رسائل تنتحر فيها الكلمات
[align=justify]
1- ( كأنها هيَ).....
كالحور العين,هناك بعيدا في الركن القصي من الروح.. تسللتُ إلى قبرها, حيث ترقد منذ زمن, خلتها ستفاجأ بي إلا أنها بقيتْ في حلمها الغافي منذ سرقتها مني الأقدار.
خلتها في صلاة دائمة.. غالبتني دمعة حرى, فسقطتْ على ظاهر كفيها المعقودين على خصرها.. وانتبهت لدمعتي ورشفتها من بين ثنايا ثوبها الأبيض.. فابتسمت تلك الابتسامة الساحرة التي لا تفارق خيالي.
لم أردْ أن أوقظها ولكنها استيقظت, فسألتها:
هل أبدلك الله حبيبا خيرا مني؟
أشاحت بوجهها عني..ولوحت برأسها تلويحة أثارت مكامن الشجن في قلبي, فلم أقوى على الكلام, ولم استطع أن أتحرك, خارت كل قواي واستويت راكعا بجوارها, رفعت رأسها, وقبلت جبينها الأغر معتذرا لها عن سؤالي..
ما تزال إجابتها القديمة ترن في أذني.. لن استبدل بك أحدا, سأنتظرك حتى تأتي, وسأجعل ما كان في أحشائي شفيعا لك عند ربي أن تكون معي..
قبل أن أواري طيفها حيث السكون الممتد من الوريد للوريد قبضت بكفي على كفيها وقبلتهما, ورسمت قبلتي التي تعرفها منذ تلك السنين الغارقة في غربة الروح, ثم سألتني:
كيف حالهن؟
حاولت أن أتهرب من الإجابة على سؤالها, ولكنني مدرك أنها تداعبهن كل صباح, وتسامرهن كل مساء.. فأعظم جريمة يرتكبها الإنسان أن يكذب على من يعرف كل خباياه.
حسناً: إنهنّ طيبات, كريمات, رحيمات, لكنهن يغرن منك يا(هند) يهربن مني كلما ذكرتك لهن.. يشعرن أن قلبي ملكك وحدك..
حاولن كثيرا, ولكنهنّ لم يجدن مني صدى, ضعفتُ ذات مرة, فكادت أن تذهب بها روحي, ولعلها آخر بطاقات ضعفي.
أعرف أنك لا تقوى عليهن..
آآآه يا (هند) كم تعذبت بعدك!!
أتمنى أن ....................
رفعت يديها وأغلقت بأطراف أناملها فمي..لا تكمل..سأنتظرك.
قبل أن أودعها إلى حيث تسكن روحها الشفافة, فاجأتني بنظرتها الخاطفة.
أعرف تلك النظرة العاتبة, تأتيني عندما أخبئ شيئا عنها, وقبل أن استدرك رمقتني بعينيها الغائرتين في تجاويف الماء, وبذلك الهدوء الآسر: لم لا تحدثني عنها ؟
تلعثمتُ قليلا وبكيتُ كثيرا, وحلفتُ أيمانا غلاظا, وطلبتُ منها العفو والسماح, فلم يكن قصدي أن أجرح مشاعرها.
دافعتُ عنها بكل القوى التي تسكنني, لا تظلميها يا(هند) لها عندي يدٌ بيضاء لن أنساها ما حييت.
أعرف هذا..وإنما سألتك لئلا تخبئ شيئًا عني كلما زرتني. أردتُ أن أطمئن عليك, فأنا مطمئنة ما دمت تذكرني لهن.
آآهِ.. يا (هند) أنا أكبر منها بخمس وعشرين حزنا على الأقل, وجراحي أعتق من جراحها بخمس وعشرين جرحا على الأقل, وتجربتي مع الدموع والأحزان والآلام أقدم من تجربتها بخمس وعشرين تجربة على الأقل..
قد أكون أكثر شهرة منها وقد تكون مساحة أحزاني أكبر من مساحة أحزانها, ولكنني أجزم أن قاسما مشتركا يربط بيننا..
مازلت حديث عهد بها, ومازالت حديثة العهد بي, لكنني ألمح فيها قوة ذكائك, ورقة حديثك, وحمرة خجلك, وروعة تحاياك, ونكهة ضحكاتك.. ولها بياض قلبك, وسناء ضيائك.. وصدق بوحك, وسماحة خاطرك, وعزة نفسك.
ويحي يا (هند) تخيلتها ذات مساء تلتف بثوبها الأسود الأنيق, وتضع في سوالفها وردة فـلٍّ بيضاء كقلبها النقي, شعرها الكستنائي يتدلى على وجهها وكتفيها, كثيفا كأمطار الشتاء, فلم تزد من دهشتي إلا دهشة, كانت مشيتها مر السحابة, نسائمها تهفهف كالمسك وهذا الكافور الذي تغتسلين به, ما زلت أسمع رقصات أقدامها حينما توقع على البلاط..
أسمعت رنة خلخالها يا(هند)؟ وكأنها تعزف موسيقى لم أعهد مثلها إلا في رنة خلخالك..
أعرف أنها ملاك, وكأنها استأذنتْ منك لتعيد في قلبي الحياة من جديد بعد أن كادت حياته تذهب ضحية لمزاجية الأطوار وفوضوية المواعيد.
تذكرت كلامك ذات مساء عندما قلت: إن ذبحة قلبك هي امرأة زئبقية لا تعرف متى تكرهك؟ ولا تدري متى تحبك؟
آآآآه يا (هند) كم تعذبت بعدك!!
*****
وحق هذا الحزن المحفور على تجاعيد قلبي, ما وجدت مثلها في النساء, فهل تسمحين لي أن أفتح صندوق ذكرياتي بعد خمس وعشرين عاما؟ وأروي لها تجربتي مع الحب والخوف والمرض والموت.؟
فأنا أبحث عن خاتمة مفرحة لحياتي يا (هند) أريد أن يكون مقدمي إليك, وأنا في كامل عنفواني, أريد أن أدخل هذا الرمس وأنا مغسول بالحب, وقد طهرت قلبي من كل أحزاني..
لكنني أخاف عليها, أخاف أن تتفاقم جراحها التي قاربت على الالتئام, أخاف أن تتسع دائرة جراحها من جديد, أخاف أن ........أخاف, أخاااااااااااف, ولكنك متأكدة أنني سأنتحر بصمتي , فهل قلت لي: اذهب حيث شئت لقد أذنت لك.؟
**
[/align]
تعليق