سقط سهوا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد نديم
    عضو الملتقى
    • 16-05-2007
    • 50

    سقط سهوا

    سقط سهوا


    كان عليه أن يشد كل تفاصيل وجهه اليابس ليرسم شبه ابتسامة خافتة ، كي يثبت للعالم أجمع أنه متفائل وسعيد.
    كثيرا ما يصب الآخرون زيت نصائحهم المتسخ، في آذاننا أن نتحمل مشاق الحياة وهمومها ، لم يكلف أحد من الحكماء نفسه أن يهمس للحياة في أذنها ،أن تتحملنا قليلا وترأف بنا ، نحن الفقراء، عيال الله ، كُتـَلُ الطين والهم والحزن ، كوابيس الحكام ، وعفاريت الأغنياء ، والدمى على طاولات الشاهبندر وقوجة التجار ، في ليالي سمرهم الحمراء ، ومؤتمرات صفقاتهم السوداء، واتفاقياتهم الشيطانية ، التي يحددون فيها سعر و حجم ولون وقوة الحزام الذي سنربطه على بطوننا في كل عام مالي جديد.
    ********
    الجو نار ... نار ... نار ...
    ********
    حملته أمه سهوا ، ووضعته كرها ، فكان القادم غير المرغوب فيه ، التاسع في الترتيب لأبوين فاقا البشر و الحجر في تحمل ذل الحاجة وضربات العوز ، فاتته كل القطارات :قوائم المواليد ، التعليم ، بطاقة التموين ، الإسكان الشعبي ، فاسمه قد سقط سهوا من كل السجلات ، لم يأخذ رقما في تقرير وزير العدل.
    رقم مطموس إلا من سجل واحد ،( التهرب من التجنيد الإجباري ) ، كان عليه الآن أن يثبت أولا وجوده ، وثانيا براءته وثالثا حقه في أن يكون له مكان في طوابير الخبز اليابس ، المخلوط بأشياء لا نعلمها نحن الجهلاء.
    *********
    الشمس تتحدى الجميع في صيف لا يرحم سوى من يملك أجهزة التكييف ، الشارع مختنق بطوق أمني جبار.
    الأرصفة منتفخة بالبشر والبضائع والعربات المدفوعة باليد والوجوه الكالحة، والأجساد التي يجب وعن جدارة ، أن تمثل الوطن في مؤتمر سوء التغذية الدولي . من ها هنا يمر الزعيم ، فليـُنتزع حقٌ الجميع في أن يذهب في الاتجاه الذي يريد ، لابد لنا جميعا أن نتوجه توجها عاما ، لأسباب قومية ودواعي أمنية.
    ******
    يداه المعروقتان تمسك بتلابيب أوراق عديدة ، ملوثة بحبر، وعرق وغبار ، وفي عينيه حسرة ولهفة بين الحزن على موظف لم يدركه ، ومدير لم يلحق به.
    ·
    اسمك مطموس ،
    ·
    الختم غير واضح ،
    ·
    أين شهادة ميلادك ؟
    ·
    الصورة غير لامعة
    ·
    المسئول في المصيف ،
    ·
    الختم مقفول عليه ،
    ·
    المدير مشغول.
    ·
    خرج المدير لتوه.
    السكرتيرة تحتسي الشاي وتتطلع لأسطر الأخبار في جريدتها اليومية دونما اكتراث ، تتوجه بالحديث لزميلتها دون أن تدرك أن صاحبنا يقف بينهما.تتوجه بالكلام عبر جسده وكأنه هواء!!!
    ********
    لا نعلم من في خدمة من؟
    ********
    الجو نار ... والأسعار أيضا ... عجوز تموت تحت أقدام المتصارعين في طابور الخبز اليومي ....
    (
    من معالم شوارعنا وصورتها الثابتة في الأذهان) : ( طابور العيش) .
    ********
    بالروح بالدم نفديك يا هذا ....
    هتاف ، حول مواكب المماليك ، انقطع من شوارعنا منذ عقد أو يزيد...إذ انكشف المستور وترك معظم الزعماء بلادهم عارية مكشوفة العورة أمام قطاع الطرق الدوليين ، دون مكتسبات سوى المقابر الجماعية.
    ********
    الطوق الأمني يزداد ضيقا ، جميع الاتجاهات مغلقة ، نصال الأسلحة تلمع تحت الشمس الحارقة ، الجنود كالتماثيل دون دم في العروق أو اهتزازات في الملامح ، بلغت القلوب الحناجر، المحشورون في الحافلات الحديدية الساخنة ، المحشودون فوق الأرصفة ،في الأزقة الجانبية ، تحت الجسور ،خلف الحوائط ،تحت أعمدة الكهرباء البارزة أسلاكها استعدادا لصعق ما تيسر لها من المساكين .
    راح الجميع يتنفسون الهواء الأسود بصعوبة بالغة.بدا الميدان وكأنه قنبلة قابلة للتفجر في أي ثانية.
    لابد لنا أن نتحمل من أجل المصلحة العامة، ، نحن فقط جموع الحرافيش علينا أن نتحمل من أجل المصلحة العامة ، في سبيل أن يمر الزعيم بسلام ، علينا أن نذوب، نموت ، نذهب إلى الجحيم ، لدواع أمنية.
    ********
    لا نعلم من في خدمة من ؟
    ********
    الجو نار ..... والقلوب أيضا
    ********
    ·
    لا عليك من رؤيته.
    ·
    أمر محال .
    ·
    سيمر حتما من شارع ما .
    ·
    يمكنك أن تلمح جانب وجهه خلف زجاج السيارة الأسود .
    ·
    لالا ليس هو ....إنه البديل المستنسخ.
    ·
    هل يأكل مثلنا؟
    ·
    الجو نار ... والأسعار أيضا .
    طوى دفتر أوراقة الرطبة بين أصابعه المتسخة.تحسس مكان حافظة نقوده الفارغة إلا من بطاقة الهوية ، الأمر لا يسلم في هذا اليوم النكد ، من مخبر سري يقبض على ذراعك ويسألك : بطاقتك؟
    ********
    ذاب الموظفون – اجتماع هام للمدراء العوام والمساعدون ووكلاء الوزارة ، بمناسبة زيارة الزعيم للمؤسسة .
    ********
    اسمك ليس هنا ..
    ·
    لا رقم لك ....
    ·
    مر الأسبوع القادم ..
    · .
    الأسبوع القادم؟
    ·
    عليه أن يسلم نفسه للمخفر المجاور ...
    ·
    خائن متهرب من الخدمة الإلزامية للوطن العزيز ...
    الوطن العزيز ... شجر وماء ومتاجر وشوارع ومخافر... ليس لنا فيها نصيب ... سوى مساحة من زنزانة رطبة قاسية الحوائط.وموقع قدم ، تموت فيه بحرية تحت أقدام المتصارعين على كسرة خبز أسود.
    ********
    إقالة وزير العدل صباح اليوم. وتعيين مدرب جديد للمنتخب الوطني.
    ********
    الطوق الأمني كثعبان يزحف مضيقا الدائرة حول المساكين ، الملايين تحتضر بين فكي كماشة.
    ·
    أنتم السبب ... يا فرعون من فرعنك؟
    ·
    جبناء .
    ·
    خانعون.
    ·
    زبالة.
    ·
    والله ولي النعم رجل طيب .
    ·
    هل يأكل مثلنا؟
    ·
    الحاشية هم السبب.لعنهم الله في كل كتاب.
    ********
    على من يعرض أوراقه ، وهمومه ، وانكسار قلبه؟ كلهم في اجتماعاتهم الهامة بمناسبة زيارة الزعيم للمؤسسة الرسمية.
    الطوق الأمني يزداد خنقا لعنق الشارع وعروق الحارات ، وشرايين الأزقة.
    صرخة (سيارة الزعيم) تخترق المكان وتملأ القلوب رهبة والأجساد ارتعاشا، ، الأعناق تمتد لرؤية أي شيء ـ الزحام يضيق حول الموكب ، النكد والتعطيل ، والذل ، والإهانات ،و الركلات والهراوات ، وقنابل مسيلة للدموع ، ورصاص حي ،هي الهدايا الدائمة المصاحبة لمواكب مماليك العصر.
    الهرج والرعب تسيدا المكان.
    ********
    غطوه بأوراقه التي اجتهد شهورا في جمعها وختمها وتأشيرها .... لم تكف سوى لتغطية جزء من وجهه الذي كان داميا مطموس الملامح.
    *******
    وقف الضابط يسجل ملاحظاته ببرود :
    أنه في ساعته وحينه ، وعند مرور موكب ولي النعم ، حاول موتور مجهول الهوية الإمساك بيد الزعيم ، لولا يقظة الجهات الأمنية.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد نديم; الساعة 29-07-2010, 06:24.
  • آسيا رحاحليه
    أديب وكاتب
    • 08-09-2009
    • 7182

    #2
    لا نعلم من في خدمة من؟
    نعم .ابني يوم أمس بقي أكثر من 3 ساعات في البلدية من أجل استخراج شهادة ميلاد.
    أحييك على هذا النص أخي محمد نديم . فكرة و لغة .
    تحيّتي و احترامي.
    يظن الناس بي خيرا و إنّي
    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

    تعليق

    • إيمان الدرع
      نائب ملتقى القصة
      • 09-02-2010
      • 3576

      #3
      أستاذ محمد نديم:
      ماأكثر الأمور التي سقطت سهواً
      حتى الإنسان في حدّ ذاته سقط سهواً من فهرس الزمن..
      مفارقات لا تعدّ ولا تحصى..
      نعيشها بذات التفاصيل...بل بما يفوقها مرارةً
      سلمت يداك أخي الكريم ..
      دُمتَ بسعادةٍ ....تحيّاتي..

      تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

      تعليق

      • خالد يوسف أبو طماعه
        أديب وكاتب
        • 23-05-2010
        • 718

        #4
        الأستاذ القدير .............. محمد نديم
        أولا أشكرك على هذا النص الرائع
        وأتمنى أن تزيل تلك النجوم التي تفصل بها فقرات النص
        كي يبدو قطعة فنية واحدة ومتماسة ....
        سقط سهوا ........!!!!
        عنوان النص جميل ويحيل إلى مضمونه الرائع
        نص مرير وتفوح منه رائحة الظلم والحزن
        نص صارخ وفاضح وثائر ومستنكر لما يجري لنا من
        إذلال يومي في حياتنا على مدى عصور طويلة لا زلنا نتذوق
        فيها طعم البؤس والحرمان في وطن نعتقد أنه لنا ومنا وإلينا ...!!!
        لا نعلم من في خدمة من ؟!!!
        سؤال وجيه ولكن الإجابة عليه ربما تكون من أصعب وأعقد الأمور ...
        سؤال يتوجب على من يجيب عليه الجرأة والتجرد من خوفه المتصعلك
        بداخله منذ سنون
        لا نعلم من في خدمة من ؟!!!
        سؤال ساخر وموجه لعدد من فئات المجتمع
        سؤال يخاطب ضمير كل مسؤول كبير وصغير كل
        موظف كبير وصغير
        وأخيرا وبعد كل ما جرى وجد الإسم مطموسا ولا أثر له
        إلا من سجلاتهم التي يريدونها وتكون حجة في أيديهم لكل
        من حاول الخروج عن المألوف والعرف والعادة ...
        نص يحتاج منا الوقوف عليه طويلا للغوص في معالمه ومضامينه الرائعة
        ولكن أخي الفاضل اجعل الأمل يطول روحك النقية
        تحياتي
        sigpicلن نساوم حتى آخر قطرة دم فينا

        تعليق

        • محمد نديم
          عضو الملتقى
          • 16-05-2007
          • 50

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
          لا نعلم من في خدمة من؟
          نعم .ابني يوم أمس بقي أكثر من 3 ساعات في البلدية من أجل استخراج شهادة ميلاد.
          أحييك على هذا النص أخي محمد نديم . فكرة و لغة .
          تحيّتي و احترامي.

          تاهت الخطى ، وضاعت الطاسة كما يقولون... سؤال يؤرقني ....
          مال>ي يجعل ( موظفا ) ، لأداء خدمة للجمهور يشعر بكل ه>ه القوة والجبروت؟ ينظر للناس أمامه وكأنهم عبيد لديه ، ويراوغ ، ويتباطأ ، وشيئ يبعث على الاشمئزاز ، والناس صابرون كي تنتهي معاملاتهم على خير .

          لعل القادم أجمل.

          امتناني لمرورك العاطر أختنا آسيا ، كلنا في الهم (عرب).
          ودي وتقديري .

          (السعداء لا يكتبون ... تعليق راق لي)

          تعليق

          • محمد نديم
            عضو الملتقى
            • 16-05-2007
            • 50

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
            أستاذ محمد نديم:
            ماأكثر الأمور التي سقطت سهواً
            حتى الإنسان في حدّ ذاته سقط سهواً من فهرس الزمن..
            مفارقات لا تعدّ ولا تحصى..
            نعيشها بذات التفاصيل...بل بما يفوقها مرارةً
            سلمت يداك أخي الكريم ..
            دُمتَ بسعادةٍ ....تحيّاتي..
            أ. إيمان

            تحيتي لمرورك الآسر بالود والتذوق الراقي ، إنما تجمعنا الهموم الإنسانية المشتركة.
            ربما الغد أحلى.

            ودي وتقديري.

            تعليق

            • محمد نديم
              عضو الملتقى
              • 16-05-2007
              • 50

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة خالد يوسف أبو طماعه مشاهدة المشاركة
              الأستاذ القدير .............. محمد نديم
              أولا أشكرك على هذا النص الرائع
              وأتمنى أن تزيل تلك النجوم التي تفصل بها فقرات النص
              كي يبدو قطعة فنية واحدة ومتماسة ....
              سقط سهوا ........!!!!
              عنوان النص جميل ويحيل إلى مضمونه الرائع
              نص مرير وتفوح منه رائحة الظلم والحزن
              نص صارخ وفاضح وثائر ومستنكر لما يجري لنا من
              إذلال يومي في حياتنا على مدى عصور طويلة لا زلنا نتذوق
              فيها طعم البؤس والحرمان في وطن نعتقد أنه لنا ومنا وإلينا ...!!!
              لا نعلم من في خدمة من ؟!!!
              سؤال وجيه ولكن الإجابة عليه ربما تكون من أصعب وأعقد الأمور ...
              سؤال يتوجب على من يجيب عليه الجرأة والتجرد من خوفه المتصعلك
              بداخله منذ سنون
              لا نعلم من في خدمة من ؟!!!
              سؤال ساخر وموجه لعدد من فئات المجتمع
              سؤال يخاطب ضمير كل مسؤول كبير وصغير كل
              موظف كبير وصغير
              وأخيرا وبعد كل ما جرى وجد الإسم مطموسا ولا أثر له
              إلا من سجلاتهم التي يريدونها وتكون حجة في أيديهم لكل
              من حاول الخروج عن المألوف والعرف والعادة ...
              نص يحتاج منا الوقوف عليه طويلا للغوص في معالمه ومضامينه الرائعة
              ولكن أخي الفاضل اجعل الأمل يطول روحك النقية
              تحياتي
              ألناقد والأديب الأريب أ. خالد يوسف أبو طماعة
              أولا تحياتي وامتناني لدعائك أن يطول الأمل روحي.
              حقيقة نحن في حاجة للحظات نعيشها بأمل ، وهذه القصة كتبتها منذ سنوات ، لعل حالتي المزاجية جعلتني أفتش عنها لنشرها.
              فاجتمعت حالتنان ، أنا والقصة ، ربما.

              أشكر لك تحليلك الوافي ، ووقوفك عن ملاحظات لا يدرك مغزاها سوى ناقد متمكن ، العمل بسيط والحدث بسيط ، بساطة الضحية التي نرى منها العديد في الصحف وعلى الشاشات وفي الشوارع، أولئك التي تتحدد مصائرهم وتغتال أحلامهم البسيطة بجرة قلم على طاولة في جلسة سرية على هامش مؤتمر سياسي مغلق .................. والحياة مستمرة.

              وربما القادم أجمل.

              أما الفواصل بين المقاطع ، فملاحظة تستحق الوقوف عندها.

              لك مني خالص الود والتقدير,

              تعليق

              يعمل...
              X