها ، أبدا لن تعبرها ، حتى ترفع .. وكمنوا فى موضع ينتظرون !!
وقت عبور الشيخ ، خرجوا عليه ، طوقوه تماما ، واستخلص سيف منه المنديل ، ومازاد عليه ، وهو صامت لا يتكلم ، يحسبهم نفس لصوص القرية ، أمر سيف رجاله فورا ، بمتابعة السير صوب العاصمة ، وظل كما هو ، جار الشيخ ، حاول كشف الأمر أكثر من مرة ، فيلجمه الخوف ، ألا يفهم مقصدهم ، وبالتالى يفضحهم ، ويضعف شوكتهم ، فوضع الشيخ فى سيارته ، وأمره ، وبصوت جاهد أن يبدو غليظا ، بالعودة من حيث أتى !!
بالطبع كانت عودة شيخ البلدة نكبة ، حطت فوق الكل ، فحطوا أرضا ، يبكون المال ، و الخلخال ، والقرط ، و الكردان ، والمال ، والفضة و الذهب الخالص ، مابقى إلا أن ينتظروا أمر الله ، وما تأتى الأيام ، وحين اقترب الموعد ، بفوات الشهر ، حملوا الأولاد ، وصغار دوابهم ، وبعض متاع ، ارتحلوا ، لآذوا بأقرب قرية ، وكل يبكى ما خلف ، من غلة ، أو فرش ، أو شباك أو باب !!
وأقبل اللصوص ، ذئاب فُتحت فجأة أبوابُ حظائرها ، فاندفعت صوب فرائسها ، أطلقوا بعض رصاصات ، هنا وهناك ، وخطوا داخلين القرية ، وفجأة كانت نيران بنادق ، تأتى من الأسطح ، شمالا وجنوبا ، وتحاصرهم .. منهم من آثار السلامة ، وولى هاربا ، ومنهم من نالت منه رصاصة ، وتكفل بالباقي الموت !
وعاد أهل القرية لمساكنهم ، وحنين يجذبهم جذبا ، والفرحة تملأ كل ملامحهم ، كل راح لبيته ، ما نقص البيت ، ما نقصت غلة ، أو باب أو شباك ، بفرحة حطوا فى الساحة ، كل يتساءل ، كيف ؟ كيف .. وكيف ؟
وهنا خرج سيف ورفاقه ، وكشفوا الأمر بأنفسهم :" هذى أسلحة القرية .. من حر مال القرية شريناها ".
اعتذروا للشيخ ، فهتفت كل القرية ، وغنت بالفرحة ، لا خوف من الآن ، مادام للقرية أولاد مثلكم ، ولم ينفض السامر إلا قبيل الفجر ، ولهم الحق !
لملم المغيرون سرقاتهم ، نعاجا وخرافا ومتاعا ، بصوا فى أرجاء القرية عدة مرات ، وركبوا سيارتهم الجيب ، سعداء رحلوا ، يغنون ، فغنائمهم وافرة ، والرحلة ممتعة ، لا تحمل إلا بعضا من غبار .. وهتافات تفزع .. وبعضا من طلقات رصاص .. هنا أو هناك.. للتخويف لا أكثر !!
عيون القرية تملؤها الحسرة ، تتبع موكبهم يرحل ، حتى أخفته الأفق عن الأنظار ، وهى خائفة ترعش ، راجفة القلب ، تطل ، ثم تسرع ، وتبدأ فى عويل لا ينفك ، وعديد وصراخ .. هذى تبكى العنزة ، وهذى تبكى لحافا أو حملا صوفيا ،كان يدفىء أجساد صغار ، وهذى تبكى وعلى كتف يصرخ ولد من جوع ، النعجة كانت أمه ، يشرب منها إذا جاع ، وينام على صوت مواها .
ارتمى أهل القرية كالموتى ، بلا حيلة يرثون الحال ، والعُجب بما يحدث يعلو وجوههم ، ما كانوا هدفا لمغيرين ، ما عرفوا كيف يكون العدوان على الغير ، عاشوا فى أمن وأمان ، مرتعهم غيطان خضر ، وحياتهم عمل و مشقة من أجل عيالهم ، زرع ، وتربية نعاج وخراف ودواجن ، وبناء بيوت لعيال أدركهم سن زواج .. هذى كل حياتهم !!
كانت هذى غارتهم الثانية فى شهرين تباعا ، فى الأولى قالوا :" نزوة شيطان أو جوع ، دفعهم إلى السرقة .. والله عليم بعبادة .. الإنسان أولى من الفرة .. فلا تبكوا ماضاع .. فبكاؤكم نقصان فى العقل وفى الدين ".
و علي ذلك قنعوا بما أوتوا ، وتناسوا بمرور الأيام ماكان ، والأيام كفيلة ، والنسيان نعمة من نعم الخالق ، جدوا واجتهدوا ، وفاض الخير ، وفجأة حط السُّرَّاق كقدر داهم ، دهموا كل بيوت القرية ، ما تركوا شيئا .. و دون مقاومة رحلوا !
هتف بغيظ شاب فى القرية ، كان اسمه سيف :" الذئاب .. ما عاهدنا ذئبا يشبع .. أخذوا خير القرية ما تركوا شيئا .. وغدا يأتون .. فانتظروا الموعد !! ".
قاطعه رجل طيب :" يا سيف..لا تكثر .. اللص يأخذ ما يحتاجه ..ليسد الجوعة والعطشة !!".
صرخت سيدة غيظا :" القادمة لن يبقى شيئا .. حتما يطمع فى ولد أو بنت .. فلن يجد أناسا أجبن منا ".
هتف القوم :"لسنا جبناء يا جدة ..و ماكنا يوما جبناء..لكنا لا نعرف غير الفأس و المحراث ".
هتف سيف ثانية :" نتسلح يا ناس .. منا شباب كانوا يوما أسدا فى سيناء .. وعلى خط الجبهة وقفوا للدبابة والطائرة والمدفع !!".
قهقه أحد المجتمعين يقصد سخرية واستهزاء :" والأرض يافالح ، من يفلحها ، ويرعى زرعتها إن كنا سنلبس ثوب الحرب ؟ ".
وهنا خرج كبير القرية عن صمته ، وقال بتؤدة :" القوى لن يردعه إلا قوى مثله ، وأرى أن نستأجر من يدفع شره ، يقصم ظهره ، ويكفينى أمره ".
نال الغيظ قلب المدعو سيف ، لم يعجبه رأيه ، حين شهد ثناء الناس على قوله ، تنقل بين الناس ، وهو يقول بصوت كالرعد :" نستأجر ناسا ، مثلهم ، ترعى فى خير البلدة ، وتأكل ما أخرجت الأرض ، وتشرب لبن صغار القوم ، وتنام على فرش البيت ، ونكون بهذا كمن يحفر قبره !! ".
قاطعه جميع الناس ، رجال ونساء ، أُسكت رغما عنه،وانتظر يراقب آخر ما يصل الأمر إليه .
تنحنح الكبير ، وتململ بعض الشيء ، وأكمل :" يا ولدى .. نحن جميعا نزرع .. نحرث أو نقلع .. كل ما نعرفه الفأس والمحراث .. فإذا ما استأجرنا رجالا .. كفونا الشر .. أما عن مأكلهم أو مشربهم ، فكأن نساء البلدة أتين جديدا ، بنات وبنين ، و الخير بسم الله كثير .. حتى ينتهي الأمر فيرحلون !".
وعاد سيف يحاور :" من يضمن لك يا شيخ البلدة رحيلهم حسب الأمر .. من يضمن لك ألا يكونوا علينا .. فذئاب الغاب لن تنقلب ، وتتنكر لفصيل منها ".
هاجمه القوم ، لم يعجبهم قوله ، أو أعجبهم ، لكن عجزا فيهم ، أو إحساسا بفداحة أمره ، رفضوا ، بل فُسِّر رأى الولد بما لا يحمل ، إذا قالوا :" تسخر من سيدنا .. من أنت حتى لا يعجبك يا ولدا رأيه ".
ترجو الشيخ ليكمل ما بدأه ، وجلسوا مثل قطيع ، ينتظرون ، يهفون لكلمات الشيخ ، فتخرجهم من هم القادم ، وتنير ظلام القرية ، يصبح كالصبح الفائر ، ويعلو بين الحين صوت يتعجله ، وآخر ينبئه .. الكل موافق ، فلا تتركنا للصمت يدبدب ويعربد فينا !
وأخيرا ترك الصمت ، وطالبهم فورا ، كل من تحمل ذهبا تضعه فى المنديل ، وفرش الشيخ منديلا ، كل من يملك مالا يضعه ، كل من كانت فى حوزتها خلخالا ، قلادة كانت أو قرطا ، أو دبلة ، فضة كانت أو ذهبا ، وفى لحظة امتلأ المنديل ، هذى تجرى ، وتعود محملة ، وتلقى فى المنديل ، وهذى ترفع عن أذنيها القرط ، وهذى قرط ، وهذى كردان .. وهذا مال ، فضة أو ورق .. امتلأ المنديل وفاض ، فأشار الشيخ لأحد رجاله :" هات المنديل .. احمله بحرص ".
وُضِع المنديل بحجر الشيخ ، فتأمله بفرح ظاهر ، وقتل هموم الناس ، حين ابتسم وقال :" يكفى وزيادة .. وغدا فى الفجر أكون ببركة ربى ، فى العاصمة الكبرى ، وبخبرتى المعروفة طبعا، وبتوفيق الله ، أنهى ماسافرت إليه ، انتظرونى قبل حلول الليل ".
طبعا انصرف المدعو سيف ، والغضب يسيل على وجهه عرقا ، لم يهدأ ، دار هنا وهناك ، وفرس النقمة يتواثب فى صدره ، شرب بعض الماء ليهدأ ، لم يهدأ ، كيف يأتى الشيخ بناس لا ندرى عنهم شيئا ، يجترحون الحرمات ، وتكون بيوت القرية طبعا.. لهم مباحة .. أليسوا رجال القرية ، من زاد عن الشيء امتلكه . تفسيرات عدة ، وصور تتشكل .. على الجدران أمامه فتزيد النقمة .. ويهمهم فرس النخوة !
ماكان وحيد القرية سيف ، لكنه من أعلن رأيه ، وأصر عليه ، وظل الكل يلتحف بغطاء الصمت ، حتى تم ماتم ، فأسرع سيف ، كما شفنا ، وأدركه بعض شباب من طينته ، المعجونة بالحمية و النخوة و الغيرة الحلوة على أهله ، وعلى بلدته المحبوبة !
هاج وماج ، وأثخن كل الأصحاب ، وعاب سكوتهم المر ، وأوضح فى كلمات معدودات ما يعنى الأمر ، لو تم ، كما قال الشيخ ، ولم ينس أن أثنى عليه ، فهو بالطبع يبعدنا عن الموت ، كيف لشباب القرية أن تقف أمام القتلة ، وتحاربهم ، وهم مهرة ، فى القتل و فى السرقة ؟
اجتمعت كل قلوب الأصحاب على قلب واحد ، فأتمروا بأوامر سيف ، بحماس فياض ، واتفقوا على إيقاف الشيخ ، وقطع السكة مابين القرية ، والعاصمة المقصودة ، لم ينسوا طبعا الطلب من الله أن ينجح مساعهم ، وافترقوا ، لينالوا قسطا من نوم ، لكن سيفا لم تطرف جفناه لنوم ، صلى ودعا بالخير وبالتوفيق ، ودموعه تتساقط كالبحر الهادر !
حين تحرك شيخ البلدة ، وشيعه الناس ، بالتهليل وبالدعوات ، كان سيف وجماعته هناك ، خارج البلدة ، كل لثم وجهه ، ثم حملوا كتلة خشب ضخمة ، جعلوها بعرض الإسفلت ، قطعوا طريق السيارات المارة ؛ فالسيارة مهما كانت قوتها أو حنكة سائقها ، أبدا لن تعبرها ، حتى ترفع .. وكمنوا فى موضع ينتظرون !!
وقت عبور الشيخ ، خرجوا عليه ، طوقوه تماما ، واستخلص سيف منه المنديل ، ومازاد عليه ، وهو صامت لا يتكلم ، يحسبهم نفس لصوص القرية ، أمر سيف رجاله فورا ، بمتابعة السير صوب العاصمة ، وظل كما هو ، جار الشيخ ، حاول كشف الأمر أكثر من مرة ، فيلجمه الخوف ، ألا يفهم مقصدهم ، وبالتالى يفضحهم ، ويضعف شوكتهم ، فوضع الشيخ فى سيارته ، وأمره ، وبصوت جاهد أن يبدو غليظا ، بالعودة من حيث أتى !!
بالطبع كانت عودة شيخ البلدة نكبة ، حطت فوق الكل ، فحطوا أرضا ، يبكون المال ، و الخلخال ، والقرط ، و الكردان ، والمال ، والفضة و الذهب الخالص ، مابقى إلا أن ينتظروا أمر الله ، وما تأتى الأيام ، وحين اقترب الموعد ، بفوات الشهر ، حملوا الأولاد ، وصغار دوابهم ، وبعض متاع ، ارتحلوا ، لآذوا بأقرب قرية ، وكل يبكى ما خلف ، من غلة ، أو فرش ، أو شباك أو باب !!
وأقبل اللصوص ، ذئاب فُتحت فجأة أبوابُ حظائرها ، فاندفعت صوب فرائسها ، أطلقوا بعض رصاصات ، هنا وهناك ، وخطوا داخلين القرية ، وفجأة كانت نيران بنادق ، تأتى من الأسطح ، شمالا وجنوبا ، وتحاصرهم .. منهم من آثار السلامة ، وولى هاربا ، ومنهم من نالت منه رصاصة ، وتكفل بالباقي الموت !
وعاد أهل القرية لمساكنهم ، وحنين يجذبهم جذبا ، والفرحة تملأ كل ملامحهم ، كل راح لبيته ، ما نقص البيت ، ما نقصت غلة ، أو باب أو شباك ، بفرحة حطوا فى الساحة ، كل يتساءل ، كيف ؟ كيف .. وكيف ؟
وهنا خرج سيف ورفاقه ، وكشفوا الأمر بأنفسهم :" هذى أسلحة القرية .. من حر مال القرية شريناها ".
اعتذروا للشيخ ، فهتفت كل القرية ، وغنت بالفرحة ، لا خوف من الآن ، مادام للقرية أولاد مثلكم ، ولم ينفض السامر إلا قبيل الفجر ، ولهم الحق !
تعليق