التراث العربي بين الأصالة والمعاصرة
فريد محمد سليمان المقداد
[align=justify]من أهم الأسئلة التي تواجه النظم الفكرية والمعرفية على اختلاف مكوناتها ومرجعياتها الفلسفية والمعرفية سؤال التراث ،ماهو التراث؟لماذا التراث ؟هل من الضروري أن نهتم بالتراث ؟هل تصح مقولة القطيعة مع الماضي، أم هل تصح مقولة أنه (ليس بالإمكان أبدع مما كان)وأن السلف لم يترك للخلف شيئاً؟أم يصح قول الشاعر العربي:
-(وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل)
قبل كل هذا وذاك دعونا نبين ماهو التراث ؟
-(دندنة لغوية):لفظ التراث في اللغة العربية من مادة (و.ر.ث)وتجعله المعاجم القديمة مرادفاًل "الإرث"و"الورث" و"الميراث"وهي مصادر تدل عندما تطلق اسماً على ما يرثه الإنسان من والديه من مال أو حسب،وقد فرق بعض اللغويين القدامى بين الورث والإرث على أساس أن الورث خاص بالمال وأن الإرث خاص بالحسب،ويلتمس اللغويون تفسيرا لحرف التاء في كلمة تراث فبقولون أن أصله "واو"وعلى هذا يكون اللفظ في أصله الصرفي "وراث" ثم قلبت الواو تاء لثقل الضمة على الواو ،وقد وردت لفظة التراث في القرآن الكريم مرة واحدة في سياق قوله تعالى {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً }الفجر19،والتراث هنا هو المال الذي يتركه الهالك وراءه وقد ورد في معلقة عمرو بن كلثوم قوله :
-ورثنا مجد علقمة بن سيف أباح لنا حصون المجد دينا
-ورثت مهلهلا والخير منه زهيرا نعم ذخر الذاخرينا
-وعتابا وكلثوما جميعا بهم نلنا تراث الأكرمينا
والتراث هنا هو مآثر الآباء والأجداد من صفات كالقوة والشجاعة والكرم التي أهلتهم لأن يصبحوا من كرام القوم،وفي العصر الإسلامي استمر استخدام كلمة تراث،لكنها ظلت ترفع راية العزة وتتغنى بكرم الأصل والتصدي للظلم والغدر ،يقول الشاعر الإسلامي سعد بن ناشب :
-فإن تهدموا بالغدر داري فإنها تراث كريم لايبالي العواقبا
وعموماً فإن لفظ "تراث" قد اكتسى في الخطاب العربي الحديث والمعاصر حتى معنى مختلفاً إن لم يكن مناقضاً لمعنى مرادفه الميراث في الاصطلاح القديم ،فبينما يفيد لفظ الميراث التركة التي توزع على الورثة أو نصيب كل منهم فيها أصبح لفظ التراث يشير إلى ما هومشترك بين العرب أي التركة الفكرية والروحية التي تجمع بينهم ،فإذا كان الإرث هو عنوان اختفاء الأب وحلول الابن محله فإن التراث أصبح في الوعي العربي المعاصر عنواناً على حضور الأب في الابن ،وحضور السلف في الخلف وحضور الماضي في الحاضر لذلك فإنني أستطيع أن أعرف التراث بأنه

أنواع التراث:
يضم التراث العربي عدة أنواع من التراث يمكننا أن نصنفها على النحو التالي:
1-التراث الشفوي :كل ما نقل مشافهة أو تعليما من الآباء للأبناء من روايات وحكايات وأساطير وموسيقى ورقص شعبي وغير ذلك.....
2- التراث المكتوب:وثائق ،مخطوطات، نصوص تاريخية.....
3-التراث المبني:المدن القديمة ،المساجد ،المدارس،الأبواب، الزخارف ،النقوش...
4-التراث المنقول:القطع الأثرية كالنقود والحلي والأواني الخزفية والأسلحة القديمة وغيرها من الأدوات المنزلية والفلاحية والحرفية التي قد نجدها محفوظة في المتاحف
5-المواقع الأركيولوجية: وهي المواقع الأثرية القديمة0
-أشكال التراث:
بما أن التراث هو المخزون الحضاري للأمة الذي يتراكم دوماً ليشكل الرصيد العلمي والثقافي للأمة، فقد دعت الضرورة إلى اتخاذ موقف فكري محدد من هذا المخزون التراثي وفي هذا الموقف لابد من مراعاة أمرين :
ا-الفهم العميق للتراث والمعرفة الواعية بمكوناته 0
ب- القدرة على استشراف المستقبل ومتابعة إمكاناته واحتمالاته وتحدياته اللانهائية0
أما الأشكال الثلاثة للتراث فهي :
أولا-التراث الفاعل هو ذلك الجانب من التراث الذي من شأنه أن يفعل أو يمهد للفعل في حاضرنا أو مستقبلنا ، فإذا كنا نعيش عصر العلم ونتهيأ للدخول أو المشاركة فيه فإن التراث الفاعل في هذه الحالةهوالتراث العلمي للعرب ،ولايمكن لأي كان أن ينكر دور العلماء العرب المسلمين في تطور فروع العلم، الحقيقة التي يؤكدها العدو قبل الصديق ،وهذا التراث لن يقدم لنا إجابات عن تساؤلات العلم الحالية،ولن يصوغ لنا مخترعات تكنولوجية متقدمة،ولكن أضعف الإيمان أن يسمح لنا بالدخول إلى هذا العصر من منطلق الندية ،أي أنناأصحاب فكر ومعرفة وقد أسهمنا في دفع ركب الحضارة العالمي ، كما أنه ضروري لفهم طبيعة العقل العربي المعاصر وتطوره العلمي وهو فهم ضروري للحاضر والمستقبل معاً0
ثانيا-التراث الخامل : وهو ذلك الجزء من التراث الذي فقد أهميته مع مرور الزمن،واختلاف الأحوال الحضارية وإن كان له في الماضي شأن عظيم أدى إلى اتساعه، لكنه اليوم خامل بالنسبة إلى مقتضيات العصر،ومثاله في تراثنا العربي مباحث السيمياء والكيمياء السحرية، ويضاف إلى ذلك تلك التفا ريع الكلامية (نسبة إلى علم الكلام )التي طال الحديث فيها ولم ينته بعد حتى أن العقل المعا صر ليصاب بالدوار منها ، المهم أن مثل هذه التراثيات خاملة لاتضيف إلى العقل العربي شيئاً ومن الخير تركها وعدم الاهتمام بها، ناهيك عن أن طرحها اليوم لم يعد يجدي فتيلاً.
ثالثاً –التراث القاتل : وهو ذلك الجزء من التراث الذي يلحق ضرراًبالغاً بالتكوين الفكري والعقلي والحضاري للأمة العربية ،ومن أمثلة ذلك الجانب القاتل من التراث العربي"فنون السحر والشعوذة والتنجيم"فهذا النوع من التراثيات من شأنه تخدير العقل العربي المعاصر والإلقاء به في متاهات السحر والشعوذة ناهيك عن بعده عن الواقع والروح العلمية.
كيف تكون قراءة التراث ؟إن الحاجة ماسة اليوم إلى قراءة مستبصرة للتراث العربي وفق معاييرمنضبطة تسهم في نهضة الأمة العربية وتأخذ بيدها نحو الصراط المستقيم ،مثلاً نقرأ الشعر العربي فنأخذ منه روائع التصوير ،وبدائع التعبير عن النفس والطبيعة والحياة ،ونقتبس غوالي الحكم ،ونترك المديح المسرف والهجاء المقذع والعصبية القبلية،والمجون المكشوف والشك المتحير، نقرأ حجة الإسلام الغزالي وننهل من تراثه الرحب في التربية والأخلاق ونترك ما تضمنته كتبه من غلو الصوفية أو من معارف أثبت العصر بطلانها أو ما استند إليه من أحاديث واهية أو موضوعة لاسند لها ،نقرأ التفسير ونحذر من الإسرائيليات والأقوال الفاسدة ،نقرأ الحديث ونحذر من الموضوعات والواهيات، نقرأ التصوف ونحذر من الشطحات والتطرفات ،نقرأ علم الكلام ونحذر من الجدليات والسفسطات ، نقرأ علم الفقه ونحذر من الشكليات والتعصبات
ماذا تعني الأصالة: لقد تعمدت الحديث عن مفهوم الأصالة بعد الحديث عن التراث مباشرة ،لأنه كثيراً ما يشار إلى التراث على أنه هو الأصالة باعتبارها هوية ثقافية ثابتة نسبياً نابعة من التراث وتابعة له ،وأن نكون أصيلين يعني أن نحافظ على التراث ونخلص له ونؤكد انتماءنا إليه،فالأصالة مشتقة من أصل الشيء وجذره وهي تتحدد بالإجابة على السؤال من نحن؟ ما هويتنا ؟ بماذا نختلف عن الآخرين؟ ونحن نرى أن الأصالة بهذا لمعنى تعني الهوية الثقافية المستقلة عن الآخرين وهو الأمر الذي يحيلنا إلى التراث باعتباره هو الذي يشكل شخصيتنا الحضارية وهويتنا الثقافية وبما أن فهمنا للتراث يتعلق بانتماءاتنا واتجاهاتنا الإيديولوجية بالدرجة الأولى فإذا سألت اسلامياً عن هويته يجيبك أنا مسلم ،وإذا سألت قومياً يجيبك أنا عربي ،وإذا سألت صاحب النزعة الإقليمية والقطرية الضيقة فسيجيبك أنا مصري أو لبناني أو سوري أو قد يجيبك أنا فرعوني أو فينيقي أو بربري ،أما الماركسي فيعلن هويته الأممية قبل كل شيء .لكن مهما كان الأمر فالأصالة لاتعني الانغلاق على الذات ، أو على التراث والثبات وعدم التغير والتطور مما يقود إلى التعفن والاندثار والموت البطيء،ذاك أن الأصالة ليست كياناً ثابتاً دائماً لايحول ولا يزول نشأ دفعة واحدة وإلى الأبد ،استلمناه من أسلافنا دون تغيير ونسلمه بالأمانة لخلفنا دون أن نتصرف فيه ، وحتى لو أردنا ذلك لانستطيع لأن التغيير حاصل لامحالة، وهو يحدث رغماً عنا ومن الأفضل أن نعرف كيف نتعامل معه من أن يفرض علينا ونحن عنه غافلون... الأصالة يجب أن تعني القدرة على الإستمراروالتجدد الدائم والحوار النقدي الإيجابي مع المتغيرات الجديدة ، لأن الأصالة بغير ذلك مجرد جثة هامدة ،ذاك أن الثقافة التي لاتتجدد وتتغير هي جثة لاحراك بها خالية من الإبداع ونحن لانريد لثقافتنا ذلك ،وخطورة قضية الأصالة تأتي من سوء فهم هذه الكلمة والتستر بها لإبقائنا في قبضة التخلف والتبعية ، حين تروج الفكرة التي تحاول أن تقنعنا بأن أصالتنا إنما تكمن في أننا شرقيون ، من سماتنا أن نؤمن بالقضاء والقدر ،والغيب ، والاستسلام للخيال والأساطير،وأن ذهيتنا ميثيولوجية دينية ،وترفض الحرية والسببية ،وبالتالي فإن جوهر تكويننا يتناقض مع العلم والتفكير العلمي والعقلانية والمنطق التي هي بنظر معظم المستشرقين والمفكرين الغربيين من خصائص العقل العربي وحده فالشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا كما يقول الشاعر (كبلنغ)القلب للشرق والعقل للغرب ،الشرق روحاني والغرب مادي وهي أفكار تعبر عن النزعة المركزية الأوروبية صيغت لتبرر سيادتهم وسيطرتهم على العالم ،ووقع في فخها عدد من المفكرين العرب ويضاف على هذه التهم تهمة الإرهاب على اعتبار أن عقلنا وفكرنا مرتع خصب لها.وبدعوى حماية الأصالة تجري الدعوة إلى الانغلاق على الماضي ورفض التجديد وإثارة المخاوف من أن المزيد من التغيير سوف يؤدي في النهاية على القضاء على أصالتنا وهويتنا الثقافية ،وكأنه ينبغي على العرب حتى يحافظوا على أصالتهم وخصوصيتهم أن يحاربوا التجديد وحقيقة أن هذه الدعوة في أساسها معادية لجوهر الأصالة ،وتحت شعار الأصالة تجري محاربة كل المفاهيم المدنية الحديثة كالديمقراطية والعقلانية والعلمانية والتحديث على اعتبار أنها مؤامرة مبيتة على الإسلام والعروبة أو أنها غزو ثقافي وبذلك تصبح الصالة سجناً ضيقاً يرفض الواقع وينعزل عنه عوضاً عن التفاعل المثمر البناء ، وقد بدأت بوادر الانغلاق والجمود في العقل العربي منذ إغلاق باب الاجتهاد زمن العباسيين ،والخطورة في هذه القضية أنها تتحرك مستغلة الدين والمقدسات الدينية وليس بعد هذا الاستبداد استبداد ،فبدلاً من أن تتسع الشريعة بالفقه والاجتهاد لتستوعب الواقع التاريخي المتجدد تتحول مع هذه الأصولية إلى سرير بروكست حيث يفصل الواقع على قده مع أن أسلافنا رحمهم الله تحدثوا عن أسباب النزول معبرين بوضوح تام عن ارتباط الشريعة بالظروف المتغيرة وتحدثوا عن الناسخ والمنسوخ فالأحكام تتحدد طبقاً لمتطلبات العصر وقد وضعوا قاعدة فقهية تنص على (تغير الأحكام بتغير الأزمان )والإمام الشافعي وضع مذهبه على نسق شرعي معين وهو في بغداد لكنه عندما ارتحل إلى القاهرة ظهرت له أدلة جديدة وأخذ بعين الإعتبارالأوضاع الاجتماعية والمادية للناس فغبر وبدل في مذهبه ،وهكذا فإننا حين نفهم الأصالة على أنها الهوية الثقافية القابلة للتجدد والإستمرارفإنها تصبح صلة الوصل بين التراث والمعاصرة ،ويجب أن ننتبه أن أي موقف من التراث ومما هو قديم يفترض ضمناً أو صراحة موقفاً مما هو جديد أو معاصر.
قضية المعاصرة : تعني المعاصرة التفاعل الإيجابي مع القضايا الراهنة والحضارة ومنجزاتها ومعاييرها العلمية التكنولوجية والفكرية والفلسفية والأخلاقية والسياسية باعتبارها إرثاً عاماً للبشرية ،وبإمكان جميع الشعوب نظرياً الاستفادة من هذه الحضارة بما يتناسب مع حاجاتها ويتلاءم مع اختياراتها القومية، فالمعاصرة قبل كل شيء تفتح على حصيلة المعارف والفنون والتقنيات ،وعلى الأفكار التي تسود الفترة المعيشية مما يتطلب حرية الفكر ومرونة الذهن للتكيف مع ما يستجد في مختلف الميادين ، فالتعصب والانغلاق ورفض التطور خصال تعادي المعاصرة ،وبهذا المعنى تكون المعاصرة حركة تطور وتقدم ،دون أن يعني ذلك بحال من الأحوال التخلي عن التراث أو الأصالة ، لكن المشكلة هي أن الحضارة الراهنة هي حضارة الغرب ، وهكذا فالمعاصرة تقترن بالغرب ،وهنا تكمن معضلة المعضلات فالغرب في العقل العربي يرتبط بذكريات مؤلمة ،فهو عند بعض السلفيين والمتعصبين مقترن بحروب الفرنجة وبالإلحاد والصراع مع الدين في مجرى النهضة التي أسفرت عن الحضارة المعاصرة ،وتقترن صورة الغرب عموماً عند العرب بالاستعمار واتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وتبني الصهيونية ونهب البلاد والعباد ،وبذلك ترسخ في الذهنية العربية نوع من التفسير التآمري لكل ما يجري مع العرب من هزائم واحباطات بإلقاء مسؤوليتها على الغرب ، حتى ساد في أذهان الكثيرين أن الغرب لاهم له سوى حياكة المؤامرات الشيطانية ضد العرب والمسلمين ،وبالإضافة إلى ذلك فإن ما يجري تداوله عن الحضارة الغربية المعاصرة رغم تفوقها العلمي ورقيها المادي من أنها تعاني من أزمات نفسية وقيمية وأخلاقية وإباحية ومن اختلال وتفكك على كافة المستويات ،كل ذلك أثار ويثير دوماً ردود فعل متناقضة ، وغالباً ماتكون مضادة للحضارة الغربية ، وهذه الصورة السلبية تصاحبها مشكلة وجانية في العلاقة مع الغرب وتؤدي أغلى إعاقة التفاعل الايجابي مع قيم ومعايير الحضارة السائدة ،والذي يظهر في الأفكار والحركات النكوصية الداعية إلى المحافظة على الأصالة والتراث بالمعنى الانغلاقي السلبي مما ينشأ أزمة في التفاعل مع الحضارة المعاصرة،وللحقيقة فالحضارة الغربية ليست شراً كلها ففيها من العوامل والتطورات الايجابية ما لايمكن إنكاره حتى عند أكثر الناس تحجراً وأشدهم جموداً وانغلاقاً بل لربما أن الصفات السلبية المعروفة للحضارة الغربية هي نتيجة التطورات الايجابية بالذات ،فكما هو معروف من يتحرك يثير غباراً ،مع العلم أننا كثيراً ما نضخم السلبيات لمجرد أنها تخالف عاداتنا وتقاليدنا ،وهذا لايعني دائماً أن أسلوب حياتنا هو الصحيح ،ومن ثم فإنه لايصح القول أن الناس في الغرب بلا أخلاق وضمير ،وأنهم يعيشون في ضلال وانحراف كما يظن الكثير من الناس،بل لعل الفرق ما بيننا وبينهم هو أن فسادنا الخلقي في السر ،في حين أنهم يتصرفون في العلن ،وأتمنى أن لايفهم من هذا الكلام أنه تبرير للفساد،لكنني أقول بأننا إذا تساوينا معهم في الفساد فينبغي أن نقر أنهم يتفوقون علينا بالعلم ،لقد حققت الحضارة الغربية تقدماً رائعاً في العلوم التطبيقية في مجال التنظيم السياسي والاجتماعي والتنمية الاقتصادية وامتلاك مفاتيح السيطرة على الطبيعة(الدقة-حب العمل –الانجاز-احترام الوقت-الإخلاص في تأدية الواجب -السعي للإبداع-الارتفاع المستمر في الإنتاج- الانضباط—التجديد-الحرية-تقنين المسؤولية الفردية والاجتماعية-تعزيز مكانة العقل والنزعة العقلانية- الترشيد الاقتصادي-المؤسسات الدستورية والديمقراطية).
هذه هي معايير المعاصرة ولايمكن تحقيق تطور وتقدم في بلادنا دون إدماجها ،لنكون عصريين دون تردد وعندما نحققها نثبت أصالتنا بجدارة وهي ليست غريبة عن تراثنا ،بل هي بضاعتنا ردت إلينا...أما لماذا يوضع التراث والأصالة مقابل المعاصرة وكأنه لاعلاقة للتراث والأصالة بالعصر خصوصاً مع الحضارة الأوروبية الراهنة وكأنها قادمة من كوكب آخر ولا علاقة للعرب بها...
الحضارة الأوروبية لم توجد هكذا وبمعجزة إلهية بل هي الحلقة الأخيرة في التطور الإنساني العالمي أسهمت فيها شعوب وحضارات سابقة بدرجات متفاوتة بل إن حضارتنا العربية في الماضي قد أعطت للنهضة الأوروبية من الأسس الفكرية العلمية والفلسفية ما لم تقدمه أي حضارة أخرى..فبداية انطلاقة النهضة الأوروبية الحديثة كانت من الجنوب من ايطاليا من جنوب فرنسا من اسبانيا أي من مناطق الاتصال والاحتكاك مع العرب فعلينا أن ندرك مدى دلالة ذلك ...وأرجو أن لايفهم ذلك على أنه نوع من الاستعلاء والتفاخر والتغني المجاني بالأمجاد الغابرة،كعادتنا في أوقات الأزمات والإحساس بالعجز والضعف والتخلف أمام تفوق الغرب الذي يفقأ عيوننا ،لكنني أورد ذلك في سياق حديثي لأؤكد أن من حقنا بل من واجبنا حتى نكون مخلصين لأصالتنا وأمينين لتراثنا أن نأخذ بالمعاصرة بمعناها الايجابي المشار إليه، ونقبل عليها دون تردد بثقة كاملة ودون شعور بالنقص،عندما قام العرب بنهضتهم الأولى في العصور الوسطى لم يخافوا على هويتهم أو على أصالتهم من الضياع لم يترددوا وهم يأخذون من الحضارات الهندية والفارسية والصينية والرومانية واليونانية التي جاورتهم وسبقتهم في ركب الحضارة وقد استقوا من تراثهم الخاص قبل الإسلام ما يناسبهم ويفيدهم في بناء حضارتهم والأوروبيون في بدايات نهضتهم أخذوا من حضارتنا العربية كل ما هو مناسب ومفيد لهم دون تردد أو خوف أو شعور بالنقص كما هو عليه حالنا اليوم الحضارة الحديثة انطلقت من أوروبا لكنها أصبحت اليوم شاملة وكونية (لايجوز إطلاق صفة الغربية عليها)بل توصف بأنها معاصرة لأنها إنسانية وكونية وتخص جميع الشعوب ،لقد كانت هذه الحضارة حضارة العلم والعقل والتكنولوجيا والتقدم في استكمال سيطرة البشر على شروط وجودهم الطبيعية والاجتماعية ، وهي اليوم حضارة المعرفة والثورة المعلوماتية المذهلة .والتقدم في استكمال تواصل الشعوب والأمم وتعرفها على بعضها وخلق إمكانيات أكبر للحوار بينها...هذه هي المعاصرة أو هذا هو مبدأ فهمها من منطلق قومي إنساني إن وضع الأصالة والخصوصية والهوية العربية الإسلامية في تضاد مع حضارة العصر يناقض التطور التاريخي الإنساني. [/align]
تعليق