سندباد فى قلعة التنين !
الحلقة الرابعة
الأم لاتصدق، تتلاعب بها الظنون، قلبها يضطرب ويحس بولدها، وعقلها يتراجع فترتخي وتغمغم: ((إنك لاتريد انهاء هذا العبث أيها الشرير.. ألا تكف.. انصرف.. انصرف!!)).
يطحن فكره أمام عنادها وصلابة رأسها، فيتفتق عن آخر ماعنده، حيث يعري كتفه الأيمن، ويكشف عن وحمة لاتعرفها سوى الأم، وهو يبكي ويمرغ وجهه في ثوبها، يلثم يدها ورأسها وكتفها.
ياله من لقاء مثير، تختلط فيه الدموع بالكلمات، بين اعتذار وتوبيخ وعفو يرجوه، وبينما هما على هذا المنوال تتناهى إلى أسماعهما أصوات الحراس، فيصحو من لحظاته المسروقة، ويهمس: ((أمي.. سوف أتحول وأنا أسمعك)).
تطأطىء الأم رأسها، وقد غادرها تعبها وحزنها تماما، وفاض وجهها بشرا وحبورا: ((وحتى لا يرصدك الساحر الشرير.. انه لا يفتأ يأتينى ساخرا مقهقها بوجهه اللئيم.. سوف أحكي لك كل شيء.. نعم.. بل حكيت لك في أوراق طمحت أن تصل إليك.. ولكن هيهات.. خذها ودبر أمرك يا ولدي.. دبر أمرك!)).
من بين ثيابها تسحب لفافة من الأوراق ((كن على حذر، فالقصر مرصود، وابن الشياطين محمود الكذاب، يبطش بالناس، ويضحك على عقولهم بخرافاته، وأوهامه.. هيا ياسئندباد.. هيا يا ولدي أرجع ملك أجدادك.. وصن البلاد والعباد!)).
ينقلب سندباد الى سنجاب، ؤهو يؤكد لها: ((أمي لن أتأخر عليك!! إن لي ابنا جميلا أسميته الضرغام، يتطلع إلى رؤية جدته.. أمي قاومي ولاتجعلي لليأس سبيلا عليك)).
يودعها، وسرعان ما يسلك نفس الطريق الذي أتى منه، كان لابد أولا من الاطمئنان على سلامة ضحى وضرغام، حتى يخوض معركته دون قلق وانشغال بأي شيء.. نعم.. الأنباء تنتشر بسرعة، وفي كل مكان بانتصار جيش محمود الكذاب.. نعم الكذاب مثل مسيلمة وغيره ممن حاربهم أبوبكر الصديق رضى الله عنه وقضى عليهم، لقد أفلح الكذاب في توحيد صفوف جنده، بفضل ما أشيع عنه من أوهام وترهات وأضغاث الأحلام التي يبثها الشيطان في نفسه، فافترى على الناس والدين، ولابد من تخليص البلاد منه، بل العالم كله، فهاهو يطمع في غزو العالم، وتدميره والسيطرة عليه!
حين يصبح السنجاب خارج القصر يتحول إلى يمامة بنية اللون، وفي نفس البقعة التي ترك فيها ضحى و((ضرغام)) كان يبحث عنهما ، وهناك يجدها .. يجدها تسكن في بيت رجل صالح!! وهذا ما أكدته ضحى حين تقابل معها!
كانت نائمة وضرغام على مقربة منها ، بينما كانت اليمامة تحوم حول الدار، ثم تعبرها ، وتعرج صوب نزل الرجل، وتتأكد من استغراقه في النوم، ثم تنسحب إلى حيث ضحى، وترفرف قرب وجهها ، فيضطرب جفناها ، ثم تصحو وبسمتها تفرش فدانا من البهجة والخير، فيشير عليها ألا تحدث صوتا ، فتهمس قائلة: ((هو شيخ طيب! ! يبدو أني رأيته بين رجالك حين كنت تحارب هاهنا .. انه بعيد عن الفتنة، يعيش ذكريات الأيام السالفة!!)).
يتنهد سندباد ، يؤكد بضرورة الحذر والحرص، ثم يهمس: ((عرفت مكان أمي الملكة، إنها سجينة القصر يا ضحى، لو لم تنقذ لهلكت.. إنها ضعيفة للغاية! ! لقد قاست كثيرا .. الان أتصفح هذه الأوراق لأعرف رأسي وأين أضع قدمي.. هيه..!)).
ينتحي مكانا ، ثم بيسط الأوراق بين يديه، ويغرق في القراءة: ((أين أنت يا ولدي؟! يا ترى هل مازلت حيا ترزق؟ أم أصبحت كأن لم تكن؟! ابني سندباد وقرة عيني : أعيش في سجن مقبض كريه، تحوم حولي الشياطين والأفاعي البشرية وغير البشرية، تصرخ في وجهي ليلا ونهارا ، ولاأستطيع دفعها بعيدا عني! انني أموت.
ألم قاس ينتبشر في كل جسدي، أنا سبب كل هذا! سبب مايرزح فيه شعبي الطيب، فقد صدقت توبة الشيطان! ! نعم صدقتها ، فقد تحايل، وركع بين يدي، يبكي ويطلب الصفح والعفو فصدقته، حيث أعطاني بنورة جديدة رأيتك من خلالها ، وخرجت بجيشي لنجدتك ياأ حب الناس، ورجعت بكامل سعادتي.. كنت معي. وكانت زوجتك، وأنت تذكر ما تم وماكان على ظهر السفينة، حين غاب قردك العجيب، الذي لم يكن قردا أبدا ؛ فلم أعهد القرود بمثل هذا النبل، وحمل الرخ زوجتك، واختفى! ! وغبت أنت خلفهما ، ارتحلت خلف الراحلين.. لا.. لا..أذكر عودة رعد من السماء.. وسفره معك.. نعم. . أرأيت .. إن الشيخوخة والسجن يضللان ذاكرتي.. وتركتني.. تركت جيشك لأفاعيل الشيطان الذي دبر.. وأحكم التدبير، فأفنى الجيش بمجرد اقترابنا من الساحل، وقتل القادة واحدا بعد واحد ، ثم سحبني إلى قصر المزعوم محمود .. الأبله الذي لايفقه شيئا بالمرة .. إنك تراه فترى مجذوبا ، يتساقط اللعاب على وجهه، ويتفوه .. فتتعثر الكلمات على شفتيه. أرى الشيطان خلف رأسه مباشرة !! والناس هنا تتناقل عنه المعجزات : اللعاب الذي يشفى، واليد المرتعشة التي تبرىء من السقم والمرض العضال، وأشياء عجيبة .. عجيبة، حتى التف الناس حوله، وأمنوا به .. امنوا به وزعموا أنه المهدي المنتظر .. بل النبي المنتظر متناسين أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان آخر من بعث ! تمنيت منازلة هذا المحتال، لكن القيود حول معصمي، وفي الرقبة، تمتد منها إلى قدمي، كل ماأقوله يزيد من حنق الشيطان وغيظه، لكنه لايؤثر في، اقتلعوا أظافري، وأغرقوا رأسي في ماء يغلي، ووضعوا قدمي في زيت مغلي، وأخيرا ألهبوا جسدي بالسياط، وهم ينفخون: ((هذا نبينا .. آمني به وباركيه.. باركيه!! ووالله لو قطعوا بدني إربا إربأ مافعلت! )).
كان يقرأ مذهولا من هول الكلمات، يجري هنا وهناك فيرتطم بالحوائط، والدموع تنزف من عينيه حزنا وأسفا ، وضحى تجاهد للتخفيف عنه، لكنها تفشل، وتدخل معه هذا المهرجان الباكي، وأخيرا كان يقف أمام سطورها الأخيرة: "كان يقطع الألسنة أمام الجميع، يتجتثها من منبتها! أكثر من مائة محاولة لقتله فشلت بسبب هذا الزحام من حوله، وقد تمكن من الهرب أكثر من ثلاثين مرة، وخاض أكثر من خمس عشرة معركة خسرها جميعا ، وقد أشاعوا أنه طارفي الهواء دون أجنحة.. هذا آخر ماسمعته من حراس السجن! حتى أتباعه يفترون بهذا الإفك: ((قد رأيتهم فعلا كما يقول)).
إنه يشيع أن جيشه جند خفى لا يرى ، وهو يرابط فى الهواء على الدوام ، انظر إلى أولئك الرجال فى الخضار .. وهؤلاء فى البياض .. إنهم ليفدون إلىّ بمجرد إشارة مني "
حتى أتباعه يفترون بهذا الإفك :" لقد رأيتهم فعلا كما يقول :
رآهم الكذاب، كما يدعي أن الأسلحة تصله عن طريق الهواء! ! وقد أباح للناس نهب الناس وحرضهم على ذلك، وصادر أملاك الأثرياء، واختص نفسه بأكبر نصيب منها ، وجر البلاد لحروب وعداوات كانت في غنى عنها ، بينما يعيش هو حياة ماجنة خليعة، له الكثير من الجواري والزوجات والإما،!!
يقال أنه زحف هو وصبيه ضد جيش كبير، وكلاهما لايحمل سلاحأ ، و يقال أيضا أنهى سار على رأس حشد ، وحين اشتد الهجوم عليه ، هبت عاصفة لفت هذا المتنبي بسحابة من التراب ، فحجبته هو و من معه عن الأنظار !!
هذا أخر ماوصلني من أخبار يتحدث بها الحراس خارج هذه الجدران
، و هو الآن محاصر فى قلعة التنين ، فى المملكة المجاورة . . أين أنت يا ولدي؟! أين أنت؟!
يودع سندباد زوجته، ثم يحلق خارجأ ، و قبل أن يمرق من باب الدار ، يعرج حيث ينام الشيخ ، وهو يرف بجناحيه قريبا من وجهه ، فيفتح الشيخ عينيه ، التى لسعت جسد اليمامة ، و فى لمح البصر ، يهب واقفا :" أنت هو .. أنت هو ابن البطاش !!".
بسرعة يتراجع سندباد ، يتحول إلى عنكبوت ، كان يزحف فى اتجاه ضحى :" ضحى .. إنك تعيشين فى كنف الشيطان ".
ثم يختفى من بين قدمي الشيطان ، الذى كان يموت بحثا عنه ، ثم يتحول إلى صرصار ، يدنو من ضرغام :" صن أمك ياولدي .. صن أمك ياو لدي ".
يختفي فى شق جدار ، وهو يغمغم : ليس الآن .. لا بد من مواجهة وجها لوجه ، لكنني أشفق على ضحى .. إنه يعرف أنها زوجتي .. و أنه ابني .. لا بد أنه يعد العدة لاصطيادهما .. نعم و إلا ما أبقى عليهما !!".
ينأى هذه الخواطر جانبا ، و بشكل مؤقت ، و يتجه إلى قلعة التنين التى يحاصرها المدعو محمود !
على مشارف القلعة يشهد جيشأ رهيبا يحاصرها، وحين كان يقترب من أحد أبوابها كانت إشاعة يتم ترويجها بين الجموع، بأن محمودأ اختفى، لقد صعد إلى السحاب، فارتعد الجنود، وهمهموا، وبانت على وجوههم دموع ساخنة . تختلج الوجوه بالهلع والذعر .
لم يصدق سندباد مايرى ؛ فيزحف ثانية الى الباب، لكنه يصطدم بسيدة تهرع وهي تصرخ: ((كذب.. كذب. أنا إحدى زوجاته، لقد قذف نفسه في موقد.. ولم يخرج منه!!)).
يتبع
الحلقة الرابعة
نهاية بائع الغرابيل !
الأم لاتصدق، تتلاعب بها الظنون، قلبها يضطرب ويحس بولدها، وعقلها يتراجع فترتخي وتغمغم: ((إنك لاتريد انهاء هذا العبث أيها الشرير.. ألا تكف.. انصرف.. انصرف!!)).
يطحن فكره أمام عنادها وصلابة رأسها، فيتفتق عن آخر ماعنده، حيث يعري كتفه الأيمن، ويكشف عن وحمة لاتعرفها سوى الأم، وهو يبكي ويمرغ وجهه في ثوبها، يلثم يدها ورأسها وكتفها.
ياله من لقاء مثير، تختلط فيه الدموع بالكلمات، بين اعتذار وتوبيخ وعفو يرجوه، وبينما هما على هذا المنوال تتناهى إلى أسماعهما أصوات الحراس، فيصحو من لحظاته المسروقة، ويهمس: ((أمي.. سوف أتحول وأنا أسمعك)).
تطأطىء الأم رأسها، وقد غادرها تعبها وحزنها تماما، وفاض وجهها بشرا وحبورا: ((وحتى لا يرصدك الساحر الشرير.. انه لا يفتأ يأتينى ساخرا مقهقها بوجهه اللئيم.. سوف أحكي لك كل شيء.. نعم.. بل حكيت لك في أوراق طمحت أن تصل إليك.. ولكن هيهات.. خذها ودبر أمرك يا ولدي.. دبر أمرك!)).
من بين ثيابها تسحب لفافة من الأوراق ((كن على حذر، فالقصر مرصود، وابن الشياطين محمود الكذاب، يبطش بالناس، ويضحك على عقولهم بخرافاته، وأوهامه.. هيا ياسئندباد.. هيا يا ولدي أرجع ملك أجدادك.. وصن البلاد والعباد!)).
ينقلب سندباد الى سنجاب، ؤهو يؤكد لها: ((أمي لن أتأخر عليك!! إن لي ابنا جميلا أسميته الضرغام، يتطلع إلى رؤية جدته.. أمي قاومي ولاتجعلي لليأس سبيلا عليك)).
يودعها، وسرعان ما يسلك نفس الطريق الذي أتى منه، كان لابد أولا من الاطمئنان على سلامة ضحى وضرغام، حتى يخوض معركته دون قلق وانشغال بأي شيء.. نعم.. الأنباء تنتشر بسرعة، وفي كل مكان بانتصار جيش محمود الكذاب.. نعم الكذاب مثل مسيلمة وغيره ممن حاربهم أبوبكر الصديق رضى الله عنه وقضى عليهم، لقد أفلح الكذاب في توحيد صفوف جنده، بفضل ما أشيع عنه من أوهام وترهات وأضغاث الأحلام التي يبثها الشيطان في نفسه، فافترى على الناس والدين، ولابد من تخليص البلاد منه، بل العالم كله، فهاهو يطمع في غزو العالم، وتدميره والسيطرة عليه!
حين يصبح السنجاب خارج القصر يتحول إلى يمامة بنية اللون، وفي نفس البقعة التي ترك فيها ضحى و((ضرغام)) كان يبحث عنهما ، وهناك يجدها .. يجدها تسكن في بيت رجل صالح!! وهذا ما أكدته ضحى حين تقابل معها!
كانت نائمة وضرغام على مقربة منها ، بينما كانت اليمامة تحوم حول الدار، ثم تعبرها ، وتعرج صوب نزل الرجل، وتتأكد من استغراقه في النوم، ثم تنسحب إلى حيث ضحى، وترفرف قرب وجهها ، فيضطرب جفناها ، ثم تصحو وبسمتها تفرش فدانا من البهجة والخير، فيشير عليها ألا تحدث صوتا ، فتهمس قائلة: ((هو شيخ طيب! ! يبدو أني رأيته بين رجالك حين كنت تحارب هاهنا .. انه بعيد عن الفتنة، يعيش ذكريات الأيام السالفة!!)).
يتنهد سندباد ، يؤكد بضرورة الحذر والحرص، ثم يهمس: ((عرفت مكان أمي الملكة، إنها سجينة القصر يا ضحى، لو لم تنقذ لهلكت.. إنها ضعيفة للغاية! ! لقد قاست كثيرا .. الان أتصفح هذه الأوراق لأعرف رأسي وأين أضع قدمي.. هيه..!)).
ينتحي مكانا ، ثم بيسط الأوراق بين يديه، ويغرق في القراءة: ((أين أنت يا ولدي؟! يا ترى هل مازلت حيا ترزق؟ أم أصبحت كأن لم تكن؟! ابني سندباد وقرة عيني : أعيش في سجن مقبض كريه، تحوم حولي الشياطين والأفاعي البشرية وغير البشرية، تصرخ في وجهي ليلا ونهارا ، ولاأستطيع دفعها بعيدا عني! انني أموت.
ألم قاس ينتبشر في كل جسدي، أنا سبب كل هذا! سبب مايرزح فيه شعبي الطيب، فقد صدقت توبة الشيطان! ! نعم صدقتها ، فقد تحايل، وركع بين يدي، يبكي ويطلب الصفح والعفو فصدقته، حيث أعطاني بنورة جديدة رأيتك من خلالها ، وخرجت بجيشي لنجدتك ياأ حب الناس، ورجعت بكامل سعادتي.. كنت معي. وكانت زوجتك، وأنت تذكر ما تم وماكان على ظهر السفينة، حين غاب قردك العجيب، الذي لم يكن قردا أبدا ؛ فلم أعهد القرود بمثل هذا النبل، وحمل الرخ زوجتك، واختفى! ! وغبت أنت خلفهما ، ارتحلت خلف الراحلين.. لا.. لا..أذكر عودة رعد من السماء.. وسفره معك.. نعم. . أرأيت .. إن الشيخوخة والسجن يضللان ذاكرتي.. وتركتني.. تركت جيشك لأفاعيل الشيطان الذي دبر.. وأحكم التدبير، فأفنى الجيش بمجرد اقترابنا من الساحل، وقتل القادة واحدا بعد واحد ، ثم سحبني إلى قصر المزعوم محمود .. الأبله الذي لايفقه شيئا بالمرة .. إنك تراه فترى مجذوبا ، يتساقط اللعاب على وجهه، ويتفوه .. فتتعثر الكلمات على شفتيه. أرى الشيطان خلف رأسه مباشرة !! والناس هنا تتناقل عنه المعجزات : اللعاب الذي يشفى، واليد المرتعشة التي تبرىء من السقم والمرض العضال، وأشياء عجيبة .. عجيبة، حتى التف الناس حوله، وأمنوا به .. امنوا به وزعموا أنه المهدي المنتظر .. بل النبي المنتظر متناسين أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان آخر من بعث ! تمنيت منازلة هذا المحتال، لكن القيود حول معصمي، وفي الرقبة، تمتد منها إلى قدمي، كل ماأقوله يزيد من حنق الشيطان وغيظه، لكنه لايؤثر في، اقتلعوا أظافري، وأغرقوا رأسي في ماء يغلي، ووضعوا قدمي في زيت مغلي، وأخيرا ألهبوا جسدي بالسياط، وهم ينفخون: ((هذا نبينا .. آمني به وباركيه.. باركيه!! ووالله لو قطعوا بدني إربا إربأ مافعلت! )).
كان يقرأ مذهولا من هول الكلمات، يجري هنا وهناك فيرتطم بالحوائط، والدموع تنزف من عينيه حزنا وأسفا ، وضحى تجاهد للتخفيف عنه، لكنها تفشل، وتدخل معه هذا المهرجان الباكي، وأخيرا كان يقف أمام سطورها الأخيرة: "كان يقطع الألسنة أمام الجميع، يتجتثها من منبتها! أكثر من مائة محاولة لقتله فشلت بسبب هذا الزحام من حوله، وقد تمكن من الهرب أكثر من ثلاثين مرة، وخاض أكثر من خمس عشرة معركة خسرها جميعا ، وقد أشاعوا أنه طارفي الهواء دون أجنحة.. هذا آخر ماسمعته من حراس السجن! حتى أتباعه يفترون بهذا الإفك: ((قد رأيتهم فعلا كما يقول)).
إنه يشيع أن جيشه جند خفى لا يرى ، وهو يرابط فى الهواء على الدوام ، انظر إلى أولئك الرجال فى الخضار .. وهؤلاء فى البياض .. إنهم ليفدون إلىّ بمجرد إشارة مني "
حتى أتباعه يفترون بهذا الإفك :" لقد رأيتهم فعلا كما يقول :
رآهم الكذاب، كما يدعي أن الأسلحة تصله عن طريق الهواء! ! وقد أباح للناس نهب الناس وحرضهم على ذلك، وصادر أملاك الأثرياء، واختص نفسه بأكبر نصيب منها ، وجر البلاد لحروب وعداوات كانت في غنى عنها ، بينما يعيش هو حياة ماجنة خليعة، له الكثير من الجواري والزوجات والإما،!!
يقال أنه زحف هو وصبيه ضد جيش كبير، وكلاهما لايحمل سلاحأ ، و يقال أيضا أنهى سار على رأس حشد ، وحين اشتد الهجوم عليه ، هبت عاصفة لفت هذا المتنبي بسحابة من التراب ، فحجبته هو و من معه عن الأنظار !!
هذا أخر ماوصلني من أخبار يتحدث بها الحراس خارج هذه الجدران
، و هو الآن محاصر فى قلعة التنين ، فى المملكة المجاورة . . أين أنت يا ولدي؟! أين أنت؟!
يودع سندباد زوجته، ثم يحلق خارجأ ، و قبل أن يمرق من باب الدار ، يعرج حيث ينام الشيخ ، وهو يرف بجناحيه قريبا من وجهه ، فيفتح الشيخ عينيه ، التى لسعت جسد اليمامة ، و فى لمح البصر ، يهب واقفا :" أنت هو .. أنت هو ابن البطاش !!".
بسرعة يتراجع سندباد ، يتحول إلى عنكبوت ، كان يزحف فى اتجاه ضحى :" ضحى .. إنك تعيشين فى كنف الشيطان ".
ثم يختفى من بين قدمي الشيطان ، الذى كان يموت بحثا عنه ، ثم يتحول إلى صرصار ، يدنو من ضرغام :" صن أمك ياولدي .. صن أمك ياو لدي ".
يختفي فى شق جدار ، وهو يغمغم : ليس الآن .. لا بد من مواجهة وجها لوجه ، لكنني أشفق على ضحى .. إنه يعرف أنها زوجتي .. و أنه ابني .. لا بد أنه يعد العدة لاصطيادهما .. نعم و إلا ما أبقى عليهما !!".
ينأى هذه الخواطر جانبا ، و بشكل مؤقت ، و يتجه إلى قلعة التنين التى يحاصرها المدعو محمود !
على مشارف القلعة يشهد جيشأ رهيبا يحاصرها، وحين كان يقترب من أحد أبوابها كانت إشاعة يتم ترويجها بين الجموع، بأن محمودأ اختفى، لقد صعد إلى السحاب، فارتعد الجنود، وهمهموا، وبانت على وجوههم دموع ساخنة . تختلج الوجوه بالهلع والذعر .
لم يصدق سندباد مايرى ؛ فيزحف ثانية الى الباب، لكنه يصطدم بسيدة تهرع وهي تصرخ: ((كذب.. كذب. أنا إحدى زوجاته، لقد قذف نفسه في موقد.. ولم يخرج منه!!)).
يتبع
تعليق