قراءة في رواية أقصى الجنون / وفاء عبد الرزاق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • صادق حمزة منذر
    الأخطل الأخير
    مدير لجنة التنظيم والإدارة
    • 12-11-2009
    • 2944

    قراءة في رواية أقصى الجنون / وفاء عبد الرزاق

    أقصى الجنون.. الفراغ يهذي
    رواية لوفاء عبد الرزاق




    المعذبون في الأرض

    قصة المأساة الإنسانية التي لم تنتهِ ولن تنتهي يوما إلا في حفرة مستطيلة لا تزيد عن مترين في متر تحتضن ما بقي من أدلة صراع مرير ..

    ومن الطبيعي أن تظل كل المسافات مقطوعة بعد آخر رحلة مع كل هؤلاء المعذبين لتبدأ أو لتواصل رحلات أخرى .. ومع أن الصراع بقي منذ الأزل مستمرا في جميع أشكاله ومستوياته ..

    أفقيا : صراع إنسان ضد إنسان وعاموديا : صراع البشرية مع الطبيعة ..


    ولم يتوقف الصراع يوما حيث يبدأ مع أول بزوغ للرحلة في صرخة يطلقها جنين خرج إلى الحياة وينتهي بشهقة هي آخر فعل يرتكبه الإنسان في رحلة الحياة .. وقد لا نعلم بالتحديد لماذا يصرخ أو لمَ يشهق .. ولكن ماذا يمكن أن يكون أدل على الشقاء من رحلة تبتدئ بصرخة وتنتهي بشهقة .. !!

    يجيء الإنسان إلى هذا العالم ومن اللحظة الأولى تبدأ معاركه أفقيا وعاموديا لفرض إرادته أو للدفاع عن إرادته المعتقلة .. إنها رحلة معركة الحرية والاستقلال التي تمثل صراع الحياة وقد تجري أحداثها بصمت ولكنها لا تتوقف .. قد تكون خفية غير معلنة وتجري بين أفراد الأسرة الواحدة وقد تكون صاخبة وشرسة جهارا نهارا معلنة لفرض إرادة طاغية لمجرد أن فرصة سنحت وتغيرت موازين القوى ..

    فلم يحدث أن تردد القوي عندما واجه الضعيف في إخضاعه وإملاء إرادته عليه ( أفقيا ) قد لا تخرج حدود الصراع هنا عن أب وإبن أو أبنة أو زوجة ..

    كما لم تعفُ الطبيعة في جميع مواجهاتها مع جميع المخلوقات وفي الصراع ( الشاقولي ) الذي يخوضه الإنسان ضدها .. وقد لا تخرج حدود الصراع هنا عن مواجهة بين مخلوق صغير أصغر بكثير من الضفدع والصرصار والقملة .. بل ربما كان مجهريا .. كمواجهة بين فايروس الطاعون أو الإيدز وبين الإنسان ..

    وقد نرى ما يثير العجب فعلا فكم مرة انحازت الطبيعة لذاتها وانتصر الفايروس المجهري على الإنسان المخلوق السيادي في هذا الكون وأطاح به إلى حفرة النهاية وبلا أي تردد وفي بعض الأحيان كانت المواجهة محسومة ومنتهية بشكل قاطع ..

    ولا مجال هنا لمبدأ اليقين ( تعددت الأسباب والموت واحد ) فلا شك أن هناك فرق كبير بين الموت في مواجهة فايروس وبين الموت في مواجهة أخ ظالم كما أن تقاطع الصراع أفقيا وشاقوليا لا يلغي هذا الفارق فما زال المئة مليون قتيل والتي حصدتها الحروب العالمية البشرية تمثل رقما أكثر همجية ووحشية من الملايين التي حصدها ويحصدها الطاعون والكوليرا والسرطان وإخوتهم باقي الأمراض ..

    الاغتراب والغربة

    إن معركة فرض الإرادة أو الهرب من هيمنة إرادة مفروضة .. كما هي مستمرة هي ليست ثابتة وانما يتأرجح الصراع وفقا لميل كفة القوة منتقلا بين المتصارعين وهنا يمكن أن نحدد حقل الصراع الذي يمكن أن يكون مساحة لا تخرج عن حجم الإنسان نفسه .. تحاصره حتى في حدود جسمه ..

    وكثيرا ما رأينا قوانينا وأحكاما لا إنسانية تغطي جسم الإنسان بكفن أسود ( أو كحلي ) وتخفي معالم بشريته وتحاصره في جسده .. وتلك هي أقسى أنواع الغربة حين يفرض على الإنسان التحول إلى نسخة شكلية من كتل سوداء متحركة لا ترقى حتى إلى الهيئة الحيوانية المُعلِنة عن تفردها وخصوصيتها .. ولا يبعد عن هذا كثيرا قانون آخر يلزم الإنسان بنزع غطاءٍ ارتضاه لنفسه
    حتى وإن كان هذا هو الغطاء الأسود نفسه فهذه الفروضات التي تحاصر الإنسان حتى على مساحة جسده هي تعسف إرادة لقوي فرض على ضعيف ..

    وتستمر معركة الحياة ولطالما وجد الإنسان نفسه محاصرا في حدود ضيقة قد لا تتعدى أبعاد جسمه فهو إذن مغترب ومتغرب حتى لو كان وسط أهله وناسه .. ولهذا فهو يواصل سعيه الدؤوب لتحقيق مساحة شخصية أكثر اتساعا ينتمي إليها ويسميها وطنه أو يقيم عليها وطنا قد يلحقه أو ينزعه فيما بعد من مساحات شخصية أخرى أقامها آخرون تحمل بعض صفات التشابه ( باللغة .. بالعقيدة .. بالميول ) أو الاختلاف في معارك صراعه لفرض إرادته ..

    في هذه القصة

    كانت الكاتبة تضع لمسات من الحشد والتكثيف والتقاطع بين صراعات الإنسان الأفقية والشاقولية مع الحياة .. ولقد كانت بيئة المعركة متعددة وحقل الصراع متغيرا إلا أن المتصارعين بقوا ممسكين بجميع خواص الانكسار والشقاء والغربة .. وكانت التفاصيل تتحدث بأكثر من لغة التجسيد والتخيل بل تجاوزت ذلك إلى بناء مشهدي فانتازي سريالي أحيانا ومغرقا في صور شعرية قد تبدو في غير محلها وغير مبررة دراميا تخرج على مأساوية المشهد وذلك خلق تناقضا جانبيا جُعل محوريا أحيانا في لوحات ابتدائية بين ما يمكن أن يكون صراع حلم وصراع يقظة بعد ان انتصبت القضية الوطنية كمحور أساس حامل للقص ثم تنحّت أحيانا .. ومع أن مفاصل القصة المترامية دون انتظام تسلسلي زمنيا بشكل بدى متعمد مما نحا بالتشكيل القصي هنا بعيدا عن البناء الروائي الكلاسيكي ..

    وقد اعتمد الديلوج الوجداني والنفسي بشكل كبير ممتدا لمساحات ليست بالصغيرة على شخصيات وجدانية حقيقية عاشت في عالم البطلة الداخلي وعايشت معاركها ضد القهر والشقاء تلك الشخصيات كانت هيكل الديالوج غير المستقر وغير المنتهي في جميع مفاصل الأحداث وبقيت هذه الشخصيات تأخذ كل ملامح الشخوصية بكامل عمقها الفاعل في صلب الحدث منتمية إلى إحدى نوعين من الشخوص :
    خيّرة ( كالجدة والشبيهة أو القرينة )
    وشريرة ( كالضفادع )
    وكانت تدور جميع المشاهد حول البطلة بشكل لصيق جدا في بيئتيها الداخلية والخارجية ..
    لقد كانت خشبة العرض ضيقة جدا خلال جميع فصول القصة حيث كانت عدسة الكاتبة دائما مسلطة على البطلة بشكل لصيق جدا في عالميها الداخلي والخارجي ولم تظهر أية مساحات كبيرة للحدث فكان المكان في هذه القصة دائما ضيق جدا ولا يبتعد كثيرا في أفضل الظروف عن مساحة بحجم غرفة وفي الغالب يحيط بجسد البطلة ..
    وهذا يدل على الضيق الشديد الناتج عن الصراع المستمر الذي تعانيه البطلة من الهيمنة المفروضة عليها مما جعلها في حالة تنقل مستمر ( هروب دائم ) بحثا عن مساحات شخصية أوسع تقيم عليها وطنها الشخصي الذي لم يتسع بعد كل محاولاتها لأكثر من أبعاد جسدها الشخصي بقليل ..

    وهذا ينسجم جدا مع الأساس الدرامي الموضوعي للقصة مما فتح أمامنا الكثير من الزوايا المغلقة لفهم سلسلة التقاطعات في الأحداث والأزمنة والأمكنة والمواقع .. وشكل هذا الأسلوب المنظم عشوائيا سلما قصيا ( غير المكان والزمان ) تصاعدت عليه أحداث الرواية .. !!

    قلتها أخيرا رواية .. لأنها خرجت الآن من ثوب القصة بعد أن تم الكشف عن زواياها المعتمة ..

    ويمكن أن نقول شيئا مهما أيضا عن حالة الإيقاع الرتيب الذي شكل قاعدة شبه عامة لفصول الرواية ألا وهو هذا الثوب التسجيلي وكأنه مذكرات تكتبها البطلة والذي حرصت الكاتبة على تأكيده وبشدة في معظم مداخل الفصول .. وهذا أيضا حمل صرخة لم تكن أقل من صرخة القهر ضد الهيمنة والاضطهاد خرجت على لسان البطلة إنها صرخة إثبات ذات لتقول ( .. أنا كاتبة ..! ومهما تلونت أو تغير اسمي سأكون كاتبة كاتبة .. )
    فقد رأينا البطلة تفقد أوتتخلى عن كل شيء حتى ماضيها وانتماءها السياسي والوطني والقومي إلا أنها لم تتخلَّ عن كونها كاتبة .. وكانت هذه بذرة الأمل الوحيدة التي بقيت عندما لاحت في الأفق معالم فقدان أخرى أكبر خسارة تكسر حتى حدود الجسد وتتجاوزها ..

    في البناء العام للرواية

    مع أن الخاتمة جاءت متسرعة وأوحت بأنها مبتورة بشكل ما .. أرى أن الرواية اتخذت تشكيلا غير تقليدي نجح في حمل الحكاية إلى حد ما بحدودها الإبداعية التوظيفية مع أن إيقاع الأحداث كان يعلو ويهبط بشكل غير متوقع وغير منسجم أحيانا مع التسلسل المشهدي أو الحواري .. وقد ضيع هذا كثيرا حالة الذروة الساخنة و عقدة الحل عن بؤرتيهما ..
    ولكن العرض غير التقليدي والاقتراب الشديد من شخصية البطلة سمح بإغلاق هذه الفراغات . وجعل هذه الاعترافات أو التقارير تلبس حياة تشهد على ما كان وما سيكون ..

    كانت رواية استمتعت في قراءتها وهي تستحق متابعة الكتابة ..




  • يسري راغب
    أديب وكاتب
    • 22-07-2008
    • 6247

    #2
    الاستاذ صادق المحترم
    تحياتي وتقديري
    وكل الموده
    الاديبة وفاء عبد الرزاق تكتب قصتها من اعماق وجدانها
    ومن اعماق الوجدان تبحر في اعماق المفردات وقواميس الابجدية العربية بما يشكل صعوبة على القاريء العادي ان يفهم كل سماواتها التي ترتفع اليها في كتاباتها خاصة القصصية التي تستعين بالبعد السياسي تبعا لمعاناة انسانية تحتاج الراوي والرواية
    مروري هنا للتحية
    مرور عام
    مع كامل التقدير
    وكل سنه وانت طيب
    التعديل الأخير تم بواسطة يسري راغب; الساعة 08-09-2010, 11:19.

    تعليق

    • صادق حمزة منذر
      الأخطل الأخير
      مدير لجنة التنظيم والإدارة
      • 12-11-2009
      • 2944

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة يسري راغب مشاهدة المشاركة
      الاستاذ صادق المحترم
      تحياتي وتقديري
      وكل الموده
      الاديبة وفاء عبد الرزاق تكتب قصتها من اعماق وجدانها
      ومن اعماق الوجدان تبحر في اعماق المفردات وقواميس الابجدية العربية بما يشكل صعوبة على القاريء العادي ان يفهم كل سماواتها التي ترتفع اليها في كتاباتها خاصة القصصية التي تستعين بالبعد السياسي تبعا لمعاناة انسانية تحتاج الراوي والرواية
      مروري هنا للتحية
      مرور عام
      مع كامل التقدير
      وكل سنه وانت طيب

      أهلا بالأستاذ المفكر يسري راغب

      ويسعدني دائما هذا الحضور المفيد والذي يضيف شيئا مفيدا في كل لقاء
      وأشكرك هنا على هذه الإضاءة القريبة كاتبة الرواية
      ولكن أنا دائما أحرص على البعد عن تناول الكاتب بأي شكل وأتعامل فقط مع النص
      حيث أقدم قراءة ورؤية تضع اليد على مكامن الإبداع فيه من زوايا حادة لتشكل قراءتي
      أساسا مختلفا يقدم إشارات قد تساعد الكاتب والقارئ لفهم أوسع لمعالم النص وفق
      المبررات الإبداعية والضرورة التقنية ..

      شكرا لمرورك الجميل وكل عام وأنت بخير

      وبالتأكيد أنا سعدت بقراءة الرواية وبالإبحار فيها




      تعليق

      • صادق حمزة منذر
        الأخطل الأخير
        مدير لجنة التنظيم والإدارة
        • 12-11-2009
        • 2944

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة يسري راغب مشاهدة المشاركة
        الاستاذ صادق المحترم
        تحياتي وتقديري
        وكل الموده
        الاديبة وفاء عبد الرزاق تكتب قصتها من اعماق وجدانها
        ومن اعماق الوجدان تبحر في اعماق المفردات وقواميس الابجدية العربية بما يشكل صعوبة على القاريء العادي ان يفهم كل سماواتها التي ترتفع اليها في كتاباتها خاصة القصصية التي تستعين بالبعد السياسي تبعا لمعاناة انسانية تحتاج الراوي والرواية
        مروري هنا للتحية
        مرور عام
        مع كامل التقدير
        وكل سنه وانت طيب

        أهلا بالأستاذ المفكر يسري راغب

        ويسعدني دائما هذا الحضور المفيد والذي يضيف شيئا مفيدا في كل لقاء
        وأشكرك هنا على هذه الإضاءة القريبة كاتبة الرواية
        ولكن أنا دائما أحرص على البعد عن تناول الكاتب بأي شكل وأتعامل فقط مع النص
        حيث أقدم قراءة ورؤية تضع اليد على مكامن الإبداع فيه من زوايا حادة لتشكل قراءتي
        أساسا مختلفا يقدم إشارات قد تساعد الكاتب والقارئ لفهم أوسع لمعالم النص وفق
        المبررات الإبداعية والضرورة التقنية ..

        شكرا لمرورك الجميل وكل عام وأنت بخير

        وبالتأكيد أنا سعدت بقراءة الرواية وبالإبحار فيها




        تعليق

        • يسري راغب
          أديب وكاتب
          • 22-07-2008
          • 6247

          #5
          الاخ الغالي
          الشاعر والاديب والمفكر
          الاستاذ صادق
          تحياتي
          ومودتي وتقديري
          الموضوعية هي الاساس والحكم الوحيد في كل اعمالك اكيد
          ويبقى شخص الاديب فقط لمعرفة الحدود الزمانية والمكانية التي يدور حولها المضمون
          والاديبة / وفاء لها عمل روائي رائع يستحق قراءتك النخبوية وهي تحاكم جيل ترعرع في مراكز الاحزاب اليسارية والقومية خلال الاربعين عام الماضيه فرات فيه سببا في انهيار الوطن والامه
          ستجده بعنوان / السماء تعود الى اهلها / تحت الرابط التالي
          السماء تعود إلى أهلها وفاء عبد الرزاق رواية الطبعة الأولى ------------------ مدخل على مشارف الريح افتقدنا الخطى، اتسع غبار المسافة، تبعنا شرطيّ إلى مرايانا، يلوّح لنا مبتهجاً بعتمتنا، زحف ألم الدقائق على أجسادنا، فغدونا مثل وطن يبحث عن قلب أوعن اتجاه للنهار، وطوّق الصليب صدورنا......... الحقائب لم تزرّر قمصانها، بقيت

          وتقبل مني كل الود والمحبة والتقدير

          تعليق

          يعمل...
          X